Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لمن المسيرات اليوم؟ هوية "الدرونز" تحدد أخلاقيات الحرب

أميركا وبريطانيا طورتا أول طائرة من دون طيار وسماء أوكرانيا وروسيا باتت مسرحاً لصراع القوى العظمى وغيرها على التصنيع والهيمنة

إيران معتدة بدقة مسيراتها "شاهد" لكنها تنكر تزويد روسيا بها (أ ف ب)

قبل ساعات، نقلت مسيرتان الحرب الروسية الدائرة في أوكرانيا إلى مرحلة جديدة تماماً، قالت روسيا إنها نجحت في إسقاط طائرتين من دون طيار استهدفتا الكرملين ليل الثاني من مايو (أيار) الجاري، الصور ومقاطع الفيديو (غير الرسمية) أظهرت جسماً يطير أعلى مبنى الكرملين قبل أن يحدث انفجار بدا أنه محدود أو صغير.

أوكرانيا من جهتها سارعت إلى النفي، "لا علاقة لنا بهذه المسيرة. نحن نركز على تحرير أراضينا من الغزو الروسي" بحسب ما أكدت التصريحات الأوكرانية الرسمية.

مسيرة تضرب أو تحاول أن تضرب، تصيب أو تخطئ، يتم إسقاطها أو تعود أدراجها إلى حيث انطلقت، يتهم طرف الآخر بأنه من أطلقها، وينفي الطرف الآخر، يبادر الأول إلى رد المسيرة بمسيرتين، تصيبان أو تخطئان، يتهم الطرف الثاني الأول بالهجوم، ينفي الأول، وهلم جرا.

إنها دورة المسيرات والاستهدافات والنفي والرد، إنه المكون الذي بات معتاداً في الحرب التي بدأت قبل نحو 15 شهراً، ربما الاختلاف هذه المرة هو أن الجهة المستهدفة هي الكرملين، وأن الشخص الذي أريد اغتياله هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بحسب ما تقول روسيا، وليس مجرد ضربات عسكرية أو بنى تحتية أو أهدافاً استطلاعية. اختلاف آخر لدورة المسيرات أيضاً يكمن في تعاظم توقعات قرب "هجوم الربيع" الذي تجهز له أوكرانيا منذ أشهر، وإعلان كييف قبل أيام قرب انتهاء التجهيزات له، وهو ما يطرح احتمالات غير مؤكدة وشكوكاً غير موثقة من أن هجوم المسيرتين على الكرملين ومحاولة اغتيال بوتين (بحسب ما أعلنت روسيا) تكتيك أو تجهيز أو ردع أو استباق لما يجري التخطيط له. إنها الحرب، وفي الحرب تتداخل المواقف السياسية والأخلاقية والدبلوماسية.

بعيداً من تحديد وإشهار الموقف السياسي أو الأخلاقي أو الدبلوماسي من حرب روسيا في أوكرانيا، يبدو مشهد الحرب التي أطفأت شمعتها الأولى وتمضي قدماً نحو الثانية معتاداً. دبابات، وأسلحة مضادة للدبابات، وصواريخ طويلة المدى وأخرى قصيرة المدى وثالثة فائقة السرعة، وقاذفات صواريخ، ومركبات مدرعة، وطائرات حربية، وأنظمة دفاع جوي، وقائمة كلاسيكية طويلة من القذائف والذخائر والمتفجرات والأسلحة الصغيرة والدروع الواقية وأجهزة الرؤية الليلية وأنظمة تشويش.

لكن يبقى مكون المسيرات أو "الدرونز" متميزاً متفرداً قادراً على رسم ملمح جديد في الحرب ومسلطاً الضوء على الخطوط الفاصلة بين المسيرات الطيبة والمسيرات الشريرة وأخيراً وليس آخراً، فتحها صفحة جديدة من صفحات فنون الحرب والقتال والقتل والصراع.


صراع المسيرات

صراع المسيرات الدائرة رحاه في سماء وأرض روسيا وأوكرانيا لافت. لا يكاد يمر يوم منذ بداية الحرب دون أن يتضمن أو يتصدر أو يتذيل خبر عن نجاح أوكرانيا في إسقاط عشرات المسيرات الروسية، أو تحطم مسيرة أوكرانية بالقرب من موسكو، أو اصطدام مقاتلة روسية بمسيرة أوكرانية في الجو، أو هجوم بمسيرة أوكرانية على قاعدة جوية روسية يخلف قتلى، أو تراشق بالاتهامات حول جنسية المسيرة المستخدمة من قبل أوكرانيا للنيل من أهداف روسية، أو شبهات تحوم حول مصدر المسيرات التي استهدفت بنى تحتية في أوكرانيا.

تبدو حرب المسيرات، بدءاً من دولة المنشأ مروراً بتكلفة الشراء وانتهاء بقياس الأثر من حيث روعة الاستهداف وثقل الفداحة، وكأنها حرب عالمية قائمة بذاتها. المسيرات في سماء روسيا، وفي أقوال أخرى المسيرات في سماء أوكرانيا، تكتب فصلاً جديداً من فصول الحروب الحديثة.

تاريخ المسيرات حديث نسبياً. بحسب وثائق "متحف إمبريال الحربي" في لندن، فإن أول مسيرات من دون طيار طورت في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا إبان الحرب العالمية الأولى، وتمت تجربة أول طائرة يجري التحكم فيها من بعد في عام 1917، في حين طارت أول طائرة أميركية عرفت باسم "بق (حشرة) كترينغ" في عام 1918. وعلى رغم أن التجربتين كانتا مبشرتين، إلا أنهما لم تستخدما فعلياً أثناء الحرب.

واستمرت جهود التطوير والتجارب في سنوات ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية. وفي عام 1935، نجح البريطانيون في تطوير وإنتاج عدد من الطائرات التي يجري التحكم فيها من بعد، واستخدمت كأهداف بغرض التدريب.

ويعتقد أن كلمة "درون" بدأ استخدامها في هذا الوقت، وهي الكلمة المستوحاة من الطائرة طراز "دي إتش.82 بي كوين بي" (كوين بي: النحلة الملكة). وتعني كلمة "درون" النحل الذكر الذي تقتصر مهمته على التزاوج مع النحلة الملكة فقط لا غير.

استطلاع وصواريخ

وعلى رغم وجود العشرات من أنواع "الدرونز" التي طورت على مدار العقود القليلة الماضية، إلا أنه يمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسين هما، الأنواع المستخدمة للاستطلاع والمراقبة، والأنواع المسلحة بالصواريخ والقنابل.

الاستخدام الفعلي لـ"الدرونز" كان أثناء حرب فيتنام الطويلة بين عامي 1955 و1975. وعلى مدار هذه السنوات، استخدمت بشكل واسع، إذ أدت عديداً من الأدوار الدفاعية والقتالية والخداعية وكذلك النفسية، إذ كانت تلقى المنشورات الموجهة للفيتناميين من على متنها وذلك ضمن الحرب النفسية في المعركة.

ودخلت الـ"درونز" مرحلة أخرى أكثر ذكاءً وتطوراً بعد انتهاء حرب فيتنام، وأصبحت الطرز الجديدة أكثر تعقيداً، مع تحسين قدرتها على التحمل والاحتفاظ بالقدرة على التحليق على ارتفاعات كبيرة.

وعلى رغم المهام السلمية، مثل مراقبة تغير المناخ، وعمليات البحث عن ناجين عقب الكوارث الطبيعية، والتصوير الفوتوغرافي، ومراقبة تسليم البضائع وغيرها، إلا أن المهام غير السلمية سحبت بساط الاهتمام والقلق والبحث العالمي من تحت أقدام الـ"درونز" التي يشتريها الأهل هدية للأبناء في عيد الميلاد أو يقتنيها أحدهم لممارسة هوايته في التصوير أو التحكم في طيرانها مع مجموعة من الأصدقاء تجمعهم الهواية نفسها.

الاستهداف الأميركي

لكن الاستخدام المكثف والموجه من قبل الولايات المتحدة لـ"الدرونز" "مكافحة الإرهاب" في كل من باكستان وأفغانستان، لا سيما بين عامي 2004 و2011. ولعل أبرز العمليات أخيراً تلك التي استهدفت زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في الصيف الماضي، في غارة جوية أشرفت عليها الاستخبارات الأميركية على كابول في أفغانستان، واتسمت العملية بالدقة الشديدة، لدرجة أنها استهدفته في منزله وكان معه أفراد عائلته، لكنهم لم يصابوا بسوء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سوء استخدام المسيرات أو حسنه أمر يختلف بحسب موقع من يستخدمها. فإن كان قابعاً على جبهة الجهة المسيرة، فهي مسيرات حسنة والعكس صحيح. المثال الأكثر مباشرة ووضوحاً هو استخدام التنظيمات المصنفة "إرهابية" للمسيرات وبين استخدام أميركا لها لـ"محاربة الإرهاب"، حيث الأول استخدام سيئ شرير، والثاني استخدام جيد لأغراض سامية.

وبحسب ما جاء على موقع "عين أوروبية على التطرف"، دأب تنظيم "داعش" عقب إعلانه "الخلافة" استخدام المسيرات في عمليات "عسكرية" لتوسيع حدود تلك "الخلافة" وكذلك لتصوير مقاتليه أثناء القتال بغرض استخدام الصور والفيديوهات إعلامياً للترويج على منصات التواصل الاجتماعي.

المبرر والمقبول

في المقابل، فإن استخدام أميركا للمسيرات في حربها ضد "الإرهاب" يتم التعامل معه باعتباره استخداماً مبرراً ومفهوماً ومقدراً للمسيرات، وذلك في أفغانستان واليمن وغيرهما. وأبرز الاستخدامات قامت بها الأجهزة الاستخباراتية لتنفيذ عمليات "سرية" لاغتيال المطلوبين في هذه التنظيمات "الإرهابية"، ويصف خبراء عسكريون الاستخدام الأميركي للمسيرات في محاربة "الإرهاب" بعمليات الصيد للأشخاص أكثر من كونها عمليات عسكرية تستهدف مثلاً إلحاق الدمار بالبنى التحتية أو الأهداف ذات الطابع العسكري في أرض المعركة.

لكن مسيرات حرب روسيا في أوكرانيا ليست بهذه البساطة. فجنسية المسيرة، أي دولة المنشأ التي صنعتها والدولة أو الجهة المستوردة لها والغاية من استخدامها وجميعها تصنف بحسب الموقف من الحرب نفسها، لا بآثارها المدمرة أو استهدافها البنى التحتية أو المدنيين إلخ.

هوية المسيرات

هوية المسيرة جزء من الحرب والموقف منها، صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أشارت قبل أسابيع إلى المسيرات الصينية التي تستوردها روسيا بغرض استخدامها عسكرياً في أوكرانيا "على رغم العقوبات الغربية" المفروضة على روسيا (نظرياً) للضغط عليها وللتأثير في قدراتها في حربها. وأشارت الصحيفة التي تقول، إنها اطلعت على سجلات الجمارك، إن الطائرات المسيرة تعرف طريقها إلى القوات الروسية في الخطوط الأمامية للقتال عبر مستوردين روس تعاقدوا عليها من المصنع الصيني، وإن بعضها ينقل عبر دولة عربية.

"جنسية" هذه المسيرات تفرض نفسها بقوة في الجانب الأميركي، حيث مخاوف الإدارة الأميركية من أن هذه المسيرات لا تخدم فقط الجهود العسكرية الروسية في أوكرانيا، بل تمد الصين بمعلومات استخباراتية من أرض المعركة، وهو ما من شأنه أن يعزز قوة بكين وقدرتها العسكرية، بمعنى آخر، تخشى واشنطن بشكل واضح وصريح من تنامي قدرات الدولة المصنعة للمسيرات التي تستخدمها روسيا في أوكرانيا لأسباب لا تتعلق لا بروسيا ولا بأوكرانيا، بل لأسباب تتعلق بـ"الحرب الشرسة بين أميركا والصين".

وتشير تقارير إلى أن مسيرات يعتقد أن القوات الروسية تستخدمها في أوكرانيا تباع على موقع "علي بابا" الصيني للتجارة الإلكترونية.

الصين وأميركا ومنافسة المسيرات

المنافسة الشرسة بين الصين وأميركا تطل برأسها بشكل واضح تماماً على صعيد المسيرات، موقع "دروس إندستري إينسايتس" (المتخصص في تحليل وتقييم المسيرات) يرد على سؤال، أين تقع أفضل شركات مصنعة لـ"الدرونز"، بقوله "أميركا والصين. في كل من مجالي الشركات المصنعة للدرونز والشركات المتخصصة في خدماتها، تهيمن الدولتان بـ17 شركة لكل منهما في كلا التصنيفين. وهذه الهيمنة لا يمكن فصلها عن عامل بالغ الأهمية، وهو حجم الميزانية العسكرية لكل من الدولتين التي تؤثر في تصنيفهما في حجم تصنيع الدرونز العسكرية والترفيهية".

 

وعلى رغم الفروق الكبيرة والكثيرة بين المسيرات التي تستخدم لأغراض مدنية وترفيهية كتلك التي "يلهو" بها الأطفال والكبار في المتنزهات العامة من جهة وبين المسيرات القتالية أو العسكرية، إلا أن الخطوط الفاصلة بينهما آخذة في التقلص لصالح الأغراض العسكرية. كما أن الـ"درونز" الترفيهية جار استخدامها بشكل كبير في حرب روسيا بأوكرانيا.

التبرع بالدرونز

سماء الحرب ملبدة بـ"الدرونز"، الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، العسكرية المعقدة وكذلك الترفيهية البسيطة ذات القدرات المحدودة. وتشير المتخصصة في شؤون الـ"درونز" فاين غرينوود في مقالة منشورة على موقع "اللجنة الدولة للصليب الأحمر" تحت عنوان "الدرونز الاستهلاكية في الصراعات: أين مكانها في القانون الدولي؟" إلى أن وزارة الدفاع الأوكرانية طلبت من مالكي الـ"درونز" الترفيهية أو المدنية من مواطنيها في بداية الحرب استخدامها للمساعدة في العمليات العسكرية، ويظهر فيديو منشور على "تليغرام" "درون" صينية تصور مركزاً تجارياً مشتعلاً في مدينة تشرنيغوف الأوكرانية.

وتظهر مقاطع أخرى عديداً من المواطنين الأوكرانيين وهم يتبرعون بـ"الدرونز" الترفيهية التي يمتلكونها للقوات الأوكرانية. وفي مقطع آخر تظهر مجموعة من الجنود الروس وهم يحملون "درونز" ترفيهية معهم إلى أوكرانيا. ليس هذا فقط، بل إن الصحافيين في أوكرانيا يستخدمون الـ"درونز" لتوثيق حجم الدمار هناك.

لغط وغموض

حالة فجائية من اللغط والغموض والضبابية تسبب فيها الاستخدام المكثف لـ"الدرونز" في الحرب من قبل الطرفين المتنازعين، فهل يمكن اعتبار المواطن العادي الذي تطوع لاستخدام الـ"درون" التي يمتلكها لاستهداف "قوات العدو" أو بناه التحتية جندياً في حرب؟ أم أنه يظل مواطناً مدنياً؟ وكيف يمكن التفرقة بين المواطن العادي والـ"درون" الترفيهية التي يمتلكها وبين الجندي المقاتل والـ"درون" التي يستخدمها كآلة عسكرية؟ وما الذي يحدث حين يتم استهداف "درون" ومن يشغلها مثل إن كان مواطناً أو صحافياً أو عامل إغاثة؟

وبعيداً من خطوط القانون الدولي وقواعد الحروب الملتبسة، فإن المسيرات المحلقة في سماء الحرب متعددة الجنسيات، ومن ثم متعددة الاختلافات. فالانتحارية منها تعد أكثرها استخداماً في هذه الحرب، منها ما يحلق مستهدفاً أهدافاً أوكرانية، ومنها ما يتم توجيهه نحو أهداف روسية. والنتيجة واحدة مع اختلاف جنسية الضحايا أو الخسائر.

فمثلاً نسبة كبيرة من الـ"درونز" الانتحارية (أي التي يتم تدميرها مع الأهداف التي تستهدفها) التي يستخدمها الجانب الأوكراني أميركية الصنع، في حين قرينتها المستخدمة من قبل روسيا محلية الصنع، أو إيرانية، بحسب خبراء عسكريين، وإن كانت كل من إيران وروسيا تنفيان ذلك.

الصين تطل برأسها

وتطل الصين برأسها على صعيد الـ"درونز" الترفيهية المستخدمة بكثافة على جانبي الحرب. ترصد المتخصصة في شؤون الـ"درونز"، فاين غرينوود، استخداماً مكثفاً للتجارية منها، وتصنعها شركة "دي جي آي" الصينية من قبل الأوكرانيين والروس على حد سواء، وكلاهما أجرى تعديلات على تلك الـ"درونز" الصغيرة الخفيفة ليتم استخدامها لأغراض عسكرية، حيث يتم تحميلها بقدر ولو صغير من المتفجرات لتفجيرها في أهداف العدو.

يشار إلى أن الشركة الصينية أعلنت بعد أسابيع من اندلاع الحرب أنها ستوقف مبيعات الـ"درونز" التي تنتجها لكل من روسيا وأوكرانيا "لأن هذه  لم يكن المقصود بها استخدامها عسكرياً"، إلا أنها يمكن شراؤها من قبل دول أخرى، كما أنها متاحة للبيع في المحال وعلى الإنترنت، ومن ثم نقلها إلى إحدى الدولتين.

مسيرات في "علي بابا"

يبدو الحديث عن حرب المسيرات الحالية وكأنه مشهد بالغ التعقيد غارق في التقنية الحديثة، فهناك مسيرات إيرانية تستخدمها روسيا، ومسيرات تركية تستخدمها أوكرانيا، ومسيرات محلية الصنع تطلقها روسيا، ومسيرات أميركية في طريقها إلى أوكرانيا، والمسيرات الصينية متاحة للجميع وعلى موقع "علي بابا".

تركيا تفاخر بقوة وكفاءة وقدرة مسيراتها "بيرقدار" التي تطلقها أوكرانيا في سماء العدو الروسي، وإيران معتدة بدقة وتقنية وروعة مسيراتها "شاهد" في المطلق، لكنها تنكر تزويد روسيا بها. في شهر فبراير (شباط) الماضي، وبمناسبة مرور عام على بدء الحرب، أعلن البنتاغون عن دفعة جديدة من المساعدات الدفاعية لأوكرانيا تشمل ذخائر وحزمة من المسيرات الصغيرة ذات التقنيات المتقدمة، وأضاف البنتاغون أن المساعدات تتضمن أسلحة من شأنها أن تواجه الأنظمة والمسيرات الروسية من دون طيار، بما في ذلك مسيرات "كاميكازي" التي تم تطويرها.

سماء حرب روسيا في أوكرانيا تحمل ملمحاً جديداً تماماً حيث "حرب الدرونز". المسيرات الأوكرانية بجنسياتها المختلفة تواجه المسيرات الروسية المحلية والمستوردة، بلا طيار وبلا قواعد عسكرية متعارف عليها، وبالطبع بلا قوانين حرب يمكن تطبيقها أو حتى التلويح بها.

تغطية أخلاقية

أغلب التقارير الإعلامية والتغطيات الصحافية لحرب الـ"درونز" المشتعلة في سماء أوكرانيا وروسيا تتعامل مع المسيرات من منطلق يبدو أنه "أخلاقي" حيث مسيرات هذا الطرف مقبولة ومحمودة لأنها تمثل الحق وترمز إلى العدل، والعكس صحيح، لكن في أقوال أخرى، التعامل العالمي مع حرب المسيرات الدائرة يتأثر بجنسية الـ"درون" وعلاقة دولة المنشأ بالقوى العظمى في العالم وموقف الشركات المصنعة من الحرب التجارية التي تهيمن على الكوكب.

 

أما أثر هذه الحرب المشتعلة في أغلبها بين "درونز" زهيدة الثمن المتناحرة في سماء الحرب، فالأمر يبدو أكثر التباساً وغموضاً. أفلام "هوليوودية" وروايات خيال علمي وربما تجارب معملية ظلت تدور لسنوات حول حلم أو كابوس حروب أسراب الطائرات من دون طيار في سماء الكوكب لتعلن فصلاً جديداً من فصول الحروب الذكية المثيرة، حيث الإنسان على الأرض لا يناطح طواحين الهواء فقط، بل ينازع طائرات من دون طيار.

سرب ذكي

تحت عنوان دال على مشهد سماء الحرب في أوكرانيا، "المستقبل الضئيل والفعال بشكل مرعب لحرب الدرونز"، أشار تقرير منشور في "ذا أتلانتيك" في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، إلى أن السرب كائن حي وذكي، وكل طائرة في سرب الطائرات من دون طيار (وهو السرب الشبيه بغيره من أسراب الحشرات والطيور والأسماك) تفكر وحدها (من خلال من يتحكم فيها على الأرض) وتتواصل مع آخرين وتشارك المعلومات حول موقعها في السرب والتهديدات المحتملة التي قد تواجه السرب، وقد يختلف رد فعل كل طائرة من طائرات السرب ويتغير اتجاهها بشكل غير متوقع.

ويشير التقرير إلى جزئية الاستقلالية، ذلك المكون الجديد والفريد المتضمن في سرب الـ"درونز" المحلقة في سماء الحرب في أوكرانيا، فقد تم فتح الباب (ولو بصفة استثنائية) لملاك الـ"درونز" للمشاركة في الحرب تحت تسميات مختلفة مثل الدفاع عن الوطن، ودرء الخطر المحتمل، ومجابهة العدو، وذلك عبر هذه المسيرات الذكية سابقة البرمجة.

وفي هذا الصدد، يذكر الكاتب الصحافي البريطاني المتخصص في شؤون التكنولوجيا ديفيد هامبلينغ في كتابه "قوات السرب" (2015) أن مهندسي البرمجيات نجحوا في محاكاة الأسراب الحية من طريق برمجة المسيرات وتزويدها بثلاث تعليمات، الانفصال أو الحفاظ على مساحة بعينها من أقران السرب، والمحاذاة أو البقاء في المسار نفسه مع الآخرين، والالتحام أو التحرك نحو موضع جارك في السرب.

ويشير تقرير "ذ أتلانتيك" إلى أنه بتكلفة سرب من آلاف المسيرات التي يمكن شراؤها من المحال التجارية التي هي أقل بكثير من مقاتلة "أف-35" أو صاروخ باليستي، يتاح سلاح فعال لأي دولة لها أطماع غير شرعية أو جماعة إرهابية يمكنها من القيام باعتداءات أو اغتيالات في أي مكان في العالم، وتمثل هذه الأسراب نقلة نوعية على صعيد الهيمنة على السماء، فمنذ الحرب الكورية، والقوات الأميركية تهيمن على هذه السماوات أينما ذهبت، لكن أسراب الـ"درونز" قادرة على إنهاء هذه الهيمنة وبتكلفة أقل بكثير.

حقل تجارب

سماء الحرب في أوكرانيا حقل تجارب بالغ الأهمية للقوى العظمى ونصف العظمى والتي تطمح أن تكون عظمى، وعلى رغم هيمنة أميركا والصين، أو الصين وأميركا على عالم تصنيع الـ"درونز"، إلا أن قوائم الدول القادمة بقوة والمصدرة والمطورة والمصنعة طويلة، اليابان وفرنسا وألمانيا والدنمارك وإستونيا والبرازيل والهند وتركيا تسير بسرعة في عالم التطوير والتصنيع، لكن تظل الدول المسيطرة والمهيمنة في مجال التصنيع والتصدير، أميركا والصين إضافة إلى إسرائيل.

يشار إلى أن إسرائيل وافقت من حيث المبدأ على تصدير أنظمة مضادة لـ"الدرونز" إلى أوكرانيا، وهو ما سيوسع دائرة المواجهة حيث مسيرات إيرانية تعترضها أنظمة إسرائيلية والبقية تأتي في سماء أوكرانيا والجميع ينتظر ما ستسفر عنه "معركة الربيع" التي باتت على الأبواب.

المزيد من تحقيقات ومطولات