Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قد تنجح "التحديات" حيث أخفقت الشعارات القومية والدينية

مشاهد الخراب في أوكرانيا وتبعاتها الدولية هل تحرك العرب ولو بعد حين لتدارك انهيارات عواصمهم من بغداد إلى الخرطوم؟

جدة صارت قبلة سياسية واقتصادية وأمنية للعالم العربي ولدول عالمية ذات قوة وحضور (أ.ف.ب)

ملخص

مشاهد الخراب في أوكرانيا وتبعاتها الدولية هل تحرك العرب ولو بعد حين لتدارك انهيارات عواصمهم من بغداد إلى الخرطوم؟

ليست أزمة واحدة عصفت بالمنطقة العربية، بل أزمات بكل الألوان والأصناف لعقود وسنين، إلا أن ذلك لم يحدث فرقاً كبيراً، حتى جاء يوم "الغزو" في أوكرانيا، عندما بدأت الإمبراطورية الروسية تستعيد أمجادها والتهام أطرافها المتمردة، فأحدث دوي الكرملين هنالك هزة أسمعت الكرة الأرضية قاطبة، فلم يكن العرب استثناءً.

ولئن كانت صرخة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة في 2005 لافتة وهو يغالب دموعه ويستذكر مع قومه أسطورة "المصائر المشتركة"، فإن فلسطين والصومال والكويت والعراق قبله استوعبت حكمة الأسطورة على الأرجح، قبل أن تتدحرج على مقصلتها عواصم عدة، لم يسعفها حتى الوقت لتتلو حكم العرب الأولين في غمرة انتفاضات ما سمي "الربيع العربي"، الذي لم تزل غمامته المدمرة تظلل المنطقة، ولم تنجح بعد في الخروج منها إلى بر الأمان.

مفعول "دوي الكرملين"

لكن الصدمة التي أحدثها الغزو الروسي لأوكرانيا، وعودة أجواء الحرب الباردة ونذر حرب عالمية ثالثة ذات العناوين الإقليمية والغذائية والبترولية والمحاور المفزعة، قد تجعل الحراك الذي تقوده السعودية لإقناع العرب بالتوحد للدفاع عن مصالحهم ودولهم يؤتي أكله ولو موقتاً في التصدي للانهيارات في المنطقة والاعتماد على الذات، في وقت تمور فيه أجواء العالم، وتتبادل القوى الكبرى رسائل الهيمنة والصواريخ والتحالفات والغواصات النووية.

ويرى المحلل السياسي الجزائري بومدين بوزيد أن اللحظة الدولية الراهنة على رغم قتامتها فإن التحديات فيها قد تكون من باب الضارة النافعة، التي تدفع الإقليم إلى تسوية مشكلاته ضد بعضه بعضاً، سواء كان الطرفان عربيين أو أحدهما أجنبياً، كما في الحالة السورية ونظيرتها الإيرانية والتركية.

ويقول "جدة (السعودية - العربية) صارت قبلة سياسية واقتصادية وأمنية للعالم العربي ولدول عالمية ذات قوة وحضور فعال في القرارات الاقتصادية والسياسية، ولهذا فإن القمة الجديدة تعتمد خطاباً سياسياً - في ظل الظروف الدولية الراهنة - جديداً يتجاوز اللغة الكلاسيكية ذات المعجمية التي تقوم على انتفاخ في القومية بعاطفة لا تراعي المصالح ولا تدرك واقع النزاعات ومستقبل العالم"، لافتاً إلى أن الخطاب الجديد إن لم يعش شباب العرب الذين يتابعونه "عصر النكبة والنكسة والأزمات، فإنهم عاصروا انهيار الدولة بعد الربيع العربي وافتكاكها من طرف الجماعات الإرهابية".

ويؤيد في حديثه مع "اندبندنت عربية" الأطروحات التي تعتبر ما فشلت القواسم القومية والدينية المشتركة في لملمته، قد تفيد التحديات والمصالح والتهديدات المحدقة في إصلاحه ولو جزئياً.

ويضيف "تدرك السعودية وبعض البلدان العربية اليوم أن التحالفات الدولية التقليدية على المحك بعد نهاية الحرب الأوكرانية - الروسية، فالقطبية الواحدة لن يكتب لها الخلود، وأن العرب بإمكانهم أن يشكلوا دوراً فاعلاً وربما قطباً في المستقبل، كجزء من الحلول في مجالات البيئة والمناخ والماء ومحاربة الهجرة السرية والجريمة المنظمة العابرة للقارات".

الأزمات في بواكر أيامها

الأجواء العالمية المضطربة، في موازاة أخرى عربية مواتية للتفاهم، جعلت كذلك رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ينظر إلى قمة جدة في ظرفيتها على أنها "فرصة ذهبية" إذا ما اغتنمها العرب.

وشدد في مقالة مهد بها حضور القمة على أن عواصف عدة استطاعت دول المنطقة اجتيازها، إلا أنه يستدرك بأن تلك النظرة التفاؤلية تضعها الأزمة في السودان "أمام امتحان مهم وسؤال جوهري عن ماهية واجبات الجامعة العربية عند اندلاع الأزمات"، ليجيب بأنها تحتاج إلى "استراتيجية موحدة تقرب الأواصر والأفكار بين العرب وتحتوي الخلافات بين الأشقاء بما يحقق الهدف من ميثاقها، ويعود بالنفع والسلام على الشعوب المنضوية تحت شعارها، فعلى الجامعة أن تبادر إلى تفكيك الأزمات في بواكر أيامها ولا تدعها تستمر إلى نقطة اللاعودة".

وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قطع وعداً في قمة العرب الصينية قبل بضعة أشهر في الرياض، بأن بلاده ستبذل ما بوسعها لترجمة تطلعات العرب إلى واقع أفضل، قائلاً "نؤكد للعالم أجمع أن العرب سيسابقون على التقدم والنهضة مرة أخرى".

وكان الأمير الشاب يعني ما يقول عندما أضاف أنه "سيثبت ذلك كل يوم" في ذلك المحفل أمام ملأ من العرب والرئيس الصيني، إذ لم تمض أشهر عدة حتى صدم العالم بعقد صفقة بكين بين السعودية وإيران، أطفأت نيران منطقة لم تبرح ترمي بالشرر، أصالة بين دولها أو بالوكالة بين القوى الأجنبية المتصارعة فيها أو على أطرافها.

اغتنام الظرف الراهن

ولم تتوقف السعودية عند تلك المحطة التي يظهر أنها تعنيها بشكل خاص، وإنما أرادت توسيع دائرة انعكاس تفاهماتها الإيجابية مع القوى الإقليمية والدولية إلى كل محيطها العربي والإسلامي، مثلما أكد مطلعون على تفاصيل حوارها مع طهران قالوا إنه "تضمن كل شيء، كل قضايا الشأن العربي والمنطقة بما في ذلك سوريا ولبنان واليمن وفلسطين" وغيرها، فكانت أولى الخطوات بعد وضع الحرب أوزارها في اليمن تمهيد الطريق أمام سوريا لتستعيد مقعدها في الجامعة العربية، وتجنيب الدولة أخطار التفكك والانقسام، والشعب المشرد مزيداً من الإنهاك والعناء في مناطق اللجوء.

ويرى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي محمد البديوي في التحركات الدبلوماسية السعودية رغبة جادة في "بلورة أفق عربي يتميز بفاعلية وقدرة أكبر على التعامل مع التحديات الراهنة في المنطقة والعالم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأعاد ذلك إلى التوقيت الزماني والمكاني للقمة العربية كونهما يشكلان "عاملاً حاسماً في المخرجات المرتقبة بالنظر إلى ثقل السعودية عربياً، فضلاً عن طبيعة الملفات المطروحة التي تتطلب تنسيقاً عربياً على مستوى عالٍ، تبذل لأجله المملكة جهوداً مشهودة على أكثر من صعيد"، مما جعلها بحسب المسؤول الخليجي "عنصراً أساساً في أية معادلة إقليمية أو دولية تهدف إلى استتباب الأمن وإرساء دعائم الاستقرار".

التحديات من قبيل "الضارة النافعة"

لكن التحديات على رغم ذلك كبيرة، في وقت لم يبدأ تخفيف التوتر في مناطق مثل اليمن وسوريا والعراق وليبيا، حتى اندلعت في فلسطين والسودان، مما قلل من حجم التفاؤل الذي طبع المشهد أشهراً سبقت القمة، ظلت فيها المؤشرات الإيجابية هي الطاغية.

إلا أن الخارجية السعودية على رغم ذلك تمسكت بأن التحديات الإقليمية والدولية ينبغي أن تكون محفزاً على مواجهتها بالقرارات والمبادرات المناسبة وليس العكس.

وفي هذا الصدد قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان لدى افتتاحه ترؤس اجتماع نظرائه العرب في جدة قبيل القمة "العالم يمر بتحديات كبيرة تفرض علينا التوحد لمواجهتها"، بابتكار آليات جديدة.

بينما تعتقد الجامعة العربية من جهتها أنه "على قدر التحديات القائمة، نتطلع إلى تقديم حلول للمشكلات العربية، تعزز من قوة الكتلة الإقليمية وتماسكها وتوحد كلمتها".

ومن بين التحديات التي يراها المراقبون لا تزال قائمة الملف السوري، إذ على رغم حضور الرئيس بشار الأسد القمة وعودة بلاده إلى مقعدها الشاغر فإن ذلك في تقدير وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين "تحول في إدارة الأزمة بشكل مختلف وليس نهايتها"، في معرض حواره مع قناة "العربية"، والرد على المعارضة التي ترى في عودة دمشق لمقعدها تخلياً عن الشعب السوري، وهو ما تنفيه الجامعة العربية، فضلاً عن السعودية التي تسلمت رئاسة دورتها الحالية للتو.

ويرى بومدين أن التحدي الأكبر للقمة هو أن تتمكن ولو جزئياً من حلحلة الخلاف والتوجه نحو "عمل عربي مشترك" على أسس جديدة ضمن تحالفات دولية تتطور إما نحو حروب وأزمات بيئية ومناخية، أو تجعل من العرب شريكاً في رسم الخريطة العالمية المستقبلية، أو يبقون على الهامش تمزقهم خلافاتهم وهوياتهم التي تحولت إلى ميليشيات مسلحة، ولم يستطيعوا دخول حداثة واجتهاد ينتشلهم من الرغبة في "تهديم الدولة" على أساس المغالبة، بحسب تعبير ابن خلدون.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير