ملخص
مراقبون يرون أن 11 مليون عامل يتأخرون يومياً نحو ربع ساعة عن الالتحاق بعملهم
بات الاختناق المروري سمة أغلب المدن الكبرى في الجزائر، ويتواصل المشهد منذ تسعينيات القرن الماضي على رغم عديد من الخطط المطروحة، الأمر الذي جعل المواطن يعيش يومياته تحت ضغط حذر منه الأطباء بعد أن أثبتت الأبحاث تسببه في أمراض مزمنة، فهل فشلت الحكومة في حل مشكل الاختناق المروري؟
مشكل وتبادل "اتهامات"
ويقضي الجزائريون يومياتهم في الازدحام المروري الذي يكشف عن خلل يبدو أن حله ليس بقريب، وقد تحول إلى كابوس ينغص حياة الموظفين والطلبة، إضافة إلى المواطن العادي الذي أصبح يختار أوقات الخروج لقضاء حاجاته، وسواء كان يملك سيارة أو يتحرك على متن الحافلات يبقى المشكل واحداً، الجميع ينتظر والتحرك يكون بطيئاً.
وبين "اتهام" السيارات بالكثرة وبين غياب الطرقات تضيع ساعات من عمر المواطنين في الزحمة، وتتراجع المردودية في العمل والإنتاج والدراسة، إذ إن الحركة تتوقف بين السابعة حتى العاشرة صباحاً، وفي المساء بين الرابعة والسادسة. وبحسب إحصاءات المديرية العامة للأمن الوطني، ففي العاصمة 718 نقطة تشهد حوادث متكررة.
تأخر 11 مليون عامل
وفي السياق يقول أستاذ الاقتصاد فارس مسدور إن 11 مليون عامل في الجزائر يتأخرون يومياً بنحو ربع ساعة على الأقل للالتحاق بمناصب عملهم، مبرزاً أن معدل الانتظار في زحمة المرور حوالى ثلاث ساعات، وهو ما يؤدي إلى خسائر في إنتاج القطاعين الخاص والعام وتعطيل المصالح والواجبات. وشدد على ضرورة إيجاد حلول في ظل تفاقم ظاهرة الازدحام المروري، ولعل الحل الاستعجالي يتمثل في تخصيص رواق للعاملين والنقل الجماعي، أو ما يسمى بـ"الميتروبيس".
وانتقد مسدور طريقة تهيئة سكة "الترامواي" في العاصمة لما لها من تأثير في حركة المرور، على اعتبار أنها لم تكن فوق جسور خاصة بها، وقال إنه على رغم تقديمها خدمة النقل الجماعي إلا أنها في المقابل لم تفك الخناق المروري، داعياً إلى اعتماد النموذج الماليزي الذي يخصص الجسور لعبور "الترامواي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أسباب حكومية
في المقابل ترى الحكومة أن الاختناق المروري يعود إلى عوامل عدة، منها قلة المواقف والحظائر والملتقيات الدائرية والمحاور والممرات المحمية المخصصة للمشاة، وكثرة التقاطعات وضعف تنظيم المرور، وأضافت الدراسات التي تقوم بها الجهات المعنية أن أهم الأسباب الحقيقية في استفحال الظاهرة هو انعدام محطات الربط في مداخل المدن والعجز عن توفير النقل الجماعي، إذ تضطر وسائل النقل الآتية من الضواحي وغيرها من المدن للدخول إلى مراكز المدينة فتسبب ازدحاماً، بل وشبه انسداد كلي في حركة المرور، بخاصة في أوقات الذروة، بالتالي فمن الضروري توفير مساحات لركن السيارات تكون واسعة.
وذكرت الدراسات أن توافد المواطنين في ساعة معينة عبر الطرق السريعة يساهم في عرقلة الحركة المرورية، كما أن عدم مبالاة المواطن بإعطاء الأولوية لأصحاب المركبات الكبرى يضاعف من حجم المشكل، كذلك عدم احترام إشارات المرور خصوصاً عند مداخل الطرق السريعة ومخارجها يزيد من الضغط.
انعكاسات صحية
ولم تعد ظاهرة الاختناق المروري تتسبب في ضياع الوقت والجهد والمردودية وحاجيات المواطنين فقط، بل أصبحت تمس بالصحة العمومية أيضاً، إذ يقول أستاذ الصحة النفسية أحمد قوراية إن الازدحام المروري آثاره سلبية في الجهاز العصبي للسائقين والركاب، كما يسبب الاحتشاد المروري كثيراً من الأمراض الجسدية وفي مقدمها الضغط الدموي، وتزيد حدة السكري لدى الفرد المصاب بالداء، موضحاً أن توقف حركة المرور لساعات طويلة لا يزيد السائق ومن معه إلا تذمراً وحسرة وأسى وتوتراً نفسياً، كما أن له أثراً في سلوك الفرد.
وأضاف قوراية أن الازدحام يؤثر سلباً أيضاً في الحالة المزاجية التي يطلق عليها "النوبات الانفعالية"، مما يحدث فتوراً في الجسم، مبرزاً أنه في حال الضغط النفسي بسبب الشعور بالارتباك وتعكر المزاج نتيجة حشد السيارات سيضعف من مردود العامل، مما يؤدي إلى آثار وخيمة من الناحية الاقتصادية. وشدد على ضرورة إيجاد حلول واقعية لا ترقيعية لظاهرة الاختناق المروري.
تحذيرات وحلول
إلى ذلك حذرت جمعية "الأمان" لحماية المستهلك الجزائري من تفاقم ظاهرة الازدحام المروري التي باتت تشكل مخاطر صحية ونفسية وبيئية، إلى جانب خسائر في المردودية. وقالت إن أهم الحلول التي بإمكانها تخفيف الضغط تنظيم أوقات العمل وتقسيمها بين الإداريين والتجار وبعض النشاطات الأخرى، بحيث تكون الساعة السادسة صباحاً للموظفين في الإدارة بخاصة في القطاع العمومي، والتاسعة صباحاً للناشطين في التجارة والحرف. وتابعت أن إعادة تأهيل الطرقات ومنع البيع على الأرصفة وإعطاء الأولوية للنقل العمومي، مع إخراج الهياكل الإدارية من المدن الكبرى، من شأنه المساهمة في فك الخناق المروري.