Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ضريح الثعالبي في الجزائر مزار الملوك وملاذ العوام

زارته الملكة فكتوريا مع زوجها الأمير ألبرت ويلجأ إليه الناس لجلب البركات وإبعاد الشرور

زواية عبد الرحمن الثعالبي المعروف بـ"حارس الجزائر" (الإذاعة الجزائرية)

ملخص

 أولت الجزائر بعد استقلالها اهتماماً كبيراً بالمعالم التاريخية التي تكتسي طابعا دينياً وثقافياً ومنها زاوية الثعالبي التي ارتقت إلى مستوى مؤسسة علمية.

لا تزال الأضرحة في الجزائر تحتل مكانة مهمة في المجتمع، إذ لا تكاد تخلو منطقة من ضريح أو زاوية بما فيها المدن الكبرى، إذ تؤدي دوراً اجتماعياً ودينياً وتتجه إلى أن تخدم قطاع السياحة بامتياز، لكن الذي يجلب الاهتمام إلى تلك الأماكن اتخاذها مساحة لفض النزاعات وممارسة طقوس تهدف إلى إبعاد الشرور وجلب البركات، وضريح عبدالرحمن الثعالبي في الجزائر العاصمة واحد من أشهرها.

رمز في المخيلة الشعبية

وتعد زاوية سيدي عبدالرحمن الثعالبي التي تأسست عام 1612 من أشهر المعالم في العاصمة الجزائرية، وتحظى بعناية فائقة من قبل أهلها الذين يعتقدون أن هذا الولي الصالح أب روحي يحمي مدينتهم الساحلية، مما جعل العاصمة تلقب بـ "المحروسة" ومدينة سيدي عبدالرحمن.

وبات ضريح الثعالبي رمز العاصمة وبركتها في المخيلة الشعبية، وأصبحت الزاوية مزاراً للوافدين من داخل البلاد وخارجها، غير أن الإقبال "العاصمي" منقطع النظير لا يتوقف لحظة، لا سيما من النساء على اختلاف أعمارهن ومستوياتهن، وللرجال حظ أيضاً لكن بتوجس، فهو يحظى بتبجيل خاص من أجل فض النزاعات الزوجية والعائلية، وكذا ممارسة طقوس تهدف إلى إبعاد الشرور سواء ما تعلق بالطلاق أو الحسد أو المرض أو الفقر، إضافة إلى جلب البركات مثل الرزق أو الصحة أو الحظ في الزواج والمال أو بحثاً عن ترقيات في المناصب، وأحياناً يتعلق الأمر بسجين أو مظلوم أو عاقر أو عانس أو مسافر أو مصير أو حتى مستقبل البلاد.

تقرب شعبي واهتمام حكومي

ولا يتقرب هؤلاء القاصدون من دون مقدمات، فأغلب من يقصد المكان يكون محملاً بمختلف أنواع الأطعمة وأولها طبق الكسكسي باللحم والفطائر والحلويات والفواكه وهي كلها للصدقات، وهناك من يقدم المال وهي عادات دأب عليها الوافدون منذ زمن بعيد وفق مختلف روايات سكان المنطقة، ويكون الجمعة أكثر الأيام إقبالاً بسبب كونه عطلة نهاية الأسبوع.

وأولت الجزائر بعد استقلالها عام 1962 اهتماماً كبيراً بالمعالم التاريخية التي تكتسي طابعاً دينياً وثقافياً وحضارياً، بخاصة معلم عبدالرحمن الثعالبي الذي تمت ترقيته إلى مستوى مؤسسة علمية وثقافية وروحية مع إعادة بعث مكتبته، وكذا تشجيع الباحثين على تحقيق تراث الشيخ الثعالبي وإخراجه من حال المخطوط إلى المطبوع، وضمان نشره بين أبناء الجيل حتى يتشبعوا بالثقافة الدينية التي ساد بها أجدادهم.

تبجيل الأنساب الشريفة

يقول أستاذ علم الاجتماع مهدي بلحميتي إن تعامل الجزائريين مع هذه الأماكن ينبع من تبجيلهم للأنساب الشريفة التي تنتهي إلى بيت النبوة أو إلى أحد الصحابة الكبار، مضيفاً أن هذا التبجيل لعب دوراً في ابتكار مفاهيم جديدة لم تعرفها الأنساق والبنى الاجتماعية إلا بمقدم هذه الأسر إلى شمال أفريقيا، ومن ثم خلق ترتيبات اجتماعية أنتجت نخباً دينية تقليدية مقارنة بالأنماط الحديثة، مشيراً إلى أن "فضاء المقدس المتمثل في الضريح أو الزاوية هو مجال خصب للدراسة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وولد عبدالرحمن الثعالبي منتصف القرن الـ 14 قرب الجزائر العاصمة، ودرس بمدينة بجاية شرق البلاد ثم انتقل إلى عدد من البلدان الإسلامية لطلب العلم واستقر في تركيا لأعوام، ثم عاد بعد ذلك إلى تونس ومنها إلى مدينة الجزائر حيث استقر ودرس بها وتخرج كثير من العلماء على يده، كما ألف كتباً عدة ليعين بعد ذلك حاكماً عاماً على مدينة الجزائر في إمارة الثعالبة نظراً إلى مكانته العلمية الكبيرة.

توفي الثعالبي عام 1471 ودفن في حجرة داخل زاويته بقصبة الجزائر، حيث بني ضريح خاص به مباشرة لحماية قبره من أي ضرر مترتب عن توافد الزوار والمتبركين والمتوسلين.

زوار من نوع ملكي

وكان زوار مدينة الجزائر من مختلف المستويات لا يتأخرون عن التوجه إلى زاوية عبدالرحمن الثعالبي، وأهمهم الملكة فيكتوريا مع زوجها الأمير ألبرت، إذ أهدت الملكة البريطانية ثريا لتزيين قاعات الزاوية، كما زارت الملكة إميلي من البرتغال هذا المعلم الديني والتاريخي، إضافة إلى أوسكار الأول ملك السويد، وكذا إدوارد السابع ملك المملكة المتحدة، ثم الملكة ألكسندرا من الدنمارك والرئيس الفرنسي ألكسندر ميلران خلال عام 1922.

ولا يغيب الجانب التاريخي عن هذا المعلم، إذ كان مرقداً لكثير من حكام الجزائر إبان العهد العثماني على غرار الداي مصطفى باشا، وقائد المقاومة الشعبية بالشرق الجزائري أحمد باي، إضافة إلى شخصيات ثقافية شهيرة مثل قدور بن مراد التركي الرودوسي، مؤسس أول دار نشر وأول مطبعة جزائرية "المطبعة الثعالبية".

المسؤولة بمكتب الدراسات المشرف على عملية ترميم الزاوية نعيمة مسعودي، تقول إن "الفضاء الذي يحتضن هذا الضريح يغوص في روحانية كبيرة مشبعة بالجماليات، فالتابوت الخشبي الذي يعلو قبر الثعالبي يتميز بعناصره الهندسية الإسلامية وألوانه الكثيرة وقطعة القماش الحريرية الخضراء التي تغطيه والمكتوب عليها آيات قرآنية، وبجانبه محراب صغير مزين بمزلاج أصلي وسقف متعدد الزخارف والألوان، وتتوزع في المكان أيضاً عدد من الأعمدة الرخامية.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات