Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الإعدام في تونس... أحكام متواصلة ومشانق مرفوعة

ما يزيد على 100 حكم في قضايا تتعلق بالقتل العمد والاغتصاب والإرهاب لا تزال معلقة

مع كل جريمة بشعة في تونس يتجدد الجدل حول عقوبة الإعدام بين رافض لتنفيذها ومدافع عنها لردع المجرمين (أ ف ب)

ملخص

منذ عام 1990 تتكدس أحكام الإعدام في تونس من دون تنفيذ وبلغت ما يزيد على 100 حكم صادرة عن عديد المحاكم في مختلف القضايا منها ما يتعلق بـ"القتل العمد مع سبق الإضمار والترصد والاغتصاب وقضايا الإرهاب"

ما يزيد على ثلاثة عقود مرت على تعليق تونس تنفيذ أحكام الإعدام، لكن المحاكم لم تتوقف خلالها عن إصدار هذه العقوبة في قضايا مختلفة، بينما توقفت عقارب الساعة أمام آخر تنفيذ لحكم الإعدام شنقاً ضد سفاح نابل الناصر الدامرجي في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 1990.

منذ ذلك التاريخ، تتكدس أحكام الإعدام من دون تنفيذ، وبلغت ما يزيد على 100 حكم صادرة عن عديد المحاكم في مختلف القضايا، منها ما يتعلق بـ"القتل العمد مع سبق الإضمار والترصد والاغتصاب وقضايا الإرهاب".

المتخصص في القانون القاضي التونسي فريد بن جحا، قال في حديث إلى "اندبندنت عربية"، إن "عقوبة الإعدام المنصوص عليها في الفصل السابع من المجلة الجزائية تنفذ شنقاً إذا كانت جريمة حق عام بما فيها الإرهاب، ورمياً بالرصاص إذا كانت في الجرائم العسكرية"، لافتاً إلى "خصوصية تلك العقوبة التي تصدر بأغلبية أصوات تركيبة الدائرة الجنائية".

وأشار بن جحا إلى أن "كل أحكام الإعدام يستبدل بها السجن المؤبد بعد أن يمنحها رئيس الجمهورية العفو"، موضحاً أن "المحكوم بالإعدام ليس له خصوصية في المعاملة السجنية، فبعد تنقيح قانون السجون أصبح من حق عائلته زيارته وجلب القفة (الطعام) له، مع إمكانية انتفاعه بالعفو الخاص بعد قضاء فترة طويلة في السجن أو التقليص من تلك المدة".

ولفت الانتباه إلى أن "إدارة السجون التونسية لها أن تتخذ إجراءات استثنائية في حال شكل المحكوم بالإعدام، خصوصاً من الإرهابيين، خطراً على بقية المساجين، كمنع الزيارة أو وضعه في سجن انفرادي وعزله عن البقية، خوفاً من استقطابهم للتطرف".

بين الرفض والتأييد

مع كل جريمة بشعة في تونس يتجدد الجدل حول عقوبة الإعدام بين رافض لتنفيذها لأنها سالبة لأغلى ما يملك الإنسان وهو الحق في الحياة، ومدافع عن ضرورة التنفيذ من أجل ردع المجرمين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي استطلاع للرأي هو الأول من نوعه أجري عام 2013 حول عقوبة الإعدام، عبر 70 في المئة من التونسيين والتونسيات عن تمسكهم بتنفيذ تلك العقوبة، بسبب استشراء الجرائم البشعة من اغتصاب وقتل للنساء والأطفال في عدد من جهات الجمهورية، علاوة على تنامي العمليات الإرهابية التي ذهب ضحيتها عدد من أعوان الأمن والجيش والمواطنين.

ويستند المدافعون عن عقوبة الإعدام إلى مبدأ القصاص لأن عائلة الضحية ترى في التنفيذ نوعاً من الانتصار للعدالة وتخفيفاً من لوعة الموت، بينما يعتقد الرافضون أن الحق في الحياة حق إنساني ومبدأ ثابت ولا يمكن لأي جهة أن تسلب الإنسان أغلى ما يملك وهو الحق في الحياة، بينما هناك من يدعو إلى تنفيذ الإعدام في حالات بعينها تكون الجريمة فيها على قدر كبير من البشاعة.

تمسك رئاسي بالتنفيذ

قبل ثلاث سنوات وتحديداً في 28 سبتمبر (أيلول) 2020 دعا الرئيس التونسي قيس سعيد إلى تطبيق عقوبة الإعدام إثر مقتل شابة خنقاً من قبل متهم له سوابق في الإجرام، قائلاً حينها أمام اجتماع لمجلس الأمن القومي "من قتل نفساً بغير حق جزاؤه الإعدام".

من جهته قال مفتي تونس السابق عثمان بطيخ إن "عقوبة الإعدام هي قصاص يغلب فيها حق المجتمع، وتعتبر جزاءً مقابلاً لقتل النفس ظلماً وعدواناً بغير نفس، فهي جريمة شنعاء تدل على وحشية القاتل ونفسيته العدوانية وشراسة طبعه".

وأضاف أنه يؤيد "تنفيذ عقوبة الإعدام على الإرهابيين لأنهم مارقون على القانون وكل القيم الإنسانية والإسلامية والأخلاقية، وهم ضد الإنسانية ويجهلون الإسلام"، معتبراً إياهم "مأجورين يتسلمون أموالاً من المنظمات الإرهابية الداعمة للتطرف، ولا يمكن التسامح معهم بدعوى حقوق الإنسان".

يذكر أنه تم تنفيذ عقوبة الإعدام في 135 محكوماً عليهم بتونس شنقاً أو بالرصاص منذ الاستقلال، منهم 129 في عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة ضمن قضايا أمن دولة، وستة في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وتوقف سنة 1990 بعد إعدام سفاح نابل".

الحق في الحياة

وفي المقابل يرفض رئيس الائتلاف التونسي لإلغاء عقوبة الإعدام، رئيس المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب شكري لطيف، تنفيذ العقوبة، لأنها "استخدمت كوسيلة لإخضاع الشعب التونسي، سواء في فترة الاستعمار الفرنسي أو في فترة الديكتاتورية (حكم زين العابدين بن علي)"، مستدلاً على ذلك بأن أغلب من نفذ فيهم حكم الإعدام منذ الاستقلال أعدموا لأسباب سياسية وليست جنائية أو إجرامية.

لطيف وصف عقوبة الإعدام بأنها "غير إنسانية وقاسية، ولا تحقق العدالة والإنصاف"، لأنها تستهدف بصفة خاصة الفقراء والمهمشين الذين لا يملكون وسائل للدفاع عن أنفسهم، مذكراً بأنه "ضد الجريمة بجميع أشكالها سواء كانت إرهابية أو جنائية، لكن الإعدام لم يكن عبر التاريخ رادعاً للجريمة لأن الدول التي تطبق هذه العقوبة لم يتراجع فيها منسوب الجريمة".

ودعا إلى إلغاء عقوبة الإعدام و"معالجة الجريمة والظاهرة الإرهابية والفكر التكفيري من جذوره واجتثاثه من المجتمع، من خلال مقاربات تربوية وثقافية واقتصادية"، مشيراً إلى أن "الإرهابي أو المتطرف لن يخاف القانون الذي ينص على عقوبة الإعدام".

ويرى لطيف أن "الحق في الحياة هو حق إنساني ومبدئي لا يمكن التخلي عنه أو تجزئته، ولا يمكن استثناء الإرهابي من هذا الحق، لأنه في النهاية إنسان"، مشيراً إلى أن "الدولة ليس من حقها أن تكون في الظاهر ضد القتل إلا أنها تنفذ حكم الإعدام".

في هذه الأثناء يدعو البعض إلى استثناء حالات معينة تبلغ فيها بشاعة الجريمة حدوداً قصوى، ودعا المتخصص في القانون التونسي منير بن صالحة إلى تطبيق الإعدام في بعض الحالات، قائلاً "حتى بعض الدول التي صدرت لنا حقوق الإنسان لا تزال تحتفظ بحقها في إعدام المجرمين الذين ارتكبوا جرائم بشعة وبالخصوص في حق الطفولة".

وألغت 140 دولة عقوبة الإعدام وبقيت دول أخرى تنفذها، فيما تواصل تونس التنصيص على العقوبة من دون تطبيقها، فهل ستستمر في ذلك أم تعود لتنفيذه بعد عقود من تعليقه أم تلغيه تماماً من المجلة الجزائية؟

المزيد من العالم العربي