Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جاكسون فرانك: بطل الغناء الشعبي المنسي... حياته المأسوية طمست نبوغه

من صدمة الطفولة إلى المرض النفسي والعوز، عاش هذا المغني حياة مأسوية، لكن موسيقاه الرائعة لا تزال حية

عاش فرانك حياة تحمل غيره من الفنانين المعذبين على إدراك النعيم الذين هم فيه

في أوائل التسعينات، كانت مجموعة من المراهقين تلهو ببندقية هوائية في أحد شوارع حي كوينز بمدينة نيويورك، عندما لاحظت رجلاً أشعث الشعر يجلس وحيداً. فصاح أحدهم: "لننَلْ من الرجل المتشرد". وبالفعل، نجح في التصويب نحو وجه الرجل، ثم فر هارباً. لم يكن الفتى يدرك أن هذا "الرجل المتشرد"، الذي أصاب للتو إحدى عينيه وأفقده نظره، هو جاكسون فرانك – أحد أهم المطربين الشعبيين.

والأخير [فرانك] قادته حياته المأسوية والمعقدة إلى هذا المقعد الخشبي. فالمطرب ومؤلف الأغاني فرانك كابد صدمات في مرحلة الطفولة والانفصال عن زوجته والمأساة والمرض العقلي والعوز. فهو عاش حياة تحمل غيره من الفنانين المعذبين على إدراك النعيم الذين هم فيه. وفي سنوات حياته الـ56، أصدر ألبوماً واحداً، ولم يحقق نجاحاً. وتوقف عن السعي إلى إصدار ألبومه الثاني.

ومع ذلك، نالت موسيقى فرانك إعجاب كثيرين وأدى أغانيه أمثال [الثنائي] سايمون وغارفونكيل، وجون ماير، ونيك دريك، ونادي بومباي للدراجات، وبرت يانش، وماريان فيثفول، ولورا مارلينج، وفرقة فليت فوكسيز. وعُزفت أغانيه في برامج تلفزيونية مثل سلسلة  "نحن" This is us، وكذلك في أفلام، منها فيلم مارثا مارسي ماي مارلين، و "الأرنب البني "The brown bunny " ، و[فيلم الخيال العلمي] "دافت بانكس إلكتروما"، وفي آخر عمل للممثل والمخرج الأمريكي روبرت ريدفورد، "العجوز والمسدس " the old man and the gun ، الذي يعرض حالياً في دور السينما. وأبرزت أكثر أغاني فرانك انتشارا وشهرةً، وهي ربما أعظمها،" الأحزان توجه الدفة" Blues Run the Game أهمية مشهد حيوي في هذا الفيلم.

"خذي قارباً يا حبيبتي إلى إنجلترا أو إلى أسبانيا"، يقول فرانك مترجّياً في إحدى أغاني ألبومه الذائع الصيت الصادر في 1965، ولحنها كان أخاذاً فيه شجن وحنين وكان مذهلاً على قدر ما كان بسيطاً.
"أينما ذهبت أو توجهت، لقيتُ الأحزان نفسها"، يُنشد في ختام أغنيته.

وبالفعل، ركب فرانك، الذي ولد ونشأ في نيويورك، قارباً إلى إنجلترا. وحين كان في الحادي والعشرين من العمر، سافر إلى لندن حيث التقى نظراءه من الموسيقيين الشعبيين (موسيقى الفولك)، بيرت يانش، والثنائي سايمون وغارفانكيل، وفرقة "فيربورت كونفينشن"، الذين تعاونوا معه، وما كان ليستطيع السفر لولا مأساة أصابته قبل عشر سنين. فحين كان في الحادية عشرة من عمره، التهمت النيران مدرسته في حريق هائل، ولقي نحو 15 من زملائه مصرعهم، وأصابت الحروق أكثر من نصف جسده. وفي نهاية الأمر حصل على 100 ألف دولار تعويضاً عن الحادث. واستخدم المبلغ هذا في تمويل رحلته إلى لندن، إلا أن هذه الصدمة لم تفارقه طوال حياته. "النار أخمدت جذوة حياتها، ولم تترك لي غير القليل ... إنني مطرب عاجز، والأمران [العجز والموت] لا فرق بينهما "، قال في أغنية "مارلين" تكريماً لذكرى حبيبة الطفولة التي كانت في عداد موتى هذا الحادث.

كانت هذه الأغنية –والألبوم كله – من إنتاج بول سايمون، وسُجل في جلسة واحدة دامت ثلاث ساعات. وكان فرانك بالغ التوتر أثناء التسجيل، فأصر على ألا يراه أحد خلال العزف. وعلّق الموسيقي البريطاني ستيوارت على ذلك قائلاً "كانت، على الأرجح، أغرب جلسة تسجيل شاركت فيها. وحين كان بول يقول حسنٌ أنا مستعد، كان فرانك يلتزم الصمت المطبق دقيقتين إلى ثلاث دقائق لتهيئة نفسه للغناء، ثم يصدر صوته العذب هذا".

وبرغم جمال الأغنية الشجية هذه، ودعم استوديو بارز لها، تسجيلات كولومبيا، تعثر ألبوم فرانك الأول، وكان يحمل اسمه. فعاد فرانك إلى أميركا في أواخر الستينيات، والتقى إلين سيدغويك وتزوجها. ورزق الزوجان طفلين، ولكن الابن الرضيع توفّى إثر إصابته بتليّف كيسي، فانهار زواجهما وانفرط عقده. "وفي عام 1973 تقريباً بعد انفصال الزوجين"، استعاد فرانك ما حدث قائلاً: "لم تسمح لي زوجتي برؤية طفلي الذي بقي على قيد الحياة. وعانيت انهياراً عصبياً". وأُدخل فرانك المستشفى برغم رفضه، وعولج من مرض الفصام العُظامي.

ولطالما طعن فرانك في صحة هذا التشخيص، ولكن معاناته من مشكلات صحية عقلية تواصلت في العقود التالية. وبعد رجوعه إلى منزل أسرته، اختفى ذات يوم فجأة، فحسِبت والدته أنه توفّى. ولكنه في الواقع عاد إلى نيويورك للبحث عن بول سايمون. فهو كان يعتقد أن الأخير مدين له بعائدات. ولكنه لم يعثر عليه، وانتهى به الأمر في بيوت إيواء المتشردين والمصحات النفسية.

وبعد سنوات من حادث إطلاق النار على فرانك، اقتفى أثره جيم آبوت، وهو أحد معجبيه. وروى آبوت: "لم أرَ صورةً له سوى تلك التي كانت على غلاف الألبوم، وكان يبدو نحيفاً وفتياً، ولكن عندما ذهبت لرؤيته، كان رجلاً ضخم البنية يعرج في الشارع. فقلت في قرارة نفسي "لا يُعقل أنه هو الذي أبحث عنه. فتوقفت وناديته جاكسون؟ وكان هو. لم يكن يملك شيئاً. كان أمراً محزناً جداً".

وذهب الرجلان لتناول طعام الغداء، ثم رافقه آبوت إلى غرفته حيث يقيم. "كاد الأمر يبكيني لأنني أرى رجلاً في الخمسين من عمره، وكل ما يملكه هو اسمه، وحقيبة قديمة بالية، ونظارة مكسورة. أعتقد أن المساعد الاجتماعي الذي يعتني به جلب له غيتاراً لا يتعدى سعره 10 دولارات، ولكنه (الغيتار) غير متناسق النغم. وحاول أن يغني على مسمعي " Blues Run the Game "، إلا أن صوته كان أجشَّ ومتحشرجاً".

وخاتمة قصة فرانك غير سعيدة. فالأحزان لم تبارحه يوماً. وبعد بضع سنوات من لقائه آبوت، توفّى من جراء إصابته بالتهاب رئوي وسكتة قلبية، ولكن موسيقاه، التي لم تُقدر حق قدرها في حياته، لم تزل حية.

وبعد سنوات طويلة، وضع المعجب نفسه [آبوت] كتاباً سمّاه "جاكسون فرانك: نور النبوغ الساطع". وقال فيه عن فرانك: "جسده الذي يحمل ندبات كثيرة كان يحمل روحاً جميلاً. ووجدتُ أنه أكثر الناس الذين عرفتهم في حياتي طيبةً. وكانت موسيقاه جميلة مثل روحه".

© The Independent

المزيد من فنون