Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فنانو تونس يحنون لعهد بورقيبة: كان حاملا لمشروع ثقافي

الفن ليس مجرد وسيلة للترفيه بل هو أعمق بكثير والرئيس السابق كان يعي ذلك جيداً

كان بورقيبة يصطحب معه الراقصتين زينة وعزيزة في زياراته الخارجية (وسائل التواصل)

ملخص

لا يزال بورقيبة يحظى بشعبية كبيرة لدى التونسيين على رغم مرور عقود على رحيله

لا يزال طيف الزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة ماثلاً بعد عقود على رحيله لدى عدد من الفنانين الذين لا يخفون حنينهم إلى عهده لاعتبارات عدة، يبقى أبرزها أنه يبجلهم، بحسب ما يقولون، فيما ترجع أوساط ثقافية هذا الحنين للنظرة التي كان يملكها بورقيبة إلى المجال الثقافي، شأنه في ذلك شأن السياسات العامة للدولة في عهده.

وتولى بورقيبة مقاليد الحكم في تونس بعد استقلالها في الـ 20 من مارس (آذار) 1956 قبل أن يسقطه الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) 1987، ليكمل الرجل الذي كان ينظر إليه بشكل كبير على أنه أحد أبرز المسهمين في حصول تونس على استقلالها بقية حياته قيد الإقامة الجبرية في مسقط رأسه في ولاية المنستير شرق تونس.

ويتداول كثير من الأوساط الثقافية في تونس أن بورقيبة كان يمنح أولوية للفنانين التونسيين الذين أصبحوا يواجهون تهميشاً متزايداً بعد ذلك، خصوصاً في السنوات التي تلت انتفاضة الـ 14 من يناير (كانون الثاني) 2011 التي جعلت غالبية التونسيين ينصرفون إلى الخلافات السياسية التي تشهدها البلاد.

مبجلون عنده

ويتردد دوماً اسم بورقيبة، لا سيما أنه لا يزال هناك انقسام حول الأسس التي وضعها للدولة التونسية، فهو في عيون أنصاره ومحبيه علماني أفنى حياته في سبيل استقلال البلاد وتحريرها من المستعمر الفرنسي، ثم بناء الدولة الوطنية بمؤسساتها التعليمية والصحية وغيرها.

أما في عيون منتقديه فهو مستبد بعد أن أقر الحكم مدى الحياة قبل أن يطيحه بن علي ويسحق خصومه وفي مقدمهم الإسلاميون وحتى عدد كبير من اليساريين الذين زج بمعظمهم في السجون خلال فترة حكمه.

لكنه في عيون الفنانين الذين عاصروه حاكم آخر لا يجدون مثيلاً له بعد رحيله، إذ يقول الفنان الشعبي التونسي الهادي حبوبة إن "الفنانين التونسيين كانوا مبجلين عند الزعيم الحبيب بورقيبة، وكان يستقبلنا في قصره ويكرمنا بخلاف ما شهدناه بعده".

ويضيف حبوبة في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أن "هناك حتى من يعتقد أن الزعيم بورقيبة كان يقف خلف منع بعض أنواع الموسيقى في الإذاعة مثل المزود الذي أؤديه، لكن هذا غير صحيح لأننا كنا نؤدي أغاني المزود بحضوره في منزله أو في القصر الرئاسي".

من جانبها تقول المغنية التونسية ليليا الدهماني إن "بورقيبة كان يحب الغناء والمغنين والمطربين التونسيين بشكل عام"، موضحة أن "بورقيبة كان دوماً يطلب مني الحضور إلى القصر للغناء، وإذا تلقيت اتصالاً من القصر في بعض الأوقات المحددة فهذا يعني أن الرئيس يريد أن أزوره".

وبسبر أغوار التاريخ واهتمامات بورقيبة بالثقافة في بلاده فلا يقتصر تركيزه على الغناء، إذ تشير الأوساط الثقافية التونسية إلى أنه كان معجباً برقص زينة وعزيزة، وهما من الأسماء الشهيرة في البلاد وممن سطع نجمهم في ميدان الرقص على خشبات المسرح التونسي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشير بعض المصادر إلى أن بورقيبة كان يصطحب معه الراقصتين حتى خارج البلاد في زياراته إلى نظرائه، وأنهما اعتزلتا الرقص بعد انقلاب عام 1987، إذ لم يكن بن علي يهتم كثيراً بالثقافة الفنية في تلك الفترة.

وزينة وعزيزة في الواقع هما شاذلية ومحبوبة بوزيان، وفيما توفيت زينة فإن عزيزة لا تزال على قيد الحياة، وقالت في تصريحات سابقة لوسائل إعلام إنها واجهت ما سمته "النكران بعد رحيل بورقيبة" على رغم ما قدمته رفقة شقيقتها زينة للرقص الشعبي في البلاد.

