Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا انقلب أردوغان على اتفاق الـ6 مليارات يورو الخاص باللاجئين السوريين؟

لاجئ سوري لـ"إندبندنت عربية": نعيش في سجن مفتوح داخل تركيا

الرئيس التركي رجب أردوغان خلال مباحثات أوروبية وروسية بشأن اللاجئين السوريين (رويترز)

في 18 مارس (آذار) 2016 عقدت الحكومة التركية اتفاقا مع الاتحاد الأوروبي يقضي بإنهاء تدفقات الهجرة غير النظامية من تركيا إلى الدول الأوروبية، وضمان تحسين ظروف استقبال اللاجئين في تركيا مقابل دعم بقيمة 6 مليارات يورو  لأنقرة لجهودها في استضافة اللاجئين. ومنذ اشتعال الحرب الأهلية في سوريا في مارس (آذار) 2011، وعلى مدار ثماني سنوات، لجأ أكثر من 3.6 مليون سوري إلى تركيا.

لكن يبدو أن دوام الحال من المحال، فبعد 3 سنوات من الاتفاق الأوروبي التركي، يبدو أن تركيا انقلبت كليّاً على الصفقة، وبات وضع الكثير من اللاجئين السوريين في تركيا أكثر هشاشة وتهديدا من ذي قبل. ففي الأسابيع الأخيرة الماضية، كُشف عن حملة أطلقتها السلطات التركية ضد من وصفتهم بالمهاجرين غير الشرعيين في مدينة إسطنبول، وبينهم السوريين، ويجرى ترحيلهم قسراً إلى سوريا. وبحسب وزارة الداخلية التركية فإنه تم توقيف 6 آلاف شخص، خلال الأسبوعين الماضيين.

سجن مفتوح للاجئين

يقيم السوريون في تركيا بموجب إذن إقامة تحت مسمى "حماية مؤقتة"، والذي يُعرف في تركيا باسم "الكيمليك"، لكن أخيرا استهدفت السلطات التركية حتى أولئك الذين يحملون هذا الإذن. إذ تضمنت الإجراءات التي اتخذتها السلطات التركية ضد المهاجرين، عدم  السماح بالبقاء في غير المحافظة الصادر منها بطاقة "الكيمليك"، أو حتى التحرك خارج حدود محافظة الإقامة.

في اتّصال مع أحد السوريين الذين يقطنون بمدينة بطمان، جنوب شرق تركيا، تحدث لـ"اندبندنت عربية"، شريطة عدم ذكر اسمه خشية تعقبه من قبل السلطات التركية، قال "نحن نعيش اليوم في سجن مفتوح، لا نستطيع التنقل من مدينة إلى أخرى سوى بإذن حكومي".

وأضاف اللاجئ السوري، الذي يقيم مع أسرته منذ سبع سنوات في تركيا، أنه حاول الخروج من المدينة لتأدية واجب عزاء، لكن تم منعه. وأوضح أنه لا يتم السماح بتنقل السوريين داخل تركيا من محافظة إلى أخرى سوى في حالات استثنائية، مثل أن يكون هناك تقرير طبي بالحاجة إلى تلقي علاج ليس متاحا في مكان الإقامة، ويكون ذلك بموجب رسالة كفالة يبعثها شخص مقيم في المحافظة الأخرى.

وأشار إلى أن السلطات باتت ترحل السوريين بمجرد وجود أي مشكلة أو شكاية ضد أحدهم "هم لا يحققون ولا ينظرون في شيء، كل ما في الأمر يشحنون الشخص إلى سوريا"، مضيفا أن الكثير من العائلات استقرت منذ سنوات في تركيا، وأبنائهم يدرسون في المدارس والجامعات، ومن ثم فإنه أمر صعب أن ينتهي كل شيء بين عشية وضحاها ويعودون إلى المجهول مرة أخرى.

في 22 يوليو (تموز) الحالي، أصدرت بلدية إسطنبول بيانا يقول إن السوريين المسجلين في إحدى محافظات البلاد يجب عليهم العودة إلى هناك بحلول 20 أغسطس (آب)، وأن وزارة الداخلية سترسل السوريين غير المسجلين إلى محافظات أخرى غير إسطنبول للتسجيل. لكن بينما تقول السلطات التركية إن أمر الترحيل إلى سوريا يقتصر على أولئك المخالفين والذين لا يحملون بطاقة "الحماية المؤقتة"، فإن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الحقوقية الدولية، كشفت في تحقيق لها أنه يجرى احتجاز السوريين وإكراههم على توقيع نماذج تقول إنهم يريدون العودة إلى سوريا، ومن ثم يجرى إعادتهم قسرا.

 

 

هذه الإجراءات المعادية للمهاجرين ليست جديدة، ففي الثاني من مارس (آذار) 2018 أصدرت المنظمة الحقوقية بيانا تحذر فيه من عمليات ترحيل جماعي للسوريين، على الرغم من الاتفاق الأوروبي- التركي. وطالبت "رايتس ووتش" الاتحاد الأوروبي وقتها بضرورة التدخل، إذ أشارت إلى أن قوات الأمن التركية اعترضت بشكل روتيني مئات، وأحيانا آلافا، من طالبي اللجوء على الحدود بين تركيا وسوريا في الأقل منذ ديسمبر (كانون الأول) 2017، ورحّلتهم بإجراءات موجزة إلى محافظة إدلب السورية التي تمزقها الحرب.

وأطلقت قوات حرس الحدود التركية النار على طالبي اللجوء الذين حاولوا دخول تركيا عبر التهريب، وأوقعت بينهم مصابين وقتلى، ورحّلت إلى إدلب السوريين الذين وصلوا إلى مدينة أنطاكيا التركية، على بُعد 30 كيلومترا من الحدود السورية.

تقرير أوروبي يردّ على كذب أردوغان

لكن تكثيف الحملة ضد اللاجئين بالداخل ربما تقف وراءها أبعاد اقتصادية وسياسية، فمن جانب تمثل أداة ضغط جديدة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الأوروبيين وسط توتر العلاقات بين الجانبين في ظل تنديدات أوروبية متتالية بالتصرفات التركية العدائية ضد جيرانها، ولا سيّما الاعتداءات على السيادة القبرصية من خلال التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط قبالة السواحل القبرصية، وقبلها التنديد بالممارسات القمعية في الداخل ضد المعارضة والصحافيين، إذ تم غلق أكثر من 180 وسيلة إعلامية وفقدان ما يزيد على 2500 صحافي وعاملين آخرين في الإعلام لوظائفهم، كما تأتي تركيا، وفقا لمؤشر "وورد برس" لحرية الصحافة لعام 2018 في المرتبة 157 من بين 180 دولة، حيث تأتى بعد رواندا. ومن بين جميع الصحافيين المسجونين في العالم، يقبع ثلثهم في السجون التركية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي 9 يوليو (تموز) الحالي، وخلال قمة "عملية التعاون لدول جنوب شرق أوروبا SEECP"، التي انعقدت في سراييفو، انتقد أردوغان جيرانه الأوروبيين زاعما أنهم لم يفوا بالتزاماتهم الخاصة بالدعم المالي لبلاده. وقال الرئيس التركي "لقد قدمنا إسهامات لا تقدّر بثمن من أجل أمن القارة الأوروبية بأكملها، وبخاصة لدول البلقان، ومع ذلك، لم نرَ الدعم والموقف الإنساني الذي نتوقعه من أصدقائنا الأوروبيين خلال هذا الوقت العصيب"، مضيفا "لم يتم الوفاء بالتزامات الإسهام في دعم اللاجئين لبلدنا. تم الإفراج فقط عن 2.5 مليار يورو من 6 مليارات يورو".

لكن تقريرا صادرا عن المفوضية الأوروبية في مارس (آذار) 2019، ينفي مزاعم الرئيس التركي، إذ يوضح التقرير أنه بحلول نهاية عام 2017، كان الاتحاد الأوروبي قد التزم بالكامل بمنح تركيا 3 مليارات يورو في إطار الشريحة الأولى من الاتفاق مع تنفيذ 72 مشروعا.

ويضيف التقرير أن الاتحاد الأوروبي يقوم حاليا بصرف الشريحة الثانية من تمويل مرافق اللاجئين، وقد خصّص بالفعل 1.2 مليار يورو، حيث جرى إنفاق 450 مليون يورو، ويجرى تخصيص 150 مليون يورو آخرين. ووفقا للاتفاق، ذهب التمويل لمشروعات لتلبية احتياجات اللاجئين والمجتمعات المضيفة مع التركيز على المساعدة الإنسانية والتعليم والصحة والبنية التحتية البلدية والدعم الاجتماعي- الاقتصادي.

استياء الأتراك من الوضع الاقتصادي

وتتدافع وسائل الإعلام التركية الموالية لحكومة الرئيس أردوغان إلى الدفاع عن موقفه، إذ ذكرت صحيفة ديلى صباح، في وقت سابق من الشهر الحالي، "أنه على الرغم من أن بعض الفصائل في تركيا أصبحت قلقة بسبب العدد المتزايد للاجئين في مدن مختلفة، والأموال الكبيرة التي أنفقت عليهم وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، فإن الحكومة تصر على الحفاظ على سياسة الباب المفتوح إلى جانب أقصى قدر من الدعم للاجئين".

"وربما لا تنفصل الأبعاد الاقتصادية عن السياسة"، وفقا لتقرير هيومن رايتس ووتش، الذي أشار إلى "تصاعد مشاعر كراهية الأجانب عبر الطيف السياسي ضد اللاجئين السوريين وغيرهم في تركيا". وقد انعكس ذلك على الانتخابات البلدية التركية، إذ خسر حزب العدالة والتنمية الحاكم، الانتخابات في بلدية إسطنبول، أمام المعارضة، في معركة شرسة أجبر فيها أردوغان القضاء التركي على إعادة الانتخابات، لكن حزبه خسرها مجددا في يونيو (حزيران) الماضي.

وبحسب تقرير لمركز "بروكينجز" للأبحاث، فإن هناك تحديا يتعلق بوضع الاقتصاد التركي المتفاقم. ففي العام 2018، لم ينمُ الاقتصاد سوى بنسبة 2.6%. ومع دخول أكثر من 700 ألف شخص سوق العمل سنوياً، ارتفع معدل البطالة إلى 13,7% في مارس (آذار) 2019، وذلك بعد أن ارتفعت بنسبة تناهز 4 % في سنة واحدة.

 

 

ومن غير المتوقع أن يتعافى الاقتصاد التركي قريباً. فتقديرات النمو الحالية لتركيا في العام 2019 سلبية، بحسب أرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وصندوق النقد الدولي. ومن البديهي القول إنّ هذا الوضع يزيد النقمة الشعبية إزاء السوريين في تركيا ويقوض السلام الاجتماعي. وفي القطاع غير الرسمي، يُقدر أن توظيف 10 رجال سوريين يلغي وظائف أربعة رجال محليين (عند أخذ العمل بدوام جزئي في الحسبان) ويؤدي إلى هبوط الأجور.

انتقادات لنظام الحماية المؤقت

غير أن الاتفاق الأوروبي- التركي نفسه لاقى انتقادات من قبل المراقبين والخبراء، فبحسب ورقة بحثية أعدها أساتذة من ثلاث جامعات كندية، فإن تركيا كدولة تستضيف معظم اللاجئين السوريين في العالم، طبّقت نظام حماية مؤقتاً لمعالجة التدفق الهائل للسوريين الموجودين الآن في البلاد. وبدلاً من الحصول على وضع اللاجئ المشروط، مُنح السوريون في تركيا حماية مؤقتة، وهو وضع غير مستقر يجعلهم عرضة بشكل متزايد لانعدام الأمن والعوز والاستغلال.

وتشير الورقة البحثية إلى أن نظام الحماية المؤقت يضع اللاجئين السوريين في أوضاع غير آمنة، بخاصة فيما يتعلق بالوصول المحدود إلى العمل القانوني، وظروف المعيشة غير المستقرة بالنظر إلى عدم قدرتهم على الحصول على الجنسية الكاملة والإقامة طويلة الأجل. وتقول إن أنظمة الحماية المؤقتة تشير إلى فشل السياسات في معالجة أزمة اللاجئين السوريين. وفي الواقع، قد تقلل بالفعل من احتمال تمسك الدول بالاتفاقيات القانونية المنصوص عليها في اتفاقية عام 1951 والمهاجرين القسريين مثل اللاجئين السوريين ممن هم في أوضاع مزعجة تجعلهم يرزحون في حالة من النسيان القانوني والاجتماعي مع عدم كفاية الحقوق.

اقرأ المزيد

المزيد من الشرق الأوسط