ملخص
تشكيلات سياسية جزائرية بين موالاة ومعارضة ومجتمع مدني تجتمع من أجل إطلاق أرضية سياسية لمبادرتها التي تطرح فيها تصورها العام للأوضاع الوطنية والدولية والقواسم المشتركة بينها.
ألقت أحزاب جزائرية حجراً في مياه المشهد السياسي محاولة تحريك الركود الحاصل في البلاد عبر مبادرة تستهدف التشاور والحوار لتمتين الجبهة الداخلية، لكن شعارها "لم الشمل" المتداول منذ سقوط نظام عبدالعزيز بوتفليقة اصطدم بآراء مشككة في صدقيتها وجدواها من الأساس.
واتفقت أحزاب سياسية في الجزائر على العمل لإنضاج هذه الخطوة وإعلان خطوطها العريضة للراغبين في الالتحاق بها خلال الأيام المقبلة، إذ كشفت حركة البناء الوطني، صاحبة المبادرة، أن دوافعها تقوم على "منع تحول دولتنا إلى ساحة فوضى بخاصة بعد الارتدادات السلبية التي تعم المنطقة".
ومن المنتظر أن تلتقي الأربعاء المقبل تشكيلات سياسية بين موالاة ومعارضة ومجتمع مدني من أجل إطلاق أرضية سياسية لمبادرتها تطرح فيها تصورها العام للأوضاع الوطنية والدولية والقواسم المشتركة بينها، خصوصاً في ما يتعلق بدعمها لمؤسسات الدولة وفي مقدمها رئاسة الجمهورية والجيش، ورفضها التدخل الخارجي والتحذير من سياسات القوى الأجنبية الكبرى في بلدان مجاورة، وتجديد العهد مع دعم القضية الفلسطينية.
الاصطدام بالشعار
عنوان "لم الشمل" لم يكن جديداً على الجزائريين وعرف تداولاً واسعاً العام الماضي من قبل مؤسسة الرئاسة بقيادة عبدالمجيد تبون، لكن لهيبه انطفأ من دون سابق إنذار ومن دون تفسيرات وتوضيحات.
وقال الناشط السياسي الجزائري عدة فلاحي إن مثل هذه المبادرات تكون قديمة متجددة، حتى إن هذا المصطلح أضحى يفتقد إلى الصدقية بعد أن فشلت المحاولات السابقة التي تحمل العنوان نفسه، مضيفاً أن الدولة ليست في حاجة إلى مثل هذه المبادرات وهي قادرة على حماية الوطن من التهديدات عبر إجراءات أبرزها الصرامة في محاربة البيروقراطية والفساد، متوقعاً أن تكون هناك استجابة نسبياً ما دامت المبادرة تحمل شعارات نبيلة.
من جانبه رأى الأكاديمي المتخصص في العلوم السياسية والعلاقات الدولية سمير محرز أن مقترح "لم الشمل" الذي تقدم به رئيس حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة يعتبر أول مبادرة سياسية تصدر من الأحزاب منذ تولي عبدالمجيد تبون الرئاسة، موضحاً أنها مبادرة قائمة على مبدأ المواطنة من أجل مجتمع متماسك، لكن لن يتأتى ذلك إلا من خلال تضافر الجهود وتعزيز التنسيق بين جميع القوى.
وأضاف محرز، "أرى المبادرة خطوة مهمة لتشكيل جدار وطني للحد من الأخطار الأمنية والسياسية من خلال تبني مقاربات اجتماعية واقتصادية وسياسية تقدم إلى صناع القرار من جهة، وإعادة إنعاش المشهد السياسي في البلاد من جهة أخرى، لا سيما أن العهدة الرئاسية على مشارف نهايتها"، مبرزاً أن المشهد السياسي يسجل ركوداً خلال الأعوام الأخيرة عكس النشاط الكبير للدبلوماسية الجزائرية وتوقع حدوث استجابة لها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وينتعش سوق المبادرات السياسية في الجزائر خلال فترات الأزمات الداخلية واستشعار الخطر الخارجي، ويبدو أن اللائحة الأخيرة التي أصدرها البرلمان الأوروبي لإدانة واقع حرية الصحافة في البلاد حركت المياه الراكدة من تحت أقدام الطبقة السياسية، وأعادت إحياء مبادرة "لم الشمل" التي يبدو أنها لاقت قبولاً لدى الأحزاب السياسية وبخاصة المحسوبة على الموالاة، ومنها "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي" و"صوت الشعب" و"جبهة المستقبل" التي تشارك في الحكومة، و"حركة مجتمع السلم" المحسوبة على المعارضة، و"حزب الكرامة" و"اتحاد القوى الديمقراطية الاجتماعية" و"تجمع أمل الجزائر"، علاوة على منظمات نقابية مع المجتمع المدني.
تخويف الشارع
إلى ذلك اعتبر المتخصص في الملف الحقوقي الجزائري آدم مقراني أن الاجتماع المنتظر حول مبادرة "لم الشمل" يمثل دفعة جديدة للقوى الحزبية في البلاد في ظل ساحة سياسية تشهد ركوداً، بعد أن غاب العمق السياسي الحزبي عن العمل الحكومي والسلطة التنفيذية بصفة عامة على رغم مختلف اللقاءات التي أجراها الرئيس تبون في بداية الصيف الماضي مع مختلف الفاعلين، والتي "لم نشهد لها أثراً على أرض الواقع".
ولفت مقراني إلى أن "انضمام قوى معارضة إلى المبادرة سيشكل نقطة فارقة بعد حراك عام 2019 الذي شاهدنا فيه انقساماً على مستوى الأحزاب والمنظمات"، موضحاً أن "هذه المبادرة تحيلنا إلى رغبة في مواجهة أخطار إقليمية محيطة بالجزائر التي صارت تواجه رمالاً متحركة على مستوى المحيط القريب والبعيد".
ولا يتوقع أن تكون مبادرة "لم الشمل" جبهة موالاة للرئيس تبون، بل ينتظر أن تتجنب الخوض في المسائل الانتخابية المتعلقة بإعادة ترشيحه إلى عهدة ثانية، مبرزاً أن بعض قوى المعارضة المهتمة بهذه المبادرة تطرح المضي قدماً في سبيل تحسين مناخ الحقوق والحريات منعاً لضغوط خارجية، كما كان الأمر بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي في آخر تقرير له.
وتابع أن المبادرة من شأنها تجاوز مرحلة الجمود والشرخ الذي اتسم به المناخ السياسي الداخلي في مختلف المحطات الانتخابية الأخيرة، لكن السلطة التنفيذية لم تجد الحزم والدعم الكافيين كي تمضي في تحقيق ما وعدت به، لا سيما على المستوى الخارجي.
وأنهى مقراني حديثه بقوله، "يجب ألا تنقلب هذه المبادرة إلى محاولة لتخويف الشارع من أخطار قد تتم المبالغة فيها ولا تعكس حقيقة الأوضاع فتنقلب ’لم الشمل‘ إلى الضد وتعمق الهوة بين المواطن الجزائري وأحزابه السياسية".