Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف استقبلت الأنظمة العربية "نكسة 67"؟

بورقيبة يصوب على خصومه وانقسام يضرب صف القادة العرب فظهرت 3 معسكرات الأول يؤيد مواصلة الحرب والثاني يبحث عن تسوية وثالث يفضل خيار الاعتدال

وقعت حرب "الأيام الستة" في الفترة من الخامس إلى الـ 10 من يونيو عام 1967 (أ ف ب)

لم يكن الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي الوحيد الذي تتناقل الناس بعض مواقفه وتصريحاته المثيرة للجدل، بل سبقه في ذلك الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة.

ولد بورقيبة عام 1903 في مدينة المنستير وهو نجل أحد ضباط جيش الباي، وكان أصغر إخوته وأخواته الثمانية. وبعد إكمال دراسته في تونس سافر إلى فرنسا لدراسة القانون، ثم عاد لموطنه تاركاً باريس عام 1927.

يعتبر الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية التونسية بعد الاستقلال (1957)، وعلى رغم تصريحاته المثيرة والناقدة لكثير من الحكومات العربية، فإنه لم يؤمن بالتعددية الحزبية والديمقراطية، إذ كان يعتقد بأن التعددية السياسية تنطوي على أخطار الانقسام وإثارة النعرات القبلية والرجعية، وأن انفراد الحزب الدستوري الذي ترأسه عام 1955 وسيطرته على النقابات وفرض الرقابة على الصحافة وحظر التعددية الوسيلة الوحيدة لتحقيق مشروعه التنموي.

بورقيبة ونقد الخطاب القومي العربي

تشير بعض وثائق الأرشيف الوطني البريطاني إلى مقتطفات من خطاب ألقاه الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة أمام مكتب الاتحاد العام للطلبة التونسيين عام 1967 في أعقاب حرب "الأيام الستة" التي وقعت بين إسرائيل وجيرانها من العرب.

و"الأيام الستة" حرب قصيرة وقعت في الفترة من الخامس إلى الـ 10 من يونيو (حزيران) 1967، وكانت ثالث الحروب الإسرائيلية – العربية وعرفت في كل من سوريا والأردن باسم "نكسة حزيران" وفي مصر بـ"نكسة 67"، إذ تركت حالاً من الإحباط لدى الشارع العربي الذي كان يتابع الأحداث على مدى الأيام الستة.

المقتطفات من الوثائق مدونة من قبل قسم المصالح البريطانية في مكتب مصر والجزائر بالخارجية البريطانية وموجودة أيضاً ضمن وثائق الأرشيف الوطني البريطاني والأرشيف الرقمي للخليج العربي AGDA.

 

يبدو أن الرئيس التونسي استغل مؤتمر الاتحاد العام للطلبة التونسيين المنعقد عام 1967 في نقد الخطاب القومي العربي الذي كان يقوده الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، والتحذير من عواقب وخطورة المد الاشتراكي الثوري المرتبط بالاتحاد السوفياتي والصين ودول شرقية أخرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قال بورقيبة مخاطباً الطلاب التونسيين، "خطأ القائد قد يكون قاتلاً لشعبه على رغم حسن نواياه. لقد كان لدينا دليل حديث على ذلك. كان المتوقع أن يأتي العدوان من الشرق، فوصلوا من الغرب لأن خطأ ارتكب في محاسبة ميزان القوى ولأن اللحظة لم تكن مناسبة لتحد العدو، نرى الآن دولاً عربية تتعرض لأسوأ إذلال ممكن من هزيمة واحتلال. كانت إسرائيل مقتنعة بجبهتها ومطالبها لم تشمل كل مدينة القدس، ولم تكن الضفة الغربية من الأردن بيدها".

وحول الخطاب الاشتراكي وصراع الشرق والغرب تشير الوثيقة إلى قول بورقيبة "منذ أن قسمت الحرب الباردة العالم إلى معسكرين متعارضين، أصبح الطلاب موضع اهتمام كبير. كل معسكر يريدهم إلى جانبه. وهكذا يستغل بعض الدعاة حماسة الطلاب للأحداث محاولين تسميم عقولهم، لكي يصبحوا صدى فارغاً للدعاية التي لم يكلفوا أنفسهم عناء تحليلها. إنهم يريدون أن تكون لديهم أفكار تقدمية حول كل قضية تخطر ببالهم، الموقف الذي اتخذه الاتحاد السوفياتي يحمل علامة تقدمية. وبهذه الطريقة يصطفون بشكل عشوائي مع المواقف التي لم يطوروها بأنفسهم. إنهم يعتبرون أن سلال اليمن تقدمي، لكن بورقيبة الذي تتركز أنشطته على تحرير المرأة وتعليم الشباب وتحسين ظروف الفقراء ليس تقدمياً."

النضال ضد الإمبريالية

وعن كلفة الشعارات الفارغة قال الرئيس التونسي، "نحن نعرف ما هي كلفة ’الدون كيشوتية‘ للأنظمة التي تصف نفسها بأنها ثورية. ومع ذلك، بينما يقاتلون طواحين الإمبريالية، يستمر الأشخاص الذين يتحملون مسؤوليتهم في العيش في بؤس أسود، حتى ممارسة الحريات الأساسية ممنوعة عليهم. لقد أصبح النضال ضد الإمبريالية الشغل الشاغل لهذه الأنظمة. وهكذا، في ما يتعلق بقضية فلسطين، تابعوا سياسة تتمثل في التخلي عن الجوهر من أجل الظل. دولة إسرائيل المعترف بها على هذا النحو من قبل كل من أميركا والاتحاد السوفياتي، وهي عضو في الأمم المتحدة ووجودها لا تنازع عليه سوى الدول العربية. في هذه الظروف لا جدوى من الإصرار بعناد على عدم الاعتراف بهذه الحقيقة."

 

ويضيف بورقيبة، "منذ عام 1947، أي منذ الوقت الذي اعترفت فيه الأمم المتحدة بإسرائيل، كان ينبغي علينا أن نأخذ هذه الحقيقة في الاعتبار عند اختيار إستراتيجية من شأنها أن تضمن لنا النصر على الاستعمار الإسرائيلي. بعد الهزيمة التي منيت بها الدول العربية للتو، يجب عليها التخلي عن السياسة اليائسة التي اتبعتها على مدى السنوات الـ20 الماضية. ومهما كلفهم ذلك سيضطرون إلى وضع حد لحال الحرب من أجل استعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل وتجنب أخطار أكبر. وعليها أن تسعى من الآن فصاعداً إلى الارتقاء بشعوبها إلى مستوى الدول القوية والمتقدمة في النمو حتى تتمكن يوماً ما من منع كل ظلم وتثبيط كل عدوان."

انقسام ما بعد النكسة

وتتحدث وثيقة بريطانية أخرى عن تداعيات النكسة على الوضع العربي العام والانقسام العربي الذي ظهر خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في الخرطوم، "لم ينبثق موقف عربي موحد سواء من اجتماع وزراء الخارجية العرب في الخرطوم في الفترة من الأول إلى الخامس من أغسطس (آب)، أو من الاجتماع اللاحق لوزراء المالية والاقتصاد والبترول العرب في بغداد. وعلى رغم الجهود الكبيرة المبذولة لتجنب الخلافات المفتوحة، ظهر الانقسام الثلاثي وتطور بين المتطرفين".

 

وتفند الوثيقة الانقسام الثلاثي بأن "الأول الجزائر وسوريا، ربما مع بعض الدعم من العراق الذين يفضلون مواصلة الحرب باستخدام تكتيكات حرب العصابات ومناشدة الصينيين للمساعدة إذا رفضهم الروس. والثاني الجمهورية العربية المتحدة (مصر- سوريا) التي سواء لأسباب تكتيكية أو غير ذلك، تبدو راضية في الوقت الحالي والسماح للسوريين والجزائريين بالاعتراض، أي جعل المتطرفين يركضون لكي تظهر الجمهورية العربية المتحدة بأنها تميل إلى الاعتدال، والثالث المعتدلون ومنهم الأردن الذي يتعرض لضغط أكثر، حيث يبحثون عن تسوية، لكنهم، في الواقع وكما نعتقد، يبقون منخفضي الرأس".

الإعلام وسيكولوجية الوحدة

وتنقل الوثائق البريطانية مقتطفاً لصحيفة "الرأي" العام الكويتية في عددها الصادر في الرابع من يوليو (تموز) عام 1967 ما نصه: "إذا نظرنا إلى الوراء الآن، يمكننا أن نرى بوضوح أن سياسة الإعلام العربية كانت أحد العناصر الرئيسة للنكسة. في سياستنا الإعلامية العربية تكمن بذور الخطر الذي أدى إلى انتكاستنا الكبيرة. عشنا 20 عاماً مستمتعين بأغاني العودة إلى فلسطين، وكأن ذلك سيحققه كتاب الأغاني والموسيقى".

وتضيف الصحيفة، "لمدة 20 عاماً، كرست الإذاعات العربية لتدمير سيكولوجية الوحدة العربية. أصبحت تهم الخيانة والخضوع للإمبريالية ملح العمل الإذاعي والصحافي في البلدان العربية. لقد أثمرت حملات الشك هذه: لقد حصد العرب الأشواك عندما جاءت ساعة الحرب".

هل كان الرهان على المعسكر الاشتراكي خاسراً؟

وتشير وثيقة بريطانية أخرى إلى الصراع الإسرائيلي - العربي ومراهنة العرب على المعسكر الاشتراكي الذي كان تحت القيادة السوفياتية وتنقل مقتطفاً عن صحيفة "الوقائع" الجزائرية، الصادرة في السادس من أغسطس 1967، جاء فيه: "يجب على الشعوب العربية أن تستوعب. هذه الفكرة الأساسية، أنه سيكون من الصعب للغاية، عاطفياً وسياسياً، على دول الشرق (الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية) إذا وصلوا إلى هذه النقطة، أن يقاتلوا مباشرة ضد إسرائيل".

 

وتؤكد الوثيقة أنه "من غير المرجح أن نرى الجيوش العربية والشرقية تقاتل جنباً إلى جنب ضد القوات الإسرائيلية. لا يمكننا أن نتخيل طيارين أو فنيي صواريخ من دول الشرق يواجهون طائرات إسرائيل أو صواريخها في فلسطين أو الدول العربية. طالما أن معسكر العدو يحصر الصراع على الأقل، في مظهره للعرب والإسرائيليين. على الأكثر، قد يكون هناك متطوعون اشتراكيون، لكن هذا فقط إذا ناشد العدو متطوعين من المعسكر الآخر".

وتنقل الوثيقة البريطانية ما قاله الملك الأردني الراحل الملك حسين بن طلال حول الموقف العربي الموحد في تلك الفترة، وذلك خلال ذكرى اعتلائه العرش، قائلاً "لم نكن جيدين في البناء والتخطيط لمستقبلنا كما كنا نحلم. بنينا مؤتمر القمة، ثم هدمناه. أنشأنا القيادة العربية الموحدة ثم شلناها. ثم أمضينا سنوات عندما كانت جراحنا تنزف على طريق طويل من الخلافات الهامشية والمعارك والصراعات الملفقة".

وعلى رغم تطور الأحداث لمصلحة العرب في ما بعد وحدوث معركة الكرامة التي لعبت فيها منظمة التحرير الفلسطينية إلى جانب الجيش الأردني دوراً محورياً في تحقيقها عام 1968 والبطولات التي سجلها الجيش المصري إلى جانب القوات العربية المرابطة بجانبه، تركت نكسة 67 بصماتها على المنطقة العربية وغيرت ملامح الشرق الأوسط.

اقرأ المزيد

المزيد من وثائق