حامل لمشروع ثقافي

وينظر إلى بورقيبة في تونس من قبل كثيرين على أن له مشروعاً ثقافياً بالتوازي مع المشروع السياسي والخيارات الاقتصادية، بينما يرى هؤلاء أن الفنانين التونسيين لم يعودوا يتمتعون بالحظوة نفسها من قبل الحكام الجدد.

وفي حين كان الفنانون يحظون باستقبال رسمي لدى الرئيس بورقيبة إلا أن الأمر لم يعد كذلك خلال السنوات الأخيرة على رغم إنشاء كثير من النقابات وغيرها من أجل الدفاع عن حقوقهم.

وفي مارس 2021 التقى الرئيس الحالي قيس سعيد نقابة الفنانين، وهي من اللقاءات النادرة التي تتم بين نقابات فنية والسلطات في تونس.

وقالت الصحافية المتخصصة في الشؤون الثقافية ريم قاسم إنه "من الطبيعي أن يكون للفنانين حنين إلى عهد الزعيم بورقيبة لأنه كان يهتم كثيراً بالفن والفنانين حتى وإن لم يكن يغدق عليهم المال، لكنه كان يهتم بهم وبمشكلاتهم ويحضر حفلاتهم وهذا مهم جداً للفنان ومحفز له، بل يعد لحظة فارقة في مسيرته أن يكون في صدارة الصفوف في قاعة العرض رئيس الدولة، وبورقيبة كان معروفاً بحبه للفن والأصوات الجميلة والطرب الأصيل، وكان يشجع الأصوات التونسية وكذلك العربية، وهو من أطلق لقب فنان العرب على المطرب محمد عبده، ومنح بعض الفنانين وسام الجمهورية التونسية ومنهم فهد بلان وصباح فخري وغيرهما".

وتابعت قاسم في تصريح خاص أن "بورقيبة هو باني تونس الحديثة، وكان حاملاً لمشروع ثقافي لا سياسي فقط، وجعل من تونس منارة للثقافة والتحديث، وجعل على رأس وزارة الثقافة كاتباً هو محمود المسعدي، واليوم تبدو الأوضاع مختلفة لا سيما في وزارة الشؤون الثقافية، فبورقيبة كان دائماً ما يدعو كبار الفنانين إلى تونس مثل أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش ووردة ومحمد العزبي ووديع الصافي وغيرهم كثر، حتى إن بعضهم غنى لتونس وتغنى ببورقيبة بالذات".

وتابعت، "هناك أغان مسجلة إلى اليوم في المدونة الموسيقية العربية، وكان يرافقه في سفره إضافة إلى أعضاء الحكومة ورجال السياسة والاقتصاد بعض الفنانين أيضاً، مثل الراقصتين الشهيرتين زينة وعزيزة اللتين رافقتاه أكثر من مرة في زياراته الخارجية، ولذلك فمن الطبيعي اليوم أن نجد فنانين يتحسرون على قيمة الفنان في زمن بورقيبة الذي خصص مسرحاً صغيراً وهو ’مسرح الجيب‘ في القصر الرئاسي، وكان يقيم حفلات يحضرها السياسيون والمثقفون والدبلوماسيون".

وترى الأوساط الثقافية التونسية أنه لم يتم الاستعانة بالفنانين خلال السنوات الماضية سوى في الحملات الانتخابية التي يقوم بها السياسيون في مسعى إلى استمالة الناس، وهو "ما قد يفسر الحنين لعصر الرئيس بورقيبة".

وقالت قاسم إن "اهتمام بورقيبة بالثقافة ليس بريئاً ولا من باب الصدفة أو مجرد الرغبة في الترفيه عن الذات، فالثقافة ليست وسيلة للترفيه بل هي أعمق بكثير، وبورقيبة كان يعي ذلك جيداً".

واستدركت قاسم قائلة إن "الرؤساء الذين تعاقبوا على الحكم لا يتذكرون الفنانين إلا في حملاتهم الانتخابية، فيدعونهم إلى قصورهم بحجة الرغبة في الاستماع إلى مشكلاتهم، والحال أنهم إلى اليوم ينتظرون المصادقة على قانون الفنان، ووضع كثير منهم هش، وكلما تعرض أحدهم إلى وعكة صحية تتعالى أصوات زملائه لتنظيم حملة تضامنية من أجل المساعدة على التكفل بالعلاج، ويظل بعض في انتظار دعم من الوزارة قد يأتي وقد لا يأتي، فمن المفروض أن يحظى الفنان بمكانة تليق به وبما قدمه من فن لبلاده وللمدونة الموسيقية العربية بوجه عام"، بحسب قاسم.

اقرأ المزيد

المزيد من فنون