Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صدمة الرؤساء... عندما ينطبق سقف الدين على البيت الأبيض

هل الولايات المتحدة أمة غارقة في الديون... وكيف ولماذا تعيش هذه الأزمة منذ عقود؟

تتكرر أزمة الديون الأميركية مع كل إدارة في البيت الأبيض (غيتي)

ملخص

هل صحيح أن الولايات المتحدة أمة غارقة في الديون... وكيف ولماذا تعيش هذه الأزمة منذ عقود؟

وقت كتابة هذه السطور كانت الأنباء تدور عن لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن بقادة الكونغرس بهدف التوصل إلى حل عاجل وسريع لأزمة سقف الدين الأميركي لا سيما في ضوء تحذيرات وزيرة الخزانة جانيت بلين من احتمالات توقف الولايات المتحدة عن سداد ديونها العالمية، خلال يونيو (حزيران) المقبل، ما لم يتم التوصل إلى حل بين الحزبين الكبيرين المتقاتلين، الجمهوري الذي يرفض مزيداً من الديون، والديمقراطي الذي يسعى للفوز بالرئاسة القادمة، مهما يكن من شأن أمر الاقتصاد.

هل سيوفق بايدن في جمع شتات المختلفين أم سيمضي المشهد الشقاقي الأميركي إلى ما هو أبعد من ذلك؟

المؤكد أن هناك اختيارات ثلاثة أمام الرئيس:

أولاً: أن يتوصل بايدن ومجلس النواب المسيطر عليه من قبل الجمهوريين إلى اتفاق في شأن زيادة سقف الدين.

ثانياً: البحث من قبل البيت الأبيض عن حل منفرد للأزمة.

ثالثاً: القيام بإجراءات استثنائية، ويشمل ذلك تعليق المدفوعات لبعض برامج ادخار الموظفين الحكوميين، وتقليل الاستثمار في بعض الصناديق الحكومية، وتأخير مزادات الأوراق المالية.

هل يملك بايدن دستورياً ما يمكن البلاد من سداد مديونياتها، وعدم الوقوع، ولو مرحلياً، في جب الغرق في الديون؟

نعم ذلك كذلك، وبوابة النجاة بالنسبة له، المادة 14 من الدستور الأميركي، التي أضيفت عام 1868، بعد حرب الانفصال، وتنص على أن صلاحية الدين العام للولايات المتحدة المسموح به بموجب القانون، يجب ألا تكون موضع شك، أي إن النفقات التي أقرت بالتصويت يجب أن تحترم، ومن بينها معاشات التقاعد.

هنا وفي حال لم يقر الكونغرس رفع سقف الدين، يمكن لبايدن أن يدفع المتوجبات بأي حال، فهذا واجبه، حتى لو تطلب الأمر اقتراض مزيد من الأموال للقيام بذلك.

يتساءل كثيرون: كيف بدأت أزمة الديون الأميركية، وهل هي وليدة اليوم، أم إن للأمر قصة تاريخية تروى؟

عن بريتون وودز وصدمة نيكسون

في مؤلفه العمدة "القياصرة الأميركيون"، يخبرنا السير نايجل هاملتون، كاتب السير والأكاديمي البريطاني الشهير، أنه نهار الأحد 15 أغسطس (آب) من عام 1971، وإثر قمة اقتصادية سرية في كامب ديفيد، ضمت 13 مساعداً ومستشاراً، نقلوا بالمروحية، بمن فيهم رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي "أرثر برنز"، ظهر نيكسون على التلفزيون الوطني ليقوم بإعلان مهم، كان سببه ازدياد حدة التضخم والبطالة، عطفاً على مطالبة المضاربين الأجانب بالحصول على الذهب بدل الدولار الذي يتقاضونه.

كانت أميركا الخارجة منتصرة في الحرب العالمية الثانية، قد استغلت نفوذها في إرساء قواعد وقوانين الاتفاقية الشهيرة "بريتون وودز"، وفيها نجحت بفرض وجهة نظرها بقيادة ممثلها الاقتصادي "هنري وايت"، حيث طرحت الدولار كعملة احتياطية مربوطة بالذهب، بحيث يلزم الفيدرالي الأميركي بتحويل الدولارات إلى ذهب لأي بنك مركزي في أي وقت، وفي جميع أرجاء المسكونة.

لم يكن المضاربون فقط من طالبوا بالحصول على الذهب مقابل الدولار، بل الرئيس الفرنسي شارل ديغول، حيث سأل عن تحويل الدولارات الأميركية الموجودة لدى البنك المركزي الفرنسي إلى ذهب، وقد بلغ ما لدى الجمهورية الفرنسية وقتها 191 مليون دولار... كان ذلك في عام 1971.

ما الذي جاء به نيكسون في إعلانه التاريخي؟

كان القرار الرئاسي، هو التخلي عن معيار الذهب، تاركاً الدولار يعوم، مما أدى في نهاية المطاف، إلى تخفيض قيمته بشكل فعال.

استطاعت أميركا المأزومة في فيتنام، أن تخرج من أزمة الحاجة إلى مزيد من الدولارات لتغطية كلفة الحرب، بعد أن تخلصت من فكرة ربط الدولار بالذهب.

بدأت أميركا من وقتها في طباعة دولارات غير مغطاة بالذهب، من دون أن تعلم أحداً بذلك، غير أن ما حدث مع الجمهورية الفرنسية، نبه العالم إلى أزمة المديونية الأميركية القادمة لا محال.

أميركا وطريق الغرق في الديون

مع طباعة الدولارات ورقياً بدأت قيمته الفعلية تتراجع لا سيما في ظل نمو النفقات في الموازنة الاتحادية، مقارنة مع نسبة الإيرادات الممولة بشكل رئيس من الضرائب.

غير أن حقبتين رئاسيتين، وممارسات شعبوية، عززا من اتجاه أميركا نحو الغرق في محيط الديون الهائل... ماذا عن ذلك؟

الحقبة الأولى، هي الزمن الريغاني أي رئاسة الجمهوري رونالد ريغان (1981-1989)، حيث آمال أذنيه إلى أصحاب التيارات اليمينية من أمثال القس جيري فالويل ونظيره بات روبرتسون وليندسي هال وغيرهم، ممن أقنعوه بأن زمن رئاسته هو موعد حدوث معركة هرمجدون، ونهاية العالم.

مضى ريغان في طريق العسكرة، براً وبحراً، فيما الجديد الذي أضافه، فتمثل في نقل المعركة مع حلف وارسو إلى الفضاء، عبر برنامج حرب الكواكب أو النجوم، الذي أرسى قواعده عام 1983، الأمر الذي دفع موازنة الدفاع في الثمانينيات للتصاعد بشكل كبير للغاية.

أما الحقبة الرئاسية الثانية، فتمثلت في ولايتي بوش الابن وتعاظم مد جماعة المحافظين الجدد، أولئك الذين بشروا بما عرف بـ"القرن الأميركي".

دفع هؤلاء أميركا– بوش، في طريق غزو أفغانستان أول الأمر والعراق تالياً، ما استنزف الخزانة الأميركية لا سيما بعد تريليونات الدولارات التي أنفقت في الحربين، عدا عديد من المغامرات العسكرية، ومن غير أن يكون هناك مردود مالي حقيقي على الإمبراطورية المنفلتة.

هل من محطات أخرى بين "بريتون وودز" ومرحلة نيكسون عمقت مأساة الدين الأميركية؟

يمكننا سرد كثير من الأسباب التي تدور في الفلك عينه، وفي المقدمة منها، ذلك النسق الاستهلاكي الذي اعتاده الأميركيون، وفيه العيش دوماً على مقدرات الآخرين، ثم ارتباط النفط عالمياً بالدولار، ما أعطى واشنطن فرصة طباعة مزيد من أوراق عملتها، الأمر الذي أسهم بلا شك في ارتفاع الدين بصورة كبيرة.

أضف إلى ذلك، غواية الحروب التي لازمت الولايات المتحدة منذ نشأتها وحتى الساعة، مع حساب كلفتها الكارثية، بدءاً من الحرب الكورية، مروراً بحرب فيتنام ثم نزيف المواجهة مع حلف وارسو عسكرياً خلال أربعة عقود.

عطفاً على ذلك تأتي سلسلة التخفيضات الضريبية المثيرة، لصالح الأغنياء، في عهد بوش الابن مرة عام 2001 وأخرى في 2003، وبحساب الكلفة الإجمالية التي خسرتها الخزانة الأميركية نجدها تصل إلى 1.6 تريليون دولار.

ومرة أخرى جرت المقادير بمثل تلك التخفيضات عام 2010، لإنهاء النزاع بين الجمهوريين وأوباما الديمقراطي، ما حرم الموازنة الأميركية من مدفوعات تصل إلى 400 مليار دولار، بعد أن خفض الضرائب المفروضة على الرواتب.

هناك كذلك كلفة فوائد الديون، التي تتراكم يوماً تلو الآخر، وقيمة الإسهامات التي تدفعها أميركا حفاظاً على قيادتها وهيمنتها، كما الحال مع منظمة الصحة العالمية، حيث تشارك بنحو نصف مليار دولار، الأمر الذي دفع دونالد ترمب للانسحاب منها ذات مرة وما تسهم به في حلف الأطلسي، حيث ما زالت تتحمل القسم الأكبر، وهو ما سبب خلافاً عميقاً بين جانبي الأطلسي خلال إدارة ترمب اليتيمة.

هل وجهت الحزم التمويلية في السنوات الـ10 الأخيرة لطمة كبرى للديون الأميركية؟

هذا أمر صحيح بالفعل، وفي المقدمة الحزمة التحفيزية في عهد أوباما وبلغت 800 مليار دولار، أما الحزمة الأكبر في تاريخ البلاد فقد تمت الموافقة عليها في مارس (آذار) 2020، وبلغت 2.2 تريليون دولار، لدفع البلاد بعيداً من الركود الاقتصادي الذي تسببت فيه جائحة "كوفيد-19".

هل للمرء أن يغفل دور كلفة الدعم الأميركي لأوكرانيا في حربها الدائرة ضد روسيا؟

عقبات اقتصادية رفعت الديون الأميركية

تحولت الولايات المتحدة من أكبر دائن إلى العكس، من جراء تراجع صناعة الدولة نسبياً بالقياس إلى الإنتاج العالمي، وهنا فإننا لا نتحدث عن الصناعات القديمة كالمنسوجات والحديد والفولاذ وبناء السفن والكيماويات الأساسية فحسب، بل وحتى على صعيد الحصص العالمية من الروبوتات ومعدات غزو الفضاء والسيارات، بجانب العدد الميكانيكية والكمبيوترات.

كان التراجع الاقتصادي الأميركي على الصعيدين سبباً لتوسيع الفجوة بين سلمي الأجور لدى أميركا والبلدان الصناعية الجديدة في مجال التصنيع الأساسي والتقليدي، ما جعل الحديث عن إجراءات تحسين للكفاية لا تكفي لاستنقاذ الوضع.

أدى فقدان أميركا ريادتها في عالم المنتجات الصناعية ذات الأهمية، لقدرتها التنافسية خارجياً وانخفاض مبيعات الصادرات الزراعية إلى عجوزات مرعبة في التجارة المنظورة، فيما الأسوأ هو أن هذه الفجوة لم يعد ممكناً سدها عن طريق الأرباح الأميركية من "الأشياء المنظورة"، وهذه الأخيرة هي المصدر التقليدي للاقتصاد الناجح، مثل الاقتصاد البريطاني قبل عام 1914، بل على العكس كانت الطريقة الوحيدة أمام أميركا لمضي طريقها حول العالم، عبر استيراد مزيد من رؤوس الأموال، ما حولها إلى أكبر مدين في ظرف سنين.

هل كانت السياسات الأميركية سبباً في ما وصلت إليه أوضاع الدولة العظمى رقم واحد حول العالم؟

المؤكد أن ما عقد هذه المشكلة أو سببها بحسب رأي كثير من النقاد للأوضاع الأميركية، هو سياسات حكومات واشنطن المتعلقة بالميزانيات، فقد اعتادت واشنطن حتى منذ الستينيات على الاعتماد على تمويل العجز، بدلاً من فرض ضرائب إضافية لسد الكلفة المتزايدة للبرامج الدفاعية والاجتماعية.

ولعل ما زاد الطين بلة، هو أن القرارات التي اتخذتها إدارة ريغان في بدء الثمانينيات المتمثلة في الزيادات الهائلة في الإنفاق الدفاعي، والتخفيض المدهش في الضرائب، ولكن من دون أي تقليص في الإنفاق الاتحادي على القطاعات الأخرى، خلقت زيادات غير اعتيادية في العجز بالتالي في الدين القومي.

أميركا لا تستمع إلى التحذيرات

لم تكن الأصوات المنذرة والمحذرة من الأوضاع الاقتصادية الأميركية المتهالكة لا سيما في ظل مستنقع الديون الماضي قدماً، تجد آذاناً صاغية لدى الحكومات المتعاقبة منذ ثمانينيات القرن الـ20.

في ذلك الوقت وفي أوج الحرب الباردة، حذرت أصوات من استمرار تلك الاتجاهات التي تدفع بالدين القومي إلى مستويات قياسية، ما جعلها تصل عام 2000 إلى 13 تريليون دولار، أي 14 ضعفاً عما كانت عليه عام 1980.

وفي عام 2000 أيضاً، قفزت مدفوعات الفوائد عن هذا الدين إلى 1.5 تريليون دولار، أي ضعف مقدارها بـ29 مرة عما كانت عليه عام 1980.

هل غرقت أميركا في الديون اليوم، مثلما غرقت إمبراطوريات سابقة عبر التاريخ؟

ذلك كذلك بالفعل، وإن كان هناك مثال يذكر أو يخطر على البال عن قوة عظمى غرقت في المديونية في فترة السلم، فهي فرنسا في ثمانينيات القرن الـ18، حين أسهمت أزمتها المالية في خلق أزمتها السياسية.

هل انشغلت أميركا بالحروب عوضاً عن الاستثمارات حول العالم ولهذا غرقت حتى أذنيها في الديون؟

هذا ما يؤكده الدبلوماسي والأكاديمي الأميركي الجنسية الإيراني الأصل والي نصر، في مؤلفه "الأمة الأميركية التي يمكن الاستغناء عنها".

يقطع نصر بأن أميركا انغمست في الحروب في العقود الأخيرة بينما كانت الصين منشغلة بتحين الفرص التجارية واصطيادها وترصين الحاجات المتبادلة.

على سبيل المثال، لقد نما التبادل التجاري الصيني مع دول الشرق الأوسط والخليج العربي إلى أضعاف سابقة، واعتباراً من عام 2006، تجاوز حجم الصادرات الصينية إلى الشرق الأوسط، ما تصدره الولايات المتحدة، وفي عام 2009 تخطت الواردات الصينية من الشرق الأوسط حجم ما يرد على الولايات المتحدة.

والآن أصبحت الصين المورد الأكبر للمنطقة العربية، أما الاستثمارات الصينية فيها فقد سجلت ارتفاعاً ملحوظاً وتستقطب منطقة الشرق الأوسط أكثر من 30 في المئة من مجمل الاستثمارات الخارجية للصين.

عملياً فإن ما فعلته الولايات المتحدة حين تركت ساحة الشرق الأوسط للصين كي تحقق فيها الفوائد والعوائد، جاء على العكس تماماً من نهج سياستها التي نجحت فيها في جنوب شرقي آسيا، وفي أفريقيا حيث تمكنت من تحجيم دور الصين هناك ومواجهة التحدي بكفاءة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الديون وصورة أميركا حول العالم

يتساءل المراقب: إلى أي مدى تؤثر قضية سقف الدين الأميركي المختلف عليه، وسواء اتفق الديمقراطيون والجمهوريون هذه المرة أو افترقوا، على صورة الولايات المتحدة في أعين العالم، وهل الحلم الأميركي سيتأثر أم أنه قد تأثر قولاً وفعلاً، ومن دون لزومية الوصول إلى توقف واشنطن عن سداد ديونها للعالم الخارجي؟

لا يعني تجاوز سقف الدين أن الولايات المتحدة على شفا الإفلاس، لا سيما أنها من يقوم بطباعة الدولار حول العالم، وعلى رغم أنه ليس من المتوقع أن تصل إلى مرحلة التوقف الفعلي عن سداد ديونها، فإن هناك بالفعل تداعيات اقتصادية ستلحق بها وبالعالم من ورائها خصوصاً في ظل رفعها لأسعار الفائدة، وسحب الدولار من العالم، ما يعمق من جراح التضخم.

في مؤلفه الشهير "عالم ما بعد أميركا"، يعتبر الكاتب والإعلامي الأميركي الجنسية الهندي الجذور فريد زكريا، أن تحول الولايات المتحدة من دولة دائنة إلى دولة مدينة أحد أهم ملامح تراجع أميركا التي تسيدت العالم قبل عقود مضت.

والمؤكد أن العالم الذي يقصده المؤلف في كتابه، هو العالم الذي لم يعد تسيطر عليه أميركا اقتصادياً أو جيوسياساً، الذي لا يمكنها أن تفرد جناحيها ثقافياً من فوقه وتظلله بظلها، بعد أن قاربت تجمعات قطبية عالمية ناشئة من إزاحتها.

على سبيل المثال، تكمن القفزة التي حققتها الهند خلال السنوات القليلة الماضية وجعلتها أبرز القوى الاقتصادية العالمية الجديدة، في تركيزها على صناعة البرمجيات.

وفيما الديون الأميركية تتراكم، تنطلق الصين رغم الكبوات الأخيرة، وتتجاوز أزمة كورونا، ويكفيها أنها أخرجت خلال العقود الثلاثة الماضية نحو 400 ألف شخص من دائرة الفقر، وأصبح لديها نماذج للقيادة والريادة الاقتصادية.

إن مجرد الحديث عن احتمال تخلف أميركا عن سداد ديونها يهز صورتها حول العالم.

أما التوقف عن السداد بالفعل ولو ليوم واحد، فيمكن أن تكون آثاره كارثية على الأميركيين وعلى بقية الاقتصاد العالمي وأسواق المال، حيث سيفقد المقرضون والمستثمرون الثقة، ويبادرون إلى سحب أرصدتهم، وقد تعجز واشنطن عن تلبية جميع المتطلبات، أما سندات الخزانة الأميركية فستفقد ميزتها كأحد الأصول الخالية من المخاطر، مما يضعف أمثال المستثمرين فيها.

تبدو خطوة التوقف عن السداد، بداية انهيار الدولار ومن ثم تقويض وضعه عالمياً، الأمر الذي يدعم خطط تدويل اليوان التي تقودها الصين.

بول كيندي وحديث سقوط القوى العظمى

ما الذي يتبقى؟

العودة إلى المؤرخ الأميركي الشهير، بول كيندي في كتابه الثمين "نشوء وسقوط القوى العظمى"، حيث يذهب إلى القطع بأن الولايات المتحدة اليوم تتربع على المنزلة السامية في المجالين الاقتصادي والعسكري، فما هي بمنجاة من الاختبارين الشاقين اللذين يتحديان "امتداد عمر" كل قوة كبرى تتبوأ "الرقم واحد" في الشؤون العالمية، أي ما إذا كانت تستطيع من الناحية العسكرية والاستراتيجية أن تحتفظ بتوازن معقول بين متطلبات الأمة الدفاعية، والوسائل التي بين يديها للوفاء بهذه الالتزامات، وما إذا كان بوسعها أن تؤمن قواعدها التكنولوجية والاقتصادية لقوتها من التآكل النسبي بوجه أنماط الإنتاج العالمي دائمة التغيير.

سيكون هذا الاختبار هو الأقسى لأن أميركا مثلما هو شأن الإمبراطورية الإسبانية بحدود عام 1600 أو البريطانية نحو 1900، وريثة عدد كبير من الالتزامات الاستراتيجية التي قطعتها على نفسها قبل عقود، يوم كانت متمتعة بإمكانات سياسية واقتصادية وعسكرية جبارة.