ملخص
وثائق الأرشيف الوطني البريطاني المفرج عنها أخيراً كشفت بعض النقاشات الشفوية التي دارت في اجتماع بين أعضاء فريق عمل معني بالإرهاب في بروكسل عام 1993 حول دور المجموعات المتطرفة في تنفيذ الهجمات.
شهدت أوروبا خلال تسعينيات القرن الماضي، عودة نشاط الجماعات والشبكات اليمينية المتطرفة التي استهدفت أفراداً وجموعاً بشرية ومنشآت مدنية وحكومية، حيث كان لليمين المتطرف في القارة العجوز تاريخ طويل من ممارسة العنف وتنفيذ أعمال إرهابية.
تشير وثائق الأرشيف الوطني البريطاني، المفرج عنها أخيراً، إلى بعض النقاشات الشفوية التي دارت في اجتماع بين أعضاء فريق عمل معني بالإرهاب، واحتضنته العاصمة البلجيكية بروكسل، في 15 يوليو (تموز) 1993.
تحدث فريق العمل عن نشاطات المجموعات المتطرفة في دول الاتحاد الأوروبي بما فيها بريطانيا، بينما تضمنت إحدى الوثائق استعراضاً للحوادث الإرهابية التي شهدتها الساحة الأوروبية في العام نفسه.
الجيش الجمهوري الإيرلندي
كشفت الوثيقة السرية المرتبطة بنشاطات الجيش الجمهوري الإيرلندي الموقت، أن وفد لندن أبلغ فريق العمل بأن الهجمات الإرهابية من جانب جيش PIRA في كل من إيرلندا الشمالية وبريطانيا، استمرت على نفس المستوى المرتفع الذي نوقش في الاجتماع السابق له.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفقاً للوثيقة نفسها فإن الأنشطة الإرهابية للجانب الموالي في إيرلندا الشمالية صنفت "على مستوى عال، ولم يطرأ أي تغيير على مستوى التهديد الذي تشكله هذه الجماعات، ومن جانبها تواصل قوات الأمن بذل الجهود اللازمة للتصدي لهذا التهديد."
كان PIRA الاسم المختصر للجيش الجمهوري الإيرلندي الموقت، وهو منظمة شبه عسكرية وجيش موقت سعى لتحرير إيرلندا الشمالية من الحكم البريطاني وإعادة توحيدها مع الجمهورية الإيرلندية. وبعد عقود من الهجمات الإرهابية الدامية، لجأ هذا الجيش إلى الحل السياسي، حيث بدأت عام 1993 المفاوضات بين طرفي النزاع وامتدت لقرابة خمس سنوات.
وأعلن الجيش الجمهوري وقف إطلاق النار مطلع 1997، وفي العام نفسه التقى رئيس حزب شين فين، جيري آدمز مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير. ونتج من اللقاء اتفاق بلفاست وأهم بنوده إقرار بريطانيا تشكيل مجلس حكم مستقل ومنتخب في إيرلندا الشمالية إضافة إلى تقاسم السلطة واستفتاء على توحيد إيرلندا.
"رارا" الهولندية
أما الوفد الهولندي فقد قدم لفريق العمل تقريراً بأنشطة مجموعة RARA التي أعلنت مسؤوليتها عن التفجيرات والهجمات التي استهدفت وزارة الشؤون الاجتماعية والمقر الخاص لوزير الدولة لشؤون العدل، حيث تعارض المجموعة سياسة حكومة أمستردام في ما يتعلق بقوانين اللجوء، والتي تعتبر مقيدة ومعقدة للغاية.
و"رارا" هو الاسم المختصر لمجموعة العمل الثوري المناهض للعنصرية في هولندا، وهي جماعة يسارية قامت بشن حملات إرهابية عدة خلال الفترة الممتدة من عام 1980 حتى 1993.
وكلمة RARA تعني باللغة الهولندية "خمن من نحن؟"، وعلى رغم أن الهجمات الإرهابية والتفجيرات التي شنتها هذه المجموعة أثارت الهلع والخوف بين السكان في هولندا وتسببت في الكثير من الأضرار المادية، إلا أنها لم تسفر عن سقوط وفيات.
تفجيرات إيطاليا
وحول التفجيرات الإرهابية التي شهدتها روما، في التسعينيات أيضاً، تشير الوثيقة إلى أن الوفد الإيطالي المشارك في اجتماع بروكسل، يعتقد أن التفجيرات والاغتيالات التي شهدتها العاصمة لم تكن بفعل الجماعات الإرهابية بل ترتبط بأجندة سياسية أجنبية.
آنذاك قال الوفد الإيطالي "إن التفجيرات في روما وفلورنسا لم تكن من عمل الجماعات الإرهابية. على سبيل المثال يجب اعتبار مقتل السيد محمد حسين نقدي، وهو من المقربين للرئيس الإيراني الأسبق أبو الحسن بني صدر، استمراراً لنشاطات المسلمين."
ومحمد حسین نقدي هو دبلوماسي إيراني رفيع المستوى التحق بالسفارة الإيرانية في روما عام 1981 ولكن بعد ثمانية أشهر أعلن انشقاقه عن النظام الإيراني وسلم جواز سفره الدبلوماسي إلى المسؤولين الإيطاليين والتحق بالمعارضة الإيرانية المقربة من أول رئيس إيراني بعد الثورة أبو الحسن بني صدر. واغتيل نقدي في 16 مارس (آذار) 1993 بروما.
لكن في إيطاليا أيضاً كانت الجماعة اليمينية المتطرفة New Order الأكثر إرهاباً بين المجموعات اليمينية المتطرفة، ففي أغسطس (آب) 1980، فجر عضوان من خلية منشقة عن المجموعة محطة قطار بولونيا، مما أسفر عن مقتل 85 وإصابة أكثر من 200 شخص. وتعتبر المجموعة أول جماعة إرهابية كبرى تظهر في إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية، وسعت إلى الإطاحة بالديمقراطية وإعادة الديكتاتورية الفاشية التي حكمت البلاد تحت حكم موسوليني قبل الحرب.
GRAPO في إسبانيا
الوفد الإسباني بدوره أزاح الستار عن انخفاض كبير وتراجع في قدرات مجموعة GRAPO على شن هجمات إرهابية، وذلك بسبب اعتقال أو وفاة العديد من النشطاء الأكثر خبرة في هذه المنظمة المصنفة إرهابية، والتي كانت تعمل بجانب منظمة الباسك المطالبة بالاستقلال عن إسبانيا (إيتا).
وتشير الوثيقة إلى أن الوفد الإسباني المشارك في المؤتمر رحب بفعاليات المؤتمر وبالتعاون الدولي لمكافحة الإرهاب الذي أسفر عن نتائج جيدة في حالة مكافحة "إيتا"، مؤكداً أنه "لا يستبعد إمكانية وقوع هجمات جديدة، بالنظر إلى مثابرة هذه المجموعة. وبين فبراير (شباط) ويوليو (تموز)، نفذت المنظمة 7 هجمات، مما تسبب في مقتل 9 أشخاص وإصابة 29 بجروح وأضرار مادية مختلفة في المؤسسات العامة والخاصة.
مجموعة R F A بألمانيا
وشدد الوفد الألماني على أن موجة العنف القائم على كراهية الأجانب التي يشهدها بلده لا تحرض عليها المنظمات الإرهابية. وعلى رغم وجود جهود تسلل من قبل أيديولوجيي اليمين المتطرف، فلا يوجد شك في وجود روابط مع أحزاب اليمين المتطرف، وفقاً لتقرير برلين في الاجتماع.
وبعد حادثة 27 يونيو (حزيران)، اعتقل عضوان من مجموعة جمهورية ألمانيا الاتحادية، توفي أحدهما في ظروف لم يتم توضيحها بعد، لكن المجموعة أصدرت بياناً أشارت فيه إلى عزمها على التراجع.
واعتبرت المجموعة أن رد السلطات الألمانية كان تجاهلاً لسياسة اليد الممدودة التي أعلنت عنها، ومع ذلك، فإن البيان المعتدل إلى حد ما كان مصحوباً بتصريحات من جانب مؤيدي جمهورية ألمانيا الاتحادية، الذين هم أكثر تشدداً.
وRFA هو مختصر لجمهورية ألمانيا الاتحادية، وكان أنصار هذا التيار يطالبون بأن تكون بلادهم الوريث الشرعي الوحيد للرايخ الألماني، الذي تم حله خلال الاستسلام عام 1945.
وتعد ألمانيا الغربية من أكثر البلدان الأوروبية خصوبة لنمو التطرف، حيث أسهمت عملية تدفق اللاجئين وتوافد الأجانب والمسلمين في تعزيز موقف الأحزاب اليمينية المتطرفة وتوسيع الشبكات العنيفة، فازدادت الكراهية ضد الأجانب، وظهرت مجموعة "النازيون الجدد" وهي جماعة متطرفة مرتبطة بشكل مباشر بأفكار وممارسات وأفعال الحزب النازي وهي من الجماعات اليمينية المتطرفة، التي تحمل أفكاراً معادية للسامية.
