Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تداعيات تنحية شمخاني على التقارب السعودي - الإيراني

إعلام طهران حذر من انعكاس سلبي للإقالة على زخم تطبيع العلاقة بين طهران وجيرانها العرب

شمخاني في حديث جانبي مع نظيره السعودي وخلفهما عنايتي الذي عينته طهران سفيراً لها في الرياض (رويترز)

ملخص

النقمة على شمخاني والتربص به من جانب المحافظين والمتشددين كانت سابقة لقيامه بدور وصف باللافت في صفقة بكين، إلا أن سطوع نجمه بعد ذلك، عجل الإطاحة به، وسط تقديرات إيرانية بأن إقالته قد تبعث برسائل خاطئة إلى الذين يثقون برجل طهران القوي

لم يكن عدد ممن وصفوا صفقة بكين بـ "الزلزال" السياسي يتوقعون على الأرجح أن يكون أول الضحايا مهندسه على الضفة الإيرانية الأدميرال علي شمخاني، الرجل القوي في طهران بوصفه ممثلاً شخصياً للمرشد وعصاه التي يبطش بها أو يهش حين يشاء، لذلك كانت إقالته على عجل قبل أن يجف مداد الاتفاق المؤثر واحدة من بين أكثر خطوات الإيرانيين غرابة وإثارة لدهشة المتابعين، إلا أنها لم تكن بمعزل عن سياساتهم المتجددة في القيام بالشيء ونقيضه في وقت واحد.

لكن الأكثر أهمية بالنسبة إلى المراقبين العرب هو انعكاسات تنحية شمخاني على خطوات بناء الثقة بين الرياض وطهران، وهي لم تزل في بواكرها الأولى ولم تتجاوز أكثر عقباتها وامتحاناتها حتى الآن.

مفاجأة غير متوقعة

وفي هذا الصدد يقر المعهد الدولي للدراسات الإيرانية ومقره الرياض بأن الإطاحة بالرجل القوي شكّل "مفاجأة غير متوقعة"، بوصفه أحد الساسة المحنكين في دوائر صنع القرار الإيراني، بما في ذلك رسم سياسة إيران الخارجية بملفاتها المختلفة، مثل الاتفاق النووي والحرب الأوكرانية، فضلاً عن تهيئة أجواء تطبيع العلاقة مع دول الخليج المجاورة، خصوصاً السعودية حينما "سطع نجمه خلال الأشهر الأخيرة عندما لعب دوراً بارزاً في المحادثات التي استضافتها بكين في مارس (آذار) 2023، وانتهت بتوقيع اتفاق عودة العلاقات السعودية - الإيرانية"، وهو اتفاق رأى المعهد أنه "منح إيران فرصة للتخلص من العزلة الإقليمية".

 

 

واعتبر مركز الدراسات في تقدير موقف أصدره في شأن الإقالة، أن ما سماه "التكتم والغموض الرسمي الذي اكتنف أسباب استقالة شمخاني من منصبه"، جعل القراءات تتأرجح بين الحسابات الداخلية في الصندوق الأسود للنظام الإيراني وبين الاعتبارات الخارجية.

هل من علاقة بين الحدثين؟

لكنه رجح أنه بغض النظر عن أسباب التنحية فإنها "بكل تأكيد ستكون لها بعض الانعكاسات على السياسة الخارجية الإيرانية، نظراً إلى أهمية منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي في صنع القرار السياسي والأمني، كما يشار في السياق ذاته إلى أن إزاحة شمخاني من المجلس بعيد نجاحه في توقيع اتفاقٍ أعاد العلاقات السعودية - الإيرانية إلى مسار التواصل الطبيعي تطرح كثيراً من التساؤلات حول وجود علاقة ارتباطية بين الحدثين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولدى اتصال "اندبندنت عربية" بدبلوماسيين سعوديين سابقين لفتوا إلى أن إقالة المسؤول الإيراني "تصرف مريب"، إلا أن صانع القرار في بلادهم لديه قناعة بأن "المؤثر الوحيد في إيران هو المرشد والبقية منفذون، يضاف إلى ذلك أن المملكة لا تعلق على الشؤون الداخلية للدول".

ويرى الباحث في الشؤون الدفاعية أحمد القرني أن أي تأثير لإقالة شمخاني على تنامي كسب الثقة بين الرياض وطهران مستبعد، "لأن تسوية علاقات البلدين جاءت بعد نقاش مستفيض ومحادثات في عواصم عدة، ولم يكن التوقيع في بكين سوى تتويج تلك الجهود".

إيران كانت أحوج

بينما لفت المحلل السياسي العماني خلفان الطوخي في حديث مع "اندبندنت عربية" إلى أن تطورات المشهد الإقليمي يجب أن ننظر إليها في سياق أكبر، "إننا في عُمان بحكم تقاربنا وصلاتنا الممتدة بإيران اقتصادياً وسياسياً ندرك كم هي الآن في حاجة إلى التهدئة والانفتاح على المنطقة العربية، خصوصاً مع السعودية بوصفها الدولة الأكثر تأثيراً في الإقليم، ولذلك نلاحظ أن التقارب بين طهران والرياض أعقبه مسارعة خطى توطيد العلاقة بالعراق والإمارات والآن مصر".

وربط ذلك بجولة السلطان هيثم بن طارق بين القاهرة وطهران ولقائه المرشد علي خامنئي الذي صارح ضيفه بدعم جهود حكومته وسلطنة عمان في سبيل "توطيد ثقافة الحوار في المنطقة لتسوية القضايا العالقة بين دول الجوار بما يحقق السلام والازدهار الذي تطمح إليه جميع شعوب المنطقة"، بحسب البيان المشترك بعد الزيارة.

ظلال الشك

وعلى رغم من ذلك فإن صدى الإقالة ظلل بغمامته صحو المصالحات الإيجابي في المنطقة، وأظهر في أحسن الأحوال حجم الارتباك وغياب الانسجام بين قوى النظام في طهران إلى حد جعل التكهنات تسير في كل جانب نحو المراد من التنحية، هل هي لإرضاء التيار المتشدد الناقم على الأدميرال الإصلاحي نفسه، فيخشى تنامي نفوذه بما يحد من تأثير الحكومة؟ أم أن الشكوك المحيطة بالرجل بعد إعدام مستشاره السابق علي أكبري بتهم التجسس لمصلحة قوى غربية تلقى آذاناً صاغية عند المرشد، فكان التخلص منه بعد توظيفه في تطبيع العلاقة مع قومه العرب السعوديين ضرورياً لقطع الشك باليقين؟

بل إن التكهنات في هذا الصدد وصلت إلى الاعتقاد بأن تحييد شمخاني عن الأمن القومي جاء بغية تهيئته ليكون سفير بلاده في السعودية التي كان واجهة للاتفاق معها، وشخصاً معروفاً فيها منذ أيام خاتمي، إذ كان الإيراني الوحيد الذي قدمته له الرياض آنذاك وسام استحقاقها الأبرز الذي يحمل اسم مؤسسها الملك عبدالعزيز، في مرحلة شهدت فيها علاقة الجارتين اللدودتين في الإقليم تحسناً كبيراً، قبل أن تمنى بانتكاسات متلاحقة.

غير أن وكالة "نور نيوز" سريعاً ما نفت ذلك وأكدت أن "قنوات على تطبيق ’تيليغرام‘ زعمت بعد الإعلان عن تنحي الأدميرال شمخاني من منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي أنه تم تعيينه سفيراً جديداً لإيران لدى السعودية، وبحسب المعلومات التي وردت إلى ’نور نيوز‘ فإن هذا الخبر كذب من الأساس وعار من الصحة".

كان محل ثقة العرب

وفي هذا الصدد حذر موقع "إيكو إيران" من تداعيات إقالة شمخاني على السياسية والاقتصاد في بلاده، بالنظر إلى كونه "من أصول عربية وبعضهم يعتبره من أكثر الأشخاص فاعلية في المعاهدات الأمنية مع العرب في عهد محمد خاتمي، وكان لعلاقته التاريخية مع الدول العربية في منطقة الخليج العربي وبخاصة السعودية نوع من التفاؤل في سياسات إيران الإقليمية تجاه جيرانها، وفي وقت تعيينه أميناً لمجلس الأمن القومي في حكومة حسن روحاني رحب محللون عرب بوجوده في هذا المنصب لاعتقادهم أن إيران تسعى إلى زيادة العلاقات مع العرب وتخفيف التوتر مع هذه الدول".

ولفت إلى أن رحيل المسؤول الإيراني عن مركز التأثير في النظام "يجب أن نرى ماذا سيكون تصور الدول العربية عن هذا التغيير؟ إن هذه القضية مهمة بالنسبة للدولار أيضاً في ظروف أصبحت أهدأ مع تأثير العلاقات العربية".

ليس صاحب قرار

في غضون ذلك يؤكد الناشط الإصلاحي محمد سالاري في تصريحات نشرتها صحيفة "اعتماد" الإيرانية أن "النقطة المهمة هي اتخاذ النظام قراراً بتنفيذ الاتفاق، وليس دور شمخاني أو حتى رئيسي، وهذا القرار اتخذ على المستويات العليا وكلف شمخاني بتنفيذه كمشروع، لكن بسبب ضعف أداء وزارة الخارجية الذي لا يمكن إنكاره برز دور شمخاني بشكل أكبر على مستوى الرأي العام، لكن هذا الأمر لا يحظى بأهمية كبيرة".

ورجح الباحث في العلاقات الدولية باسل الحاج أن القرارات المتعلقة بملفات كبرى مثل العلاقات الايرانية - السعودية تتخذ من أعلى مستوى في إيران ومباشرة من المرشد الأعلى، وبذلك "يصعب الاعتقاد بأي تأثير يمكن حدوثه على وتيرة عودة العلاقات بين طهران والرياض بسبب إقالة أي مسؤول مهما بلغت درجته، مع عدم تقليل أهمية وجود شخصية خبيرة في هذا الملف مثل شمخاني".

وأحد المؤشرات على أن إقالة شمخاني مثيرة للريبة هو تهيّب كثير من المسؤولين الذي سألتهم "اندبندنت عربية" التعليق بأسمائهم عليها، وأحدهم قال "إن ساءلتني عن رأيي فأنا لا أثق بالنظام الإيراني وأستبعد أن يتغير، وقد يكون مضطراً الآن إلى التهدئة نعم، ولكن إقالة المسؤول الذي وقع الاتفاق مباشرة حتى وإن كان دوره شكلياً، يبعث برسالة ما"، يقول إنه مهما اختلف الآخرون في قراءتها إلا أنها قطعاً لا تعزز الثقة المراد تنميتها بين أطراف الإقليم.

وأضاف، "كلنا يعرف من يتخذ القرار في طهران، أما إن أردت ذكر اسمي فأنا لم أقل شيئاً".

إخراج الإقالة كان معيباً

ويتساءل معهد "رصانة" المتخصص في الشأن الإيراني بعد تعداده أسباب إقالة شمخاني، عما أحوج طهران إلى اتخاذ القرار المفاجئ، إذ كان المفترض طالما أريد التخلص منه أن "يتواصل تهميشه إلى غاية استبعاده، ولا توكل إليه مهمة دبلوماسية كبيرة جداً ثم يدفع إلى الاستقالة بعدها"، ولم يكن هذا تساؤل رصانة وحده، إذ إن بين أكثر ما استوقف عدداً من وسائل الإعلام الإيرانية ليس الإقالة في حد ذاتها، بقدر ما هو التوقيت الذي أعقب سطوع نجم الأدميرال في بكين والطريقة التي اتسمت بالكيد وتشويه السمعة بالنيل من شمخاني وعائلته من جانب أسماء مستعارة تنشر وثائق لا يملكها عادة في إيران غير الجهات الأمنية، قبل إذاعة خبر التنحية.

ثمن تهميش الخارجية

ويفسر هذا المشهد الناشط السياسي المحافظ ناصر إيماني بالتنافس الداخلي بين الأجنحة في بلاده، إذ لم يرق لبعض الأشخاص من داخل الحكومة ألا تكون وزارة الخارجية هي المكلفة بمفاوضات السلام مع السعودية وكذلك الدول العربية، وأن يتدخل المجلس الأعلى للأمن القومي بذلك، وربما سرع هذا الأمر من عملية التغيير في مجلس الأمن القومي الإيراني، لافتاً في تصريحات نشرها موقع "خبر أونلاين" الإيراني إلى أن إيعاز المرشد بأن "يتدخل الأمن القومي وشمخاني شخصيا بهذا الأمر لم يرق لبعض من في الحكومة، وربما يكون هذا الأمر عمق تلك النظرة الموجودة بين رئيسي وشمخاني".

وقد تكون تصريحات الحكومة الإيرانية المتتابعة على لسان مسؤوليها بأن خطوات تطبيق الاتفاق مع السعودية ودول الجوار تسري على قدم وساق، من بين مراميها التأكيد على استبعاد تأثر تلك العلاقة الوليدة بالإقالة المثيرة للجدل، خصوصاً بعد أن سمت طهران سفيراً لها في الرياض وهو علي رضا عنايتي المعروف لدى المنطقة والخليج.

تريث الرياض في تسمية سفيرها

لكن تريث الرياض في عدم الرد بخطوة تقابل الخطوة الإيرانية رسمياً قد يصلح أن يكون مؤشراً إلى أن هناك بعض التفاصيل التي ينبغي التأكد منها، على رغم أن أنباء ترددت بأن الرياض بصدد تعيين سفيرها في عمان عبدالله العنزي رئيساً لبعثتها في طهران، وهو سفير فوق العادة برتبة وزير مفوض كان له نشاط استثنائي في مسقط جمعه بنظيره الإيراني في عُمان بعيد اتفاق بكين، كما أنه قريب من أجواء المحادثات بين الرياض وطهران، إذ كانت السلطنة إحدى محطاتها الباكرة.

ونقلت صحيفة "الجريدة" الكويتية قبل نحو أسبوعين عن مصادر دبلوماسية أن أحد نقاط الخلاف مع شمخاني كانت ترشيح سفير إيراني في السعودية لا يحظى بموافقته، مؤكدة علمها بتعيين العنزي سفيراً في طهران.

وذكرت الصحيفة أن مصادر إيرانية أخبرتها بأن خلافات داخلية بين الوزارة وسكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي نشأت حول هوية السفير الإيراني بالسعودية وعرقلت استكمال افتتاح السفارتين في الرياض وطهران، مضيفة أن الوزارة بعثت برسالة لنظيرتها السعودية لترشيح عنايتي على رغم عدم موافقة المجلس الأعلى على الترشيح، إذ كان شمخاني يصر على تعيين مقرب منه سفيراً لدى المملكة.

أما دلالة الاسم الذي خلف شمخاني في مجلس الأمن القومي وهو علي أحمديان فقد كانت أكثر  من أي شيء آخر على أن التهدئة في طهران ليست مطردة، إذ يصنف أحمديان من بين أكثر عناصر الحرس الثوري تشدداً بعد صديقه المقرب قاسم سليماني، إذ عرف بوصفه "زارع الألغام في السفن الأميركية"، على عكس سلفه شمخاني الأقل تشدداً، لدرجة انتقاده بعض إستراتيجيات النظام، خصوصاً في الملتقى الدولي الذي استضافته جامعة الدفاع الوطني العليا بالعاصمة طهران مطلع مايو (أيار) الجاري، حين دعا القيادة الإيرانية بشكل غير مباشر إلى استيعاب التطورات على المسرح الدولي قائلاً "علينا إحداث التغييرات المناسبة"، محذراً في الوقت نفسه من أن الافتقار إلى الجاهزية والقوة سيجعل البلاد عرضة لصعوبات لا تريدها.

وكانت وكالة "نور نيوز" الإيرانية أعلنت في الـ 12 من مايو الجاري استقالة شمخاني من منصبه بعد نحو عقد من شغله هذا الموقع في أحد أكثر الأجهزة الرسمية أهمية في إدارة ملف السياسية الخارجية للبلاد، وبعد يوم من استقالته أعلن المرشد علي خامنئي تعيينه مستشاراً سياسياً له وعضواً في مجلس تشخيص مصلحة النظام.

المظاهرات قصمت الظهر

وأفادت الوثائق المسربة حديثاً بأن الضغط الأشد على شمخاني كان بعد اتهام جهازه بالفشل في التنبؤ بالتظاهرات التي ضيقت الخناق على النظام على خلفية مقتل "مهسا أميني"، لكن المرشد أصر على إبقائه حتى ينهي ملف العلاقات مع السعودية.

وقال الدبلوماسي الإيراني السابق أمير موسوي أخيراً إن المسؤول الإيراني "أراد أن يستقيل قبل أربعة أشهر لكنه استمر في منصبه قبل أن يسلم ملف العلاقات الإيرانية - السعودية إلى وزارة الخارجية، ثم هو من وافق على التنحي قبل ثلاثة أشهر من انتهاء مهمته"، مشيراً في تصريحات لقناة "الشرق نيوز" إلى أن "المرشد يعين مندوبه في مجلس الأمن القومي لمدة خمسة أعوام، وكان من الممكن أن تنتهي خدمة شمخاني بشكل تلقائي لكن الضغوط دفعته إلى الاستقالة".

وبالجملة فإن النقمة على شمخاني والتربص به من جانب المحافظين والمتشددين كانت سابقة لقيامه بدور وصف باللافت في صفقة بكين، إلا أن سطوع نجمه بعد ذلك والخشية من إسناد توقيع مفاوضات الملف النووي النهائية إليه أيضاً على حساب وزارة الخارجية عجلت الإطاحة به، وسط خشية قديمة من طموحه السياسي بوصفه طرفاً  يمكن الثقة به من جانب القوى المحلية والأجنبية، لكن تأثير  إقالته  على تنمية الثقة بين الرياض وطهران يتوقف على حجم دوره في الصفقة وعمق اتصالاته مع السعوديين والتي لم تعرف أبعادها حتى الآن، سوى خلفيته السابقة في عهد حكومة خاتمي التي سبقت الإشارة إليها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير