Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فيلم فرنسي يدعو جمهور "كان" الى مائدة شهية

روائح الطبخ تمتزج بعطور الحب وتبعد طيف الزواج عن العاشقين

من جو الفيلم الذي يدور في الريف الفرنسي القرن التاسع عشر (ملف الفيلم)

ملخص

روائح الطبخ تمتزج بعطور الحب وتبعد طيف الزواج عن العاشقين

بعد نصف قرن على "الوليمة الكبرى" لماركو فيريري الذي أحدث فضيحة وضجة، عُرض أمس ضمن مسابقة مهرجان "كان" السينمائي (16 -  27 مايو / أيار) "شغف دودان بوفان" للمخرج الفرنسي من أصل فيتنامي تران أن هونغ، وهو فيلم عن الأكل وشغف المطبخ الرفيع، ولكن ليس أي مطبخ، بل المطبخ الفرنسي التقليدي الذي فيه ملذات وأطايب تُعتبر من الفن أكثر منها من الأكل. لكنّ الزمن تغير، فالبورجوازيون الذين كانوا يجتمعون في فيلم فيريري للأكل حتى الانتحار، حلّ مكانهم هنا متذوق كبير للطعام هو دودان (بونوا ماجيميل)، فندخل إلى بيته ومطبخه لنشهد على هذا الشغف الفريد. ذاك أن دودان شاعر الطبخ وفنانه، ومأكولاته أشبه بقصائد. الإدانة السبعيناتية للطبقة البورجوازية في فيلم فيريري عبر استعارة الأكل حتى التخمة، أفسحت المجال هنا للاحتفاء، الإحتفاء بشيء يُعد من ضروريات الحياة ولا يمكن الاستغناء عنه. إلا أن هذه الضروريات تتحول أمام كاميرا تران أن هونغ وتحت أنامل ممثله بونوا ماجيميل فنّاً يفيض بالشعر.

ولكن يجب ألا نعتقد أن الفيلم المقتبس من كتاب السويسري مارسيل روف بالعنوان نفسه (صدر في العام 1924)، هو وثائقي عن كيفية تحضير الأطباق الشهية وكشف أسرار وصفاتها. فنحن أمام شخصيات تنتمي إلى الرواية، نجلس معها إلى المائدة، بعد أن نصبح من المدعويين الدائمين إليها طوال ساعتين. هناك أولاً دودان، صاحب المنزل الريفي الفخم حيث تجري أحداث الفيلم البسيطة، وهناك أوجيني (جولييت بينوش) الطبّاخة الماهرة التي وضعت مهارتها في خدمة دودان منذ عشرين عاماً. ونجد بينهما المتدربة التي من المفترض أنها تتابع وتراقب وتتعلّم منهما بهدف أن تصبح هي نفسها في المستقبل طباخة كبيرة. فهذه الأمور تنتقل من جيل إلى جيل، وهي ثقافة ونضج يسجّلان المذاق في الذاكرة مع الوقت. 

 

الأصدقاء الأربعة لدودان حاضرون دائماً في حياته، ولا يفعلون سوى تذوق آخر ما يخرج من مطبخه من اختراعات ووصفات، فيناقشونها ويبدون الآراء فيها بحماسة لا مثيل لها قد تثير تضحك مَن يعتبر أن الحديث عن هذه الأمور ذروة الرفاهية والترف. لكن الطعام ليس هو الشأن الوحيد الذي يدور عليه الفيلم، فهناك علاقة تتجاوز الطبخ بين دودان وأوجيني. من هذا الشغف المطبخي المشترك، نشأت مع الزمن علاقة غرامية خارج أي تصنيف، فأوجيني كانت ترفض دائماً أن تتزوج من دودان، نتيجة اعتقادها أن الارتباط سيمنعها من الحفاظ على حريتها. ومن أجل الفوز بقلبها وبعد أن تظهر عليها علامات التعب، يقرر دودان أن يطبخ لها، في مبادرة لعكس الأدوار. لكن أوجيني مصرة أن تبقى علاقتهما خارج الإطار الرسمي. "جمال علاقتهما تتأتى من مقاومة الزواج"، كما يقول المخرج في مقابلة منشورة في الملف الصحافي للفيلم. في لقطة أخرى من الفيلم، يسخر دودان من الزاوج مستخدماً جملة مفادها أن "الزواج عشاء نفتتحه بالحلويات". 

