Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أمير جديد للإيزيديين في العراق... وخطاب توافقي في مراسم تنصيبه

تدفع الأوضاع الاقتصادية الضاغطة الجماعة مُنذ أوائل الثمانينيات إلى الهجرة نحو الدول الأوروبية

إيزيديات يصلين في معبد لاليش (أ.ف.ب)

نصّب أمير جديد لأبناء الديانة والجماعة الإيزيدية، بعدما انتخب المجلس العائلي الأميري حازم تحسين بك خلفاً لوالده الأمير تحسين (مساء أمس السبت 27/07/2019)، الذي وافته المنية في يناير (كانون ثاني) المنصرم في أحد مُستشفيات ألمانيا.

تقليد وحياد تاريخي

تنتمي الديانة الإيزيدية إلى طيف الأديان والنزعات الروحانية السابقة لقدوم الإسلام إلى هذه المنطقة، وقد حافظت على منطقة تاريخية مُحددة لانتشارها، حيث يشكل الإيزيديون أغلبية سُكانية شبه مُطلقة في المنطقة المُمتدة بين جبال سنجار ومنطقة شيخان، في القوس الجُغرافي شمال مدينة الموصل وغربها، التي تصل حتى الحدود العراقية السورية. 

تجمع سمة الأمير ضمن أبناء الجماعة الإيزيدية معاني رمزية عدة، بينها التمثيل السياسي والزعامة الاجتماعية والروحانية الدينية، شبيهة بما تأخذه الزعامات المحلية في الطائفة الدُرزية والعلوية.

ودرج العُرف ضمن هذه الجماعة بأن تأخذ "العائلة الأميرية"، التي ينتمي إليها حازم تحسين بك، هذا الموقع مُنذ قرون، فقد حافظت أجيالها المُختلفة على تلك المكانة على الرُغم من المزاحمة والصراع شبه الدائم على موقع الأمير وزعامة الجماعة الإيزيدية ومواطنها الجُغرافية، بالذات في جبال سنجار المنيعة، مُنذ قرون.

كان والد الأمير الجديد، الأمير تحسين بك قد تولى زعامة هذه الجماعة أواسط الأربعينيات من القرن المنصرم، وكان في أوائل يفاعته.

طوال فترة زعامته، التي رافقت طيف التحولات الحادة التي أصابت الدولة العراقية، حافظ إلى حدٍ بعيد على حياد جماعته ضمن الصراعات العراقية، خصوصاً من الحرب العشواء التي كانت تخوضها السُلطات المركزية العراقية ضد الحركة القومية الكُردية، وكانت تتهم الإيزيديين بالولاء للحركة الكُردية ومساندتها. حتى أن السُلطات العراقية كانت تعفي الإيزيديين من الخدمة الإلزامية.

على أن الامتحان الأبرز للأمير الأب كان في القُدرة على حفظ الجماعة الإيزيدية من تبعات الانحدار الحاد للنِظام العراقي نحو الطائفية المُتشددة بعد حرب الخليج الثانية، عبر ما كان سماه الرئيس العراقي السابق "الحملة الإيمانية"، التي تلتها مباشرة الحرب الطائفية الصعبة في مختلف مناطق العراق، بما في ذلك المناطق الإيزيدية في محافظة الموصل، حيث تعرضت للكثير من الهجمات الإرهابية من الجماعات المُتشددة.

لكن الامتحان الأصعب للجماعة الإيزيدية كان في الهجمات المُريعة التي شنها تنظيم داعش على مناطقهم في صيف عام 2014. والتي أدت إلى مقتل وأسر الآلاف من النساء والأطفال من الجماعة وتهجير البقية، وصارت هذه المناطق نقطة صراع سياسي وعسكري بين القوى المحلية العراقية، وحتى نظيرتها الإقليمية.

ترحيب كُردي

 يُفترض أن يصدر مرسوم رسمي من رئيس إقليم كُردستان العراق نيجيرفان بارزاني خلال الأيام القليلة المقبلة، يقرّ فيه بتعيين الأمير حازم تحسين بك أميراً على عموم الجماعة الإيزيدية.

وهو أمر تُقدم عليه القيادة الكُردية لتأكيد كُردية الجماعة الإيزيدية (ينطق جميع أبنائها باللغة الكُردية) وتابعية مناطقها لإقليم كُردستان، حيث لا تزال أغلبية هذه المناطق ضمن المناطق المُتنازع عليها بين الحكومة الاتحادية وإقليم كُردستان العراق، بالذات منطقة جبال سنجار.

 تتالت برقيات التهنئة إلى الأمير الجديد من قادة إقليم كُردستان ومسؤوليه، حيث قال زعيم الحزب الديمقراطي الكُردستاني مسعود البرزاني في رسالة تهنئته له: "بمناسبة تنصيبكم أميراً للإيزيديين، أتقدم بالتهاني الحارة لكم وللأخوات والإخوة من الكرد الإيزيديين كافة، آملين لكم النجاح... الإيزيديين شريحة أصيلة من القومية الكردية وشعب كردستان". علماً أن رئيسي الإقليم وحكومته أجريا اتصالاً بالأمير الجديد، مع إصدار الحكومة بياناً خاصاً بالمناسبة.

الأمير الجديد، ولد في بلدة باعدرة التابعة حالياً لمحافظة دهوك في إقليم كُردستان العراق عام 1963، وكان عضواً في برلمان إقليم كُردستان العراق، وهو يشغل منصب وكيل أمير الإيزيديين مُنذ العام 1989.

تبنى الأمير الجديد خطاباً توافقياً في مراسيم تنصيبه، سواء على المستوى الداخلي، المتعلق بالمزاحمة بين مختلف القوى الاجتماعية والسياسية الإيزيدية الساعية للظفر بمنصب أمير الجماعة. إذ أقر الأمير الجديد بأنه يُمثل الأغلبية المُطلقة من أبناء الجماعة وليس جميعهم، مُعلناً انفتاحه على كُل القوى الاجتماعية والسياسية الإيزيدية للتوافق في ما بينها.

كذلك فإنه يسعى خلق مساحة مُشتركة بين حكومتي إقليم كُردستان والحكومة المركزية، إذ قال: "سنعمل مع أربيل وبغداد لإعادة إعمار قضاء سنجار وسنعزز علاقات الإيزيديين مع المكونات كافة في العراق وكردستان".

 ثلاثة قضايا ضاغطة

 تذهب التقديرات الانطباعية إلى أن أبناء الجماعة الإيزيدية يُقدرون بحوالى المليون نسمة، يعيش أكثر من نصفهم في العراق، بينما يتوزع الباقون بين الدول الأوروبية، حيث قال المكتب الفيديرالي للهجرة واللاجئين الألماني (BAMF) إن أكثر من مئتي ألف يزيدي يعيشون في ألمانيا، وتعيش النسبة المتبقية منهم في كُل من سوريا وتُركيا. 

 لذلك تواجه الجماعة الإيزيدية راهناً خطر الاستنزاف الديموغرافي، فالأوضاع الاقتصادية الضاغطة في كُل من العراق وسوريا وتُركيا كانت تدفعها مُنذ أوائل الثمانينيات إلى الهجرة نحو الدول الأوروبية، اضيف إليها في السنوات الأخيرة ضغوط الأحوال السياسية الأمنية، بالذات هجمات الجماعات المُسلحة المُتطرفة، التي خلقت أشكالاً من الهجرة الجماعية. وتقول تقديرات الناشطين الإيزيديين إن أكثر من رُبع الإيزيديين المقيمين في سوريا والعراق قد هاجروا خلال السنوات الخمس الماضية.

إلى جانب ذلك، فإن الأمير الجديد مُجبر على مُتابعة طيف من الملفات الأمنية السياسية، المتعلقة باسترجاع الآلاف من النساء والأطفال الإيزيديين (يُقدرون المُختفون المتبقون بحوالى 6000 مدني) من الذين ما زالوا مُختطفين لدى الجماعات المُتطرفة. إضافة لخلق نوع من الوئام الاجتماعي ضمن الجماعة، التي تُعاني من منغصات هائلة جراء قدوم الكثير من النساء المُختطفات مع أبنائهنّ الذين ولدوا نتيجة حالات الاغتصاب والعنف الجنسي الذي تعرضنَ له خلال سنوات الأسر الطويلة، هذه المسألة التي لا تزال محل استقطاب ضمن الجماعة.

هاتان القضيتان مُرتبطتان بملف علاقة أبناء هذه الجماعة بجوارهم الديموغرافي. فالقوى السياسية والمُجتمعية الإيزيدية وجهت اتهامات إلى العديد من سُكان مناطقهم الجُغرافية، متهمة إياهم بمعاونة التنظيمات المُتطرفة في عملية الإبادة التي تعرضوا لها أبان هجمات تنظيم داعش عليهم في صيف عام 2014.

صحيح أن أمير الإيزيديين لا يملك سُلطات وصلاحيات واضحة، لكن نفوذه الاجتماعي وعلاقاته مع قوى الحُكم والمُجتمع الدولي، له القدرة على التأثير في الكثير من هذه الملفات.

المزيد من العالم العربي