Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الهطايا" مهرجان الرعاة التونسي: الأوتاد تقاوم الإرهاب

رعاة من 12 دولة يتحدون أعلى جبال سمامة ضد أيادي الغدر

الأهازيج والموسيقى هزت أعالي جبل سمامة في تونس (اندبندنت عربية)

ملخص

اختيار جبل سمامة بتونس لاستضافة احتفالات الرعاة يمثل رسالة تحد بعد أن شهدت سفوحه خلال السنوات الماضية مواجهات دامية بين الجيش التونسي وعناصر إرهابية بعد نجاحها في التسلل إليه.

هزت الأهازيج والفرح أعالي جبال سمامة في تونس، مع انطلاق مهرجان عيد الرعاة، تلك التظاهرة الثقافية الفريدة ليس لكونها الأولى من نوعها بالمنطقة فحسب، بل لاحتفائها بفئة تقدم طبقاً ثقافياً مميزاً لزائريها.

ويعكس اختيار جبل سمامة لاستضافة احتفالات الرعاة، رسالة تحد خصوصاً أن سفوحه شهدت خلال السنوات الماضية مواجهات دامية بين الجيش التونسي وعناصر إرهابية بعد نجاحها في التسلل إليه، عقب انتفاضة الرابع عشر من يناير (كانون الثاني) 2011.

ويقع جبل سمامة في محافظة القصرين وسط غربي تونس، ويبلغ طوله حوالى ألف وثلاثمئة متر، وهو موجود في منطقة تُعد نائية بالنظر إلى افتقارها للخدمات وغير ذلك، لكن مثل هذه التظاهرات تلفت الأنظار إليها وتكسر العزلة عنها، وفقاً لمراقبين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعرفت تونس بعد الانتفاضة التي أنهت حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، استهدافاً ليس فقط للأمن والجيش من قبل الخلايا الإرهابية بل امتد إلى الرعاة أيضاً، إذ اختطفت جماعة إرهابية في عام 2015 الراعي مبروك السلطاني في ولاية القصرين قبل أن تذبحه وترسل رأسه إلى عائلته في كيس بلاستيكي، وهو نفس الأمر الذي تكرر مع شقيقه خليفة السلطاني في عام 2017 ما ترك حالة من الذعر بين تلك الفئة.

ويعتقد كثيرون أن الرعاة مثل غيرهم بدأوا في النزوح، خلال السنوات الماضية، بسبب العمليات الإرهابية التي عرفتها المناطق التي يقطنونها سواء في القصرين أو الكاف (شمال غرب) أو غيرهما، على رغم أن تونس خطت خطوات كبيرة في معركتها ضد التطرف، ما يجعل مثل هذه التظاهرات تكتسي أهمية خاصة.

احتفاء بالفن والثقافة

الدورة الحادية عشر من مهرجان عيد الرعاة في تونس، شهدت مشاركة 12 دولة هي تونس وليبيا ولبنان والجزائر وباكستان وبلجيكا وسويسرا وإيطاليا وإسبانيا والمكسيك وتشيلي والأرجنتين.

ومن بين الفقرات التي عرفها المهرجان سير الضيوف ومنظمي الدورة على الأقدام في إطار ما يُعرف بطريق الهطايا أي الرعاة الذين ينتقلون من هضاب إلى أخرى.

وقال مدير مهرجان عيد الرعاة في تونس، عدنان الهلالي، إن "هذه الدورة عقدت تحت شعار جبال العالم تلتقي في جبل سمامة من خلال المركز الثقافي هناك وهو أول مركز ثقافي عصري تونسي في المنطقة يحتفي بالفن والثقافة بطريقة لائقة".

وأضاف الهلالي في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أن "عيد الرعاة استضاف فنانين وباحثين من 12 بلداً، وكان اللقاء فرصة لتسليط الضوء على الثقافة الجبلية عموماً لأن عيد الرعاة ليس تظاهرة تراثية فلكلورية إنما هي اهتمام بالفكر والبحث الجامعي".

وأوضح أن "هذه التظاهرة عُقدت في مناطق طاولتها أيادي الغدر والإرهاب ونخرها سوس الإرهاب مثل جبال ورغة وسمامة ومغيلة وسلوم والشعانبي، وهذه مناطق لحقها ضرر بالثروة الطبيعية والنباتية وأيضاً بالذاكرة، إذ تم تحطيم العديد من المعالم والقرى الأثرية والتاريخية مثل هنشير التلة والشعانبي الذي شهد أول مذبحة بحق جنودنا في تونس من قبل الإرهابيين".

الهلالي لفت إلى أن "عيد الرعاة يمثل رسالة أيضاً مفادها أن الجبال التونسية ستبقى مفتوحة على رغم كيد الداء والأعداء لذلك لم نذهب نحو الفلكلور المسطح، نحن في تظاهرة متصالحة طبيعياً مع فضائها وأيضاً تشجع السكان على التمسك بهضابهم على رغم الأوضاع الصعبة والظروف التي يعيشونها، فهي مناطق فقيرة على رغم ثرائها الطبيعي ما يجعل هناك حاجة إلى التصدي للنزوح وغيره".

كانت السلطات التونسية أعلنت خلال عام 2014 جبل سمامة منطقة عسكرية عازلة شأنه شأن مناطق أخرى سواء متاخمة له أو بعيدة منه وذلك مع تصاعد العمليات الإرهابية فيها، لكن ذلك لم يمنع هذا المهرجان من الانتظام هناك.

رمزية كبيرة

تمثل التظاهرات الثقافية في تونس محاولة قوية لتجاوز تحديات الإرهاب، إذ تشهد المناطق التي تتم فيها على غرار ولاية القصرين تهميشاً متنامياً يحول دون وصول الثقافة إليها سواء لغياب البنى التحتية من قاعات سينما ومسارح أو الإمكانيات المادية.

وشهد مهرجان عيد الرعاة العديد من العروض التي شارك فيها فنانون أجانب على غرار الفقرة الموسيقية التي جمعت عازف الناي الباكستاني نياز هونزاي وعازف الناي الشيلي دافيد قيراتر، مع كل من عبروز السبتي من الجزائر ومصطفى الذيبي من تونس ومحفوظ مرزق من ليبيا.

واعتبر الصحافي المتخصص في الشؤون الثقافية، الواثق بالله شاكير، أن "نوعية مثل هذه التظاهرات تبتعد من الجوانب الفلكلورية والمشهدية، لذلك لها رمزية كبيرة خصوصاً في إحياء ذاكرة التونسيين القصيرة جداً".

وقال شاكير في تصريح خاص إن "أحداث الإرهاب التي عشناها بعد 2011 لا يمكن نسيانها أو المرور عليها مرور الكرام وتجاهل المناطق التي شهدت هذه الأحداث لذلك تمثل هذه التظاهرة رسالة مهمة وشهدنا في الواقع تظاهرات مثلها تم إطلاقها في أعالي الجبال والمناطق التي عرفت هجمات إرهابية".

ونبه إلى أن "رمزية هذه التظاهرات أن تونس من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها لا تعترف ولا تحتضن ولا تبرر الفكر الرجعي والإرهابي العنيف، وحتى المناطق النائية والمهمشة والمفقرة اقتصادياً واجتماعياً ومن حيث البنى التحتية والمنشآت في النهاية فيها إحساس كبير بالوطنية والانتماء لتونس وهي ترفض الإرهاب، هي رسائل مهمة لا يمكن تجاوزها".

ورأى أن "من الضروري استمرار هذه التظاهرات، وبعث منشآت في هذه المناطق لإنهاء الشعور بالمظلومية فيها والتهميش، وتصبح وجهة الفنانين والمبدعين، ليس بشكل موسمي فقط بل يمتد ذلك طيلة السنة وأن تصبح مثل هذه التظاهرات مشروعاً دائماً ويبحث عن حلول لهذه المناطق".

ومن غير الواضح في ظل غياب دعم ثقافي واضح إلى هذه المناطق النائية ما إذا ستصمد مثل هذه التظاهرات خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية التي تئن تحت وطأتها تونس.

المزيد من تقارير