Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صفقة "فيرست ريبابليك" لن تنهي الصداع المصرفي لإدارة بايدن

الوضع الحالي ليس نهاية الأزمة وتحديات الاقتصاد تحاصر الرئيس الأميركي

سيكلف انهيار "فيرست ريبابليك" مؤسسة التأمين الفيدرالية نحو 13 مليار دولار من صندوق تأمين الودائع (رويترز)

ملخص

سيحصل "جي بي مورغان تشيس" على 50 مليار دولار في شكل تمويل من مؤسسة التأمين الفيدرالية بسعر فائدة ثابت لأنه سيقتني أصول "فيرست ريبابليك"

على رغم تأكيد الرئيس التنفيذي لبنك "جي بي مورغان تشيس" الذي اشترى أصول بنك "فيرست ريبابليك" المتعثر أن النظام المصرفي الأميركي يقترب من نهاية مشكلاته، فإن الجهود الجديدة التي تبذلها إدارة الرئيس جو بايدن وقطاع التمويل لمنع بنك آخر متأرجح من إثارة أزمة أوسع تؤكد المخاوف الأميركية والدولية في شأن القطاع وتنتج صداعاً سياسياً آخر لإدارة بايدن من الصعب تجاوزه، إذ من المرجح أن يؤدي التدخل القسري من مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية، إلى إثارة المخاوف في شأن الصحة العامة للقطاع المصرفي الأميركي، وقد تتسبب التحديات التي تواجه الاقتصاد في أصداء سياسية سلبية للرئيس الأميركي الذي أعلن ترشحه لدورة حكم ثانية، الأسبوع الماضي، تحت دعوى أنه صمم خروجاً قوياً للاقتصاد من عاصفة "كوفيد-19"، فما الآثار التي يمكن أن تخلفها الأزمة على الرئيس بايدن؟

صفقة من جانب واحد

لم تكن هناك أبداً صفقة مالية في "وول ستريت" من جانب واحد منذ أن اشترى الهولنديون "مانهاتن" من هنود قبيلة "ليناب"، لكن يبدو أن إدارة بايدن التي تدعي أنها تكره البنوك الكبيرة فعلت ذلك لتجنب تداعيات ثاني أكبر انهيار مصرفي في تاريخ الولايات المتحدة، من خلال تشجيع وزارة الخزانة ومؤسسة التأمين الفيدرالية، وهي وكالة حكومية مستقلة تؤمن الودائع لعملاء البنوك، على التغلب على معارضتهما الأيديولوجية لشراء أحد أكبر البنوك في البلاد، بنك أقل حجماً بعد تساهلهما المكلف في إغلاق بنك "وادي السيليكون"، والذي اضطرت معه مؤسسة التأمين الفيدرالية لاحقاً إلى قبول خسارة أكبر لإغراء المشتري.

لكن هذه المرة وقعت المؤسسة على صفقة مع شركة "جيه بي مورغان تشيس" العملاقة التي فازت بالمزاد للاندماج مع بنك "فيرست ريبابليك" الذي يتخذ من سان فرانسيسكو مقراً له، وهو ثالث بنك أميركي ينهار ويدفع الحكومة إلى إنقاذ المودعين بعد انهيار بنك "وادي السيليكون" و"بنك سيغنتشر" في مارس (آذار) الماضي.

مكسب للبنوك الكبيرة

ووفقاً للصفقة سيحصل "جي بي مورغان تشيس" على 50 مليار دولار في شكل تمويل من مؤسسة التأمين الفيدرالية بسعر فائدة ثابت، لأنه سيقتني أصول "فيرست ريبابليك" والقروض والودائع المستحقة في شكل سند إذني، بحسب ما قال ممثل مؤسسة التأمين الفيدرالية لصحيفة "ذا هيل"، كما ستغطي المؤسسة الفيدرالية 80 في المئة من الخسائر على العقارات السكنية والقروض التجارية للمنازل المستقلة القائمة بذاتها من "فيرست ريبابليك"، على أن تتحمل "جي بي مورغان" جميع الودائع المتبقية لبنك "فيرست ريبابليك" البالغة 104 مليارات دولار ومعظم أصوله البالغة 229 مليار دولار.

وسيكلف انهيار "فيرست ريبابليك" مؤسسة التأمين الفيدرالية نحو 13 مليار دولار من صندوق تأمين الودائع، بعد أن استغلت المؤسسة بالفعل 22.5 مليار دولار من الصندوق للتعامل مع انهيار بنك "وادي السيليكون" و"بنك سيغنتشر" في مارس، على رغم أن الصندوق كان لديه ما يقرب من 128 مليار دولار في نهاية عام 2022.

أسباب الفشل

غير أن السبب الرئيس لفشل "فيرست ريبابليك" يعود إلى أنه استمر لسنوات طويلة على مبدأ المال السهل، إذ طور شركة مربحة تصدر قروضاً عقارية أقل من السوق للعملاء الأثرياء لجذب ودائعهم حتى أصبح ما يقرب من 60 في المئة من دفتر قروضها يرتكز على القروض العقارية للمنازل المستقلة ذات الملكية القائمة بذاتها.

ونجح نموذج العمل هذا حتى بدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة، مما قلل من قيمة هذه القروض ودفع العملاء إلى نقل ودائعهم إلى صناديق أسواق المال والسندات الحكومية ذات العوائد المرتفعة، وخلال الشهر الماضي، هرب المودعون الأثرياء غير المؤمن عليهم إلى البنوك الكبرى التي كانت تعتبر أكبر من أن تفشل بموجب قانون "دود – فرانك" لعام 2010 والذي صدر لكبح أنشطة الصناعة المالية شديدة الخطورة التي أدت إلى الأزمة المالية في عامي 2007-2008 بهدف حماية المستهلكين ودافعي الضرائب من الممارسات المبالغ فيها مثل الإقراض الجائر.

إخفاق جديد

لكن ما حدث مع بنك "فيرست ريبابليك" يمثل إخفاقاً آخر لنظام "دود – فرانك" وللرقابة التنظيمية بحسب "وول ستريت جورنال"، مما يثير تساؤلات حول نجاعة الأسباب التي منحت المنظمين مزيداً من السلطة، ففي حين يعلن البيت الأبيض أن المشكلات المصرفية تم احتواؤها الآن، وهو ما تتفق عليه مؤسسات "وول ستريت"، إلا أن الخسائر في القروض العقارية التجارية وربما السكنية أيضاً تتراكم في دفاتر البنوك، وهناك مخاوف عما يكمن في دهاليز المؤسسات المصرفية والمالية.

قد يكون هناك سبب وجيه استوجب موافقة مؤسسة التأمين الفيدرالية على تحمل معظم خسائر قروض "فيرست ريبابليك" المستقبلية وهو الحيلولة دون مزيد من الاضطراب وإنقاذ سمعة إدارة بايدن، ولكن إذا انتهت المشكلات المصرفية بالفعل، سيظل السؤال هو كيف ستكون المعركة ضد التضخم الذي لا يزال يسير بمعدل يماثل ضعف المعدل الذي يستهدفه بنك الاحتياطي الفيدرالي، ومن دون السيطرة على التضخم لن يتنفس الأميركيون الصعداء، في حين أن رفع الفائدة يهدد بمزيد من الأخطار للقطاع المصرفي.

مخاوف على المستقبل

وبحسب ما يشير خبراء اقتصاديون، فإن هذه الجهود المتسرعة جاءت لمنع "فيرست ريبابليك" من زرع مزيد من الاضطرابات في القطاع المصرفي بعد تدخل مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية لاحتواء إخفاقات اثنين من البنوك الأخرى ذوي الحجم المماثل، وهما بنك "وادي السيليكون" وبنك "سيغنتشر"، لكن من المرجح أن يؤدي التدخل القسري الجديد للوكالة الفيدرالية المستقلة إلى إثارة المخاوف في شأن الصحة العامة للقطاع المصرفي الأميركي في أعقاب سلسلة الأزمات المصرفية الناجمة جزئياً عن الأضرار التي لحقت بالبنوك نتيجة رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي السريع أسعار الفائدة بهدف محاربة التضخم المرتفع، بعد أن استفادت هذه البنوك من سنوات انخفاض أسعار الفائدة.

وتخلق التحديات التي تواجه الاقتصاد بالفعل أصداء سياسية سيئة للرئيس جو بايدن الذي أعلن، الأسبوع الماضي، عن انطلاق حملته لإعادة انتخابه عام 2024 لدورة رئاسية ثانية، مستنداً إلى أنه صمم خروجاً قوياً للاقتصاد الأميركي من عاصفة "كوفيد-19" على رغم التضخم المرتفع الذي تسبب في ألم كبير للعائلات الأميركية في الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعتبر رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لبنك "جي بي مورغان" جيمي ديمون أن النظام المصرفي يقترب من نهاية مشكلاته، وأنه على رغم تعثر بنك "فيرست ريبابليك"، فإن الوضع لم يكن مثل أزمة 2008-2009 المصرفية والمالية، ولهذا فإن النظام المصرفي الأميركي سليم بشكل غير عادي على رغم توقع فترات ركود وارتفاع معدلات بعض الأشياء وتشققات أخرى في النظام.

ومع ذلك، فإن الألم في الصناعة المصرفية يأتي وسط قلق متزايد في شأن تحد منفصل للقطاع يتمثل في عشرات المليارات من الدولارات في شكل قروض عقارية تجارية على مبان تراجعت قيمتها بعد عودة بطيئة من الموظفين إلى المكاتب في عديد من المدن وإعادة تشكيل ثقافة العمل بعد جائحة كورونا.

وفي حين قاوم الاقتصاد الأميركي المرن الركود المتوقع أشهراً عدة، مع استمرار مستويات البطالة المنخفضة في معدلات تاريخية، فإن الدراما المصرفية الجديدة ستضيف إلى المخاوف في شأن المستقبل القريب مع تباطؤ النمو الاقتصادي إلى معدل بلغ 1.1 في المئة في الربع الأول من هذا العام، وفقاً لبيانات رسمية نشرت الأسبوع الماضي.

صداع سياسي لبايدن

وأدت المخاوف الجديدة في شأن القطاع المصرفي إلى عودة الإدارة الأميركية إلى وضع غير جذاب، فخلال الاضطراب المصرفي في الربيع، نفى مسؤولو الإدارة بشدة أن تدخلاتهم المصممة لحماية المودعين أنقذت المديرين التنفيذيين في الصناعة الذين اتخذوا قرارات متهورة، وكان هذا بمثابة اعتراف بالآثار السياسية التي خلفتها عمليات الإنقاذ الضخمة التي مولتها الحكومة للقطاع خلال الأزمة المالية التي ضربت الولايات المتحدة عام 2008، والتي ساعدت على رعاية حركة "حزب الشاي" داخل الحزب الجمهوري وأغضبت الأميركيين مع التصاعد المفاجئ للبطالة.

لكن توجيه الاتهام بأن إدارة بايدن تشارك في خطة إنقاذ للمديرين التنفيذيين الأثرياء في البنوك على غرار عام 2008، حتى لو لم تكن دقيقة، سيستغلها خصوم بايدن السياسيون، وسيكون من الصعب بالنسبة إلى البيت الأبيض ووزارة الخزانة دحضها، ومع ذلك، فإن التأثير السياسي المحتمل لأزمة مصرفية واسعة النطاق لو سمح لبنك "فيرست ريبابليك" بالفشل، كانت ستصبح أكثر ضرراً على الأميركيين بشكل عام ولإدارة بايدن بشكل خاص مع اقتراب عام الانتخابات 2024.  

كما أن الآفاق الاقتصادية تلقي بظلالها على المواجهة المتفاقمة بين بايدن والجمهوريين في الكونغرس، الذين يطالبون بتخفيضات كبيرة في الإنفاق مقابل رفع سقف الديون الحكومية في وقت قد تتخلف في الولايات المتحدة عن سداد ديونها إذا لم يتم رفع سقف الديون بحلول أول الشهر المقبل، كما حذرت وزيرة الخزانة جانيت يلين مما يؤدي إلى أزمة اقتصادية قد تتسبب في ركود وتخلق أزمة بطالة وتدمر سمعة أميركا كملاذ آمن للمستثمرين، كما ستلحق الضرر أيضاً بالاقتصاد العالمي.

انزعاج ديمقراطي

وأدت المخاوف من المستقبل إلى انقسام بين الديمقراطيين حول الحل الأمثل للتدخل، إذ رفض بعض الديمقراطيين التقدميين فكرة أن البنوك القوية ستصبح أكبر من خلال التدخل لاقتناص أصول البنوك المتعثرة، وزعموا أن جهود تحرير البنوك من قبل إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب جعلت الفشل أكثر احتمالاً. ودعا النائب الديمقراطي رو خانا الذي يمثل جزءاً من مدينة سان فرانسيسكو حيث ولدت الأزمة، إلى تحول في سياسة الحكومة الفيدرالية لضمان جميع الودائع المصرفية، مشيراً إلى أن مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية يجب أن تتبع الخيار الأقل كلفة لإنقاذ مودعي "فيرست ريبابليك"، وفي حين أن الديمقراطيين لا يجادلون بأن إدارة بايدن كان ينبغي أن تترك "فيرست ريبابليك" يفشل، فإن كثيرين قلقون من أن الموجة الحالية من عمليات الإنقاذ المصرفية تشير إلى مخاوف في شأن الاستقرار المالي. وطالب البعض بحواجز حماية أقوى. ودعا رئيس اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ شيرود براون إلى جعل البنوك الكبيرة أكثر مرونة في مواجهة الفشل لحماية الاستقرار المالي وضمان المنافسة على المدى الطويل، في حين أكدت السيناتور إليزابيث وارن، وهي من أشد المنتقدين للبنوك الكبرى، أن إنقاذ مؤسسة التأمين الفيدرالي لبنك "فيرست ريبابليك" يضع أموال دافعي الضرائب على المحك بعد استخدام 25 مليار دولار من صندوق استقرار الصرف بوزارة الخزانة لدعم قرض لإنقاذ المودعين في بنك "وادي السيليكون".

في المقابل، دافع كبار الديمقراطيين الآخرين في اللجان المالية عن تصرفات إدارة بايدن بينما شجعوا أيضاً إصلاحات القطاع المصرفي، واعتبرت كبيرة الديمقراطيين في لجنة الخدمات المالية بمجلس النواب ماكسين ووترز أن هذا البيع الفوري والفعال للبنك من حيث الكلفة يحمي المودعين، ويحد من انتشار عدوى الفوضى، ويضمن عدم تحمل دافعي الضرائب أي كلفة، كما أشارت ووترز إلى التقارير الصادرة، الجمعة، عن مكتب الاحتياطي الفيدرالي والمساءلة الحكومية التي وجدت أن كلاً من منظمي بنك الاحتياطي الفيدرالي ومديري البنوك هم المسؤولون عن انهيار بنك "وادي السيليكون" وبنك "سيغنتشر" الذي يركز على العملة المشفرة.

تحذير للمستقبل

لكن الخبراء الماليين يحذرون من أن فترة فشل وانهيار البنوك قد تكون بعيدة عن الانتهاء وأن آثارها على الاقتصاد الأوسع، وتحديداً من خلال شروط الائتمان، قد لا تكون مفهومة بالكامل بعد، كما أصدر بنك الاحتياطي الفيدرالي نفسه تحذيراً مماثلاً في مارس بعد الاجتماع الأخير للجنة تحديد سعر الفائدة، وكتب روبرت هوكيت أستاذ القانون والمالية العامة في كلية "كورنيل" للحقوق، في تحليل له، أنه على عكس توقعات "وول ستريت" وواشنطن، فإن الوضع الحالي ليس نهاية الأزمة المصرفية التي بدأت ملامحها الأولى في مارس ولكنها لا تزال البداية، بالنظر إلى أنه من غير المؤكد، ما الذي يعنيه شراء "فيرست ريبابليك" بالنسبة إلى مستقبل الصناعة المصرفية، كما أنه من غير المعروف ما إذا كان سيتم السماح للبنوك الكبرى أن تكبر.

ويشير محللون في شركة أبحاث "كابيتال ألفا بارتنرز" في تحليل لهم، إلى حقيقة أن الحاجة إلى تدخل بنك أميركي عملاق لإنقاذ بنك كبير تقضي على كثير من الآمال والخطط، بخاصة أنه منذ أزمة 2008 المالية حاول المنظمون منع أكبر البنوك من أن تصبح أكثر هيمنة في السوق، ولم تكن "جي بي مورغان" لتتلقى في السابق الموافقة التنظيمية لشراء بنك بحجم "فيرست ريبابليك"، لكن الآن سيصبح "جي بي مورغان" أكبر بسبب دوره كمنقذ وملاذ أخير.

اقرأ المزيد