Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الغضب إزاء العروض المخصّصة للسود يتجاهل سيادة البيض في صناعة المسرح

البعض يحاول التعتيم على المشكلات الحقيقية بتشويه العرض الذي خصّصه مسرح "ستراتفورد إيست" للجمهور الأسود.

التحركات المتواصلة في سبيل تنويع المسرح وزيادة انفتاحه لم تمحُ بعد من الذاكرة تأثير تركيز الصناعة على أصحاب البشرة البيضاء لأجيال طويلة (رويترز)

ملخص

وفقا للكاتبة يحاول البعض التعتيم على المشكلات الحقيقية في صناعة المسرح بتشويه العرض الذي خصّصه مسرح "ستراتفورد إيست" للجمهور الأسود.

ليس من السّهل على صرحٍ مسرحيٍّ أن يُحوّل أحد إنتاجاته إلى حديث الساعة، بين مقالات في أهم المنشورات ومئات الإشارات على وسائل التواصل الاجتماعي ونقاش ساخن أمام الملايين من مشاهدي برنامج "صباح الخير بريطانيا". ولعلّ هذا القدر من الدّعاية هو الحلم المثالي لكلّ العاملين في المجال الفنيّ، لكن بالنسبة إلى القيّمين على "تامبو وبونز" (Tambo & Bones) التي ستُعرض قريباً على خشبة "ستراتفورد إيست" (Stratford East)، فإنّ مستوى الاهتمام الذي حظيت به المسرحية الأسبوع الماضي كان أقرب إلى الكابوس منه إلى الحلم.

فاعتباراً من يوم الجمعة 16 يونيو (حزيران)، سيستضيف المسرح الكائن شرق لندن مسرحيةً ساخرة للكاتب الأميركي دايف هاريس. وتدور أحداث المسرحية حول فنانَين من العرق الأسود ومسيرة تحوّلهما من حبيسين لعرضٍ غنائي إلى نجمي راب، مسلّطةً الضوء على استغلال الثقافة السوداء والتعقيدات التاريخية لتقديم أداء يرضي الجمهور الأبيض ومواضيع أخرى تستكشف بشكلٍ وثيق الفروق الدقيقة بين العرق والعنصرية. وخلال فترة عرض المسرحية التي ستستمر شهراً كاملاً، سيُصار إلى تخصيص عرض واحد لأصحاب البشرة السوداء أو Black Out Night. وهذا لا يعني بأنّ أحداً سيُحرم من حضور العرض الخاص المرتقب في 5 يوليو (تموز)، بل يعني بأنّ العرض سيستهدف الجمهور الأسود في دعوةٍ "لمشاهدة العمل المسرحيّ معاً كمجتمع"، على حدّ تعبير المخرجة الفنية ناديا فول.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وصحيح أنّ هذا العرض في ماهيته خطوة إيجابية، لكنّ الأقلام السيئة النيّة تغاضت عن طبيعته هذه وجعلت منه قضية تمسّ بالمصلحة الوطنية. وبعدما حطّ أحد المقالات من قدره وشوّهه إلى حدّ اعتباره عرضاً يُقصي أصحاب البشرة البيضاء عن ارتياد المسرح، ضارباً عرض الحائط بالعروض الـ28 المفتوحة للجميع من دون استثناء، عاد شبح الحرب الثقافية اليمينية إلى الواجهة من جديد. وهذا ما أجبر المشاركين في "تامبو وبونز" على الدفاع عن أنفسهم وتبرير أفعالهم من خلال مقالات افتتاحية أو إغلاق حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي لاتّقاء الانتهاكات العنصرية. وقد يكون هذا السجال المستجدّ مرهقاً ومضنياً، لكنّه ليس مفاجئاً والهدف منه على الأرجح المماطلة وصرف الانتباه عن النقاش الواجب خوضه بشأن التمييز العنصري في المسرح.

ولا تنفرد “تامبو وبونز" بفكرة تخصيص أحد عروضها لأصحاب البشرة السوداء. ففي عام 2019، ارتأى الكاتب المسرحي الشاب جيريمي أوهاريس تطبيق الفكرة إياها على مسرحيته الملحمية والاستقطابية التي تتكوّن من ثلاثة فصول وتحمل عنوان "مسرحية الرقيق" (Slave Play) وتعالج مسائل العرق والجنس وديناميات السلطة في العلاقات بين الأعراق. وفي لندن 2022، أعاد هاريس الكرّة مع مسرحيته الجديدة "دادي"  (Daddy). ومذاك، أمست عروض أصحاب البشرة السوداء جزءاً لا يتجزأ من الأعمال المسرحية على جانبي المحيط الأطلسي. وكما أوضح مخرج "تامبو وبونز" ماثيو شيا على موقع "ستراتفورد إيست": "خلال السنوات القليلة الماضية، استحدث عدد من الكتاب المسرحيين والمخرجين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مساحات خاصة وآمنة تتيح لرواد المسرح من السود أن يعيشوا تجربة الإنتاجات التي تسبر أغوار القضايا المعقدة والدقيقة ذات الصلة بالعرق. وبما أنّ مسرحية "تامبو وبونز" هي واحدة من هذه الإنتاجات لناحية تفكيكها التعقيدات المحيطة بنظرة الجمهور الأبيض لأداء الممثلين السود، شعرتُ بأنّه من الضروري إتاحة مثل هذه المساحة."

وتُجسّد الشّعبية المتزايدة للعروض المخصّصة لأصحاب البشرة السوداء الفوائد التي يمكن أن يحصدها بعض المشاهدين من تجربة من هذا القبيل. فالتحركات المتواصلة في سبيل تنويع المسرح وزيادة انفتاحه لم تمحُ من الذاكرة بعد تأثير تركيز الصناعة على أصحاب البشرة البيضاء لأجيال طويلة. وبالنسبة إلى عملٍ فنيّ يتطرّق إلى القضايا المتعلقة مباشرةً بالعرق الأسود، أرى أنّه من المنطقي تخصيص الجمهور المستهدف من هذا العمل بمساحة محمية لتذوّقه وتقديره. فالفئات المهمّشة بحاجة إلى أجواء خاصة تسمح لها بعيش تجربة الفن مع بعضها البعض من دون الخوف من اعتداءات مصغرة محتملة أو سوء فهم جاهل. وينطبق هذا المفهوم تماماً على المسرحيات التي تتناول قضية العنف ضدّ المرأة وتُروّج لنفسها في صفوف النساء من عشاق المسرح، والمسرحيات التي تتحدث عن رهاب المتحوّلين جنسياً وتدعو الأشخاص المتحوّلين فقط لحضورها.

بيد أنّ البعض يحاولون اليوم تجريد هذه المبادرة التقدمية من قيمتها وتحويلها إلى مسألة تبسيطية من الغضب والاتهامات غير الضرورية. فإبان المناظرة التي أثارها برنامج “صباح الخير بريطانيا" حول هذا الموضوع، حرص المضيف المشارك، ريتشارد مادلي، على نقل تساؤلات أحد المشاهدين بشأن رد الفعل الذي كان ليثيره تعبير مسرحٍ ما عن رغبته باستقبال الجمهور الأبيض دوناً عن غيره من الجماهير. وبالطبع، هذا السيناريو الافتراضي يتجاهل حقيقة سيطرة البيض الفعلية على صناعة المسرح، وتقرير "مجلس الفنون في إنكلترا" لعام 2022 والقائل بأنّ 93 في المئة من الجمهور الذي يموّل المسارح هم من البيض. ولا داعي لتخيّل الشكل الذي قد يبدو عليه جمهور مسرحيّ من العرق الأبيض فحسب؛ مع أنّ هذه هي الحال بالفعل في الكثير من الأحيان.

ولكنّ ضرورة إزالة هذا التكافؤ الخاطئ ليست بالأمر الجديد. فكلّما ظهرت استراتيجية تركّز على تجارب فئة غير محورية عادةً، صدحت أصوات المعارضين لها لتندد بـ"جنون الوعي المنفتح" وتُهمّش الموضوع الأساسي وتُحوّل النقاش عن السبل التي يمكن أن تساعد أصحاب البشرة السوداء على الاندماج أو الارتياح في مساحة طالما كانوا مُبعدين عنها. وهذا النوع من الإلهاء يضرّ أكثر مما ينفع.

وحتى وقت كتابة هذا المقال، علمنا بأنّ تذاكر عرض "تامبو وبونز" المخصص لأصحاب البشرة السوداء بيعت بالكامل قبل أكثر من شهر على الموعد المحدد. وفي يونيو (حزيران)، سيستضيف مسرح "ليريك" (Lyric) في هاميرسميث عرضاً مماثلاً لمسرحية  "تلميذات المدارس"؛ أو "الفتيات الأفريقيات الشريرات" (School Girls; Or, The African Mean Girls Play) التي تقدّمها جوسلين بيو للمرة الأولى في المملكة المتحدة. يبدو أنّ العروض المخصصة لأصحاب البشرة السوداء لن تتوقف عمّا قريب، وهذه لن تكون المرة الأخيرة التي ستُثار فيها حفيظة المشككين والرافضين. وعليه، يتعيّن على الجميع في المرة التالية، حجب انتباهه عن النقاشات التي لا طائل لها وتسخير طاقته لفهم سبب الحاجة إلى مثل هذه التدخلات في المقام الأول.

© The Independent

المزيد من منوعات