Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القذائف لم تحبط عزيمة المتطوعين بمؤازرة الأسر السودانية

يتنقل في أوقات الهدن القصيرة مستعيناً بمحرك "غوغل" لتحديد مواقع الاشتباكات عبر الخرائط

افتقر مئات الآلاف إلى مصادر الرزق في السودان (أ ف ب)

ملخص

متطوع سوداني ينقل المواد الغذائية والأدوية لضحايا الحرب مجاناً بدراجة هوائية

لم يكن محمد الطاهر إبراهيم يهتم بالمشاركة في الأعمال التطوعية الإنسانية، واعتاد أن يقضي وقته في عمل أنشطة الصندوق التعاوني ومنصة رواد الأعمال. لكن عقب اندلاع المعارك الحربية في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل (نيسان) الماضي، ظهر ببث مباشر على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في عدد من أحياء العاصمة الخرطوم، وهو ينقل المواد الغذائية والأدوية للمواطنين بدراجة هوائية وسط الرصاص ودوي المدافع وتحليق الطائرات في سماء المدينة.

ويكشف إبراهيم وهو مهندس نفط، تفاصيل عمله قائلاً "أسست مشروعي الخاص قبل أسبوع من بداية الحرب، وهو عبارة عن صندوق غذائي يكفي حاجة أسرة من خمسة أشخاص، ومع تجدد الاشتباكات توقف العمل. وفي اليوم الثاني من اندلاع الصراع المسلح نفد المخزون الغذائي في المنزل، وأصبح الوضع معقداً لأن العائلة تقطن بالقرب من منطقة وسط العاصمة الخرطوم ومع استمرار المعارك انقطعت خدمة الكهرباء والمياه عن المنطقة".

أيام عصيبة

بضوء حظر التجوال في الخرطوم، أغلقت الصيدليات أبوابها واتسعت أزمة الأدوية لتشمل عقاقير علاج الأمراض المزمنة والسكري والسرطان، مما زاد من معاناة كثير من المرضى، كما شهدت الأسواق اختفاءً لسلع رئيسة ونفاد أخرى علاوة على أزمة مالية طاحنة بعد توقف دولاب العمل، وافتقر مئات الآلاف إلى مصادر الرزق.

إزاء هذا الوضع، نشط محمد طاهر إبراهيم في التطوع مجاناً لخدمة الأسر السودانية عبر خدمة توصيل الغذاء والدواء.

يشير إبراهيم إلى أن "تفاقم الأزمات حفزه على الخروج إلى الشوارع من أجل إيجاد حل لمشكلة الخدمات الضرورية بعد أن تلقى اتصالات من الجيران والمعارف في ضاحية الخرطوم 2، كشفوا عن معاناة حقيقة في توفير حاجياتهم الأساسية. وبعد جهود مضنية تعاقد مع محل تجاري في منطقة الديم، وبدأ يدرس إمكانية التحرك في أوقات الهدن القصيرة، واستعان بمحرك (غوغل) لتحديد مواقع الاشتباكات عبر الخرائط".

ويتابع "في اليوم الثالث وفرت لأسرتي والجيران والمعارف مواد غذائية كافية، وهم الذين رفضوا الخروج إلى الشوارع وفضلوا الموت جوعاً".

في ظل تبادل إطلاق النار، لم يسمح طرفا الصراع بدخول المساعدات الإنسانية أو اقتراب المتطوعين من الأحياء التي تشهد معارك حربية، لذلك صارت الصفحة الشخصية لمحمد طاهر الخيار الوحيد المتاح الذي يقدم للمواطنين خدمات توصيل الغذاء والدواء. وزاد عدد متابعيه من 100 إلى 7 آلاف شخص خلال أسبوع، بينما ارتفع عدد متابعي صفحته على تطبيق "إنستغرام" إلى ستة آلاف.

وأوضح إبراهيم أن "الأيام الأولى للقتال كانت عصيبة لذلك عملت على تحديد الممرات الآمنة، وظللت اهتم بقضية العالقين في منازلهم وخاطرت بحياتي حتى تصل المواد الغذائية والأدوية، لأن المئات يعانون من أمراض مزمنة ولا يملكون المال لشراء الدواء، كما أن هناك كثيرين يحتاجون لتأمين حاجاتهم من الغذاء".

إطعام الجائعين

في أزمنة الحروب والكوارث، تتجلى قدرات الإنسان وإبداعاته وخياله في البحث عن حلول لا تخطر على بال.

محمد طاهر يستخدم دراجته الهوائية لنقل الأدوية والمواد الغذائية بين الأحياء وتحت أزيز الرصاص، ويتحمل مشقات إيصال حاجات أكثر من 20 أسرة يومياً الضرورية في حقيبة على ظهره وأكياس يضعها في ميزان الدراجة، وهو يقوم بعمل إنساني متحدياً مخاطر تداعيات الحرب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعن المناطق التي يقدم فيها خدماته، يقول المتطوع إبراهيم إن "الخرطوم والعمارات والامتداد أبرز نقاط عملي بشكل يومي، ووجدت استجابة كبيرة من الأسر، ومع توسع العمل فرضت رسوماً على الفئات الاقتصادية المقتدرة وخصصتها لدعم الفقراء وأصحاب الدخل المحدود. وأسهمت صفحة (فيسبوك) في تزايد أعداد الخيرين الذين تسابقوا إلى فعل الخير من خلال الالتزام بسداد مبالغ المواد الغذائية والأدوية في صورة تعكس قيم التكافل بين السودانين".

إصرار وتضحيات

وحول الصعوبات التي واجهته، علق محمد الطاهر قائلاً "في البداية كانت هناك صعوبات لأن حمولة المواد والأدوية كبيرة فضلاً عن قطع مسافات تصل إلى 30 كيلومتراً يومياً، لكن في النهاية أعتبر الأسر المتضررة من الحرب بمثابة إخوة وأخوات وأمهات وآباء، وعلى رغم الأخطار كسرت حاجز الخوف من أول يوم وتجاهلت أصوات الرصاص".

وعن شعوره عند بدء العمل بعد بداية الحرب في السودان، قال المتطوع "يأتي الموت في أية لحظة، لكن لهفتي لتقديم المعينات للناس شعور لا يوصف، لدي إصرار على تقديم تضحيات على رغم المصاعب. أنقذت أناساً كانوا عاجزين عن الخروج بسبب وضع صحي ونتيجة القصف المتواصل ونفاد السلع بعد إغلاق المحال التجارية. أصبحت لدي خبرة في المشي بالشوارع والتعامل مع نقاط التفتيش، وجدت تعاوناً من قبل قوات عسكرية عند إحدى نقاط التفتيش، أشادوا بعملي وعُممت توصية لكل نقاط التفتيش بعدم اعتراض الدراجة الهوائية".

النجاة من الموت

وعن كيفية التعامل مع الأخطار، يقول محمد طاهر "في الحقيقة اكتشفت أن عملي يحميني من الخوف، فمساعدة الآخرين تمدني بالقوة والشجاعة، صحيح أنني أشعر بالذعر أحياناً وأنا أتجول داخل الأحياء لأن القصف يطاول أي مكان، وعند إحدى المحطات في العاصمة الخرطوم نجوت من الموت بأعجوبة بعد سقوط قذيفة في العمارة التي كنت بالقرب منها. كما أنني وفي كثير من الأحيان، اضطر للبقاء ساعات طويلة بسبب تجدد الاشتباكات المسلحة لأن الطرقات غير آمنة".

يُحاول إبراهيم توفير حاجات الأسر وتوزيعها عليهم في منازلهم بخاصة في أحياء برى والعمارات وحتى المجاهدين، ويلفت إلى أن "عمله يتم خلال فترة النهار، وحين يأتي الليل يشرع في ترتيب المواد الغذائية والدواء وتحديد وجهات اليوم الثاني".

ويعزو عدم نزول المتطوعين إلى مناطق الاشتباكات لعدم تقيد طرفي الصراع بالضوابط المُلزمة لحمايتهم في مثل هذه الحالات.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير