Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ضباب الشيخوخة العمرية والسياسية يخيم على أميركا

لماذا باتت الولايات المتحدة محكومة بطاقم من السياسيين يشابهون نظراءهم السوفيات في نهاية عهدهم؟ وما السر وراء تراجع معدلات النمو والخصوبة، وما الخطر الذي يمثله ذلك؟

حظوظ الرئاسة الأميركية تميل إلى كبار السن كما الحال مع جيرالد فورد ثم جيمي كارتر مروراً برونالد ريغان وبوش الأب وصولاً إلى ترمب ثم بايدن (اندبندنت عربية)

ملخص

لماذا باتت الولايات المتحدة محكومة بطاقم من السياسيين يشابهون نظراءهم السوفيات في نهاية عهدهم؟ وما السر وراء تراجع معدلات النمو والخصوبة؟

في أواخر شهر فبراير (شباط) المنصرم، خصصت جريدة "الغارديان" البريطانية الشهيرة، صفحات بعينها، للحديث عن الشيخوخة المتقدمة التي باتت تتفاعل في الولايات المتحدة الأميركية، لا سيما في ظل توقعات بدخول أكبر المرشحين سناً، للتنافس على منصب الرئاسة في 2024، دونالد ترمب، وجو بايدن.

تقول "الغارديان"، إن الشيخوخة باتت تحكم الطبقة السياسية في الولايات المتحدة، وسط دعوات بضرورة السماح للأجيال الحديثة للمشاركة في الحكم.

هل تسلل "حكم الشيخوخة" بالفعل إلى الداخل الأميركي، وإن كان ذلك قد جرى بالفعل فما هو السبب؟

لعل الحديث عن حكم الشيخوخة في الداخل الأميركي، بات متجاوزاً لمنصب الرئاسة، وبقية المقاعد السياسية المتقدمة، إلى الامبراطورية الأميركية عينها، إذ يرتبط حديث التقدم الديموغرافي جذرياً، بالنفوذ الدولي لأي دولة، والقدرة التنافسية مع الآخرين،  والوضع الاقتصادي الريادي أو التدهور، وجميعها عوامل تجعل من سؤال العمر في دولة قطبية عظمى، أمراً مهماً وحيوياً، بات يزعج الأميركيين، سيما بعد أن كانت الولايات المتحدة في عقد التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قد حازت  ميزة الخصوبة، مقارنة بالدول النظيرة في العالم الثري، غير أن هذه الميزة بدأت في التلاشي منذ الأزمة المالية البنكية الأميركية في عام 2008.

الشيخوخة تطال أميركا والعالم

مع بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، بدت مشكلة الشيخوخة تؤرق العالم، حيث فاق عدد الذين تجاوزوا الستين من عمرهم، نحو سبعمائة مليون نسمة، هذا الرقم مرشح للوصول إلى ملياري نسمة بحلول عام 2050، أي خلال أقل من ثلاثين عاماً من اليوم، ما يجعل عدد المسنين أكثر من عدد الأطفال لأول مرة في تاريخ البشرية مما ينبئ بأن العالم يتجه نحو الشيخوخة.

تطرح ظاهرة "الكهولة" نفسها كأحد أهم التحديات التي تواجه الحكومات في القرن الحادي والعشرين، في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء.

هل يمكننا إرجاع تقدم عمر السكان إلى توافر الرعاية الطبية، وجودة الحياة، والقدرة على مواجهة الأوبئة والأمراض المتوطنة، بل والقضاء عليها؟

يمكن بالفعل أن يكون كل هذا صحيحاً، غير أن هناك أمراً آخر لابد أن يؤخذ في الحسبان، وهو تناقص النمو السكاني، وتراجع معدلات الزيادة الديموغرافية في كثير من بقاع العالم، من أوروبا إلى أميركا وهو أمر بدأ ينسحب اليوم على الصين كما تفيد أحدث القراءات الواردة من هناك.

هل كانت علائم الشيخوخة بادية على أميركا، قبل منافسة بايدن وترمب، وتقدم أعمار رجالات الكونغرس وما نحو ذلك؟

الشاهد أن ذلك كذلك، والدليل، التقرير المعنون "المسنون الأميركيون في 2008"، أي قبل عقد ونصف من الزمن، وقد أعده باحثون لصالح حكومة الولايات المتحدة، الذي تنبأ بتضاعف عدد المسنين الأميركيين الذين تزيد أعمارهم على 65 سنة في عام 2030، إلى 71.5 مليون نسمة، أو 20 في المئة من إجمالي السكان الأميركيين، من 12 في المئة أو 37 مليون نسمة في عام 2006.

تراجع معدلات المواليد الأميركية

في أواخر ديسمبر (كانون الأول) من عام 2021، كانت الولايات المتحدة، تشهد تراجع النمو السكاني، إلى واحد بالعشرة في المئة، وهي أقل نسبة نمو سكاني، منذ تأسيس الولايات المتحدة بشكلها الحالي، والعهدة هنا على صحيفة "نيويورك تايمز".

من أين جاءت تلك البيانات؟

قطعاً من مركز الإحصاء الأميركي، الذي أشار إلى أن ذلك التراجع المثير للقلق، مرده "انخفاض صافي الهجرة الدولية، وانخفاض الخصوبة، وزيادة معدل الوفيات الناجم جزئيا عن تفشي فيروس كوفيد- 19".

كيف تحتسب قيمة النمو السكاني؟

الطريقة واضحة وبسيطة، إنها الفرق بين أعداد الولادات والوفيات.

والحقيقة أن تباطؤ النمو السكاني في الداخل الأميركي، سابق لانتشار الوباء الفتاك الأخير، وهذا ما تؤكده، كريستي وايلدر، الديموغرافية في قسم السكان في مكتب الإحصاء، إذ صرحت بالقول "إن النمو السكاني الأميركي يتباطأ منذ سنوات، فيما نسبة الشيخوخة تتقدم في البلاد".

أما البروفيسور كينيث جونسون، وهو خبير ديموغرافي في جامعة نيوهامبشير، فيقطع بأن النمو السكاني الأميركي، سيظل منخفضاً، لأن شيخوخة السكان من المحتمل أن تزيد معدلات الوفيات، ولأن الاستقرار في المواليد يبدو مستمراً.

هناك لا شك جزئية سوسيولوجية في هذا الحديث ترتبط بمناخات الحرية المنفلتة، وتفضيل الشباب الحياة الحرة، من غير التزام الزواج والإنجاب، وهي ظاهرة تعرفها أوروبا أكثر من أميركا، ما يجعل الوضع الديموغرافي الأميركي غير مبشر.

ولعل التساؤل الواجب طرحه: لماذا يخشى كثير من الثقات الأميركيين، تراجع معدلات النمو السكاني في بلادهم؟

عند الكاتب الأميركي، هال براندز، من خدمة "بلومبيرغ"، أنه على رغم أن أميركا تحصر تركيزها في الإنفاق العسكري وإجمالي الناتج الداخلي، باعتبارهما مؤشرين على وضع أميركا في مواجهة الصين وروسيا، تظل الحقيقة أن الصورة الديموغرافية العامة للولايات المتحدة هي الأهم، ذلك أنه ما دامت البلاد قادرة على إنجاب أبناء، وهم أصل قوتها، ستظل قادرة على لعب الدور المنوط بها عالمياً.

براندز يقطع بأن وجود معدل سكان متنام، نسبة كبيرة منهم تنتمي إلى سن العمل، أمر يشكل مصدراً لقوة عسكرية، ولا يخشى معه من زيادة سكانية في القوة القطبية المناوئة لا سيما الصين في العقود المقبلة.

ما الذي يمكن أن يحدق بالولايات المتحدة حال تغيرت تلك الحقائق السكانية، وتفاقمت نسب زيادة الشيوخ عن الشباب، والكهول غير القادرين على العمل، عن السواعد الفتية، التي لا تنفك تقيم بنيان أميركا القوية مالئة الدنيا وشاغلة الناس؟

الشيخوخة مرادف للتراجع الاقتصادي

ترتبط الأزمنة الإمبراطورية بمدى القوة والقدرة الاقتصادية للدول والممالك، وهذا ناموس طبيعي، جرت به المقادير منذ آلاف السنين، ذلك أنه كلما زاد ثراء شعب ما، وبلغ ناتجه الإجمالي حداً يفوق احتياجات مواطنيه في الداخل، فإن القائمين عليه يسرعون تلقائياً إلى الخارج، ومن هنا تنشأ الهيمنة الاقتصادية أول الأمر والسياسية تالياً، وكلاهما يقومان في ظل حماية عسكرية.

ومع مضي السنين، تصاب الإمبراطوريات بفيروس الاهتراء من الداخل، وتبدأ في فقدان مقوماتها الاقتصادية، ثم تعاني من حالة انكماش وعدم مقدرة على الإنفاق على مستعمراتها في الخارج.

الاقتصاد إذاً يرتبط بمستقبل الدول والقوى العظمى، قبل أن تفعل السياسة فعلها، ومن هنا يمكن الربط بين حالة الشيخوخة، ومستقبل الولايات المتحدة، على الأصعدة كافة، وليس صعيد واحد.

البداية هنا تكون عادة من عند نقص الأيدي العاملة، ما يقود إلى انخفاض في الإنتاجية، وارتفاع تكاليف العمالة، وتأخر توسع الأعمال التجارية، وكذلك انخفاض القدرة على التنافس مع القوى الاقتصادية الأخرى حول العالم، وفي حال الولايات المتحدة، ستكون الصين والهند الدول المرشحة للتنافس.

عطفاً على ذلك فإن نقص الأيدي العاملة يمكن أن يقود إلى استجلاب مزيد من الهجرات ذات الأيدي العاملة الرخيصة، غير أن هذا التوجه سيؤثر في حضور الرجل الأبيض في البلاد، ويصيبه عددياً، ومن هنا تتحقق مخاوف (الواسب) الأميركي من الاضمحلال.

الجزئية الثانية التي تترتب على النقص المقبل في عدد السكان الأميركيين، مرتبطة بارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، إذ من البدهي القول، إنه كلما ارتفعت أعداد المسنين، زادت الحاجة إلى تعزيز قطاع الرعاية الطبية، ما يقتطع كثيراً من الناتج المحلي لصالح الإنفاق الذي لا يعود بمردود مقابل، وهو ما يؤثر حكماً في ميزانية بقية قطاعات المجتمع الأميركي.

يتصاعد القلق المجتمعي، حين تتزايد نسبة المسنين، مقابل نسبة الشباب في أي دولة حول العالم، وذلك باختصار من جراء ارتفاع نسب الضرائب على صغيري العمر، لتوفير الرعاية للكبار، التي عادة ما تكون مرتفعة التكاليف، بجانب المعاشات التقاعدية، وهو أمر مزعج للغاية بالنسبة إلى الدول الصناعية المتقدمة بنوع خاص.

 هل الولايات المتحدة الأميركية قريبة من مستوى التهديد هذا؟

أميركا والسوفيات... زمن "حكم العواجيز"

يكاد الناظر للمناصب السياسية اليوم، أن يسترجع سيرة ومسيرة القادة السوفيات في السبعينيات والثمانينيات، من عند ليونيد بريجنيف، وصولاً إلى ميخائيل غورباتشوف.

في كتابه المعنون "حكم العواجيز"، يصف لنا الرئيس الروسي السابق، ونائب رئيس مجلس الأمن القومي الحالي، ديمتري ميدفيديف، حال الاتحاد السوفياتي في ظل سكرتارية الدولة الطاعنة في السن، تعاني من الأمراض الجسمانية مرة، والذهنية والنفسية مرات أخرى.

كان بريجنيف في السبعينيات ويقترب من الثمانينيات، يعاني من الوزن الزائد، وأمراض عدة لم يكشف عنها باعتبارها من أسرار الدولة.

 أما قسطنطين تشيرنينكو، الذي سيحل سكرتيرا للحزب الشيوعي بعد وفاة السكرتير السابق الطاعن في السن بدوره يوري أندروبوف، رجل الاستخبارات الروسية KGB العتيد، فلم يطل به المقام سوى عام واحد في منصبه، من 1984 إلى 1985، وقد كان يعاني من الربو المزمن.

ومن قبله يوري أندروبوف الذي شغل المنصب من عام 1983 إلى 1984، وكعهد سابقيه كان مصاباً بسرطان في الكلى، رحل سريعاً.

كان زعماء الحزب الشيوعي في نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي، قد تقدموا في العمر، إلى درجة أن ميدفيديف يصفهم بقوله "كانوا جميعاً عجائز، لدرجة أنهم كانوا يتعثرون ويسقطون أثناء المشي، ومهمتنا كانت ألا ندعهم يسقطون ويتدحرجون من فوق الدرج".

تبدو الكلمات الأخيرة، رجع صدى لا يتلكأ ولا يتأخر، لحال الرئيس جو بايدن، الذي يسقط من فوق دراجته الرياضية مرة، ومن فوق سلم الطائرة يتعثر مرات كثيرة، ناهيك عن حالته الذهنية، ونسيانه للأسماء والأشخاص، للوقائع والأحداث، ما يجعل منه أضحوكة، سيما في أعين مواطنيه من الحزب الجمهوري وقادته.

أما التساؤل الذي يطرحه المفكرون والمؤرخون في الوقت الحاصر فهو، هل سيكون مصير الولايات المتحدة من جراء شيخوخة رؤسائها، مشابهاً بصورة أو بأخرى لما حدث مع الاتحاد السوفياتي خلال سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم؟

رؤساء أميركا وساستها... شيخوخة واضحة

خلال كلمة له في سبتمبر (أيلول) 2021 وفي ظل تصاعد أزمة الغواصات الأسترالية التي تغير اتجاه شرائها من فرنسا إلى أميركا، لم يتمكن الرئيس بايدن من تذكر اسم رئيس وزراء أستراليا "سكوت موريسون".

في اليوم التالي خرجت صحيفة "التايمز" البريطانية متساءلة "هل لو كان لدى الأميركيين رئيس أصغر في العمر، لكان ارتكب الخطأ نفسه؟".

المثير أن ترمب نفسه، حدثت معه أخطاء مماثلة حين كان في مدينة "موسيني"، بولاية ويسكونسن، لحضور اجتماع شعبي حاشد.

والأمر نفسه عرفته أميركا في زمن رونالد ريغان، حين استقبل الأميرة ديانا مرحباً بها باعتبارها الأميرة "ديفيد"، ولم يكد الرجل يخرج من البيت الأبيض، إلا وأعلن عن إصابته بمرض الإلزهايمر.

ومع إعلان بايدن عزمه الترشح لولاية رئاسية ثانية في 2024، فإنه يكون لو نجح، في عمر الثانية والثمانين، وحال شاءت الأقدار أن يكمل مدته الثانية، فسيرحل عن البيت الأبيض في عمر السادسة والثمانين، مسجلاً رقماً قياسياً، متجاوزاً رونالد ريغان الذي رحل في عمر الـ77.

ترمب من جهته ليس أفضل حالاً، ذلك أنه لو قدر له الفوز بدوره في انتخابات 2024، سيرحل عن البيت الأبيض في عمر الـ 82.

وبالنظر إلى بقية أركان القيادات الأميركية الحزبية اليوم، الفاعلة تحت قبة الكونغرس، نواب وشيوخ، سيجد الباحث أسماء وأعماراً مثيرة للدهشة، وكأن الرحم السياسي الأميركي، قد عقم بالفعل عن تقديم وجوه ورموز جديدة.

 فعلى سبيل المثال، ميتش ماكونيل، أطول زعيم جمهوري خدم في مجلس الشيوخ، وزعيم الأغلبية سابقا، يبلغ من العمر اليوم 81 سنة.

أما تشاك شومر، زعيم الأغلبية الديمقراطية في المجلس نفسه، فيبلغ نحو 72 سنة، فيما يصل عمر السيناتور بيرني ساندرز الذي يحمل لواء اليسار الأميركي نحو 81 سنة.

وبالنظر إلى حال مجلس النواب الأميركي، وحظوظ المسؤولين الديمقراطيين فيه، سوف نجد ثلاثة من الأكبر سناً بين المسؤولين، نانسي بيلوسي، زعيمة الأغلبية في المجلس السابق قبل انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر (تشرين الثاني الماضي (82 سنة)، وستيني هوير (83 سنة)، وجيم كليبيرن البالغ من العمر (82 سنة).

في قراءة للأكاديمي العربي الأصل الأميركي الجنسية، الدكتور منذر سليمان، نجد أن قضية تقدم السياسيين في العمر مسألة تقلق علماء الاجتماع الذين أعربوا عن خشيتهم من قدرة الفرد على التحكم في زمام الأمور بعد بلوغه عتبة الـ 70 سنة، فالدراسات  المتوافرة تشير إلى تراجع قدرة "رؤساء الشركات" على استيعاب القدر الهائل من المعلومات طردياً مع تقدم العمر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل يفضل الأميركيون رؤساء شيوخ؟

بالنظر إلى رؤساء الولايات المتحدة منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي، وبعد استقالة نيكسون، سنجد أن حظوظ الرئاسة تميل إلى كبار السن كما الحال مع جيرالد فورد، ثم جيمي كارتر، مروراً برونالد ريغان، وبوش الأب، وصولاً إلى ترمب، ثم بايدن، الأمر الذي يطرح تساؤلاً معمقاً: هل يفضل الأميركيون الشيوخ على الشباب في مقعد الرئاسة؟

الجواب المثير نجده عبر تحقيق مطول لمجلة "أتلانتيك" الأميركية الشهيرة، تم نشره في شهر يونيو (حزيران) من عام 2020، وفيه أن فكرة مرشحي الرئاسة الأميركيين كبار في السن لهذه الدرجة، أمر سببه هو أن الشعب الأميركي عموماً مسن.

التقرير عينه يقطع بأنه غالباً ما يتوجه الناخبون الذين تزيد أعمارهم على 65 سنة إلى صناديق الاقتراع أكثر من الناخبين الشباب، فيما وجدت أبحاث العلوم السياسية أن الناخبين يفضلون عادة المرشحين "الأقرب لهم من حيث العمر".

هل هناك نقاط أخرى خفية في مشهد الرؤساء الأميركيين الطاعنين في السن؟

ربما يكون السر متعلقاً بالشباب الأميركي، الذي فقد الثقة في مؤسسات الدولة الأميركية وأحزابها، وهو ما توقفت عنده "الإيكونوميست" البريطانية أخيراً، معتبرة أن عدد الأميركيين كبار السن تجاوز عدد الأميركيين الأصغر سناً بهامش أكبر منه في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

على أن أمراً آخر يمكن أن يضاف في سلسلة تبريرات اختيار رؤساء متقدمين في السن، وهو عامل الخبرة السياسية، سيما بعد أن استفاق الأميركيون على كوارث حلت بمكانة الولايات المتحدة عالمياً مرة في ولايتي بوش الابن، الذي قاد البلاد إلى حربين كارثيتين مدمرتين للأوضاع الاقتصادية وللسمعة العالمية الأميركية، حرب أفغانستان وحرب العراق هذا من جهة.

ومن جهة ثانية، فإن سياسات باراك أوباما، التي عرفت باستراتيجية "القيادة من خلف الكواليس"، عطفا على دعمه الواضح والفاضح لحركات الأصوليين، ومساندته جماعات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، هذه جميعها اختصمت من رصيد القيادات الأميركية الشابة في الوصول إلى البيت الأبيض والبقاء في مقعد الرئاسة لسنوات طويلة.

هل يعني ذلك أن كبار السن منزهون من الأخطاء، وقادرون على استشراف مقبل الأيام الأميركية، بصورة أكثر وضوحاً من شباب السياسيين الأميركيين؟

كبار وصغار وصراع مجتمعي أميركي

يمكن للقارئ أن يعد قصة شيخوخة رؤساء أميركا، ضمن مسببات الصراع المجتمعي الأميركي المتزايد، سيما أن حكم كبار السن، سيؤدي قطعاً إلى تركيز السلطة في يد الأغنياء، وجماعات المصالح من الأغنياء بنوع خاص، على حساب الأقل حظاً من البسطاء.

إضافة لما تقدم لا يبدو أن حظوظ رؤساء كبار السن، ستكون طيبة في مواجهة تحديات العقود المقبلة من القرن الحادي والعشرين، تلك التي تختلف بشكل جذري عما جرت به المقادير منذ زمن الحرب العالمية الثانية وحتى الساعة.

خذ إليك على سبيل المثال لا الحصر، عصر الرقمنة وتقاطعه وتشارعه مع العملية التعليمية والإعلامية والمعرفية، وكيف تدار معارك الفكر في ظل أجيال جديدة تبدو معطياتها مغايرة لما جرى من قبل.

أضف إلى ذلك فإن أهم معركة للأميركيين، ولغيرهم من شعوب العالم، هي معركة البشر مع التغيرات الإيكولوجية، وهذه تتطلب نهجاً عملياتياً لن تتقنه دولة المسؤولين الأميركين كبار السن، بل يتطلب رؤى ومرئيات عصرانية، لا يقبض عليها بقوة سوى تيارات شبابية قادرة على استنقاذ الكرة الأرضية.

يتساءل الأميركيون اليوم كيف أن الطيارين الذين يقودون طائرات تجارية عملاقة تحمل بضع مئات من المسافرين، يخضعون لتقييمات عقلية وذهنية فائقة الصعوبة، من جراء ائتمانهم على المسافرين معهم، ويحدد لهم عمر افتراضي، لا يسمح بعده بقيادة الطائرات... وعليه من يسمح لشخص متجاوز في السن أن يقود سفينة البلاد الأميركية بمن عليها من غير محددات عمرية؟

في الخلاصة، فإن أميركا تقف في مواجهة أحد أخطر التحديات، والقضية غير قاصرة على عمر الرؤساء، إنها ليست شيخوختهم، بل شيخوخة الإمبراطورية، والاختبار الصعب الذي تمر به، وجوابها عليه، يرهن مستقبلها في الحال والاستقبال دفعة واحدة.

المزيد من تقارير