Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نانا الباريسية تثير غضب الفرنسيين ضد إميل زولا ومعه الرسام مانيه

صداقات تتبدل وفن يستلهم أدباً وصبية تعود إلى الرواية كملاك انتقام من ظلم الرجال

لوحة "نانا" (1879) لإدوار مانيه (موقع الفنان)

ملخص

صداقات تتبدل وفن يستلهم أدباً وصبية تعود إلى الرواية كملاك انتقام من ظلم الرجال

من ناحية منطقية ومبدئية، كان يفترض أن الصداقة العميقة هي تلك التي تواصلت في باريس بين الرسام بول سيزان والروائي إميل زولا، ابني الجنوب الفرنسي من أصول إيطالية واللذين ارتبطا منذ صباهما ونزحا معاً إلى العاصمة عند نهاية مراهقتهما، لكننا نعرف أن شرخا عميقاً قام بين الرسام والكاتب حل بنتيجته الرسام إدوار مانيه في صداقة زولا بديلاً من سيزان، بالتالي اعتبر البورتريه الذي رسمه مانيه لزولا خير معبر عن هذا الأخير، ناهيك بأن روابط فنية كثيرة قامت بين الاثنين وصلت إلى حد تشاركهما في التعبير عن "نانا" إحدى "بطلات" روايات زولا، هذا الأخير في إظهارها كواحدة من شخصيات روايته "الفتاك"، وبعد ذلك في خصها برواية تحمل اسمها عنواناً، وهي بالتحديد "نانا"، والثاني في استلهام الشخصية لرسم واحدة من "أكثر لوحاته فضائحية" وتحمل بدورها عنوان "نانا" ما فاقم من الربط بين المبدعين ومن دواعي غيظ بول سيزان. وبخاصة أن الجمهور النخبوي، كما العريض، عادل في اشمئزازه وهجومه بين الرواية واللوحة مع أن الزمن لم يكن زمن حشمة أو أخلاق حميدة (في باريس بدايات الربع الأخير من القرن التاسع عشر).

لكل بلد "نانا"ـه

ومهما يكن من أمر لا شك أن "نانا" زولا، هي المعادل الفرنسي لـ"لولو" الجرمانية، بل حتى لكل تلك النساء اللاتي، إذ يجعل منهن القدر في شكل أو في آخر ضحاياه، لا يتورعن عن المجابهة، وعن التعامل مع المجتمع، ومجتمع الرجال في شكل خاص، على أن عليه أن يكون هو ضحيتهن. ومن هنا يتساوى الخير والشر، وتصبح أي إدانة غير ذات جدوى، طالما أن الكاتب لم يشأ لنفسه في الأصل، أن يكون واعظاً أو حكماً أخلاقياً. ومن هنا، قد يكون من الصعب التعاطف التام مع نانا، بل سيكون من الصعب حتى تبرير كل تصرفاتها، فكيف بالتماهي معها لكي تصبح بطلة روائية ميلودرامية حقيقية، كما من الصعب في الوقت نفسه إدانتها، على اعتبار أنها من ذلك النوع الفتاك من النساء اللاتي ليس لهن عادة ضمير يردعهن؟ غير أن هذا لا يعني بالطبع، سلوك الحياد تجاه تلك الشخصية، ثم من قال أصلاً إن إميل زولا كان يريد لقارئه أن يبقى على الحياد؟ ثم من قال في طريقه أيضاً، إن إميل زولا إنما شاء هنا أن يرسم صورة لامرأة بصفتها امرأة لا أكثر؟ الحقيقة هي أن نانا هذه، كانت ترمز إلى المجتمع الباريسي الصاخب في ذلك الحين، بكل ما في ذلك المجتمع من خير وشر.

حين تعود الصبية امرأة
نشر زولا "نانا" عام 1879، وهي في الأصل تشكل الجزء التاسع من سلسلة رواياته المعروفة باسم "آل روغون - ماكار". والمعروف عن روايات تلك السلسلة أن الشخصيات تختفي ثم تعود بين رواية وأخرى. وهذه الشخصيات قد تكون رئيسة هنا فتصبح ثانوية هناك، وهكذا. وبالنسبة إلى رواية "نانا" نجد أنها تتحلق - كما يؤشر عنوانها - من حول تلك الصبية الحسناء، آنا كوبو التي نعرف منذ البداية أنها ابنة جرفيز التي تشتغل في المكوى، من رجل مدمن الخمر كريه لا يهتم أيما اهتمام بأسرته. والأم والأب هذان كنا تعرفنا إليهما، كشخصيتين رئيستين في الجزء السابق من السلسلة. أما هنا، فإن وظيفتهما فقط هي إنجاب آنا (نانا) تلك الحسناء الرائعة التي يغطي حسنها على فقدانها أية موهبة. هي فتاة بالغة الجمال، لا تخلو من الدهاء. ومن هنا ستلعب ذلك الدور الكبير في حقبة تتابعها الرواية من مسار المجتمع الفرنسي. والمرة الأولى التي تطالعنا فيها نانا في هذه الرواية، هي حين تكون على وشك البدء بالقيام ببطولة مسرحية غنائية تقدم على مسرح المنوعات. ندرك بداية أن المسرحية سخيفة، حتى لو كان عنوانها مغرياً ("فينوس الشقراء")، وندرك بداية أيضاً أن نانا نفسها لا تجيد الغناء مع أن بطولة المسرحية تفرض ذلك، ناهيك بأنها لا تعرف شيئاً عن التمثيل. بالنسبة إلى الفن، من الواضح أن نانا مجرد صفر لا يتحرك، ولكن على العكس من هذا جمالها ودلالها، وسحرها. ومن هنا، من دون أن يحيي أحد فنها، نراها موضع إعجاب الرجال جميعاً. إنهم هنا كلهم لكي يخطبوا ودها، وهم يتتابعون في حياتها، خلال تلك الحقبة في الأقل، إذ ها هو أولاً المصرفي شتاينر، الذي ينفق عليها من أموال المصرف طبعاً، لكنها سرعان ما ستتخلى عنه لكي تعيش إلى جانب الممثل فونتان ذي الطباع الضارية، والذي يذلها قبل أن يتخلى عنها.

الوجه الحقيقي لامرأة

وهنا إثر ذلك، تتكشف لنا نانا على حقيقتها: إنها امرأة تعرف أن لا أحد يحبها في الحقيقة، وهي نفسها لا تحب أحداً، لذلك تقرر أن تتحول إلى فتاة هوى لعلها تفلح في هذه المهنة، وتقرر أنها في مهنتها الجديدة هذه ستسعى إلى تدمير كل أولئك الذين يرغبون فيها. لقد آلت على نفسها أن تصبح أداة في يد الشر لممارسة حقدها على البشر. وهكذا، يتوالى على حياتها العشاق وهي تواصل تدميرهم واحداً بعد الآخر: فاندافر المتأنق السخيف، ثم لافالواز الذي يتمتع بالحياة الرخوة من دون أن يشعر بأية مسؤولية، وصولاً إلى الكابتن هوغون، الذي تدفعه نانا إلى السرقة كرمى لعينيها، ما يدمره على الفور، تاركاً الساحة أمام أخيه الأصغر يغرم بنانا بدوره، لكن الأمر ينتهي بهذا إلى الانتحار. والحقيقة أن نانا إذ تنتقم من "ظلم المجتمع" لها عبر تدمير كل هؤلاء، تبقى على ظمئها، حتى وإن لم يبد عليها، هي، أنها تدرك حقاً ما الذي تفعله. إنها تسير مع الحياة كما هي، وتسير الحياة كما هي من دون أن تقف لحظة لتسأل نفسها عن الغاية العميقة والبعيدة من ذلك كله. غير أن كل ما كانت فعلته حتى الآن يظل لا شيء مقارنة بما تفعله مع الكونت مارتل، الذي هو أصلاً أحد كبار موظفي القصر الإمبراطوري.

دمار رجل خجول

الكونت مارتل رجل خجول ودائم الارتباك يتردد عادة في كل شيء، لكنه لا يتوانى عن الوقوع في هوى نانا. أما هي، فإنها تستغله أبشع استغلال وتعامله وكأنه خادم صغير، مستعبدة إياه إلى أبعد حد، حريصة دائماً على أن تذله أمام الناس أجمعين، قبل أن تسلم نفسها إليه في مقابل ما تتوقعه منه من مكاسب طائلة، ولكن لأن لكل شيء نهايته، ينتهي الأمر بنانا إلى أن تسأم حتى الموت من هذا المجتمع، فتقرر أن تعزل نفسها في قصر فخم يبنيه الكونت الأحمق، لكنها لن تكون وحيدة في عزلتها، بل ستكون مع الكونت وقد قررت لوهلة أن تبقى وفية له، غير أن هذا لا يدوم طويلاً، إذ إنها سرعان ما تستعيد مزاجها التدميري وتروح مدمرة كل الرجال الباقين المحيطين بها، بدءاً بالكونت المسكين، كاشفة لهم خيانات زوجاتهم وعلاقاتهن، وصولاً إلى الكونت الذي تكشف له علاقة زوجته بأحد الصحافيين. هنا تبدو نانا ملاك انتقام حقيقياً. صحيح أن ما يتلو ذلك سيحطمها هي بين الآخرين، لكن ذلك لن يزعجها على الإطلاق طالما أنها تجد في دمار الآخرين أمام عينيها وبفضلها لذة ما بعدها لذة. وفي النهاية نجدها في غرفة فندق وحيدة مريضة تحتضر. وفي الوقت الذي تعلن فيه الحرب البروسية على فرنسا تختفي نانا تماماً ويختفي جسمها بالمعنى الحرفي للكلمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من الرواية إلى اللوحة

والحال أن هذه النهاية التي يخص بها إميل زولا شخصية نانا كانت هي ما أثار المواقف المعادية له وجعل تلك المواقف تشمل في طريقها كذلك لوحة إدوار مانيه التي تخيل فيها شخصية نانا انطلاقاً من الرواية. وهي لوحة يستعاد اليوم ذكرها لمناسبة المعرض المقام في باريس للمقارنة بين فن مانيه وفن إدغار ديغا الذي زامله في زمنه ويمكن العثور على رابط ما له هو الآخر بشخصية نانا من خلال واحدة من لوحاته المعروضة، والتي تمثل شقاء وعذابات "كواءة" يفترض بعض النقاد أنها إنما كانت بدورها مستوحاة من شخصية جيرفيز أم نانا في رواية "الفتاك" السابقة على رواية "نانا" ما جعل إميل زولا يستعاد بدوره لمناسبة هذا المعرض المزدوج.

المزيد من ثقافة