Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بوصلة التحولات الليبية إلى اتجاهات مفاجئة

انفتاح قوى دولية جديدة على المشير حفتر ومحاولات لإبعاده عن الملف السوداني

يمكن القول إن تفاعلات المشهد الداخلي في ليبيا على رغم ما يبدو من جدية بعضها عادية ونتيجة طبيعية لحالة اللبس والارتباك (أ ف ب)

ملخص

تبدو الساحة الليبية في حالة تحولات غير تقليدية، بعضها يتماشى مع تطورات سابقة، وبعضها الآخر منقطع الصلة تماماً بما قبله، وكل ذلك يطرح تساؤلات حول ما إذا كان هذا الحراك المعقد والمتناقض هو تكرار لحالات المسارات الدائرية للصراع في ليبيا أم أنه مقدمة لاختراق حقيقي؟

تبدو الساحة الليبية في حالة تحولات وتطورات غير تقليدية، بعضها يتماشى مع تطورات سابقة، وبعضها الآخر منقطع الصلة تماماً بما قبله إلى حد أنه قد يكون من الصعب تفسيره، وفي الوقت نفسه يواصل المبعوث الدولي عبدالله باتيلي تحركاته واتصالاته بالأطراف الداخلية والخارجية، وكل ذلك يطرح تساؤلات حول ما إذا كان هذا الحراك المعقد والمتناقض هو تكرار لحالات المسارات الدائرية للصراع في ليبيا أم أنه مقدمة لاختراق حقيقي؟

ربما يستحق الأمر أن نبدأ من الظواهر الجديدة بعض الشيء، وأولها انفتاح قوى دولية جديدة تجاه المشير خليفة حفتر، فمن المعروف أن هناك تسريبات سلبية إيطالية عنه على خلفية علاقاته بفرنسا، وهو ما جاء في ضوء التنافس بين روما وباريس حول ليبيا – على رغم أنني وصفت هذا التنافس شخصياً منذ سنوات بأنه وهمي، فكلاهما تحول إلى لاعب ثانوي على الساحة – مع استثناء مكانة إيطاليا من خلال شركة إيني في قطاع النفط الليبي، لكن مراكز أكاديمية إيطالية اشتهرت باستخدام تعبيرات متحفظة ضد حفتر.

تحركات مفاجئة

ومن ثم كانت المفاجأة منذ عدة أسابيع في استقبال رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني لحفتر، وسط أقاويل حول إن هذه التحركات كلها ضمن مساعٍ أميركية لإخراج تسوية في ليبيا وربطها بالمسألة السودانية كما سنأتي على هذا لاحقاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي مشهد انفراجات أخرى، استقبل رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة (التي سحب مجلس النواب الثقة منها)، وفداً مصرياً في العاصمة طرابلس، دون أن يصحب هذا أي بيانات من القاهرة، لكن دلالة الزيارة واضحة وتتمثل في عودة التفاعلات بين مصر وهذه الحكومة ولو بشكل محدود.

ومن ناحية أخرى، رددت مصادر إعلامية أن التحرك الأميركي تجاه حفتر قد أصبح يهدف بشكل أساسي إلى منع أي دعم من قواته أو من جبهته عموماً إلى قوات الدعم السريع بما يؤدي إلى مزيد من تعقيد الصراع السوداني الناشب حديثاً، ولكنه صراع يحمل سمات ومخاطر كبيرة بامتداد زمني ومكاني، علاوة على السيطرة على منافذ الهجرة السودانية من الجنوب بما يزيل هذا الخطر عن أوروبا.

مفارقات باشاغا

وعلى صعيد التفاعلات الداخلية، أقال اجتماع لمجلس النواب الليبي أو بالأحرى عدد من أعضائه، رئيس الحكومة فتحي باشاغا الذي عينه المجلس، ولم يتمكن من تسلم مهام عمله رئيساً للوزراء، وعين بدلاً منه أسامة حماد إلى جانب مهامه وزيراً للمالية.

وقرار سحب الثقة من باشاغا يتضمن كثيراً من الملاحظات فالذين شاركوا في الاجتماع، بحسب بعض المصادر، 15 عضواً بمجلس النواب فقط. ووفقاً لجميع التعليقات من بعض قيادات البرلمان ثم تصريحات صحافية لرئيس المجلس عقيلة صالح فإن هذا القرار يشوبه كثير من الشوائب القانونية، وليس فقط السياسية، ولم يتبع الإجراءات المعتادة في معظم دول العالم ولائحة إجراءات المجلس ذاته من الاستجواب وعقد عدة جلسات على مراحل تنتهي بالإقالة.

والخلفية المطروحة حول سبب إقالة باشاغا تتمثل في فشله في الحصول على التحويلات المالية بسبب رفض مصرف ليبيا تقديم 18 مليار دولار كان مجلس النواب قد وافق عليها في يونيو (حزيران) الماضي له ثم عرض موازنة أخرى أقل ومع ذلك فإن البرلمان رفض اعتمادها لضخامة أرقامها.

وفي الحقيقة أن مفارقات مشهد الإقالة كلها مثيرة للتساؤلات، فالانتقاد الضمني من جانب عقيلة صالح لقرار الإقالة وتلميحات البعض ضد توجهات الأعضاء الذين اتخذوا القرار يشير إلى انقسامات داخل البرلمان تجاوزت الخلافات القديمة، علاوة على تراخي سيطرة رئيس المجلس نسبياً على الأعضاء. وعموماً تظل أمور حكومة باشاغا الذي لم يتمكن من ممارسة عمله تعكس حالة الانقسام والاستقطاب في ليبيا.

اجتماعات المغرب

واستكمالاً لحركة متواصلة منذ فترة، عقدت جلسة جديدة لمجموعة (6+6)، المشكلة من مجلسي النواب والدولة في المغرب، نهاية الأسبوع الماضي، للتصويت على المواد الخلافية في قانون الانتخابات.

واختير المغرب بلداً مستضيفاً للمشاورات الليبية لكي لا يتعرض الأعضاء لضغوط من أطراف محلية، والمعضلة في عمل اللجنة أنها ليست محل قرار نهائي فيما يتعلق بصلاحياتها فالبعض من أعضاء اللجنة كعز الدين قويرب قد قال لقناة روسية إن مخرجات اللجنة ستحال إلى مفوضية الانتخابات بعد إقراره من البرلمان أو يحال مباشرة إلى المفوضية، وهو ما رفضه عضو مجلس النواب علي الصول.

الصول لفت الانتباه إلى عدم قانونية إحالة مخرجات لجنة (6+6) مباشرة إلى مفوضية الانتخابات، معتبراً أن هذا الأمر مفهوم وفق الأعراف الدستورية، موضحاً أن الأوضاع الراهنة لا تشير إلى إمكانية إجراء الانتخابات، خصوصاً أن القوة القاهرة التي حالت دون إجراء الانتخابات السابقة قائمة حتى الآن.

عموماً، خرجت اجتماعات اللجنة هذه المرة بلغة متفائلة فيما يتعلق بالوصول إلى توافق في شأن النقاط المتعلقة بإجراء انتخابات الرئيس وأعضاء مجلسي الأمة والشيوخ. وحدث اتفاق في شأن كثير من تفاصيل إشراك الأحزاب السياسية عبر قوائم حزبية أو ترشحات فردية، وإن كان ليس واضحاً مسألة ترشح العسكريين، والتي كانت متعلقة بحفتر، وكذلك مسألة السماح بترشح سيف الإسلام القذافي.

ترتيب الأوراق

يمكن القول إن تفاعلات المشهد الداخلي في ليبيا على رغم ما يبدو من جدية بعضها عادية ونتيجة طبيعية لحالة اللبس والارتباك في هذه الأوضاع، فكلما طال الوقت باللاعبين الداخليين في مواقعهم ستتبدل التحالفات والمصالح، فعلى سبيل المثال ما حدث مع باشاغا يعكس الاضطراب الذي سيلم بمجلس النواب كلما طال الوقت دون عقد الانتخابات أو حتى ممارسته لعمله بشكل حقيقي بكامل صلاحياته.

كما أن ثمة تساؤلات حول موقع المصالح الشخصية في كل مستويات العمل السياسي في شرق البلاد وغربها، وهي أيضاً سمات كان من الطبيعي أن تقفز أكثر إلى السطح كلما طال الوقت في ظل الأوضاع الراهنة المختلة.

أما ما يشكل تطورات حقيقية في المشهد فهي ما سبق ذكره عن انفتاح إيطالي على جبهة حفتر أو عليه شخصياً، وكذلك الانفتاح المصري على حكومة الدبيبة التي سبق للقاهرة إبداء التحفظ عليها وحدوث تراشق إعلامي بين الجانبين. وفي الخلفية من كل هذا الحديث حول تواصل الجهود الأميركية لتفكيك أو إيجاد مخرج للمسألة الليبية.

المساعي الأميركية هنا تستهدف بالدرجة الأولى فك الاشتباك بين الملفين الليبي والسوداني لضمان عدم حدوث تصاعد في أزمة الخرطوم جراء تدخلات أطراف ليبية محتملة، علماً بوجود أخبار حول احتوائها فعلياً بشكل كبير، ولكن الولايات المتحدة تتحرك في الملف الليبي والملفات الأخرى في المنطقة بأقل كلفة ممكنة دبلوماسياً واستخباراتياً، وتبدو حريصة في الوقت نفسه إلى درجة الحذر الشديد من الإقدام على حركة واسعة تتعرض للإخفاق أو الفشل، وتركز استراتيجيتها على أبعاد روسيا بشكل أساسي من هذه الساحات وعدم تمكينها من ترسيخ نفوذها.

والمشكلة التي تواجهها واشنطن أن هذه الاستراتيجية تفتقر إلى أدوات كافية وتتجاهل سلبية مواقفها في ملفات المنطقة الأخرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والعراق، كما أنها، وهذا هو الأهم لا تزال تفتقر إلى نهج محدد لكيفية التعامل مع مسببات عدم إمكانية عقد الانتخابات وتحديداً مسألة من له حق الترشح والميليشيات المسلحة خارج سلطة الدولة الليبية.

وفي جميع الأحوال ثمة مناخ إيجابي يحيط بالمشهد الليبي، ولكن علينا الانتظار لمعرفة كيفية حسم أسباب ومعوقات الانتخابات بشكل نهائي وواضح، وما هي ضمانات احترام نتائج هذه الانتخابات.

المزيد من تحلیل