 

يشكّل الفيلم قطيعة مع العديد من الأفلام المعروضة هذا العام في "كانّ"، وهي أفلام تحاول أن تكشف وتفضح وتدين وتناهض، في سعي متواصل لتصحيح أومراجعة عالم مملوء بالأزمات. لا شيء من هذا كله في "شغف دودان بوفان"، الذي يكتفي بالاحتفاء بالحياة، متناولاً مفهوماً فرنسياً وإبيقورياً جداً في هذا الاحتفاء، فلا لذة فوق لذة الأكل. 

كل شيء يمتاز بالرقة في الفيلم، لدرجة نكاد نشتم الروائح الزكية التي تتصاعد من الأطباق التي يرينا الفيلم كيفية تحضيرها بالتفاصيل المثيرة وبحسية عالية. أما الطبيعة الخضراء التي يدور بعض فصول الحب بين دودان وأوجيني فيها، فهي الآخر كفيلة بإعطاء الفيلم رومنطيقية جميلة.  

يعيدنا الفيلم إلى الماضي (القرن التاسع عشر)، بعيداً من كل الهواجس الحالية التي تثقل كاهلنا، وقد يشكّل هذا التحرر من القيود كابوساً لخبراء التغذية الذين يحذّرون من مخاطر السعرات الحرارية طوال الوقت. هذا فيلم لا يملك قضية سوى الاحتفاء بالجمال. حسناً فعل تران أن هونغ في التركيز على الإيجابيات، خصوصاً أنه أعطى الكلام لشخصيتين أصبحتا في "خريف عمرهما" (كما يشدد دودان دائماً في الحديث عن هذه المرحلة من حياته). فهذا الموضوع لا يجد حيزاً له داخل السينما الميالة في العقود الأخيرة إلى وضع الأصبع على المناطق المشتعلة وخطوط النار. 

يبقى ان نفكّر في الكيفية التي يتلقى بها رئيس لجنة التحكيم روبن أوستلوند فيلماً هو نقيض فيلمه "مثلث الحزن" الذي نال عنه "السعفة" العام الماضي، وعرض فيه مجموعة أثرياء يتقيأون ما يأكلونه على سفينة سياحية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول المخرج تران أن هونغ: "كان جان أنتلم بريا سافاران، وهو ناقد طعام من القرن التاسع عشر، وأول من ألف كتاباً عن فلسفة فنّ الطهو. كتاب رائع يجب مطالعته. استوحيتُ منه الكثير. نعلم كيف، في لحظة معينة، نظّمت فرنسا كل شيء في هذا المجال. كان الفرنسيون هم الذين يقررون إعداد الطبق بهذه الطريقة وليس بأخرى. والفرنسيون هم الذين قرروا كيفية ترتيب الطاولة، مع مسلتزمات المائدة والأكواب لاستخدامها في هذا الطبق أو ذاك. وندين لهم أيضاً بتناوب النكهات من خلال ربطها بالنبيذ. فرنسا

أرض متنوعة وغنية إلى درجة كبيرة. ليس من قبيل الصدفة إذا كان المطبخ الفرنسي هو الأول في العالم. 

أما عن ذكر الطباخين الفرنسيين الكبيرين، أنتونان كاريم وأوغوست إيسكوفييه، على لسان دودان في الفيلم، فيقول المخرج: "كان من الضروري إعطاء صورة دقيقة عن تعاقب العباقرة في فن الطبخ خلال تلك الحقبة. ثلاثة عشر عاماً فقط تفصل بين وفاة أنتونان كاريم وولادة أوغست إسكوفييه الذي أسس مع سيزار ريتز أمبراطورية المطبخ الرفيع في أوروبا داخل القصور في موناكو ولندن وباريس. إسكوفييه وريتز أول مَن أدركا أهمية جمال الأماكن والضوء في فن المطبخ. إلى اليوم، عندما يمر الطهاة الكبار في أزمات وجودية، يفتحون كتاب إسكوفييه ليجدوا فيه الإلهام والطاقة. مؤلفه في هذا المجال يبقى كتابهم المقدس".

اقرأ المزيد

المزيد من سينما