Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تعديلات وزارية بالتنقيط... لماذا لا يطيح قيس سعيد حكومته؟

يرى مراقبون أن العودة إلى النظام الرئاسي منحته هامشاً كبيراً لإحداث تغييرات في معاونيه

لم يفصح سعيد عن موقفه من الدعوات إلى تشكيل حكومة جديدة لكنه لم يبعث أيضاً بإشارة حول إمكانية التخلي عن بودن (أ ب)

ملخص

يبدو أن الرئيس التونسي يتمسك بتثبيت استراتيجية الإقالة الفردية للوزراء كبديل لتعديل حكومي أوسع تطالب به أحزاب موالية له، فماذا يرى المراقبون؟

إقالة غير مسببة أنهت خدمات وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم التونسية، نايلة القنجي، لكنها عكست توجه الرئيس قيس سعيد في تثبيت استراتيجية "الإقالات الفردية" للوزراء بدلاً من الذهاب إلى تعديل حكومي أوسع أو تشكيل وزارة جديدة، استجابة لمطالب أحزاب موالية له على غرار حركة الشعب القومية.

وربط مراقبون وأوساط سياسية تونسية إقالة القنجي بتصريحات أدلت بها الوزيرة في شأن عزم الحكومة رفع الدعم بشكل نهائي عن المحروقات، لكنها ليست أول إطاحة تستهدف أعضاء حكومة نجلاء بودن التي باشرت مهماتها في 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2021.

فمنصب وزير التشغيل والتكوين المهني لا يزال شاغراً منذ إقالة نصر الدين النصيبي، في فبراير (شباط) الماضي. وعلى رغم إعلان وزير الداخلية السابق توفيق شرف الدين تقديم استقالته، مارس (آذار) الماضي، أصدر الرئيس التونسي بياناً قال فيه إنه "أنهى مهامه".

وقبل الوزيرين النصيبي وشرف الدين، أقال الرئيس التونسي وزير الشؤون الخارجية السابق عثمان الجرندي، في السابع من فبراير الماضي، في خضم أزمة حول الهجرة.

قائمة الوزراء المقالين من حكومة بودن، شملت كذلك وزراء التجارة وتنمية الصادرات فضيلة الرابحي، يناير (كانون الثاني) الماضي، والتربية فتحي السلاوتي، والفلاحة محمود إلياس حمزة.

وفي ما قام سعيد بتعويض أغلب هؤلاء الوزراء بآخرين جدد، ما عدا حقيبة التشغيل والتكوين المهني، فإن التساؤلات التي باتت تطرح في الشارع السياسي التونسي تتمحور حول ما إذا كان الرئيس يقطع بهذه الإقالات الفردية والمنفصلة الطريق أمام الداعين لإجراء تعديل حكومي أوسع أو إطاحة وزارة بودن.

سياسة مغايرة

وفي ظل قطيعة تامة بين قوى المعارضة والسلطة في تونس، فإن الأحزاب الموالية للرئيس لا تزال الوحيدة التي تطالب بتغيير حكومي، لكن يبدو أن قيس سعيد يتجاهلها، وهو ما تعكسه الإقالات الفردية للوزراء.

وعادت تونس إلى نظام رئاسي قوي تتمركز فيه معظم الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية، الذي يتولى تعيين الوزراء ويرسم سياسات حكومتهم، وهو أمر تسعى قوى سياسية إلى تجاوزه من خلال الحث باستمرار على تشكيل حكومة سياسية، لكنه هدف يبدو صعب المنال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الناشط السياسي التونسي حاتم المليكي، أكد أن "الوزراء أدوا اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية، بحسب المرسوم 117 الذي يتحدث عن مساعدين للرئيس وليسوا وزراء بكامل المسؤوليات، ولا يمكن إلقاء اللوم عليه في ما يخص الإقالات لأنهم يدركون أنه تم تكليفهم وفق هذا المرسوم الذي لا يعطيهم صلاحيات".

وقال المليكي لـ"اندبندنت عربية"، إنه "لا يمكن تأويل المسألة حالياً، وهذه سياسة مغايرة يسعى الرئيس إلى تكريسها، من خلال تجريد الوزراء من صلاحياتهم وجعلهم فقط يتتبعون أوامر وسياسات يرسمها قصر قرطاج لكنهم قبلوا بذلك".

ومضى في تحليله "المنطق يقول إن هذا ليس صميم العمل الحكومي أو جوهر النظام الرئاسي، لأن تكليف رئيس للوزراء لا يعني أن الحكومة تمتنع عن الحديث ولا يكون لها رأي ولا تتحدث إلى الصحافة، لكن الوزراء قبلوا بهذا ويتحملون مسؤولياتهم".

وشدد على أنه "في فلسفة الرئيس سعيد لا يوجد معنى لتغيير وزاري شامل وواسع، لأن الحكومة مجرد مساعدين منفذين، كما أنه لا يتكلم عن حكومة أصلاً بل مساعدين، وهي مسألة غير مهمة مثل ترك وزارة من دون وزير أو ولاية من دون وال أو غيرهما".

واللافت في الإقالات التي شملت عدداً واسعاً من الوزراء التونسيين في الأشهر الأخيرة، أنها كانت من دون إماطة اللثام عن الأسباب الكامنة خلفها، وهو ما فتح الباب أمام عديد من التأويلات التي تغذيها الأزمة السياسية بين السلطة وقوى المعارضة التي تواجه وضعاً صعباً.

حالات منفصلة

يبدو أن إقالة الوزيرة القنجي على رغم الغموض الذي يكتنف أسبابها، جاءت لتشكل رسالة إلى قوى سياسية تنادي بتشكيل حكومة جديدة على غرار حركة الشعب التي لم يتردد النائب البرلماني عنها هيكل المكي، قبل أيام، في دعوة الرئيس سعيد إلى تشكيل وزارة سياسية تدير الوضع بالبلاد.

المكي اعتبر في تصريحات إعلامية أن "المرحلة الحالية تستوجب حكومة سياسية تضبط التوجهات العامة مع رئيس الجمهورية"، داعياً قيس سعيد إلى الاستجابة لهذا المطلب "إذا كان يريد الانتصار في معركة التحرير".

بدوره، رأى الباحث المتخصص في الشأن التونسي محمد ذويب، أن "من الواضح أن الرئيس لا يريد القيام بتغيير حكومي كامل وشامل، بل يتمسك بالتغيير في إطار حالات منفصلة عن بعضها بعضاً، فإقالة وزيرة الصناعة تبقى غامضة الأسباب".

وأضاف "من المؤكد أن هناك سبباً ما لا يعرفه الجميع وراء إقالات الوزراء فأغلبها ظلت غامضة كوزير الداخلية والخارجية ثم أخيراً وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم".

وحول دعوات أحزاب الموالاة إلى تشكيل حكومة جديدة، أكد ذويب لـ"اندبندنت عربية"، أن "هذه الأحزاب تورطت في مساندة الرئيس وهي الآن لا تستطيع تغيير مواقفها وتريد الاستثمار في شعبيته ومقبوليته لدى نسبة مهمة من التونسيين".

ولم يفصح الرئيس قيس سعيد عن موقفه من الدعوات إلى تشكيل حكومة جديدة، لكنه لم يبعث أيضاً بأية إشارة في شأن إمكانية التخلي عن بودن التي تقترب من أن تصبح حكومتها أكثر الوزارات استقراراً، بعد عقد من الزمن على انتفاضة 14 يناير (كانون الثاني) 2011 التي أطاحت الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، حيث تعاقبت عديد من الحكومات التي لم يعمر بعضها سوى بضعة أشهر.

أكباش فداء

حالياً، هناك شبه إجماع داخل الأوساط السياسية والمراقبين في تونس على أن العودة إلى النظام الرئاسي، منح الرئيس سعيد هامشاً كبيراً من التحرك لإحداث تغييرات في الطاقم الحكومي.

وقال الباحث السياسي ماجد البرهومي "لم نعد نتحدث عن حكومة في تونس بل عن موظفي دولة مثلما هو موجود في الولايات المتحدة، لكن هناك مرحلة خلط لدى بعضهم بين هذا الوضع الراهن والنظام شبه البرلماني السابق".

وعبر البرهومي لـ"اندبندنت عربية" عن اعتقاده بأن من الطبيعي "أن يقيل الرئيس وزيراً ويحتفظ بالوزيرة الأولى ووزراء آخرين ويحدث تغييرات في الطاقم الحكومي والعامل معه، لكن يجب الإشارة إلى أنه في هذه الحال فإن الوزراء بحسب ما نص عليه الدستور ينفذون سياسات رئيس الجمهورية وبالتالي فوضعهم كأكباش فداء أمر غير جيد، فنحن لا نتحدث عن وزير مستقل، بل معين من قصر قرطاج وينفذ سياساته".

ورأى أن "الرئيس ربما أقال الوزيرة بسبب تصريحاتها حول ملف الدعم، وملفات أخرى يتم الإشارة إليها هذه الأيام سواء بشبهات فساد في وزارة الصناعة أو عدم حماية المبلغين عن الفساد فيها، وهو ما قد يكون أثار حفيظة الرئيس سعيد عليها".

وتزامنت هذه التصريحات مع إعلان صندوق النقد الدولي عن اقترابه من تأمين التمويل الذي تطالب به تونس ويقدر بـ1.9 مليار دولار وذلك شريطة تنفيذ الإصلاحات.

وأخيراً قال البرهومي عن مطالب التغيير الوزاري، إن "بعض الأحزاب لا تزال متأثرة بفترة ما قبل 25 يوليو (تموز) 2021، ولم تنتبه إلى أن نظام الحكم تغير، وأن شخصية الرئيس سعيد لن تسمح بخروج البرلمان عن صلاحياته من خلال إمكانية المساس بالحكومة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير