Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لعنة العسكر ولعبة السياسيين: أي خلاص لباكستان والسودان؟

جنرالات الجيش هم عملياً جنرالات البشير وإن أسهموا في إخراجه من السلطة

مقر المكتب المركزي للإحصاء السوداني بجنوب الخرطوم بعد إحراقه في 29 مايو 2023 (أ ف ب)

ملخص

 لا تغيير جدياً وجذرياً في باكستان والسودان من دون الخلاص من لعنة العسكر ولعبة السياسيين، أما تغيير الوجوه والأسماء العسكرية أو المدنية فإنه مجرد مزيد من الشيء نفسه.

في باكستان كما السودان، شيء من لعنة العسكر وشيء من لعبة السياسيين، ولا شيء من الاستقرار.

باكستان لم تهدأ منذ الاستقلال عام 1947 بعد تقسيم شبه الجزيرة الهندية على يد بريطانيا إلى دولتين، واحدة للهندوس وأخرى للمسلمين، مع أن قادة الاستقلال عملوا معاً، جواهر لال نهرو ومحمد علي جناح في ظل مهاتما غاندي، كما افتقد السودان الراحة منذ الاستقلال عن بريطانيا ونهاية التبعية لمصر خلال خمسينيات القرن الماضي.

الهند نجحت في إقامة نظام ديمقراطي تعددي لا مركزي لا يزال يعمل في "أكبر ديمقراطية" بالعالم، وإن تصاعدت النزعة الهندوسية المتطرفة بما قاد إلى خسارة "حزب المؤتمر" بقيادة نهرو وخلفائه وصعود حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم حالياً بزعامة ناريندرا مودي.

باكستان التي قيل إنها "جيش له دولة، لا دولة لها جيش"، وقعت أسيرة التناوب بين الحكم المدني والحكم العسكري، لا بل خسرت ما كانت تسمى باكستان الشرقية التي صارت دولة بنغلاديش، والسودان أيضاً صار مسرحاً لسلسلة انقلابات عسكرية بين حكم مدني وآخر، بحيث حكم العسكر السودان 55 عاماً من أصل 67 عاماً منذ الاستقلال، ثم خسر جنوبه الذي قاوم حرب الشمال عليه ليصبح دولة مستقلة اسمها "جنوب السودان".

الأسباب والعوامل متقاربة، بعضها داخلي لجهة التكوين الاجتماعي وبعضها الآخر خارجي لجهة الأدوار التي تلعبها القوى الإقليمية والدولية من أجل مصالحها.

يأتي السياسيون إلى الحكم بالانتخاب، ويمارسون سلطة رخوة فيكثر الفساد وتبدأ الفوضى، ويأتي العسكر إلى الحكم بالقوة تحت عنوان التخلص من الفوضى والفساد فيصبح الفساد أكثر ولا تقل الفوضى، بحيث تحدث ثورة شعبية سلمية وتدخلات خارجية تعيد السلطة للمدنيين، لكن السلطة الفعلية في باكستان تبقى في يد الجيش كقوة منظمة وحيدة، والمشكلة تتكرر.

الأحزاب التي يأتي باسمها السياسيون إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع هي أحزاب ذات طابع غير ديمقراطي، فهي في باكستان قبلية وجهوية وفي السودان ذات ولاء لزعماء دينيين، حيث "طائفة الأنصار" و"طائفة الختمية"، ثم تنامى تيار "الإخوان المسلمين" وبدأ يفرض حكم الشريعة على بلد متعدد الطوائف من مسلمين ومسيحيين ووثنيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

باكستان تبقى ممسوكة من الجيش في كل الظروف، وتتمكن من إقامة علاقات قوية مع كل من أميركا والصين، ويستمر النزاع الباكستاني - الهندي على إقليم كشمير، أما السودان فإنه اليوم أسير حرب بين الجيش وقوات الدعم السريع على السلطة التي أخذاها معاً من المدنيين بعد ثورة شعبية سلميه أسقطت حكم الرئيس عمر البشير و"الإخوان المسلمين" الذي استمر 30 عاماً.

جنرالات الجيش هم عملياً جنرالات البشير وإن أسهموا في إخراجه من السلطة بعد أن صار عبئاً على الجيش العاجز عن مواجهة الثورة الشعبية السلمية، مهما استخدم العنف والقتل. وقوات الدعم السريع هي قوات نواتها قبلية أنشأها البشير لقتال خصومه في دارفور ثم في بقية المناطق السودانية، ولا أحد يصدق اليوم أن أياً منهما يريد إعادة السلطة للمدنيين.

الثورة صارت من التاريخ منذ الانقلاب على الحكومة المدنية وإخراج المكون المدني من مجلس الرئاسة، وما يدور حالياً من مساع عربية وأفريقية وإسلامية ودولية يبقى في إطار محدود، هدنة إنسانية وحلول لإفرازات الصراع على السلطة والحرب، وليس لإنهاء الحرب وإجبار العسكر على إعادة السلطة للمدنيين.
وإذا كان تخلي العسكر عن السلطة مهمة صعبة فإن قدر المدنيين هو صنع ثورة جديدة، ثورة لا يخدعها انضمام العسكر إليها للسيطرة عليها من الداخل، ولا تلعب بقادتها الطموحات الفردية والخلافات القبلية أو الأيديولوجية والمنافسات الإقليمية والدولية، ثورة تحافظ على الأمن القومي للسودان والسعودية والمنطقة في البحر الأحمر، فلا تسمح بأية قاعدة عسكرية لقوة خارجية، وحكومة تنجح في بناء دولة بدل البقاء ثورة، وتبدأ مسار التنمية المستدامة في "سلة الغذاء" للعالم العربي بدل إنفاق المال على التسلح والصراعات.

لا تغيير جدياً وجذرياً في باكستان والسودان من دون الخلاص من لعنة العسكر ولعبة السياسيين، أما تغيير الوجوه والأسماء العسكرية أو المدنية فإنه مجرد مزيد من الشيء نفسه.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل