Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد تصريحات ساويرس... هل النقد وقت الأزمة "نقص وطنية"؟

رجل الأعمال الشهير وصف الاقتصاد المصري بـ"المختنق" وانتقادات الإعلام تلاحقه والحديث يعلو حول "المسؤولية الوطنية"

تبلغ ثروة سميح ساويرس نحو 1.1 مليار دولار ويعد "الأقل ثراء" في عائلة ساويرس المشهورة بثرائها وأعمالها الواسعة في كثير من دول العالم (أ ف ب)

ملخص

أثارت تعليقات رجل الأعمال المصري سميح ساويرس حالة من الجدل بعد إعلان عزمه عدم إطلاق استثمارات جديدة في بلاده على وقع الأزمة الاقتصادية الحالية وضبابية سعر صرف الجنيه المصري.

لطالما عرف أن تقييم رجال الأعمال لمناخ الاستثمار بحسابات الربح والخسارة، لكن يبدو أن هناك مقياساً جديداً يطالب البعض بأخذه في الاعتبار وهو "وطنية المستثمر"، حيث أثارت تعليقات رجل الأعمال المصري الشهير سميح ساويرس حالة من الجدل في الأيام الماضية، بعد إعلانه عزمه عدم إطلاق استثمارات جديدة في بلاده على وقع الأزمة الاقتصادية الحالية وضبابية سعر صرف الجنيه المصري.

وقال ساويرس في تصريحات تلفزيونية إن "ما حدث خلال العامين الماضيين هو ما أوصلنا إلى الوضع الحالي"، واصفاً الاقتصاد المصري حالياً بـ"المختنق" حيث لا يوجد بيع أو استيراد أو توزيع بحسب تعبيره، وأشار إلى تراجع حصة القطاع الخاص من الاقتصاد الكلي من 62 في المئة إلى 21 بالمئة خلال 10 سنوات، وهي الأرقام التي أرجعها لبيانات رسمية مؤكداً أنه متفاجئ مما أسماه بالتدهور الذي حدث في الاقتصاد المصري.

وحول ما إذا كان قد توقف عن الاستثمار في مصر أو الدخول في مشروعات جديدة نتيجة الضبابية في سعر الصرف، أجاب ساويرس بالإيجاب، متسائلاً عن كيفية معرفة مدى ربحية المشروع، وعن سعر الدولار الذي ستحتسب وفقه نسبة الربح في ظل اختلاف السعر الرسمي عن سعر السوق السوداء وعن سعر التوقعات الدولية، مضيفاً "هذا في حد ذاته قاتل لأي توقع من ربحية أو جدوى".

وتبلغ ثروة سميح ساويرس نحو 1.1 مليار دولار، وهو يعد "الأقل ثراء" في عائلة ساويرس المشهورة بثرائها وأعمالها الواسعة في كثير من دول العالم، مقارنة بشقيقيه الأكبر ناصف صاحب الثروة المقدرة بـ8.4 مليار دولار، ثم نجيب بصافي ثروة تقدر بـ3.4 مليار دولار، وذلك وفق تقديرات مجلة "فوربس" الأميركية نشرتها في أبريل (نيسان) من العام الماضي.

"نكران للجميل"

أدت تصريحات ساويرس للعديد من التعليقات، كان أبرزها حديث الإعلامي وعضو مجلس النواب مصطفى بكري عن "نكران الجميل" من جانب رجل الأعمال الشهير الذي حقق "مليارات الدولارات في مصر"، بحسب النائب على صفحته على "تويتر". ووجه بكري حديثه لساويرس قائلاً: "لقد كان نصيبك من المشاركة في المشاريع القومية الكبرى في مصر نحو 75 مليار جنيه (نحو 2.4 مليار دولار أميركي) في غضون سبع سنوات"، مضيفاً أن "هذا من حجم أعمالك بشركة واحدة فحسب، فما بالك بحجم أعمال 4 آلاف شركة قطاع خاص تشارك في هذه المشاريع التي تشرف عليها القوات المسلحة ويعمل بها 5 ملايين عامل مصري".

شركة أوراسكوم للتنمية مصر التي تتشارك عائلة ساويرس في ملكيتها؛ حققت صافي ربح بلغ 1.907 مليار جنيه (نحو 61 مليون دولار) خلال 2022، مقابل أرباح بلغت 1.31 مليار جنيه (نحو 41 مليون دولار) في 2021.

كما اعتبر الإعلامي محمد الباز تصريحات سميح ساويرس في هذا التوقيت الحساس في عمر الاقتصاد المصري بمثابة "خطيئة وطنية"، مضيفاً في فيديو بثه على صفحته الرسمية على "فيسبوك" أن "ساويرس يتعامل مع مصر على إنها شركة وليست وطناً يمر بمحنة اقتصادية في الوقت الحالي، إذ تحتاج إلى التضافر من الجميع مع جهود الحكومة في جذب استثمارات في توقيت حساس".

نصيحة

وإزاء تلك التعليقات، انتقد سميح ساويرس، رئيس مجلس إدارة شركة أوراسكوم القابضة للتنمية، ما أسماه بمحاولة البعض "تحريف" تصريحاته بشأن تأثير سعر صرف الدولار على الاستثمارات في مصر، بهدف "استغلالها ضد البلاد"، مؤكداً استمرار كل مشروعات عائلة ساويرس في مصر كما هي من دون توقف. وقال إن "توجيهه النصح" جاء بدافع "الخوف على بلدي"، بحسب تعبيره في تصريحات صحافية.

كما خرج رجل الأعمال نجيب ساويرس للرد على انتقاد تصريحات شقيقه، حيث قال في تصريحات تلفزيونية إن عائلته "تذوب حباً في مصر"، مضيفاً "كصعايدة لا يمكن أن ننكر فضل مصر علينا، ونسعى لرفع اسم بلدنا في الخارج"، وأكد أنه ليس من العيب التعبير عن الرأي في الأزمة الاقتصادية الحالية والمساهمة في حلها، رافضاً استغلال تلك المواقف "ضد مصر".

وتجدد الجدل مرة أخرى بعد حديث الإعلامي الشهير عمرو أديب في برنامجه التلفزيوني مستنكراً شكوى رجال الأعمال الذين "يملكون شغل بمليارات"، على حد قوله. ورد عليه رجل الأعمال نجيب ساويرس عبر "تويتر" بالقول "هدئ أعصابك يا عمرو... الحمد لله الدنيا حلوة والعيشة فل والأشيا معدن والشغل تمام... وهتفرج إن شاء الله".

"مسؤولية وطنية"

من بين منتقدي سميح ساويرس كانت عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابقة عالية المهدي، التي أرجعت ذلك إلى أنه لطالما كان يقيم مشروعات كثيرة في دول خارج مصر، وإذا وجد الآن فرصة للاستثمار بدولة أخرى فيمكنه إقامة مشروع من دون تجريح في مصر. وأضافت لـ"اندبندنت عربية" أنه لا توجد بشأن ما يمكن لرجل الأعمال أن يقوله ولكن "من باب اللياقة" من المفترض عدم الحديث علانية في ظل الأوضاع الحالية، مشددة على أنه "يمكن انتقد بلدي في بلدي" في إشارة لإطلاق التصريحات عبر إحدى الفضائيات.

وبرأي الخبير الاقتصادي أبو بكر الديب، فإنه على رجال الأعمال المصريين "مسؤولية وطنية ومجتمعية" في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية بتقليل نسبة الربح وإطلاق مزيد من المشروعات الاستثمارية للوقوف بجانب الوطن ودفع عجلة الاقتصاد، موضحاً أن ذلك لا يعني أن يخسروا بالطبع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي شأن تصريحات ساويرس، قال الديب لـ"اندبندنت عربية" إن هناك خيطاً رفيعاً في اعتباره متخصصاً له خبرة في الاستثمار وهنا يمكن اعتبار حديثه من باب الوطنية والغيرة على البلاد، وفي المقابل عليه مسؤولية وطنية كرجل أعمال حقق عائدات بالمليارات من مشروعاته طوال سنوات، بفضل التسهيلات والأراضي بأسعار مخفضة وغيرها من المزايا التي وفرتها الدولة. واستدرك أنه كان على ساويرس التعبير عن انتقاداته "داخل العباءة الوطنية" سواء في الغرف المغلقة مع الحكومة أو حتى في وسائل الإعلام، لكن من دون أن يتحول الانتقاد إلى العزوف عن الاستثمار داخل مصر، لأنه إذا هرب كل مستثمر في حال حدوث أزمة "ستخرب البلاد"، مشيراً إلى أنه في كل دول العالم لا يهرب المستثمر المحلي من بلاده حين تواجه أزمة، بل إن رجال الأعمال هم أول من عليهم الوقوف بجانب البلاد لتوفير فرص العمل.

وفيما دعا الخبير الاقتصادي الحكومة إلى الجلوس مع رجال الأعمال ومنهم سميح ساويرس للاستماع إلى انتقاداتهم، أكد أن رجال الأعمال استفادوا كثيراً من الأوضاع في مصر حتى أن الحكومة في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق محمد حسني مبارك كان معظمها مستثمرين، مضيفاً أن الأزمات دائماً ما يأتي وقت وتنتهي لكن سيذكر التاريخ من وقف بجانب بلده ومن هرب وقت الأزمة.

الخسارة غير منطقية

وفي المقابل، يؤكد رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أنه ليس من واجب رجل الأعمال أن يخرج للحديث بأن الأمور على ما يرام إذا كانت الأمور غير مواتية بخلاف ما يعتقد، مشيراً إلى أن العامل الأساسي في أي مشروع خاص هو الربحية، واستدرك أنه في الوقت نفسه على رجال الأعمال ألا يستهدفوا نفس نسب الأرباح الكبيرة التي كانوا يحققونها من قبل، في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية.

وأضاف عبده لـ"اندبندنت عربية" أن ما قاله ساويرس عن تأثير تضارب سعر الصرف على إعداد دراسات الجدوى للمشروعات صحيح، ولكن بعض الناس يريدون أن يكونوا "ملكيين أكثر من الملك" ويدافعون عن السلطة دائماً وبالتالي يهاجمون أي شخص يتحدث عن الأوضاع الاقتصادية، مشيراً إلى أنه ليس من المنطقي انتقاد رجل أعمال باعتباره ربح كثيراً في السابق، لأنه ليس مطالباً بأن يخسر حالياً "لله وللوطن"، وإنما على الدولة توفير السبل لكي يقوم بالمزيد من الاستثمارات.

ولفت إلى أن المستثمر الأجنبي يتابع تصريحات المستثمر المحلي وآراؤه عند تفكيره في المجيء للاستثمار في أي دولة، وقد يدخل ذلك في اتخاذ قراره النهائي، ولذلك تحفظ البعض على إدلاء ساويرس بتلك التصريحات.

نظرة المستثمر

آراء رجال الأعمال تباينت تجاه حديث المستثمرين حول الأوضاع الاقتصادية، حيث قالت عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين، هالة أبو السعد، لـ"اندبندنت عربية" إنه بالتأكيد يجب أن تكون هناك مسؤولية وطنية على كافة رجال الأعمال المصريين لدعم اقتصاد وطنهم وقت الأزمة الاقتصادية، في ظل تسابق كافة الدول على تقديم تسهيلات لتحفيز ودعم المستثمرين للخروج من حالة الركود العالمية، مؤكدة على ضرورة أن يراعي المستثمر المصري الوطني تصريحاته قبل إطلاقها كونها قد تضر بالمصلحة العامة بشكل كبير، ومن أجل الحفاظ على الدولة والاستثمارات والاقتصاد المتبقي داخلها.

وأضافت هالة أبو السعد وهي أيضاً عضو في مجلس النواب ووكيل لجنة المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر بالمجلس أن مصر تمر بمرحلة صعبة وتحتاج إلى رؤية واضحة لجذب المستثمرين بشكل كافٍ للخروج من المحنة، بجانب استغلال الأمن والاستقرار والبنية التحتية المتقدمة لنكون محفزين لجذب الاستثمارات، مؤكدة أن الدولة عليها عامل كبير في جلب المستثمرين بإجراءات كبيرة وحقيقية وواقعية، مثل تخفيض أسعار الأراضي والطاقة الكهرباء والغاز وتوفير المرافق وتجهيزات كاملة للتصنيع والإنتاج بخاصة في الصناعات التي نستوردها من الخارج لنقلل الواردات مما سيزيد الناتج القومي المصري، لافتة إلى أنه على رغم ذلك فكل مواطن مصري عليه مسؤولية وطنية، لكن المستثمرين دائماً ما يكونون طامعين في دعم الدولة لاستثماراتهم والحفاظ على أموالهم.

وفي المقابل، يرى رئيس اتحاد مستثمري المشروعات الصغيرة والمتوسطة وعضو مجلس إدارة اتحاد المستثمرين، علاء السقطي، أنه لا يوجد ما يمنع تصريح المستثمر بأي ملاحظات يراها بشأن الوضع الاقتصادي طالما كان هدفه مصلحة البلاد وتحسين الأوضاع، وأضاف لـ"اندبندنت عربية" أنه ضد فكرة التخوف من أن تصريحات المستثمر المحلي قد تخيف المستثمر الأجنبي وتدفعه للإحجام عن الاستثمار في مصر، مضيفاً أن إبداء المطالب أو الآراء في اجتماعات مغلقة مع مسؤولي الدولة لا يمنع التصريح بها في العلن، ولكن الاختلاف يكون في عدم ذكر التفاصيل الدقيقة علناً.

أزمة الاقتصاد

ويمر الاقتصاد المصري بأزمة تفاقمت منذ العام الماضي، مع اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية ما أضر قطاع السياحة وأدى لرفع أسعار الواردات الغذائية، وتزامن ذلك مع سحب المستثمرين الأجانب نحو 20 مليار دولار من الأسواق المالية المصرية، ما دفع القاهرة للحصول على حزمة دعم مالي من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار على مدى 46 شهراً، تم التوقيع عليها في ديسمبر (كانون الأول) 2022.

وفقد الجنيه المصري قرابة نصف قيمته الشرائية منذ مارس (آذار) 2022، بعد تخفيض قيمته ثلاث مرات في غضون عام تقريباً. ويسجل سعر الدولار حالياً 30.9 جنيه مصري في سوق الصرف الرسمي، بينما يتداول عند مستويات 37-38 في السوق الموازية، وكانت العملة الأميركية قبل 14 شهراً تساوي 15.6 جنيه.

كذلك زادت ديون مصر الخارجية إلى نحو 163 مليار دولار بنهاية العام الماضي، بنسبة زيادة بلغت نحو 12 في المئة على أساس سنوي، تتوقع الحكومة ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى 96 في المئة بنهاية العام المالي الحالي في يونيو (حزيران)، مقارنة بـ87.6 في المئة في العام المالي الماضي، لكنها تهدف إلى خفضه إلى ما دون 80 في المئة بحلول العام المالي 2027/2026.

وسجل معدل التضخم الأساسي أكثر من 40 في المئة خلال فبراير (شباط)، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 62.9 في المئة في مارس الماضي على أساس سنوي.

في المقابل، تعمل الحكومة المصرية على طمأنة المستثمرين على الوضع الاقتصادي للبلاد، بتأكيد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي على أن الدولة المصرية لم ولن تخفق في سداد أي التزامات عليها، وأنها لم تتأخر حتى الآن في سداد أي التزامات، فضلاً عن التزام مصر بدعم مشاركة القطاع الخاص وحل مشكلات المستثمرين. كما أعلن مدبولي عزمه تنظيم مؤتمر صحافي عالمي خلال أيام لشرح محددات الموقف الاقتصادي، والرد على التساؤلات المطروحة على الساحة، بشأن عدد من الملفات المختلفة.

المزيد من تقارير