Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا طريق أمام المودع اللبناني سوى القضاء فهل يخذله؟

خسائر المودعين تصل إلى 90 مليار دولار وإصدار أحكام إيجابية يعطي أملاً للمتضررين وانتقادات لقضاة النيابة المعينين

تتجه أغلبية المصارف اللبنانية إلى إقفال فروع لها مما يؤشر إلى تراجع مكانتها في الاقتصاد (أ ف ب)

ملخص

بعد مرور ثلاثة أعوام على أزمة الانهيار المالي في لبنان تبدد الجزء الأكبر من الودائع بسبب غياب الحماية الحكومية والقضائية لصغار المودعين

متأخراً دخل القضاء اللبناني إلى حلبة الصراع بين المصارف والمودعين محاولاً إعادة التوازن المفقود في ظل المحاولات الحكومية لإصدار تشريع من مجلس النواب ينظم التدفقات المالية، وتأخره  بسبب الخلاف حول دستورية جلسات التشريع خلال فترة الشغور الرئاسي.

الحق باليد

تتراجع ثقة المواطن اللبناني بالمؤسسات الحكومية وتزداد الدعوات إلى استيفاء الحق بالذات. يروي المودع محمد خياط تجربته مع واحد من كبار المصارف في لبنان والتي انتهت بالصدام مع حراس منزل مالك المصرف، وصولاً إلى إصابته بكدمات وجروح في جميع أنحاء الجسد، يقول "بعد الأزمة المالية بدأت المصارف فرض القيود على الودائع. رفضت التوقيع على تعاميم مصرف لبنان، كما رفضت سحب المبالغ المسموحة التي تقتطع أجزاء كبيرة من الوديعة".

يضيف محمد "أعمل في مجال الميكانيك منذ أعوام طويلة وكنت أجمع الأموال في حسابي المصرفي، وأريد أن أقبض كل قرش وضعته في المصرف، كما وضعته، بالتالي لن أقبل بقبض الدولار على سعر 15 ألف ليرة لبنانية، فيما الدولار في السوق الحرة 100 ألف ليرة".

بعد أن أوصدت أبواب الاتفاق بين المصرف ومحمد انتقل الأخير إلى القضاء للمطالبة بإلزام البنك رد الوديعة، إلا أنه لم يصل إلى الإجراءات الفاعلة والكافية، ويصف التحرك القضائي بـ"البطيء".

دفع هذا الواقع محمد وبعض المودعين إلى الاتفاق على الاعتصام أمام منزل رئيس مجلس إدارة "فرنسبنك" من أجل إيصال وجهة نظرهم والضغط عليهم، لكنهم جوبهوا بعدد كبير من الحراس استخدموا العنف ضدهم عصر أمس الإثنين. وجاءت هذه الحادثة لتزيد منسوب عدم الرضا والسخط في صفوف المودعين.

قرارات قضائية مفصلية

على المستوى النظري يعتبر القضاء الحصن والملجأ للمواطنين في دولة القانون. أما على المستوى الواقعي، فيتعرض القضاء اللبناني لكثير من الانتقادات لأسباب مختلفة، بعضها خارج عن إرادة القضاة أنفسهم بسبب عدم إقرار تشريع يكرس استقلالية القضاء عن السلطة السياسية.

أما على مستوى النزاع بين المصارف والمودعين، فبرزت مجموعة من الأحكام أثبتت الدور الذي يمكن أن يلعبه القضاء في تحصين الحقوق. فمن جهة أكدت محكمة التمييز قانونية الإجراءات التي اتخذتها القاضية مريانا عناني بحق "فرنسبنك" لناحية الحجز على أموال المصرف، تمهيداً لطرحه في المزاد العلني بهدف تحصيل حقوق المودع عياد غرباوي.

وأصدرت القاضية كارلا شواح (الناظرة في الأمور المستعجلة) في بيروت قراراً ألزمت بموجبه بنك "سوسيتيه جنرال" إعادة فتح الحسابات باسم بعض المودعين بالشروط ذاتها التي كانت عليها قبل إقفالها. كما ألزم القرار المصرف استعادة الشيكات المسحوبة على مصرف لبنان والمودعة لدى كاتب عدل بيروت وإعادة وضعها وقيد قيمتها في الحسابات التي سيصار إلى إعادة فتحها.

كما أصدرت شواح في وقت سابق قراراً يجبر بنك "عودة" على تحرير وتحويل وديعة باليورو وأخرى بالدولار إلى حساب مودع في فرنسا إضافة إلى الفوائد، وكذلك هناك قرار صادر عن القاضية سهير الحركة التي أعطت للمتضرر الحق في تحريك الدعوى العامة من دون انتظار موقف النيابة، ويتضمن جرأة على مستوى الاجتهاد القضائي.

يشيد المحامي رامي عليق ببعض القرارات القضائية، لكنه ينتقد "الأبواب الموصدة التي يفرضها قضاة النيابة العامة المعينون سياسياً في وجه دعاوى المودعين، علماً أن فلسفة وجودهم قائمة على حماية حقوق المجتمع والحق العام"، مشيراً إلى أن "المسار البطيء للقضاء اللبناني واختفاء بعض الملفات دفعا إلى الذهاب والادعاء لدى القضاء الأوروبي من أجل تحصيل الحقوق".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما يعتقد عليق بأنه "ما زال تحرك المودعين لدى القضاء اللبناني دون المطلوب لأنه لو تقدم العدد الأكبر منهم بالدعاوى ضد المصارف، لكان تعاملها مختلفاً مع المودعين لأنه في حال تعرض أحدهم لاعتداء يتقدم بدعوى ضد مجهول لحفظ حقه، فكيف الحال بمودع سرقت وديعته"، ملمحاً إلى "أثر سلبي لصيرفة على حراك المودعين".

يؤكد عليق أن ثلاثة عوامل أسهمت في صدور قرار محكمة التمييز، فمن ناحية هناك اللوائح القضائية التي تقدم بها فريق المحامين ودعم الرأي العام لقضية المودعين، وكذلك التحركات الميدانية للمودعين أمام المصارف، لافتاً إلى أن "الضغط الحقوقي والشعبي ضروري لمجابهة الضغط السياسي الممارس على القضاة الناظرين في الدعاوى وتأمين التوازن".

"كابيتال كونترول" بوجه جديد

منذ بداية العام تضغط جمعية مصارف لبنان من أجل إقرار قانون "كابيتال كونترول" لتأمين الحماية القانونية لها مقابل مطالبات المودعين بودائعهم، إذ بات فيض الدعاوى في الداخل والخارج يهدد ما تبقى من سيولة لدى المصارف.

وتنظر جمعية المصارف بسلبية إلى القرارات القضائية حيالها، وفي بيان صادر بتاريخ التاسع من مارس (آذار) الماضي لفتت الجمعية إلى "وجوب تصحيح الخلل في بعض القرارات القضائية التعسفية بحقها". كما وصفت القرارات بأنها تكيل بمكيالين لأنها "تلزم المصارف تسديد الديون العائدة لها بالعملة الأجنبية بذمة المقترضين بشيك مسحوب على مصرف لبنان أو بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف 1500 ليرة للدولار الواحد، فيما تلزم المصارف تسديد أو تحويل الودائع بالعملة الأجنبية".

وأضافت أن "المصارف لم تترك وسيلة قضائية للمطالبة بتصحيح الخلل إلا وسلكتها، إنما من دون جدوى"، وكانت الجمعية اشتكت في بيان صادر عنها بتاريخ الثالث من مارس الماضي عدم التزام سرية التحقيق المفروضة بالقانون، مكررة احترامها للقضاء المحايد والعادل.

حتى الساعة فشلت محاولات مجلس النواب اللبناني في فرض هذا القانون الذي تصبو إليه المصارف لحمايتها من الدعاوى راهناً، علماً أنه كان يشكل ضرورة للحفاظ على الودائع ومنع التحويلات إلى الخارج بعد الـ 17 من أكتوبر (تشرين الأول) 2019 مباشرة. ومع تزايد المصاعب أمام إقراره في البرلمان أصدرت حكومة تصريف الأعمال في الـ 18 من أبريل (نيسان) الماضي قرار رقم 22، تضمن "الطلب من مصرف لبنان اتخاذ الإجراءات الضرورية والمناسبة لإلزام المصارف سقف السحوبات المتاحة للمودعين (سحباً وتحويلاً) وفقاً للتعاميم ذات الصلة، وإلا التعامل بشكل يساوي في ما بينهم وعدم إعطاء أولوية لوديعة على أخرى أو أي التزام آخر بالعملة الأجنبية مهما كان نوعه ومصدره والاستمرار بمنح عملائها حرية التصرف بالأموال الجديدة (الفريش)".

جاء القرار الحكومي ليفرض "كابيتال كونترول" مبطناً، مما يطرح السؤال حول شرعيته وقوة نفاذه القانونية، ومن ثم انتظار موقف القضاء حياله ليقرر ما إذا كان يشكل مخالفة لروح الدستور ويهدد النزعة الليبرالية للنظام الاقتصادي، كما أنه يستبق مجلس النواب حيث تناقش اللجان النيابية مواد القانون المفترض.

الودائع من دون حماية

بعد مرور ثلاثة أعوام على أزمة الانهيار المالي تبدد الجزء الأكبر من الودائع بسبب غياب الحماية الحكومية والقضائية لصغار المودعين، ويتطرق المتخصص المالي إدمون شماس إلى مجموعة خطوات أسهمت في خسارة المصارف نحو85-90  مليار دولار من الودائع، فمن ناحية أولى تمكن المحظيون من تهريب ودائع تقدر بـ15 مليار دولار أميركي، ومن ثم حرم بقية المودعين من الحصول على حصة من تلك الأموال.

كما خسر المودعون نحو 25 مليار دولار من الودائع بسبب فوضى سياسة الدعم واستفادة كبار التجار وشركائهم السياسيين منها، مما أدى إلى القضاء على الاحتياطي الإلزامي الذي يشكل 15 في المئة من قيمة الودائع الدولارية التي تلتزم المصارف وضعها لدى مصرف لبنان.

إلى ذلك تفاقمت خسارة المودعين أموالهم من خلال فتح الباب أمام تسديد القطاع الخاص لقروضه وفق سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة لبنانية، أو بشيك مصرفي، وليس بالدولار، وبحسب شماس "تبلغ قيمة تلك القروض 45 مليار دولار سددت بمعظمها، ولم يبق منها إلا نحو 7 مليارات دولار وعليه اكتسب من سدد الديون ملكية عقارات وأموال فيما القيمة الفعلية للمبالغ المردودة إلى حساب المودعين التي أصبحت دولار اسمية على الورق ولا تغطية دولارية لها".

يلفت شماس إلى إسهام تعاميم مصرف لبنان في خسارة المودعين لحقوقهم، فعلى سبيل المثال يسمح التعميم 151 بسحب جزء من الوديعة بالعملة اللبنانية ضمن سقف محدد بـ 8000 ليرة للدولار الواحد، أي بخسارة 85 في المئة من قيمة الوديعة، واصفاً ذلك بـ"الجريمة الكبرى"، وكذلك يمكن التذكير بالتعميم 158 الذي يسمح بسحب 400 دولار فريش و400 دولار وفق سعر 15 ألف ليرة لبنانية أي بخسارة تزيد على 60 في المئة من قيمة الدولار في السوق الحرة.

يأسف شماس على ما اعتبره تخاذلاً من القضاء عن حماية المودعين، متحدثاً عن "تحويل قضاة كبار لودائعهم بعد 17 أكتوبر". ويعود بالذاكرة إلى تعاطي مدعي عام التمييز إبان حقبة إفلاس بنك "إنترا" في ستينيات القرن الماضي عندما "أجرى تحقيقات لمدة ثلاثة أشهر، وصولاً إلى الادعاء على أعضاء مجلس الإدارة وتوقيفهم. أما اليوم، وعلى رغم المخالفات الجسيمة، فلم تتخذ أي إجراءات رادعة بسبب تورط السلطة السياسية والمصرفية في الجريمة، لا بل تطمس الحقائق".

المزيد من تقارير