Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الرمال "الناعمة" تخنق شرايين التنمية في مصر

تهدد الكثبان الرملية مدناً ومشاريع قومية بالمليارات وتأثيرها المدمر يطاول جميع المناطق الصحراوية

تمثل الكثبان الرملية عائقاً أمام الاستفادة من أي مشروع تنموي سواء زراعي أو صناعي في مصر (أ ف ب)

ملخص

حذّرت دراسات من أن الكثبان الرملية خطر داهم يهدد المناطق السكنية والزراعية في مصر، وانخفاض السعة المائية لبحيرتي ناصر وتوشكى أحد تأثيراتها الضارة.

في يونيو (حزيران) 2021، قدم عضو مجلس النواب المصري إبراهيم نظير طلب إحاطة إلى وزير التنمية المحلية في شأن تكرار غلق طريق ديروط – الفرافرة (جنوب مصر) نتيجة تراكم الكثبان الرملية، متهماً الأجهزة التنفيذية بالتقاعس عن التحرك الفوري لفتح الطريق ومطالباً بضرورة تخصيص نقاط ارتكاز على طول الطريق وتجهيزها بالمعدات اللازمة لرفع الرمال الناجمة عن تلك الظاهرة.

وشهدت أروقة البرلمان المصري محادثات عدة حول خطر زحف الكثبان الرملية على التنمية، ففي يوليو (تموز) 2019 أعلن عضو مجلس النواب جازي سعد، مناقشة طلب الإحاطة المقدم في شأن عدم وجود معدات لإزالة الرمال المتحركة على الطرق السريعة وسط سيناء، موضحاً أنها باتت تهدد المشاريع الزراعية والمنشآت العامة والخاصة وتعطل الطرق وتفصل القرى عن بعضها بعضاً.

ويشير مسؤولون ومتخصصون في مركز بحوث الصحراء ممن تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" إلى أن الوادي الجديد وشمال سيناء وسيوة بمطروح من أكثر المناطق المصرية المتأثرة بظاهرة الكثبان الرملية، مؤكدين أن المعالجة "تستلزم تنفيذ برامج لتثبيت تلك الكثبان إما ميكانيكياً بإضافة مواد صخرية تقلل المساحة المعرضة للانجراف بالهواء، أو عن طريق مكافحتها بيولوجياً بإقامة غطاء شجري للحد من التأثير المدمر جراء زحفها عشوائياً".

مناطق سكنية مهددة

يقول كبير متخصصي إدارة المشاريع والموارد المائية والزراعة في الأمم المتحدة أحمد فوزي دياب إن "الكثبان الرملية تمثل خطراً داهماً يهدد المناطق السكنية والزراعية في مصر، وتسبب خسائر فادحة لقطاعات عدة، إضافة إلى تأثيرها المدمر الذي يطاول جميع المناطق الصحراوية، لا سيما في غرب الدلتا وشبه جزيرة سيناء"، مشيراً إلى خطورتها التي تتضاعف تزامناً مع استقبال رياح الخماسين ومؤكداً أن المناطق المحيطة بنهر النيل وفرعي رشيد ودمياط آمنة بنسبة كبيرة.

وتأتي رياح الخماسين من الصحراء الكبرى وتصل إلى مصر في أبريل (نيسان)، محملة بآلاف الأطنان من الرمال ومن خصائصها أنها جافة وحارة.

ويضيف دياب الذي تولى مهمات استشارية في وزارة النقل المصرية بين عامي 2001 و2004 ومسؤولية تنفيذ برامج تتعلق بمواجهة أخطار زحف الرمال المتحركة على الطرق، "الكثبان الرملية سببت أضراراً لعشرات آلاف الكيلومترات بالطرق الموجودة في المناطق الصحراوية، إذ تعطلها من وقت إلى آخر"، موضحاً أن تلك الأزمات "تستلزم معدات ميكانيكية لإزاحة الرمال على الفور، حتى لا تتأثر مشاريع صناعية وزراعية، أو حركة نقل البضائع إلى الموانئ".

وتتفق تلك التصريحات مع إشارة رئيس مركز ومدينة الحسنة بشمال سيناء سعد بغدادي في أبريل الماضي إلى أن استمرار تراكم الرمال يتسبب في اندثار الطرق وضياع معالمها، معلناً إطلاق حملات لإزاحة الرمال المتحركة التي تعيق حركة السير على مسارات الطرق عقب رصد تجمعات من الكثبان الرملية في الطريق الرئيس الحسنة - بغداد.

ويواصل متخصص الموارد المائية في الأمم المتحدة حديثه عن الأزمات التي خلفتها الكثبان الرملية، "تجمع الرمال في القنوات المكشوفة والمجاري المائية يحد من قطر المساحة التي تنقل المياه إلى الأراضي الزراعية، كما يقلل من كميات مياه الشرب التي تنتقل إلى تلك المناطق"، مؤكداً "تعرض بحيرة ناصر لمشكلة تراكم الكثبان الرملية، مما أدى إلى تراجع كميات المياه المخزنة فيها".

وتشير دراسة أنجزتها الباحثة المصرية صابرين شبارة عام 2017 إلى أن الكثبان الرملية تمثل عائقاً حقيقياً أمام الاستفادة من أي مشروع تنموي سواء زراعي أو صناعي، كما أن المشاريع المائية العملاقة لم تسلم أيضاً أخطارها.

وسلطت الدراسة التي ناقشت العوامل الجوية المؤدية إلى نشاط الكثبان الرملية حول بحيرتي ناصر وتوشكى الضوء على تعرضهما لهجوم الكثبان الرملية، مما تسبب في انخفاض السعة المائية للبحيرتين وزيادة كميات المياه المفقودة فيهما.

التغيرات المناخية تفاقم الأزمة

الرئيس الأسبق لمركز بحوث الصحراء رأفت خضر يرى أن الكثبان الرملية من المشكلات الأساسية التي تعوق التنمية في مصر، مؤكداً انتشارها بمساحات شاسعة في شبه جزيرة سيناء والوادي الجديد وسيوة وبحر الرمال الأعظم، وتفاقمها بسبب التغيرات المناخية، مما جعلها "تشكل تهديداً للزراعة والصناعة والمشاريع القائمة طبقاً لاستراتيجية التنمية المستدامة 2030".

وتشير دراسة بعنوان "الكثبان الرملية في شمال سيناء صفاتها وتأثيرها في التنمية الزراعية" إلى أنها تتركز في الجزء الشمالي من شبه الجزيرة على هيئة سلسلة من الكثبان الطويلة والهلالية والمستعرضة، وأحياناً النجمية، وتقدر مساحتها في سيناء بنحو 12200 كيلومتر مربع.

وبحسب دراسة أكاديمية أنجزها مصطفى قطب عام 2000، فإن الكثبان الرملية تمثل إحدى المشكلات الأساسية التي تعوق تنمية وتطوير مساحات شاسعة من سيناء وتتسبب في إعاقة الحركة على عدد من الطرق والمحاور الرئيسة، إضافة إلى تأثيرها المدمر في التربة الزراعية والنخيل وآبار المياه.

ويشدد خضر على أن "تنمية أي منطقة تتطلب معالجة الكثبان الرملية والتصحر وملوحة المياه والتربة، وعلى رغم تنفيذ برامج لتثبيت الكثبان في بعض المناطق بشبه جزيرة سيناء والوادي الجديد فإن المأمول أكثر من ذلك بكثير".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يستذكر خضر زيارته إلى منغوليا قبل 10 أعوام مبدياً اندهاشه من قدرتها على معالجة آلاف الأفدنة من الكثبان الرملية، لافتاً إلى أن تنفيذ تلك البرامج على مساحات كبيرة من الأراضي يتطلب موارد مالية كبيرة وضارباً المثل بجمعية عرابي المصرية التي تحولت من منطقة تمثل مركزاً للكثبان رملية إلى مساحات للزراعة والإنتاج الحيواني.

وتقدر مساحة جمعية عرابي التي أنشئت عام 1977 بموجب عقود قانونية مع وزارة الزراعة بنحو 12 ألف فدان وتضم 1300 عضو حائز لأراضيها ممن نجحوا في تهيئة منطقة الغرود وتحويلها من كثبان رملية خطرة إلى مساحات خضراء ومزارع منتجة للثروات السمكية والداجنة والحيوانية.

واشترت الجمعية تلك الأراضي من وزارة الزراعة بتوصية من معهد بحوث الصحراء لزراعتها بموجب العقد رقم 838 لعام 1995 بعد أن سددت كامل المبالغ المفروضة عليها.

وفي رأي خضر فإن تنمية أي منطقة تتطلب معالجة مشكلة الكثبان الرملية، معدداً الأضرار التي سببتها على الطرق الممتدة من محافظة الجيزة إلى الوادي الجديد وما تسببه نوبات الرمال من تعطيل لها والأثر السلبي الناجم عن الكثبان على قطاعي الزراعة والصناعة.

وفي مارس (آذار) 2019، نظم مركز بحوث الصحراء بالتعاون مع المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة "أكساد" مشروعاً تدريبياً لحماية البنية التحتية من أخطار زحف الرمال بشمال سيناء وحماية مناطق الاستصلاح الجديدة من أخطار الكثبان الرملية التي تهدد الإنتاج الزراعي والمناطق العمرانية والتصنيع الزراعي.

مشروعات في مرمى الرمال

تواصلت "اندبندنت عربية" مع رئيس مركز بحوث الصحراء التابع لوزارة الزراعة المصرية عبدالله زغلول لمعرفة حجم الأضرار الناجمة عن الكثبان الرملية وتأثيرها في المدن والزراعة، فأوضح أن مصر تقع في الحزام الجاف شديد القحولة، حيث لا أمطار أو غطاء نباتي بالصورة النموذجية، في ظل زحف عمراني ورعي جائر.

وشرح زغلول، "تلك الظروف تجعل من الكثبان الرملية خطراً كبيراً على البنية التحتية والمباني والزراعات القائمة وقنوات الري، لا سيما أنها تمثل أكثر من 17 في المئة من مساحة مصر، موزعة على جميع المناطق الصحراوية بنسب مختلفة، والأمر يستدعي الاهتمام بالدراسات عند إطلاق مشاريع ضخمة تكلف مليارات الجنيهات للحد من أخطار زحف الرمال".

وتقدر مساحة الصحراء المصرية بنحو 94 في المئة من مساحة مصر الكلية، مقسمة إلى 86 في المئة أراض شديدة الجفاف و14 في المئة جافة، وتحتل شبه جزيرة سيناء نسبة ستة في المئة من مساحة صحراء مصر بـ 61 ألف كيلومتر مربع، فيما تبلغ الرقعة الزراعية الكلية نحو 9.7 مليون فدان بنسبة ستة في المئة من مساحة البلاد.

ويعود رئيس مركز بحوث الصحراء عبد الله زغلول للحديث عن أكثر الأزمات المتعلقة بتأثير الكثبان الرملية، قائلاً "تكمن في إطلاق عدد من المشاريع القومية الكبرى، إضافة إلى استصلاح أراض وبنى تحتية واستثمارات بالمليارات في المناطق الصحراوية، مما يجعلها عرضة لزحف الكثبان الرملية"، مضيفاً "نتعاون مع أجهزة الدولة في أثناء تنفيذ مثل تلك المشاريع القومية لإعداد برامج حماية وتثبيت للكثبان الرملية".

وفي رأي زغلول، أن "توافر الموارد المائية هو الحل الذي يسهل تنفيذ أية برامج للحماية"، مشيراً إلى نجاح الدولة المصرية في تثبيت الكثبان بمناطق عدة في سيناء وتوشكى.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات