Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التونسي يوسف الصديق: فصل الدين عن السياسة خدمة للإسلام

يرى أن التأسلم السياسي لم ينته بل يمكنه الاستيقاظ في أي لحظة ويعتبر إعجاز القرآن في التأليف بين الأبعاد الإنسانية الكبرى

أكد الصديق أن "التونسيين استفاقوا لأنهم ليسوا بحاجة إلى أن يبرهنوا على إسلامهم لأحد" (مواقع التواصل)

ملخص

مؤلفاته شغلت اهتمام الباحثين على غرار "هل قرأنا القرآن أم على قلوب أقفالها؟"، و"الآخر والآخرون في القرآن"، فماذا يقول المفكر التونسي يوسف الصديق عن القضايا والإشكاليات العربية الراهنة؟

يعد الفيلسوف وعالم الأنثروبولوجيا يوسف الصديق، من أبرز المفكرين في تونس والعالم العربي في القرن الـ21، حيث لا يتردد في إطلاق دعوات إلى ضرورة تجديد الموروث الديني في الإسلام، ويذهب إلى أبعد من ذلك في قراءته لأسباب الانتكاسات التي تعرفها بعض الدول العربية والإسلامية من خلال انتقاد غياب الفصل بين الدين والسياسة.

الصديق، الذي صدر له عديد من المؤلفات التي تسبر أغوار تاريخ الدين الإسلامي، يرى في حوار خاص مع "اندبندنت عربية"، أن الإسلام السياسي لم ينته بعد، وهو ظاهرة قد تستيقظ مجدداً يوماً ما على رغم الانحسار الذي يعرفه هذا التيار في الدول العربية حالياً.

يخطو نحو المجهول

مؤلفات يوسف الصديق شغلت اهتمام الباحثين على غرار "هل قرأنا القرآن أم على قلوب أقفالها؟" عام 2006، و"الآخر والآخرون في القرآن" عام 2015.  

وعلى رغم أنه عرف لدى التونسيين بسعيه المحموم لشرح القرآن وإيضاح ما يصفه بأزمة المسلمين، فإن للصديق مواقف سياسية إزاء الوضع في بلاده التي عرفت منذ عام 2011، تاريخ إطاحة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، تقلبات سياسية في فترة قادت فيها حركة النهضة الإسلامية مقاليد الحكم.

وشهدت تونس في السنتين الأخريين منعطفاً حاسماً بعد أن أطاح الرئيس قيس سعيد البرلمان والحكومة اللذين تسيطر عليهما حركة "النهضة"، وعلى رغم أنها لم تعد تحظى بشعبية قوية فإن الشارع في تونس منقسم تجاه خطوات الرئيس سعيد.

قال الصديق "منذ لحظة 25 يوليو (تموز) التي سعدت لها كما سعد لها كثير من التونسيين وعبروا عن ذلك في الشوارع، لم يحدث شيء يحتاج إلى القراءة الجيدة، وكل يوم تصبح القراءة صعبة، والحقيقة أنني حاولت فهم مواقف الرئيس المتتالية وحتى لغته السياسية فلم أقدر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع "الرئيس يريد أن يغير، لكنه لا يعرف المنوال الذي انبنت عليه تونس منذ عهد الزعيم الحبيب بورقيبة والرئيس بن علي، هناك مشكلات مثل التخلف والتباعد بين الجهات والفروق العميقة بينها، وهو ما يعكس منوالاً عاشت عليه تونس وما زالت، لكن تحديد المنوال الذي سيعوضه غير متوفر حالياً، وهناك انطباع بأنه يخطو نحو المجهول".

تشهد تونس أزمة حادة تشهدها على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، ولم تنجح بعد في توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل ينتشلها من الأزمة الاقتصادية الحادة التي تشهدها البلاد مما جعل كثيرين، بمن في ذلك الموالون للرئيس سعيد، ينتقدون الحكومة التي كلفها برئاسة نجلاء بودن.

وقال الصديق إن "حكومة الرئيس سعيد لا أقول إنه ينقصها الكفاءة، وأعتقد أنها متألفة من كوادر كونتهم الدولة التونسية مثلما كونتني أنا وكونت محامين وأطباء ومهندسين وغيرهم، لكن ليس لديها تصورات لاستنباط حلول للأزمة الراهنة".

 

 

تم أخيراً توقيف زعيم "النهضة" راشد الغنوشي وقيادات وازنة من "النهضة" الأمر الذي أثار تساؤلات واسعة النطاق حول ما إذا كان ذلك سينهي تيار الإسلام السياسي في تونس، خصوصاً أن عديداً من القضايا تلاحق هؤلاء مثل تسفير التونسيين نحو بؤر القتال، وما يعرف محلياً بالتآمر على أمن الدولة وغيرهما.

بالنسبة إلى الصديق فإن "الإسلام السياسي ما زال ظاهرة موجودة يمكن أن تستيقظ في أي مكان، بخاصة في وجود قوى لا تصرح بانتمائها لهذا التيار أو استعدادها لمساعدته، بالتالي ستظل موجودة مثل الأيديولوجيات الكبرى كالشيوعية والتطرف اليميني في إسبانيا أو ألمانيا، وكلها أيديولوجيات لا يمكن أن تموت نهائياً، لكن في تونس هناك فتور كبير شعبي ضد الإسلام السياسي".

وأشار إلى أن "التونسيين استفاقوا لأنهم ليسوا بحاجة إلى أن يبرهنوا على إسلامهم لأحد، الإسلام السياسي كأنه مخدر في تونس الآن ولن يبعث من جديد قبل مدة طويلة، وهناك تغيرات في المجتمع التونسي ربما خلفتها الحوكمة التي لم تكن حوكمة سعيدة تماماً بل شابتها أخطاء كثيرة".

جدل الدين والسياسة

أمضى الصديق سنوات في نقد سلطة الفقهاء في شأن قراءة الموروث الديني من قرآن وأحاديث نبوية وغيرهما، علاوة على الدعوة إلى فصل الدين عن السياسة والدولة من أجل اللحاق بركب الدول المتقدمة.

وأضاف أن "مشكل الأمة الإسلامية هو في تأخرها منذ وقت النهضة، وقت جمال الدين الأفغاني، فمن دون إضعاف البعد الديني والإيماني هناك حد بين الديني والسياسي والدنيوي والأخروي، وهو أمر جعل أوروبا قبل قرنين ونصف القرن تخرج إلى الحداثة والتقدم من دون أن يمس فيها المواطن الأوروبي شعرة من تدينه، فالفرنسي والإيطالي والهولندي والروسي المسيحي كلهم على القدر نفسه من الإيمان والانتماء للمسيحية".

 

 

وواصل الصديق قائلاً "لقد فرقوا نهائياً بين الديني والسياسي، حتى الحبر منهم والبابا منهم وبقية رجال الدين فرقوا بين ما هو سياسي والانتماء لمعتقد معين، ونحن لم نقدر بعد على ذلك، حلمي ليس إطاحة البعد الإيماني والميزة العقدية التي تربطنا بالإسلام، أنا مسلم وفي مجتمع أعتقد أنه مسلم، لكن خدمة لهذا فإن الإسلام الذي يحدد أفق السعادة للشعوب يجب فصله وتفريقه عن البعد السياسي والدنيوي تفريقاً نهائياً".

وشدد على أن "وزارة الشئون الدينية لا تعني شيئاً بالنسبة إليّ، ما معنى أن تسلط عليّ إدارة تتحكم في تديني وشعوري وضميري، لا مناص من الفصل بين ما هو سياسي وديني، فكل المشكلات التي تعصف بباكستان والصومال وتونس والجزائر وغيرها سببها هو عدم الفصل بينهما".

وتابع "لو صرحت في لحظة ما بأنني مع ابن عربي أو الحلاج أبقى مسلماً، لكن قد أحاكم من طرف هذه المواقع الإدارية التي تجعل لدولة مثل تونس مفتياً ووزارة تتحكم في شعور الناس وضمائرهم".

وينتقد الصديق طريقة تعاطي المسلمين مع القرآن، معتبراً أنهم قاموا بتلاوته وليس قراءته، ويعود في شرح ذلك إلى حياة الرسول محمد، قائلاً "في لحظة معينة حدثت ثورة فكرية يمثلها إلى حد الآن شخص واحد يبقى في ذاكرتنا وفي سرديتنا التاريخية والفكرية هو النبي محمد بن عبدالله، الذي كلّف قولاً نسميه القرآن، وعلمياً وتاريخياً يسمى المصحف، لكن هذا القول تحول إلى رهانات للفتنة والاختلاف لدى أطياف كثيرة".

المسلمون وأزمة الهوية 

واجه الصديق مراراً هجمات وانتقادات حادة بسبب انتقاده للخطاب الديني وغياب التجديد عنه، علاوة على وجود ما يسميه أزمة هوية بالنسبة إلى المسلمين.

في مؤلفه "هل قرأنا القرآن أم على قلوب أقفالها؟"، يقول إن "هناك نسياناً مزدوجاً ذلك الذي جعل المسلمين يتجاهلون أو ينكرون عديداً من أشكال الشراكة التي ربطت العقل اليوناني بثقافة عرب ما قبل الإسلام".

ويعتقد الصديق أن "الإعجاز القرآني ليس في تركيب الجمل، لكن في التأليف بين أبعاد إنسانية كبرى، سواء في القوانين أو في المؤسسات حيث نجد القضية الحربية والعسكرية، وهي مسائل تم تأليفها بأبعاد إنسانية لم تكن موجودة في المجتمع العربي القديم".

ولا يخفي الصديق انتقاده للمؤسسات الدينية، معتبراً أنه تم الانحراف بها عن دورها الحقيقي من قبل القائمين عليها. مضيفاً أن "جامعة السوربون بنيت على موقع ديني، لكن لا علاقة لها بالدين في الحاضر، شأنها شأن جامعة أوكسفورد وبقية الجامعات السوفياتية والروسية، لأنها تحررت من ادعاء بأنها سند الدين والتفتت إلى القضايا العلمية".

واعتبر الصديق أن "هناك أشياء لا بد للعلماء أن ينتبهوا إليها، وأن يوقظوا المسؤولين السياسيين حتى نحلها، لأنها مشكل نعيشه في عصرنا الحاضر، فعلى سبيل المثال قضايا الأحوال الشخصية لم تعد تتحمل الركود الذي تعيشه الحضارة الإسلامية منذ 14 قرناً، ولا بد لنا عوض أن نفتي بطريقة اعتباطية ألا ننسى أن الإفتاء محل استنكار في القرآن".

المزيد من حوارات