Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما مدى صمود "وقف إطلاق النار" في الحرب السودانية؟

"يمكن أن تنجح الولايات المتحدة في استعمال نفوذها وتحقيق مكسب آخر هو ترميم علاقتها مع الرياض بوجودها مع المملكة لحل قضية تهم الدولتين"

بعد أسابيع من القتال بين طرفي النزاع في السودان تم التوقيع على "وقف إطلاق النار" قصير الأمد والترتيبات الإنسانية بمدينة جدة (غيتي)

ملخص

"الولايات المتحدة تراقب الهدنة وتهدد ببعض الإجراءات التي لن تتعدى العقوبات الشخصية على عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو"

منذ إعلانه أثناء الحرب العالمية الأولى في 24 ديسمبر (كانون الأول) 1914 لم يفارق مصطلح "وقف إطلاق النار" الذي عقد وقتها بين فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا من أجل الاحتفال بالكريسماس طاولات المفاوضات، كمقترح من الوسطاء يمكن أن تأخذ به الأطراف المتحاربة أو ترفضه، وكما يتوقع فإنه من الممكن أن تلتزمه أو تخرقه، وأياً يكن الخيار من طرفي الصراع تكن تبعاته، إما مقدمة لحرب شاملة أو إنهاء لها وصولاً إلى السلام، وعلى رغم أنه لم تكن هناك معاهدة لتوقيعها وتم استكمال الحرب العالمية بعدها بأيام، فإنه ترسخ سياسياً وعسكرياً كأحد أدبيات الحروب، ثم جاءت اتفاقية جنيف الأولى 1949، وبنص القانون الإنساني بحسب الاتفاقية، يفاد بأنه "كلما سمحت الظروف يتفق على تدبير عقد هدنة أو وقف إطلاق النار أو ترتيبات محلية لإمكان جمع وتبادل ونقل الجرحى والمرضى المتروكين في ميدان القتال".

 

وبعد أسابيع من القتال بين طرفي النزاع في السودان، الجيش وقوات الدعم السريع، تم في 20 مايو (أيار) الجاري التوقيع على "وقف إطلاق النار" قصير الأمد والترتيبات الإنسانية بمدينة جدة في السعودية بين ممثلي الطرفين، ودخل حيز التنفيذ بعد 48 ساعة، على أن يسري لمدة أسبوع قابلة للتجديد، بوساطة السعودية والولايات المتحدة، وتوفير آلية مراقبة وتنسيق لتتبع انتهاكات الهدنة، ويهدف "وقف إطلاق النار" إلى السماح بإيصال المساعدات الإنسانية عبر ممرات آمنة تسمح أيضاً بتحرك المدنيين بعد مقتل أكثر من 400 شخص، وإصابة أكثر من خمسة آلاف آخرين وفرار نحو مليون شخص، بينما لا يزال الملايين محاصرين في منازلهم، بحسب وزارة الصحة السودانية.

وعلى رغم خرق الهدن السابقة فإنه يؤمل أن يحدث "وقف إطلاق النار" فرقاً في مسيرة الحرب، ذلك أنه بدأ بخرق جزئي، ولكن بإعلان الولايات المتحدة رصدها الخروقات عبر آلية مراقبة، بدأ سريان هدوء نسبي.

 

ويتشابه "وقف إطلاق النار" مع "الهدنة" بأنهما اتفاق ينظم وقف جميع النشاطات العسكرية لمدة معينة، ولكن يختلف "وقف إطلاق النار" بأنه يحدد مناطق تسمح بفتح مسارات آمنة لخروج المدنيين وتوزيع المساعدات الإغاثية والعلاج، والاتفاقان لا يفتحان الباب واسعاً للتفاؤل، لأنهما لا يعنيان نهاية الأعمال العدائية بل وقفاً موقتاً، إذ لا تنتهي الأعمال العدائية إلا بتوقيع اتفاق للسلام، وكما هو متوقع، فإن اتفاق "وقف إطلاق النار" اخترق أيضاً كما اخترقت الهدن من قبل.

أدوات واشنطن

وقالت السعودية والولايات المتحدة إن "هذه الاتفاقية مختلفة لأن الوثيقة المكونة من سبع صفحات وقعت من قبل الطرفين وستدعمها آلية المراقبة، وهي لجنة من ثلاثة أعضاء من كل من السعودية والولايات المتحدة والجيش وقوات الدعم السريع"، أما الهدوء النسبي فقد سبقته تقارير أفادت بانتهاك الجانبين الاتفاق، وقد أعلن فولكر بيرتس رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان "يونيتامس" لمجلس الأمن، الإثنين الماضي، أن "القتال وتحركات القوات استمرت حتى اليوم، على رغم التزام الجانبين بعدم السعي إلى تحقيق ميزة عسكرية قبل سريان وقف إطلاق النار".

وأكد المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر في مؤتمر صحافي الثلاثاء الماضي أن "هناك تقارير بانتهاكات وقف إطلاق النار وهناك آلية مراقبة في السودان تنظر في تقارير خروقات الاتفاق، وستتابع التطورات على الأرض". أضاف "يمكننا أن نتصرف إذا وجدنا خروقات، حين التأكد من خرق الاتفاق ستتم محاسبة منتهكي وقف إطلاق النار". وتابع "لدينا أدوات إضافية لن نتردد في استعمالها إن بدا ذلك ضرورياً، ولن نتردد في استخدام تلك الأدوات في الوقت المناسب"، غير أنه اعترف بأن الوضع معقد في حال اضطروا إلى مساءلة أحد طرفي الصراع، ولكن هناك حوارات دبلوماسية مكثفة معهما ومع الشركاء في المنطقة. وأشار ميلر إلى أن مسؤولي وزارة الخارجية يعقدون محادثات منذ اندلاع القتال مع كبار القادة العسكريين ومسؤولين آخرين من الجانبين وسيواصلون القيام بذلك "للضغط عليهم لوقف العنف عندما نرى انتهاكات لوقف إطلاق النار".

وسائل عقابية

وعن مدى جدية واشنطن في معاقبة مخترقي الهدنة، قال مندوب السودان الدائم السابق لدى الأمم المتحدة السفير عبدالمحمود عبدالحليم "الولايات المتحدة الغارقة في أتون الحرب الأوكرانية ومواجهة الاتحاد الروسي، والمنخرطة في مجابهة الصين في منطقة شرق آسيا ومناطق أخرى بعد انسحابها من أفغانستان، والخارجة بفشل في مبادرات مبعوثيها السابقين في إثيوبيا وصراعات أولئك المبعوثين بين البيت الأبيض والخارجية الأميركية، أتيحت لها فرصة ثمينة مع بداية الحرب في السودان للتحدث بصرامة وإيقاف الحرب ومحاصرة تمددها، لكنها أضاعت هذا الوقت وهذه الفرصة الثمينة وانشغلت بإجلاء رعاياها وتموضع طاقمها الدبلوماسي في جدة".

أضاف عبدالحليم "جاءت الولايات المتحدة متأخرة كعادتها في النزاعات الأفريقية باتفاقية هدنة لم تخاطب بصورة مباشرة موضوع حماية المدنيين، فتحدثت عن مساعدات إنسانية لا يعلم الناس ما هي ولا أين توجد وما مساراتها وأوقاتها، ويبدو أن هناك بعض التقارير غير الحقيقية على أرض الواقع التي تعدها وكالات الأمم المتحدة كعادتها سعياً إلى كسب نقاط مصلحية ومهنية زمن الحروب، لأنها خلت من عناصر رصد الخروقات وبيانها في عاصمة كبيرة كالخرطوم". وتابع عبدالحليم "لا تزال هنالك فرصة للولايات المتحدة لاستخدام نفوذها الأدبي والمعنوي لإرغام وتثبيت وقف إطلاق النار، وهذا النفوذ يكمن في قوة الوسائل العقابية الأخرى، مثل تجميد الأرصدة والعقوبات الاقتصادية والضغط على الشركاء لإيقاف تعاونهم مع الأطراف التي لا تحترم وقف إطلاق النار، والتهديد بتقديم إجراءات مناهضة عبر مجلس الأمن وغير ذلك من الإجراءات القنصلية ضد الأفراد وأسرهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع مندوب السودان الدائم السابق لدى الأمم المتحدة "يمكن أن تنجح الولايات المتحدة في استعمال نفوذها، وتحقيق مكسب آخر هو ترميم علاقتها مع الرياض بوجودها مع المملكة لحل قضية تهم الدولتين، ويمكن أيضاً أن تفشل في المهمتين، فإذا فشلت واشنطن في استخدام نفوذها الأدبي والمعنوي فلن تفلح اتفاقات وقف إطلاق النار، وستزداد لأبعد مدى معاناة المدنيين والعسكريين معاً". وقال أيضاً "ينبغي على الولايات المتحدة الاهتمام بإنجاح هذا المنبر، فهو الوحيد حالياً الذي يجمعها مع السعودية كثنائية دولية في شأن السودان، بخلاف تعقيدات الآلية الرباعية، ونجاحهما قد يدعم جهودهما المشتركة إزاء قضايا أخرى ذات اهتمام مشترك في المنطقة".

التلويح بالقوة

من جانبه، توقع رئيس منتدى الخبرة السعودي أحمد الشهري أن "الهدوء الحالي قد لا يستمر، وأن التزام وقف إطلاق النار قد يخترق مرة أخرى، خصوصاً أن الخروقات بدأت قبل أن يبدأ وقف إطلاق النار بشكل رسمي، وأن طرفي الصراع قد يبدآن بحشد قواتهما لا سيما أن هنالك جهات خارجية مستفيدة من ذلك ولها مصالح من استمرار النزاع، خصوصاً بالنسبة إلى قوات الدعم السريع"، وعن آلية المراقبة بتحديد مخترق اتفاق إطلاق النار والإجراءات التي ستتبعه، قال الشهري "تسعى السعودية والولايات المتحدة إلى إقناع طرفي النزاع بالتزام الهدنة والعودة إلى المسار السلمي في ظل خروقات واضحة وتمدد الصراع لمناطق خارج العاصمة الخرطوم، مما ينذر بتعقد المشهد السوداني".

أضاف رئيس منتدى الخبرة السعودي "الولايات المتحدة جربت العقوبات الاقتصادية من قبل على السودان واستمرت ما يقارب 30 عاماً، والسودان تعايش معها في ذلك الوقت، وليس لدى واشنطن غير العقوبات، بالتالي لن يكون لها أثر في طرفي الصراع خصوصاً إذا لم يكن لديهما أصول في الخارج ليتم تجميدها، وما لم يكن هناك تلويح بقوة عسكرية لمعاقبة الطرف المعطل بنود الاتفاق ومخترق الهدنة، وفق قرار أممي أو من الاتحاد الأفريقي أو الجامعة العربية، فستستمر الخروقات والصراع".

وتابع الشهري "الولايات المتحدة تراقب الهدنة عبر الأقمار الاصطناعية، وتهدد ببعض الإجراءات التي لن تتعدى العقوبات الشخصية على الفريق عبدالفتاح البرهان والفريق محمد حمدان دقلو، وهي عقوبات لن تؤثر في المدى المنظور، بالتالي لا أعتقد أن لدى أميركا ما يمكن أن تجبر به طرفي الصراع إلا التلويح بالقوة العسكرية عبر قرار أممي بقوة تدخل عسكرية، لفض النزاع بين الطرفين كما حدث في يوغوسلافيا".

مصير الإغاثات

من جهة أخرى، يخشى مراقبون من تداعيات اختراق "وقف إطلاق النار" على سير المساعدات الإنسانية والإغاثات الدولية التي يحتاج إليها نحو 25 مليون شخص، إضافة إلى الإمدادات الطبية.

والجدير بالذكر أن وكالات الإغاثة التي تعمل وسط أعمال العنف تكافح من أجل حماية مواد الإغاثة ومنشآتها التي تعرضت من قبل للهجوم أثناء الصراع. وأشار متابعون إلى أن هناك خطراً يكمن في عمليات الإغاثة التي يجري تسييرها في سياق وقف إطلاق النار "وقد يتم استخدامها كورقة مساومة بين أطراف النزاع للحصول على تسويات سياسية أو عسكرية أو لاختبار حسن نوايا الخصم أو قدرته على السيطرة على قواته أو على منطقة معينة". وأوصوا أن "تكون منظمات الإغاثة مدركة هذا الخطر وأن تجري تقييماً للخطر الذي قد يحدث في الميدان لهذا السبب، ويجب ألا تكون المساعدات الإنسانية مشروطة"، كما أن هناك قلقاً على المراسلين الصحافيين الذين يغطون هذه الأحداث بما فيها النشاط الإنساني في مجال المساعدات، وأصدرت نقابة الصحافيين السودانيين بياناً جاء فيه "نقابة الصحافيين ترفض استهداف وترهيب الصحافيين وتحمل أطراف النزاع المسلح المسؤولية الكاملة عن سلامتهم أثناء عملهم في ظروف بالغة التعقيد".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير