Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موازين الربح والخسارة في معاداة إيران لأميركا وإسرائيل

خسرت طهران مليارات الدولارات وتخلفت عشرات السنين ومنحت مصادر أمنها إلى الصين وروسيا

أثبت النظام الإيراني أنه من أجل الاستمرار بالحكم فإنه مستعد لدفع كثير من الكلف الفادحة (أ ف ب)

ملخص

تتأثر العلاقات الدولية بالحرب الراهنة في أوكرانيا، لكن يبدو أن المداولات بين الديمقراطيين ونتنياهو وتهديدات النظام الإيراني ضد أميركا وإسرائيل لم تؤد إلى حل الصراع بين البلدان الثلاثة

طبيعة العداء المرافق للعلاقة بين إيران وإسرائيل وأميركا تعد ضمن الأمور شديدة الأهمية في الدراسات الأمنية حالياً، خلافاً لعهد سلاسة بهلوي حين كانت العلاقة بين إيران وإسرائيل وأميركا تسير في إطار مدروس، فقد رافقت بداية تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية عمليات اختطاف واحتلال للسفارة الأميركية وتحويل السفارة الإسرائيلية إلى سفارة فلسطين.

بعد الثورة عام 1979 وصل نظام سياسي إلى الحكم لم يكن أحد يتنبأ بطبيعة عمله. وعندما كان يطرح سؤال جوهري عن كيفية أداء النظام الجديد كان الرد بأن نظام الجمهورية الإسلامية يحتوي على كل شيء، وكان النظام يطرح دائماً موضوع "دعم المستضعفين في فلسطين"، كما أن بعض القادة البارزين للنظام كان لهم نشاط مشترك مع المجموعات الفلسطينية، واستمراراً على ذلك النهج قدم النظام الجديد نفسه على أنه عدو لإسرائيل منذ بداية تأسيسه.

مسألة فلسطين

لكن مشكلة إسرائيل والفلسطينيين لم تبدأ مع تشكيل الحكومة الإسلامية في إيران، بل كانت بدأت قبل 30 عاماً من تأسيس النظام، أي بعد تشكيل الدولة اليهودية عام 1948، ومنذ نشأة النظام إلى الوقت الحالي يعتبر قادة البلد أن بإمكانهم أن يؤدوا أدواراً يمكن أن تفضي إلى حل للقضية الفلسطينية. وهذه الأدوار التي تتصورها إيران تحولت إلى سبب للعداء والخلافات في المنطقة، والتوتر والعداء بين إيران وإسرائيل وأميركا.

كما أن من نتائجها ابتعاد إيران من الغرب بشكل عام، وأميركا بشكل خاص، الأمر الذي سبب لإيران تراجعاً لعشرات السنين وخسائر تقدر بمليارات الدولارات، كما منحت إيران خلال الأعوام الماضية مصادرها وأمنها إلى الصين وروسيا، ولم يفصح عن طبيعة اتفاقاتها مع البلدين.

أثبت نظام الجمهورية الإسلامية أنه من أجل الاستمرار بالحكم فإنه مستعد لدفع كثير من الكلف، والاستمرار بهذا النهج جعل البلاد تصنف ضمن "محور الشر" من قبل إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، إلى جانب العراق وكوريا الشمالية. وكان من المحتمل شن حرب عليها على غرار الحرب على العراق وأفغانستان. وهكذا استمر التوتر بينها وأميركا إلى نهاية ولاية جورج بوش الابن في يناير (كانون الثاني) 2009.

من جانب آخر، كان بنيامين نتنياهو من حزب "الليكود" أمضى ثلاثة أعوام في الحكم بالتزامن مع انتخاب باراك أوباما رئيساً لأميركا عن "الحزب الديمقراطي"، وكانت المواقف السائدة في ما يتعلق بطبيعة العلاقة بين البلدين قائمة على أساس المواجهة.

سعى باراك أوباما إلى إحداث تغيير في السياسة الأميركية بالشرق الأوسط ووضع نهاية للعداء بين إسرائيل والعرب. وكان يعرف أن محاولات إيران للوصول إلى قنبلة نووية تؤدي إلى تفاقم الصراع في المنطقة، لذلك سعى إلى حل القضية، لكن الرسائل الهادئة لأوباما تغيرت رويداً رويداً حتى اتخذت منحى متشدداً.

أصدر مساعد الخارجية الأميركية جيمز شتاينبرغ ومساعد الخارجية الإسرائيلية داني أيالون بياناً مشتركاً في أكتوبر (تشرين الأول) 2010، وصفا فيه نظام الجمهورية الإسلامية بأنه "التحدي الأكبر" للاستقرار في الشرق الأوسط.

وأكد البلدان عبر البيان، العمل المشترك لمنع إيران من إنتاج قنبلة نووية، وأشارا مرات عدة إلى عدم التزام إيران معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية ودعمها المستمر للمجموعات الإرهابية في المنطقة.

وكان باراك أوباما وصل خلال ولايته الثانية في يونيو (حزيران) 2015 إلى اتفاق مع النظام الإيراني في شأن البرنامج النووي، وعارضت إسرائيل الاتفاق، مما أثر في العلاقة بين أوباما ونتنياهو، لكن الأوضاع تغيرت بعد وصول دونالد ترمب إلى سدة الحكم في مايو (أيار) 2019، فأصدر أوامر للانسحاب من الاتفاق النووي.

خطوة إلى الأمام واثنتان للوراء

لكن انسحاب أميركا من الاتفاق لم يحل مشكلة إسرائيل، بل أدى إلى تشديد مواقفها. وفي المقابل تخلت إيران عن التزاماتها التي نص عليها الاتفاق وعملت بوتيرة أكبر على نمو نشاطها النووي. وكان الاتفاق النووي قضى بتحديد هذه الأنشطة، لكن النظام الإيراني لجأ إليها من أجل الضغط على الغرب وإن تظاهر في الوقت نفسه بالتزام الاتفاق.

وكما كان متوقعاً جاء إنتاج المواد النووية واستمرار إيران بالأنشطة الفنية التي يمكن استخدامها في النشاط العسكري، مما أدى إلى تزايد قلق إسرائيل. ولم يثن إيران تعطيل منشآتها واغتيال العلماء النوويين لديها، بل أدت هذه الإجراءات إلى زيادة وتيرة عملها في المنشآت النووية ورفعت من مستوى تخصيب اليورانيوم. كما استمرت في دعم "حزب الله" والمجموعات التي تحارب إسرائيل بالنيابة على الحدود القريبة منها، ولم تتخل إيران عن شعار تدمير إسرائيل، الأمر الذي أثار سخط الأخيرة ورافق استهداف مقار هذه المجموعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لم ينجح ترمب في الولاية الثانية وانتقلت الإدارة الأميركية من الجمهوريين إلى الديمقراطيين، كما أن حزب نتنياهو خسر الانتخابات وانتهت هيمنته على الحكم في إسرائيل، وكانت استمرت 12 عاماً، ليخلفه نفتالي بينيت الذي حصل على 60 صوتاً مقابل 59 صوتاً لنتنياهو.

وكانت إدارة بايدن رحبت بانتخاب نفتالي بينيت، لكن الوضع كان ينبئ بعدم الاستقرار في إسرائيل منذ اليوم الأول، إذ أبدى بينيت ونائبه يائير لبيد ليونة في شأن توجهات إدارة بايدن التي حاولت الحد من البرنامج النووي عبر إرغام إيران على التزام الاتفاق لإيجاد نوع من الرقابة التسليحية عليها، لكن اتضح أن وراء هذه الليونة كانت هناك توقعات من جانب الإدارة الأميركية.

لم يستمر حكم الأكثرية الذي قاده بينيت ولبيد إلا للفترة الواقعة بين 13 يونيو 2021 ونوفمبر (تشرين الثاني) 2022. ثم عاد نتنياهو عبر ائتلاف مع المجموعات اليمينية والمتشددة. ومنذ وصوله إلى الحكم تعيش إسرائيل فترة اضطرابات داخلية وخارجية. ويبدو أن نتنياهو يريد الاستفادة من التغيير في جهاز القضاء والتناقضات في هيكل نظام الجمهورية الإسلامية من أجل احتواء خطر وصولها إلى السلاح النووي وأهداف بعيدة الأمد.

الاضطرابات في الداخل والخارج تعطي الذريعة للمجموعات اليمينية في إسرائيل للتخلي عن أي اتفاق مع الفلسطينيين أو الاعتراف بحكومة فلسطينية، إذ تطرح التهديدات الخارجية لتغطية ضعفها في إدارة الحكومة ولا تريد الاعتراف بالدولة الفلسطينية في حين أن اتفاق أوسلو الذي وقعه الفلسطينيون مع إسرائيل عام 1993، كان من شأنه وضع حد للصراع.

هذه التوجهات تسير على أساس إستراتيجية مركبة "خطوة إلى الأمام مقابل خطوتين إلى الوراء"، أي إن القادة اليمينيين في إسرائيل يعملون على تحسين العلاقات مع أميركا، وفي الوقت نفسه يشددون الخناق على الفلسطينيين، وعندما يواجهون ضغطاً من البلدان الأوروبية يلجأون إلى التهديدات الإيرانية بتضخيمها، كما أن الحلقة الأساسية لرجال الدين و"الحرس الثوري" في إيران تعمل لإيجاد ذرائع لإسرائيل للمضي في هذه الطريق، إذ تطرح قضايا تبدو وكأن هؤلاء يعملون على تدمير تل أبيب خلال الفترة القريبة المقبلة.

الأمور على نصابها

مضى 30 عاماً من اتفاق إسحق رابين وبيل كلينتون وعرفات حول فلسطين، كما مضى 12 عاماً على البيان المشترك بين جيمز شتاينبرغ ودانيل أيالون حول إيران. ومضت 10 أعوام على الاتفاق النووي، لكن الأمور على نصابها السابق لم تشهد أي تغيير.

إسرائيل مقبلة على الاحتفال بـ75 عاماً على تأسيس الدولة اليهودية، لكن الاحتجاجات مستمرة بسبب إجراءات حكومة نتنياهو، إذ يواجه تظاهرات غير مسبوقة بعد المصادقة على قرارات تحد من سلطة جهاز القضاء، وهذه الاحتجاجات مستمرة منذ أربعة أشهر.

ويسعى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى المصالحة بين المجموعات المختلفة من خلال التذكير بأن البلد يمر بتهديدات كبيرة، لكن القلق لم يقتصر على هذه الاحتجاجات، إذ تتردد في الأوساط الأميركية والإسرائيلية معلومات عن تهديدات جديدة من قبل إيران.

عمل نظام الجمهورية الإسلامية مراراً على تهديد الجيش الإسرائيلي عبر المجموعات المنتمية إليه، لكن ارتفاع هذه المواجهات تمثل باستهداف إسرائيل مسؤولين كباراً في غارات جوية على سوريا، وفي المقابل استهدفت إيران سفناً إسرائيلية في المنطقة عبر طائرات مسيّرة.

ويواجه النظام الإيراني في عامه الـ43 حركة احتجاجية ثورية تحت شعار "المرأة والحياة والحرية". وخلافاً لإسرائيل التي تستوعب حضور مئات آلاف المحتجين في الشوارع، قتل النظام الإيراني أكثر من 500 شخص في الشوارع وزج بآلاف في السجون ووصف جميع المحتجين بأنهم "أعداء"، ولا يزال القمع مستمراً من أجل القضاء عليهم.

استضاف جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي في الأسبوع الأول من مارس (آذار) الماضي، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تزاتشي هانغبي ووزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر على رأس وفد رفيع المستوى في البيت الأبيض.

حضر اللقاء كبار مسؤولي السياسة الخارجية والدفاعية والأمنية وبحث الجانبان بقلق استمرار النشاط النووي الإيراني، وأكدا ضرورة تعزيز الشراكة بين الجانبين أكثر من أي وقت مضى.

الطريف أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن نشر صورة مشتركة له وهانغبي وديرمر على "تويتر"، وكتب تغريدة تؤكد التزامه "الحفاظ على أمن إسرائيل وأهمية عودة الاستقرار وإزالة التوتر بينها والضفة الغربية".

في الوقت نفسه، تتأثر العلاقات الدولية بالحرب الراهنة في أوكرانيا، لكن يبدو أن المداولات بين الديمقراطيين ونتنياهو وتهديدات النظام الإيراني ضد أميركا وإسرائيل، وحتى تحرير 7 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المحتجزة في كوريا الجنوبية لم تؤد إلى حل الصراع بين البلدان الثلاثة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل