Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"هو وهي"... حكاية أزلية يجترها "الترند" سخفا وفجاجة

نيران مشتعلة على الـ "سوشيال ميديا" في مصر بين المذيعة "نصيرة المرأة" والأخرى "أيقونة الرجال"

الظاهر حتى اللحظة، أو ما نعرفه إلى الآن، هو أن السجال مستمر لحين إشعار آخر (أ ف ب)

ملخص

المذيعتان ياسمين عز ورضوى الشربيني ليستا ظاهرتين بل ظاهرة واحدة للمذيعة صانعة "الترند" مولدة المشاهدة مفجرة القيل والقال منشئة الصخب واللغط محدثة الجدال والسجال في زمن "السوشيال ميديا"

في "قاموس المعاني" كلمة "فخ" تعني "مصيدة"، والمصيدة أداة ذات لولب تصاد بها الطيور والقوارض والحيوانات الثدية الصغيرة. وتعتمد فكرة "المصيدة" على تفوق الصياد فكرياً أو ثقافياً أو معرفياً على الكائنات التي يراد صيدها، هذا التفوق يبدو واضحاً من خلال عوامل عدة أبرزها طريقة صنع المصيدة بحيث لا يفهم المصطاد تقنيتها أو طريقة عملها، وعناصر الجذب أو الحوافز التي يتم تزويد المصيدة بها وهي تعكس حنكة الصياد ومعرفته الوثيقة بنقاط ضعف المصطاد، ناهيك بيقين بأن الصيد الثمين يعاود الوقوع في المصيدة في كل مرة.

في كل مرة تتفوه فيها هذه المذيعة أو تلك بأية كلمات وعبارات تتخذ منحى مؤيداً لهؤلاء ضد أولئك، أو داعماً لأولئك في مقابل هؤلاء، يتفجر عداد المشاهدة منافساً "أوبرا" (وينفري) تارة وعاصفاً بأسطورة باربارة وولترز تارة أخرى. يقول بعضهم إن المذيعتين المصريتين ياسمين عز ورضوى الشربيني لم تضرباً شهرة أوبرا وباربارة في مقتل فقط، بل إن شهرتهما ضربت المنطق نفسه في مقتل شديد.

بل ظاهرة واحدة

المذيعتان عز والشربيني ليستا ظاهرتين، بل ظاهرة واحدة. إنها ظاهرة المذيعة صانعة الترند مولدة المشاهدة مفجرة القيل والقال منشئة الصخب واللغط محدثة الجدال والسجال في زمن "السوشيال ميديا". وهل هناك من القضايا والمواضيع القابلة للإخضاع للنزاع والخلاف والاختلاف، شرط عدم الوقوع تحت المساءلة القانونية أو المحاسبة السياسية أو المحاكمة الدينية، غير معركة الرجال أفضل أم النساء؟ ومن سيد من؟ ومن يهمين على من؟ ومن يقود من؟ ومن يأتمر لمن؟

سخافة المعركة، وفي أقوال أخرى روعتها وفي ثالثة إثارتها وفي رابعة عقمها وفي خامسة تفاهتها، تضمن استحواذها على عيون وآذان وقلوب وعقول الملايين. إنها سنة المشاهدة والمتابعة في هذا الجزء من العالم. كانت هكذا، وعلى ما يبدو ستظل على ما هي عليه إلى أن يأذن الله أمراً أو علماً أو عملاً أو انشغالاً أو فهماً أو فعلاً كان مفعولاً. وإلى أن يحدث ذلك، تظل المذيعتان وكلامهما ومحتوى برنامجيهما كلام الناس.

اسم على مسمى

"كلام الناس" اسم على مسمى. إنه اسم برنامج المذيعة ياسمين عز التي تقدم برنامجاً مصنفاً "ترفيهياً" لكنه تحول ظاهرة احتار خبراء الإعلام في تفسيرها وفشل علماء الاجتماع والنفس والأنثروبولوجيا في تحليلها. "كلام الناس" أصبح معروفاً باعتباره البرنامج الذي يحتوي على "نصائح" تقدمها عز للزوجة عن كيفية تعاملها مع زوجها، لا باعتباره شريكاً أو حبيباً، ولكن على اعتبار أنه السيد الهمام والقائد المسيطر والفرعون الآمر.

نوعية النصائح ومحتواها والمفردات المستخدمة لا تنم إلا عن حقيقة واحدة. ملايين العناوين الصحافية يتم استخراجها من النصائح الواردة في هذا البرنامج. ومن كل عنوان، يتم استخراج عشرات التغريدات، هذا ناهيك بتلال من التدوينات والصور والتعليقات التي تعرف طريقها إلى منصات التواصل الاجتماعي الأخرى من "إنستغرام" و"فيسبوك" وغيرهما.

"لا يجوز أن تتحدثي مع فرعونك (زوجك) هاتفياً وأنت حافية القدمين"، "الرجل قطعة نادرة مثل الآثار حافظي عليه"، "لو كنت تتحدثين مع زوجك لا يصح أن تتركيه لتقضي حاجتك في الحمام"، "عليك باستئذان زوجك قبل أن تذهبي إلى الحمام"، "من حق حماتك أن يكون معها مفتاح بيتك"، "عروس الإسماعيلية سيدة أصيلة لأنها تكتمت قيام عريسها بضربها ضرباً مبرحاً بل ودافعت عنه"، "الأولى بالدعوة على الطعام في بيتك حماتك وأهل زوجك وليس أمك وأهلك لأن زوجك يتعب لتوفير هذه الأموال"، "لو زوجك يجلس إلى جانبك لا تتنفسي بينما يتنفس" وقائمة العناوين المأخوذة من المحتوى طويلة.

تخطيط مسبق

طول العناوين وسرعة تواترها إضافة إلى المحتوى المركز الملغم بهذه النوعية المعروفة مسبقاً بأنها مثيرة للجدل ينعكس خيراً وفيراً ورزقاً واسعاً في نسب المشاهدة والإعلان، وما يتبع ذلك من فوائد ومكاسب، لكن المؤكد أن قدرة هذه النوعية من النصائح على إثارة الجدل ليست وحدها المعروفة مسبقاً.

أبجديات صناعة المادة الإعلامية تحتوي على كلمات مثل "تخطيط" و"تفكير" و"تدبير" وغيرها من الكلمات التي تحمل معان توحي بالتفكير المستقبلي. ومخطط أي برنامج تلفزيوني في مراحل ما قبل خروجه إلى النور يحتوي على خطوات مثل تحديد الرسالة الإعلامية، تحديد الجمهور المستهدف، تحديد المغزى، تحديد الهدف، تحديد المخرجات المتوقعة من البرنامج وغيرها.

تكرار كلمة "تحديد"

تكرار كلمة "تحديد" يعني أن العمل الإعلامي محدد الفكرة والغاية والجمهور والرؤية مسبقاً. وجرى العرف الإعلامي ألا "يشطح" برنامج أو "يجنح" مذيع أو "تزوغ" فكرة إلا في ما ندر. كواليس البرامج التلفزيونية في جميع مراحلها حافلة بعناصر التحفيز والتشجيع من أجل حبكة تلفزيونية أفضل. سماها بعضهم "عوامل تسخين" ويطلق عليها بعضهم الآخر "فلزات توليع".

وهل هناك عنصر أو عامل أو فلز توليع أفضل من الصراع الأبدي بين المرأة والرجل، أو بالأحرى الإبقاء على العلاقة بينهما في صورة صراع أبدي يستفيد كثيرون جراءه؟

ومنذ جرت مياه "الرجال من المريخ والنساء من الزهرة" لمؤلفه الأميركي جون غراي والنبع لا يتوقف، وهو النبع الذي خلدته مقدسات وأدبيات وسرديات آدم وحواء والتفاحة محل الخلاف وأمعن الأحفاد في الغوص فيه والتأكد من إعطائه قبلة الحياة كلما أظهر خفوتاً أو أوشك على الخمود.

الزهرة والمريخ

الكتاب الذي خرج إلى النور عام 1992 لم يكن أول مؤلف أو دراسة أو ورقة أو خواطر تتطرق إلى الاختلافات أو الخلافات بين النساء والرجال، لكنه كان أول كتاب يحظى بمتابعة شعبية وإعلامية في شتى أرجاء الأرض لأسباب عدة تتراوح بين الترجمة والتسويق والإعلان، إضافة بالطبع إلى جاذبية فكرة الخلاف المزمن بين الجنسين.

ويعتبره مؤرخون معاصرون الشرارة التي انطلقت منها ملايين التخصصات في التنمية البشرية ودراسات العلاقات الزوجية والعاطفية وبرامج خناقات النساء والرجال ما جد منه وما هزل. ويشار إلى أنه لو كان الكتاب قد كتب في الألفية الجديدة لتطرق إلى الخلاف بين الجنسين وما أضيف إليهما من أنواع أخرى تحظى برواج ودعم حاليين.

الوضع الحالي هو أن "كلام الناس" يدق على وتر حريف، ألا وهو العلاقة بين الرجل والمرأة في العالم العربي، وهي العلاقة التي تبقى مثار شد وجذب، وأحياناً "هبد ورزع"، وربما كذلك خلاف ديني وسجال سياسي وتضييق خناق اقتصادي. النطاق الجدلي للعلاقة بين الجنسين يظل مشتعلاً في كل أنحاء الأرض، ولكنه يتخذ مناح تتعلق بالمساواة في الأجور أو المجاهرة بالتعرض للاغتصاب أو الاعتداء أو الحق في التمكين التعليمي والمعرفي والرقيم وغيرها.

خصوصية عربية

خصوصية المنطقة العربية وسماتها المميزة في تناول المسائل المتعلقة بالرجل والمرأة تبدو لبعضهم وكأنها معضلة تعرقل مسيرة المرأة وتقف حائلاً دون نيلها حقوقها والقيام بواجباتها، لكنها في نظر بعضهم الآخر منجم ذهب يولد كثيراً من القيل والقال، وكلاهما رأسمال يضمن ربحاً وفيراً وخيراً كثيراً.

تبقى المذيعة "الناجحة" بمقاييس الشهرة والانتشار والأكثر تعليقاً والأعلى مشاهدة والأكثر تشاركاً ياسمين عز على رأس "الترند" كلما أدلت بنصيحة ذات درجة حرارة مرتفعة. تفرح غالبية الرجال ويغضب بعض النساء، وتحوقل وتحسبن، أو تعترض أو تنتفض قلة قليلة من هؤلاء وأولئك ممن يعتبرون المحتوى من أصله مضيعة للوقت أو مفسدة للعلاقات أو مخربة للوعي.

رئيسة المجلس القومي للمرأة مايا مرسي تقدمت بشكوى رسمية إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ضد برنامج عز في يناير (كانون الثاني) الماضي معبرة فيها عن رفض المجلس للمحتوى الذي تقدمه عز والذي وصفته بـ "المسيء". وجاء في نص الشكوى رفض مجلس القطاع لأي محتوى من شأنه تحقير وإهانة المرأة المصرية، مشيرة إلى أن ما يرد في البرنامج عن المرأة "مهين ورجعي ويتضمن خطاباً تحريضياً لممارسة العنف ضد المرأة وتطبيع إهانة وضرب الأزواج للزوجات، وأنه على النساء تقبل العنف والإهانة".

الشكوى تحدثت عن أن البرنامج يحتوي كذلك على ما اعتبره المجلس سخرية وتنمراً على حال الأسرة المصرية، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تدمير البنية الاجتماعية وخلق نزاعات داخل الأسرة من دون اعتبار لأحكام الدستور المصري الذي تضمن أكثر من 20 مادة تنظم مواضيع المواطنة والمساواة وتجريم العنف والتمييز واحترام المرأة وصون كرامتها.

الغريب أن كرامة المرأة المصرية تجد بدلاً من المدافع 10 حين يتعلق الأمر بفستان ترتديه ممثلة يغضب محافظين، أو تصريح تدلو به فنانة يثير غضب أصوليين، أو دعوة تتبناها كاتبة أو مؤلفة لفتح المجال العام أمام مناقشة حال المرأة المصرية في العمل والمحكمة والبيت والمدرسة والجامعة، لكن في حال فتاوى تصدر حول نوع الضرب الذي تتلقاه في حال "نشزت" أو المساحة المسموح لها التعبير فيها عن رفضها العلاقة الحميمة مع زوجها أو الشعور بالمهانة لسوء المعاملة، أو المطالبة بالمساواة في فرص العمل ومجالاته المغلقة أمامها، فتكاد تكون والعدم سواء في ما يتعلق بردود الفعل الشعبية الغاضبة.

منهل خير ورزق

وعموماً تبقى ردود الفعل الشعبية الغاضبة منهل خير ومصدر رزق بلغة العصر الحديث، فكلما كان الفعل صادماً ونجم عنه رد فعل زاعق كلما صار مثار اهتمام "السوشيال ميديا" وتناوله الملايين سواء دعماً وتأييداً أو شجباً وتنديداً، وكلاهما محمود بلغة الأرباح سواء المعنوية أو المادية أو الإعلامية.

إعلامياً تدور المواضيع الجدلية في دوائر مفرغة مليئة بالزخم مفعمة بالأمل في الإبقاء على الجدال والسجال والعراك حية ترزق.

الرزق يسمونه "أكل العيش" وفي الأمثال الشعبية قالوا إن "أكل العيش يحب الخفية". والمقصود بـ "الخفية" هو السعي والحركة وإعمال العقل والتفكير وربما التفكير خارج الصندوق.

صندوق الأفكار لا ينضب، لا سيما حين يتعلق الأمر بنصائح توجه للرجال للتعامل مع النساء أو العكس، وفي هذا الملف تحديداً فإن الشيء وعكسه دائماً متوافران. نصح الزوجة بعدم دخول الحمام أو التنفس إن كان زوجها يجلس إلى جوارها، تجد في مقابلها نصيحة بأن تدخل الحمام وتغلق الباب في وجهه بعنف ولا تكتفي بالتنفس فقط، بل تسعل وتعطس وتفعل ما يحلو لها.

هذا ما تصل إليه الأمور حين تتداخل الخيوط الرفيعة بين الجد والهزل، والنصيحة والنكتة.

المذيعة "الناجحة" رضوى الشربيني تقدم برنامجاً ذا عنوان دال "هي وبس"، وجذبت الأنظار والاهتمام وحققت الإثارة الشعبية وأنجزت قدراً وافراً من الشد والجذب على مدى أعوام طويلة في الملف المزمن نفسه (المرأة والرجل).

الشربيني "هي وبس"

لكن الشربيني تقف قبل ظهور عز على الضفة المقابلة حيث "هي وبس". عناوينها هي الأخرى تفرض نفسها ترنداً وتدويناً وتغريداً وردود فعل غاضبة وعاصفة ومستمتعة. "كوني متمردة على الرجل وهتجيبي رقبته عندك" (تمردي على الرجل وستتمكنين من رقبته)، "ووراء كل امرأة عظيمة نفسها"، و"يوم تتذكر كم كانت زوجتك امرأة صالحة، ستكون هي في اليوم نفسه قد نسيتك تماماً"، و"فوائد السيدة غير المرتبطة كثيرة: مافيش (لا يوجد) نكد، صاحبة قرارك، مافيش مقارنات، مافيش ضغط نفسي، أكثر وقت تحبي فيه نفسك وأهلك وأصحابك، أكثر وقت تقدري تعملي (تكسبي) فيه فلوس (أموال)" و"المرأة ليست ملزمة بأن تبيت في بيت زوجها" وغيرها كثير.

وعلى ما يبدو فإن عيون الخبراء وحدس العالمين العارفين ببواطن الأمور وجدت في البرنامجين بفكرتيهما اللتين تبدوان متناقضتين خير ما يعلي من شأن الترند ويعظم الفوائد والمكاسب.

وقبل نحو شهر تأجج الأثير لفرط التغريد والتدوين والتشارك و"شاهد خناقة عز" و"تابع معركة الشربيني". اكتشف المتابعون والمتابعات الجادون في متابعتهم ممن يتخذ من محتوى البرنامجين منهلاً للعلم ومصدراً للمعرفة والنصيحة أو المعتبرين إياهما فقرة هزلية أو برنامجاً ساخراً على حد سواء، أن المذيعتين "نصيرة الرجل" و"نصيرة المرأة" قد اشتبكتا في ما أطلق عليه بعضهم تسميات وعبارات يشبه أغلبها مسمى "قتال القطط"، والمقصود به المعارك التي تنشب بين الإناث وفيها شد شعر ولكمات نسائية وخدش بالأظافر وعض وتقطيع ثياب. ويشار إلى أن المسمى يثير حفيظة بعضهم باعتباره مهيناً للنساء.

إطلاق إشارة البدء الدامي

المعركة بدأت بكلمات نسبت إلى رضوى على "السوشيال ميديا" تقول فيها إن البيت يبنى ويؤسس بأموال الرجل، فلا يصح أن تطلب منه الزوجة أن يخلع حذاءه قبل أن يمشي على سجادة غالية الثمن، وإنها لو في هذا الموقف ستضع فساتينها باهظة الثمن ليخطو عليها الزوج. التعليق الذي اشترك فيه كثيرون جاء في صورة تساؤل إن كانت ياسمين عز قد سطت على صفحات رضوى الشربيني. وبعد ساعات، نفت الشربيني موضوع السجادة تماماً وقالت "لماذا أقول مثل هذا الكلام؟ أنا امرأة لديها كرامة، وكلام العبيد لا يمت لي بصلة"، وهي الكلمات التي كانت بمثابة إطلاق إشارة البدء الدامي.

دموية البداية لم تخف وطأتها بدخول العراك مراحله المتقدمة، فقد تقدمت عز عبر صفحاتها العنكبوتية وأسهبت في الرد على رغم أن الشربيني لم تذكرها اسماً من قريب أو بعيد. "كرامة إيه يا أم كرامة بلاستيك أطرافها مطاط تمط وتنكمش بحسب المصلحة والظروف المحيطة؟ مدام بليز كرامتك وقعت منك آخر مرة هناك. ابعتي عبد يمن عندك يجيبها قبل ما تسيح في الشمس، واحكي لنا بالمرة قواعد بيات المرأة الأربعين بره بيت الزوج من غير إذنه. سلينا كدة في الإجازة لأنك بقيتي مملة وشطبتي محتوى. حتى تلقيحك ممل، زيرو محتوى، زيرو أنوثة، لكن للأمانة استرجال ليفل الوحش".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

صعوبة الترجمة

ونظراً إلى صعوبة الترجمة من المصرية العامية إلى العربية الفصحى من دون نبرة صوت واستحضار الموقف، فإن المقصود هو فتح جبهة العراك على مصراعيها، وهو ما تحقق خيراً وفيراً عبر ملايين المشاهدات والمتابعات والمشاركات.

واستمرت عز في توجيه الضربات بصخب بالغ، والشربيني في تلقيها بهدوء زاعق وكلتاهما ترد وتهاجم وتوجه الضربات الكلامية انطلاقاً من الحرب المزمنة والمعركة الأبدية بين المرأة والرجل.

وتبعت عز إحدى هجماتها بتغريدة يقول نصها "بحب قوي الدعسوقة التي لا تتصرف كعبدة أو مملوكة، في الأقل كان لهن سعر، بل تتصرف برخص كخرابة بيوت أو ببلاش (بدون مقابل) كخطافة أزواج في السر". ويستمر القتال.

وكما هو متوقع تماماً تستمر المعركة الكلامية القائمة على خلفية "المرأة والرجل" وفوقية من على حساب دونية من، ولكن من خلال المذيعتين اللتين يحقق برنامجاهما نسب المشاهدات والمتابعات الأعلى، وتلقى التغريدات والتدوينات المتداولة المشتقة من المحتوى "الإعلامي" مضاف إليه التصريحات المدافعة والمهاجمة القدر الأوفر من الرواج وتصدر الترند.

الطريف والغريب والمريب في الوقت نفسه هو أن فئات أخرى من البشرية تجد في المعركة الدائرة موطئ قدم أو نصف قدم، وكذلك فرصة لمنفعة أو مصلحة أو حتى مكرمة، فقد صارت المعركة نفسها فقرة في برامج أخرى، وموضوعاً للنقاش المشتق من النقاش الأصلي وقضية للطرح منشطرة من القضية الأصلية، قضية آدم وحواء التي تحولت إلى "عز والشربيني".

ألوان وعادات

لكن يلاحظ أيضاً أن جانباً من المعركة تلون بألوان الثقافة والعادات والتقاليد، فرأت فئة من الجمهور المستهدف في القضايا المطروحة بالبرنامجين ما يستدعي النقاش والبحث والعمل، فهناك من دغدغ الحديث عن وجوب انحناء الزوجة لزوجها احتراماً وتبجيلاً واعترافاً بفوقيته وأولويته فرصة لاستدعاء الماضي بعاداته "الجميلة" وتقاليده "الأصيلة"، وهناك من رأى في الإشارات المتكررة عن وجوب استقلالية المرأة ووضعها نفسها في مكانة الأولوية واعتبار الزوج والزواج والمنظومة برمتها "عملية خاسرة" فرصة لإحياء سرديات نسوية بعضها شديدة الجمود وبعضها الآخر يحمل راية الوسطية.

الغريب أن فئة من الجمهور غير المستهدف وجدت نفسها، أو بالأحرى وجدها الناس، مكوناً من مكونات السجال الدائرة رحاه، فبين الأصوليين أو المحافظين أو المتشددين دينياً، والذين لا يشكلون أولوية ضمن الجمهور المستهدف لكلا البرنامجين، من أخذ على عاتقه المشاركة في "الحرب" آملاً في تحقيق مآرب دينية أو مكاسب عقائدية. وبينهم من يتابع البرنامجين فيلتقط أية همسة أو رمشة أو لفتة ليصرح أو يدون أو يغرد أو يؤكد عبر ما تيسر من منصات إنها "ضد الدين" أو "تعارض الشرع" أو "تناقض الحلال" أو تعمل على هدم الأسرة أو دحر المرأة أو إهانة الرجل أو تشريد الأطفال أو تدمير الجمهور أو ما شابه.

الطريف أن الشربيني حين أثارت جدلاً من نوع آخر في حلقة سابقة من برنامجها وقت أن وجهت رسالة لكل سيدة تفكر في خلع الحجاب: "أوعي تقلعي الحجاب. أنت أحسن مني ومن غير المحجبات مئة ألف مرة. غير المحجبة شيطان نفسها أقوى من إيمانها وقوتها"، معلنة أن "المحجبة أحسن عند ربنا"، لم تنتفض هذه الفئة من الجمهور غير المستهدف بحجة مثلاً أن كلامها يدعو إلى العنف ضد غير المحجبة أو يتنمر بها أو يدعو إلى كراهيتها أو يفرق بين المواطنين والمواطنات على أساس المظهر.

ما نعرفه حتى الآن

الظاهر حتى اللحظة، أو ما نعرفه حتى الآن، هو أن السجال مستمر لحين إشعار آخر، وأن المثار من الجدل حول السجال مستمر أيضاً لحين ظهور سجال آخر يستدعي جدلاً آخر. وفي منظومة الاستمرارية فئة مستفيدة تفتئت على هذه وتلك. عشرات وربما مئات من المؤثرين والمؤثرات والمستخدمين والمستخدمات لمنصات التواصل الاجتماعي تجد في الحرب الدائرة فرصة ذهبية للنقل والتقليد، لا سيما على "تيك توك" و"إنستغرام".

فئة قلما يفكر فيها الإعلام التقليدي أو الخبراء ممن يحللون الإعلام التقليدي أو حتى الجمهور المستهدف من الإعلام التقليدي تعيش أزهي عصور الفرص الذهبية كلما احتم جدال من هذا النوع وتفجرت معركة بهذه السخونة، ومقاطع لا حصر لها، أغلبها لشباب وشابات يجدون في تقليد المشاهير، لا سيما في أوقات الأزمات والخلافات واللعب على أوتار المعارك ذائعة الصيت، والتلاعب بالكلمات والتراشق بالمفردات، وذلك على سبيل تحقيق قدر من الانتشار والمشاهدة ودفع المتابع لدق زر "أعجبني" وحبذا لو "المتابعة".

ويمكن القول إن قرار ياسمين عز أو الفريق الداعم والمساند استخدام لفظ "دعسوقة"، في إحدى تغريداتها والتي على الأرجح تشير فيها إلى "غريمتها" في معركة الرجال في مقابل النساء رضوى الشربيني، فتح شهية جموع المؤثرين والمستخدمين بشكل أوفر، إذ توافرت عناصر الوجبة كاملة: معركة، نساء ورجال، معركة قطط، ودعسوقة".

اللافت أن محرك البحث "غوغل" شهد حركة بحث مستعرة لمعرفة معنى "دعسوقة" ليجدوا أنها "الخنفساء الصغيرة الملونة أو "الخنفسة" باللهجة المصرية العامية.

ومن حسن الحظ أن لجوء أحدهم إلى الجملة المأخوذة من إحدى القصص التراثية الشهيرة التي تحكي للأطفال لم يصل بعد إلى هذه أو تلك، وإلا أضيف مزيد من اللظى للنيران المشتعلة. "يا خنفسة يا ست النسا، تتجوزيني وأجيبلك (أحضر لك) كسا (كساء)؟ وفي أقوال أخرى "وأجيبلك مهرك ترمسة" كفيلة بأن تنقل المعركة إلى مرحلة أكثر عنفاً وأوفر كسباً وأوسع انتشاراً، كل ذلك بفعل المعركة الأزلية بين المرأة والرجل.

تبقى هذه المعركة - المصيدة الأوفر قدرة على جذب الاهتمام وإثارة المشكلات وإعادة تدوير القيل والقال. أما الحقيقة المشار إليها سابقاً فتراوح نفسها بين أن تكون مصيدة مفتعلة بغرض الكسب والانتشار أو حقيقية بدافع المعرفة والاهتمام.

المزيد من تحقيقات ومطولات