مجموعة "إيلا" اليونانية
وأمام الاجتماع أبلغ الوفد اليوناني المؤتمرون عن سلسلة من التفجيرات منسوبة لمجموعة ELA، والتي تسببت في أضرار مادية.
ظهرت مجموعة "إيلا" في عام 1975 وأصبحت أكثر المنظمات الإرهابية نشاطاً في اليونان، حيث نفذت ما يقرب من 250 هجوماً ضد مجموعة واسعة من الأهداف، قبل الإعلان عن عمليتها الأخيرة في عام 1994.
وفي اليونان تعد حركة النضال الثوري من أخطر المجموعات المتطرفة، حيث تبنت عشرة اعتداءات بالقنابل ضد أهداف حكومية ومصارف وهي مدرجة على لائحة المنظمات الإرهابية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، منذ العام 2003.
دول داعمة للإرهاب
الوثيقة تحدثت عن نقاشات دارت في الاجتماع الأوروبي حول دور الدول والجماعات في الأنشطة الإرهابية مركزة على ثلاث دول وهي إيران والعراق والسودان.
وأدت مناقشة مستفيضة آنذاك إلى استنتاج مفاده بأن إيران لا تزال تشكل تهديداً حقيقياً، غير أن عدة وفود شددت على الاهتمام بمواصلة الحوار النقدي مع هذا البلد، وإن تمسكت بأن دعم طهران للإرهاب الدولي غير مقبول.
وفي ما يتعلق بالعراق، لوحظ أن قدرة هذا البلد على الترويج للإرهاب قد انخفضت بعد التدابير التي اتخذها المجتمع الدولي، ولا سيما في الحالة الأوروبية، وهو ما يعرف بخطة ألفيري.
وفي حالة السودان، جرى الحديث عن "وجود عدد كبير من أعضاء الجماعات الإرهابية يثير القلق، وما زال موقف الحكومة السودانية بحاجة إلى توضيح".
وعلى رغم الجهود المبذولة لمعالجة أسباب التطرف في المجتمعات الغربية لا تزال هياكل التطرف قائمة في هذه البلدان، حيث تشير التقارير الصحافية إلى أنه منذ اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، انخرط الكثير من المتطرفين الأوروبيين في ساحات القتال كمتطوعين لمساندة الأوكرانيين في القتال ضد الروس. وفي مارس 2022 دعت سبع دول أوروبية هي فرنسا وهولندا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا ولوكسمبورغ وبلجيكا، مواطنيها إلى عدم الذهاب إلى ساحات القتال في أوكرانيا أو الانخراط في القتال ضد الروس.
تدابير أممية
تشير تفاصيل جلسات اللجنة السادسة في الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، المنعقدة في 3 أكتوبر (تشرين الأول) 2022 والتي باشرت برنامج عملها بالنظر في تدابير مكافحة الإرهاب الدولي، إلى أن الوفود المشاركة أجمعت على الدعوة إلى اتخاذ تدابير أكثر فعالية لمكافحة الإرهاب و"يجب أن تكون الجمعية العامة في صميم جهود مكافحة الإرهاب".
كما رأت العديد من الوفود أن وضع اتفاقية عامة بشأن الإرهاب الدولي تتضمن تعريفاً دقيقاً للإرهاب تعد عنصراً أساسياً أكثر فعالية في مكافحة الإرهاب.
وتحدثت مندوبة السعودية نداء حسين أبو علي، في هذه اللجنة نيابة عن منظمة التعاون الإسلامي، مدينة الإرهاب الذي يعد انتهاكاً صارخاً للقانون، قبل أن تطالب باحترام سيادة جميع البلدان، مؤكدة أنه لا يمكن ربط الإرهاب بدين أو طائفة أو هوية إتنية.
وقالت إن أي محاولة لربط الإسلام بالإرهاب لا تهدف إلا إلى خدمة مصالح الإرهابيين وتعزيز الكراهية تجاه المسلمين، داعية إلى عقد مؤتمر رفيع المستوى تحت رعاية الأمم المتحدة لوضع اللمسات الأخيرة على المسائل التي ستدمج بعد ذلك في الاتفاقية العامة لمكافحة الإرهاب.