Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البلغاري غوسبودينوف حاز بوكر الدولية لهروبه من الزمن

رواية تدعو للعودة الى الذكريات ومواجهة مرض النسيان بروائح الماضي

 الروائي جورجي غوسبودينوف والمترجمة أنجيلا روبل (موقع البوكر)

ملخص

رواية تدعو للعودة الى الذكريات ومواجهة مرض النسيان بروائح الماضي

حاز الكاتب والشاعر البلغاريّ جورجي غوسبودينوف (مولود سنة 1968 في بلغاريا) جائزة بوكر الدوليّة عن روايته الثالثة "ملجأ من الزمن" وقد ترجمتها إلى الإنجليزية أنجيلا روديل (Georgi Gospodinov, Time Shelter, trans. Angela Rodel).

ومن الجدير ذكره أنّ هذه الجائزة تختلف عن جائزة البوكر أو ما كان يُسمّى بالمان بوكر لغاية العام 2019. فجائزة البوكر التي عرف العالم العربيّ مثيلاً لها منذ العام 2008 (الجائزة العالميّة للرواية العربيّة- بوكر العربيّة) إنّما هي جائزة بريطانيّة مخصّصة للأعمال المكتوبة بالإنكليزيّة والصادرة في بريطانيا وإيرلندا. كان اسم هذه الجائزة بوكر البريطانيّة بين العامين 1969 و2001 ثمّ لمّا تولّت تمويلها شركة Man Group تحوّل اسمها إلى مان بوكر بين العامين 2002 و2019 لتعود اليوم إلى اسمها الأوّل بعد أن توقّف تمويلها من قبل هذه الشركة.

أمّا الجائزة التي تمّ تسليمها في حفلة أقيمت أول من أمس في لندن، ونالها البلغاريّ غوسبودينوف، فهي جائزة فرعيّة أو ما يُسمّى بجائزة شقيقة للبوكر الأساسيّة وهي مخصّصة للأعمال العالميّة المنقولة إلى الإنجليزيّة، بغضّ النظر عن جنسيّة صاحبها، وهي تُمنح كلّ عام منذ سنة 2005 لعمل تمّت ترجمته إلى الإنجليزيّة مع توزيع القيمة الماليّة مناصفة بين المؤلّف الأصليّ للعمل والمترجم الذي نقل النصّ من لغته الأصليّة إلى الإنجليزيّة، والقيمة الماليّة للجائزة قدرها 50 ألف جنيه إسترليني أو ما يربو بقليل على 63 ألف دولار.

لكنّ القيمة الفعليّة لهذه الجائزة تكمن في الترجمات الكثيرة التي يحصل عليها العمل وفي الشهرة الهائلة التي يحصدها صاحبه، وفي رقم المبيعات الهائل الذي يحقّقه الكتاب في المكتبات وبين القرّاء الإنجليز والأنغلوسكسونيين.

 

ويمكن اعتبار البوكر أوالبوكر الدوليّة جائزة تضاهي غونكور الفرنسيّة بالشرعيّة التي تسبغها على الكاتب وبتأثيرها الهائل على أرقام المبيعات، وعلى شهرة الكاتب وتضاعف ترجمة أعماله إلى لغات أخرى. تضمن البوكر الدوليّة ازدياد عدد قرّاء الكاتب الفائز باللغة الإنجليزيّة، وبلغته الأمّ، وفي الحقل الأدبيّ العالميّ ككلّ. وتكمّل الجائزتان إحداهما الأخرى نظراً إلى أنّ الأولى تكافئ عملاً كُتب بالإنجليزيّة والثانية تكافئ عملاً مترجماً إليها، ليكون القارئ الأنغلوسكسونيّ محاطاً بأجمل – وأفضل - ما يُكتب بالإنجليزيّة وما يُترجم إليها على حدّ السواء.

 رواية الهرب إلى الماضي

متفوّقاً على خمسة متنافسين بلغوا القائمة القصيرة ومن بينهم الفرنسيّة ماريز كوندي المرشّحة لنيل جائزة نوبل للأدب، فاز الكاتب البلغاريّ جورجي غوسبودينوف بجائزة البوكر الدوليّة عن روايته "ملجأ من الزمن" ليكون أوّل كاتب بلغاريّ ينال الجائزة. وجورجي غوسبودينوف كاتب مُكرّس عالميّاً وقد تمّت ترجمة أعماله إلى الإنجليزيّة وغيرها من اللغات تبلغ الـ25 لغة حتّى قبل نيله البوكر الدوليّة. فهو يُعدّ من أكثر الكتّاب البلغاريّين المعاصرين شهرة ونجاحاً، وهو منذ سنة 1989 أكثر الكتّاب البلغاريّين ترجمة من بين أترابه، ويحمل شهادة الدكتوراه في الأدب البلغاريّ الحديث.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويبدو جليّاً هوس هذا الكاتب بالوقت والذاكرة والماضي،  ويظهر من ثيمة روايته ميله إلى اللجوء إلى الحنين والنوستالجيا هرباً من الواقع والمستقبل. تدور أحداث هذه الرواية حول عيادة الدكتور غوستين التي تقع في زيوريخ  - سويسرا وهي "عيادة الماضي" يعالج فيها الدكتور غوستين ومساعده الراوي، مرضى الألزهايمر عبر خلق غرف من الماضي تعود كلٌّ منها إلى حقبة زمنيّة ولّت. فيتنقّل المرضى بين الغرف المجهّزة خصّيصاً بأشياء وروائح وأغراض من حقبة معيّنة لتعيد لهم الهدوء والطمأنينة والسلام. وكأنّ هذه العيادة مخصّصة للعودة بمرضاها إلى الوراء، إلى الزمن الجميل هرباً من الواقع ومآسيه والنسيان الذي يحفّه.

لكنّ هذه العيادة تتحوّل بمفهومها العلاجيّ إلى مفهوم فلسفيّ بشريّ، عندما يصير يجيء إليها أناس غير مصابين بأمراض الذاكرة، يتوافدون عليها هرباً من حاضرهم. تشهد العيادة توافد أشخاص غير مصابين بمرض الألزهايمر، إنّما يريدون فقط الهرب من أهوال الحياة العصريّة، ليتحوّل السرد إلى ساحة حرب مع الحاضر والملجأ الوحيد فيها هو الماضي. من هنا عنوان الرواية "ملجأ من الزمن". وكأنّ هذه العيادة بغرفها التي تعود إلى الماضي، هي آلة هرب من قنابل الحاضر والزمن ووسيلة هرب واختباء في زمن بعيد، زمن ما قبل الحرب الروسيّة الأوكرانيّة أو ما قبل خروج بريطانيا من الاتّحاد الأوروبّيّ أو غيرها من الأمور التي تعقّد الحاضر لأهله.

واللافت في النصّ هو أنّ كلّ غرفة مخصّصة لعقد من القرن العشرين لتكون الرواية نوعاً من إعادة قراءة للقرن بأسره وكأنّه تغلغل في النفس البشريّة والنفس الأوروبّيّة والتاريخ الإنسانيّ وتاريخ الأوطان.

رواية فلسفيّة 

بشيء يذكّر بكتّاب أوروبّا الشرقيّة مثل التشيكيين فرانز كافكا (1883-1924) أو ميلان كونديرا (1929)،  أي بشيء من الحزن والنوستالجيا والقلق الوجوديّ والهرب من الحاضر والتوغّل في النفس البشريّة، يخلق جورجي غوسبودينوف رواية تطرح أسئلة إنسانيّة تتعلّق بالزمن والعلاقة بالذكريات وبالماضي، يخلق رواية أجمع أعضاء لجنة التحكيم على أنّ فيها المضحك والغريب والمخيف، لأنّ الطبيب المعالج إنّما يعبث بمفهوم الوقت والزمن والذكريات ويتيح للمرضى ولغير المرضى من زوّار عيادته أن يهربوا من حاضرهم إلى ماضيهم وذكرياتهم، عبر الغرف التي يخلقها والتي ترجع بهم إلى عقود القرن السابق. يكتب جورجي غوسبودينوف في أحد المواضع من روايته: "صدّقوني، سيأتي يوم، وقريباً جدّاً، ستبدأ فيه غالبيّة البشر بالعودة إلى الماضي من تلقاء نفسهم، سيبدأ الناس بـ"فقدان" ذاكرتهم إراديّاً وعن طيب خاطر. سيأتي يوم نرى فيه الناس يتهافتون أكثر فأكثر للاختباء في مغاور الماضي ملتفتين إلى الوراء، وليس لحبور فيهم على فكرة. نحتاج إلى الاستعداد عبر إقامة ملاجئ مكوّنة من الماضي. يمكنكم أن تسمّوها ملاجئ من الزمن".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة