Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أحياء الخرطوم الراقية تدفع ضريبة حرب الجنرالين

صراخات استغاثة ومناشدات بحماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم

قال بعض من سكان حي كافوري الفارين إن الأحوال في الحي الفاخر بدأت بالتحول والتبدل منذ ما قبل نشوب الحرب (أ ف ب)

ملخص

قال مواطن إن حي كافوري الراقي "بات محتلاً تماماً من جانب قوات الدعم السريع وعصابات النيقرز".

عانت أحياء العاصمة السودانية الخرطوم حالات نهب وفوضى في ظل غياب القانون، لكن أكثر الأماكن التي تعرضت لنكبة السرقة والاستيلاء وطرد السكان من منازلهم، كانت الأحياء الراقية كالرياض والعمارات وغاردن سيتي وكافوري الذي كان له النصيب الأكبر من الانتهاكات والتعدي على الأموال والأرواح والممتلكات.

وتجاوزت التعديات والنهب والإرهاب الحدود في حي كافوري، مما أدى إلى هجر أكثر من 95 في المئة من سكانه لمنازلهم، إما خوفاً وهرباً، أو بالطرد والاستيلاء بالقوة، وبات الحي محتلاً تماماً بواسطة قوات الدعم السريع وعصابات "النيقرز"، وفق سكانه.

ولم يعد يوجد في هذا الحي الأنيق، حيث كان يعيش سكانه حياة هادئة بعيداً من ازدحام وصخب قلب العاصمة، سوى خمسة في المئة فقط من إجمالي قاطنيه على أفضل تقدير، لكن هذه الفئة التي صمدت تطلق الآن صيحات الانهيار.

وكانت آخر الصرخات نداء حاراً بث على وسائط التواصل الاجتماعي من أحد أبناء الحي مستغيثاً، "الرحمة يا الله، أنقذوا ما تبقى من أهل كافوري العزل مما يتعرضون له من عمليات كسر ونهب وقتل وطرد من البيوت واحتلالها ونهبها بالدفارات (شاحنات كبيرة)".

وتابع، "أنقذوا ما تبقى من الأسر في كافوري، بمن فيهم الأطفال، من الانتهاكات التي يواجهونها قبل أن تسلب بيوتهم، فهذا هو الشهر الثاني من الحرب وصمدوا طويلاً من دون أن يتدخل أحد لإنقاذهم وهم الآن من دون طعام أو مياه وكهرباء".

وأكد مطلق نداء الاستغاثة أن "الحي برمته بات محتلاً تماماً من جانب قوات الدعم السريع وعصابات النيقرز"، منادياً "بسرعة التدخل لإخراج ما تبقى من أرواح، فالنساء تبكي والأطفال يصرخون ومن يحاول الدفاع عن ماله أو عرضه من الرجال يُقتل فوراً".

إرهاب ونهب

وروى مواطن آخر من سكان الحي نفسه بحرقة ومرارة شديدتين تفاصيل ترهيب ونهب إحدى الأسر التي تجاوره في السكن، وقال إنه "تم دهم منزلها في الرابعة صباحاً، والكهرباء مقطوعة، من جانب مجموعة بزي الدعم السريع ودوت أصوات الرشاشات أمام بوابة المنزل مباشرة، ثم اقتحم العناصر المنزل عنوة وأمروا الأسرة بمغادرته وتسليمه لهم".

وقال "قبل مغادرتهم طلب من الزوجة تسليم ذهبها بعد حبس الأطفال والزوج والزوجة كل في غرفة منفصلة وتهديد الزوجة بقتل زوجها أمام أعينها وأولادها في حال رفضت تسليمهم الذهب، وفتحوا الخزنة وأخذوا الأموال الموجودة واتهموهم بأنهم جواسيس لاستخبارات الجيش السوداني وأنهم من فلول أعضاء حزب المؤتمر الوطني المنحل، لتجبر في النهاية على تسليمهم ذهبها بعد انهيار أبنائها ثم سرقوا سيارتهم، لتغادر الأسرة بعد ذلك منزلها وحيها إلى غير رجعة".

وناشد المتحدث ذاته كل من لديه أسرة أن يعمل على إخراجها من "المستنقع البشع في كافوري وإن أراد الرجال أن يبقوا فليفعلوا للدفاع عن بيوتهم، لكن لا بد من استعجال إخراج الصغار والسيدات من الحي، إذ لا يستطيع أحد أن يتنبأ بما هو مقبل لأن الوضع بكل المقاييس محزن ومفجع".

بوادر مشابهة

وقال بعض من سكان كافوري الفارين إن الأحوال في الحي الفاخر بدأت بالتحول والتبدل قبل نشوب الحرب، تحديداً بعد سقوط نظام البشير، حين بدأت قوات كبيرة من الدعم السريع تتمركز أمام منازل رموز النظام السابق وكذلك أمام بيوت وفلل أشقاء البشير وزوجته بحجة إبقاء أفراد تلك العائلة قيد الإقامة الجبرية داخل منازلهم.

وفي تسجيل صوتي آخر، رسم أحد سكان كافوري صورة محزنة ومخيفة للأحوال بعد 38 يوماً من عمليات النهب المسلح وغدر الرصاص المترصد، مما تسبب في هجر معظم السكان له وبات مسرحاً للنهب والدمار والتهجم والاستيلاء على المنازل.

قال المتحدث في التسجيل إن "أفراد الدعم السريع يستسهلون القتل وينتقون من السيارات أفضلها نوعاً وحالاً، يركزون على ثلاثة أمور في عملية النهب الخزانة الذهب والمال والسلاح، ثم يتركون المنزل إذا لم يستوطنوه، لتجيء بعدهم عصابات النيقرز ليجهزوا على ما تبقى".

وكشف صاحب التسجيل كيف أن ثمة علاقة نشأت بينه وبعض أفراد الدعم السريع ساعدته في مغادرة الحي بعربته الصغيرة مع أسرته"، مضيفاً "هم ينتشرون بكثافة داخل الحي، معتقدين بأن كل سكان الحي من الإخوان المسلمين".

احتجاجات

ودفع ما حدث ويحدث في حي كافوري وعدد من الأحياء الراقية الأخرى التي طاولها النهب والتخريب والاقتحام، مواطنين في أحياء أخرى من الخرطوم إلى الخروج احتجاجاً على استمرار الاشتباكات العنيفة في العاصمة القومية، بوصفهم متضررين بشدة من المعارك الضارية التي تتخلل هذه الحرب وتكبدوا نتيجتها خسائر فادحة في الأنفس والأموال والممتلكات، فضلاً عن فقدانهم لمعظم الخدمات الضرورية من ماء وغذاء وكهرباء وكذلك خدمات الصحة والعلاج.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وخرج مواطنو أحياء الجيلي في الخرطوم بحري وأم بدة بأم درمان والجريف في الخرطوم في احتجاجات رافضة لوجود ميليشيات الدعم السريع داخل مناطقهم وتعرض ممتلكاتهم للنهب.

وندد المحتجون بالحرب ووجود قوات الدعم السريع داخل أحيائهم، مطالبين بخروجها ومرددين هتافات رافضة للحرب وداعية إلى الأمن والسلام، فيما حاولت قوات من الدعم السريع وقف التحركات وطالبت المحتجين بالعودة لمنازلهم لدواعٍ أمنية.

إذا كانت الأحياء الراقية الأخرى كالرياض والعمارات وغاردن سيتي تضم عدداً من الأثرياء والتجار ورجال أعمال، فإن حي كافوري يعتبر حي "الثروة والسلطة" كما يطلق عليه كثير من السودانيين، وذلك منذ أن انتقل إليه قبل 10 أعوام أشقاء وكل أفراد أسرة البشير، فضلاً عن معظم قيادات الدولة الرفيعة في النظام السابق من وزراء وولاة وغيرهم إلى جانب رجال أعمال بارزين كثر.

تطور الحي

وتطور حي كافوري حديث النشأة في مدينة الخرطوم بحري بسرعة كبيرة حتى أصبح من أرقى أحياء المدينة من حيث العمران المتقدم والفلل الراقية مع كامل سبل الرفاهية والكماليات مثل الحدائق وأحواض السباحة وخلافه.

ويبعد الحي عن قلب الخرطوم نحو سبعة كيلومترات ويمتد على مساحة واسعة تضم حوالى 13 مربعاً سكنياً، وتحده المنطقة الصناعية بحري من جهة الغرب ومزارع حلة كوكو من الجهة الشرقية.

ويطل عدد كبير من منازل الحي على النيل، لكن أكثرها جمالاً في إطلالته الخلابة على النهر الشهير وأفخم البيوت وأكثرها تميزاً ولفتاً للانتباه المنزل الخاص بالسيدة وداد بابكر، الزوجة الثانية للبشير الذي اتخذه لاحقاً مقراً له.

ويعتبر مجمع "النور الإسلامي"، الواسع مساحة والمميز عمارة الذي أسسه أشقاء البشير من أبرز معالم حي كافوري، إلى جانب مساجد عدة وصالات أفراح ومدارس ومستشفيات ومراكز طبية حديثة.

تاريخ كافوري

يعود تاريخ نشأة الحي لعهد الرئيس السابق جعفر النميري الذي أصدر قراراً في سبعينيات القرن الماضي بتحويل تلك المنطقة الزراعية المملوكة لرجل الأعمال اللبناني عزيز كفاوري إلى منطقة سكنية بمصادرة أجزاء كبيرة من أراضي المشروع الزراعي الذي كان يمتلكه كفوري ويزرع فيه ما يقارب ألفي فدان بالقطن سنوياً حتى عام 1929، ومنح القرار كفوري تعويضاً يماثل ربع مساحة أرضه كقطع سكنية.

وكان كافوري استوطن في بداية وصوله إلى السودان في منطقة أم درمان واشترى لاحقاً المشروع الزراعي واجتهد كثيراً في استعادة خصوبة التربة. ومع تحويل المشروع إلى أرض سكنية، تشرد آلاف العاملين وفقدت تلك المنطقة طابعها الأخضر لتحل محله العمارات الشاهقة والفلل الفاخرة التي هي الآن حي كافوري المنكوب.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات