Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تمدد حرب السودان... نزوح وتفلت أمني وأزمات على امتداد البلاد

"الغالبية عاشت أياماً عصيبة وسط جحيم الرصاص ودوي المدافع وانقطاع المياه والكهرباء وشح الغذاء والدواء"

ملخص

تحول النزاع إلى اشتباكات بين القبائل العربية وقبيلة "المساليت" مما أدى إلى مقتل نحو 100 شخص وإصابة المئات

لم تتوقف تداعيات حرب السودان على العاصمة الخرطوم وحسب، وإنما امتدت بشكل واسع إلى بعض أقاليم البلاد. ومع دخول المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع أسبوعها الثالث، ارتفع عدد النازحين إلى ولايات البلاد المختلفة مثل الجزيرة وشمال كردفان ونهر النيل والنيل الأبيض، في موازاة تداعيات خطرة منها فقدان السيولة النقدية بسبب عدم توفر المال في البنوك وارتفاع كلفة النقل والمعيشة، كما أن غالبية المواطنين لم تنل رواتبها عن شهر أبريل (نيسان)، فضلاً عن توسع الحرب إلى بعض المناطق مثل الجنينة ونيالا في إقليم دارفور، ومدينة الأبيض غرب السودان، ومروي شمالاً، مما فاقم من أزمات المواطنين الذين هربوا من جحيم الاشتباكات في الخرطوم ليواجهوه في المدن التي كانوا يظنون أنها آمنة.

صراع مسلح  

لم تفلت الولايات التي تقع على أطراف البلاد من تمدد الصراع المسلح، واشتدت المعارك في الجنينة مركز ولاية غرب دارفور، وتحول النزاع إلى اشتباكات بين القبائل العربية وقبيلة "المساليت"، مما أدى إلى مقتل نحو 100 شخص وإصابة المئات، بحسب الأطباء، وتدمير عدد من المؤسسات، ونزوح الآلاف إلى دولة تشاد، كما أن المستشفى الوحيد في مدينة الجنينة قصف وأصبحت جميع المشافي الأخرى خارج الخدمة.

واشتعلت الأوضاع في إقليم جنوب دارفور، لا سيما في عاصمته نيالا التي شهدت أعمال سلب ونهب للأسواق والمنشآت الحكومية والمؤسسات الاقتصادية والصحية والتعليمية، كما تحول الصراع إلى مدينة الأبيض، مما خلف قتلى وجرحى وتعرض كثير من المرافق للسرقة والتخريب، في حين عاد الهدوء إلى مدينة مروي، وأيضاً الأبيض.

الأزمات الاقتصادية والأمنية

في هذا الوقت، قال زاهر فضل، أحد المواطنين في مدينة الأبيض، "تركت الاشتباكات التي دارت في ولاية شمال كردفان تداعيات كارثية على السكان في ما يتعلق بالوضع المعيشي والأمني"، مضيفاً أن "الغالبية عاشت أياماً عصيبة وسط جحيم الرصاص ودوي المدافع وانقطاع المياه والكهرباء وشح الغذاء والدواء بعد أن أغلقت المحال التجارية والمخابز والصيدليات أبوابها، وأسهمت الهشاشة الأمنية في تزايد أعمال النهب والسلب بصورة كبيرة". وتابع "توقف نقل البضائع من العاصمة الخرطوم، في حين أن المتوفر في مخازن المدينة لم يسلم من السرقات والحرق، وشرع كثيرون من التجار في نقل بضاعتهم إلى مناطق آمنة وتوقفوا عن البيع". وكشف عن تعرض المستشفيات للقصف، مما أدى إلى تدهور القطاع الصحي.

استقرار وأمان

في الأثناء، تسير الحياة بشكل طبيعي في عدد من الأقاليم التي لم تشهد معارك حربية، لكن تدفق آلاف النازحين من العاصمة الخرطوم أدى إلى عديد من الأزمات. وقال المحلل الاقتصادي محمد الناير إن "هناك 15 ولاية في السودان مستقرة ولا توجد فيها صراعات مسلحة منذ بداية المعارك الحربية، وتعمل الخدمة المدنية فيها بصورة مستمرة والبنوك تفتح أبوابها عدا ولايتي غرب وجنوب دارفور". وأضاف أن "المواطنين عانوا كثيراً من أزمة التطبيقات المصرفية لأن بعض البنوك تغطيتها كانت تعمل بكفاءة عالية وأخرى بصورة جزئية وثالثة توقفت تماماً، بالتالي حدثت أزمة كبيرة، وهناك 15 مصرفاً تعمل في عدد من الولايات، مما قد يخفف الضغط الحالي إلى جانب تلبية حاجات الناس، بخاصة الأموال، لشراء المواد الغذائية والأدوية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ما يتعلق بمشكلة الرواتب، كشف الناير عن أنها تحتاج إلى ترتيب بالنسبة إلى العاملين في القطاع العام بين وزارة المالية وبنك السودان المركزي من خلال تغذية حسابات الوزارات المعنية والوحدات الحكومية على مستوى المركز والولايات، على أن تقوم كل وحدة أو وزارة بتغذية حسابات موظفيها لمعالجة قضية رواتب شهر أبريل عبر التقنية المصرفية إلكترونياً، ومن الممكن أن تتم تغطية كل الرواتب بهذه الطريقة شرط رفع كفاءة البنوك في تفعيل التطبيقات المصرفية حتى يتمكن أي موظف في القطاع العام من الحصول على راتبه، "وأتوقع أن تفكر الدولة بشكل جاد في معالجة أزمة الرواتب"، لافتاً إلى أن "العاملين بالقطاع الخاص لديهم التزامات على المؤسسات لدفع الرواتب، خصوصاً التي لديها أرصدة كافية لتغذية الحسابات المصرفية للموظفين".

وتابع المحلل الاقتصادي "الاقتصاد السوداني يعاني عدم وجود قروض ومنح ومساعدات دولية، مما أثر على الشرائح الفقيرة والضعيفة، وتجاوز مستوى الفقر نسبة 60 في المئة، ومعدل البطالة نحو 40 في المئة، ومعدل التضخم أكثر من 60 في المئة، وهذه مؤشرات تشكل ضغوطاً على المواطن بصورة كبيرة".

قلق وتوقعات

وأحدث نزوح الآلاف من العاصمة الخرطوم أزمة امتلاك سكن بخاصة في مدينة مدني بولاية الجزيرة جنوب الخرطوم، وارتفعت أسعار إيجارات المنازل لأعلى معدل.

وقال المواطن مهند مدثر إن "كثيرين اختاروا المدينة نظراً إلى قربها من العاصمة، علاوة على توفر الخدمات الضرورية إلى جانب الأمان الاجتماعي وعدم وجود عمليات نهب وسلب حتى الآن"، مضيفاً أن مدني تعد أكثر المدن السودانية استقبالاً للمواطنين الفارين من ويلات الصراع المسلح".

إلى ذلك، أصدر والي ولاية الجزيرة إسماعيل عوض الله العاقب أمراً أعلن بموجبه حالة الطوارئ بالولاية لمدة شهر، وأصدر العاقب أمر طوارئ آخر لتنظيم وضبط الرقابة على السلع الاستراتيجية والمحروقات وغيرها، وأعلن منع تداول السلع الواردة في أمر الطوارئ خارج نطاق القنوات المصادق عليها من الجهات الرسمية.

وقال وضاح عبدالله أحد المواطنين بمدينة كوستي وسط السودان "ولاية النيل الأبيض تشهد استقراراً أمنياً كبيراً وتمضي الحياة فيها بكل يسر، والأسواق تفتح أبوابها منذ الصباح والصيدليات والمرافق الأخرى، الأنشطة الرياضية مستمرة على مستوى تمارين الأندية، وهناك بروفات فنية وثقافية داخل مراكز الشباب". وأضاف "هناك معاناة معيشية صعبة نتجت من اختفاء معظم السلع الاستهلاكية من المتاجر وتضاعفت أسعار ما تبقى منها، وخرج عدد من المخابز عن الخدمة نتيجة انعدام حصص الدقيق التي كانت تصل إليها من المخازن الرئيسة بسبب إغلاق الطرق، كما يواجه المواطنون أزمة كهرباء وانقطاعاً شبه دائم للمياه". وتوقع وضاح توقف الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في الفترة المقبلة بعد توصل طرفي الصراع إلى قناعة بأن تقديراتهما لم تكن دقيقة.

من جهته، قال التاجر الفاتح حماد "استمرار المعارك سيخلف كارثة معيشية تصل إلى حد المجاعة في ظل توقف الاستيراد وتعطل الإنتاج واضطرار كثير من المتاجر والأسواق إلى الإغلاق في الخرطوم التي تعد الوجهة الحقيقية للإنتاج وتوزيع المواد الغذائية إلى باقي الولايات الـ18"، مضيفاً "الوضع الحالي لن يصمد أمام الأزمات العديدة وتدهور الأمن والدمار الذي شهدته العاصمة". وتوقع أن تكثف الضغوط الخارجية على طرفي النزاع لتحويل الهدنة الأخيرة إلى وقف دائم لإطلاق النار والجلوس إلى مفاوضات لإنهاء الأزمة وعودة الحياة لطبيعتها.

أزمة مالية

إزاء هذا الوضع، يخشى كثيرون من تفاقم الأوضاع المعيشية في ظل استمرار الحرب وعدم الحصول على الرواتب، وعجزت الحكومة عن سداد أجور العاملين في الدولة لشهر أبريل في مواعيدها المحددة، كما فشل القطاع الخاص في الإيفاء بالالتزامات نفسها بسبب الحرب وتوقف عمل البنوك. وقال الموظف بوزارة التربية والتعليم في مدينة الأبيض مهدي آدم إن "المال الذي بحوزتي نفد منذ أسبوع، وحتى الآن لا أعلم مصير راتبي الشهري الذي اعتمد عليه في الصرف على أسرتي وتوفير حاجاتي المنزلية". وأضاف أن "استمرار الوضع كما هو عليه من دون تحرك من الدولة سيفاقم أزمة العاملين في القطاع الحكومي خلال الفترة المقبلة ويهدد أسرنا بمجاعة". وطالب الدولة بضرورة تحويل الرواتب عبر التطبيقات المصرفية من أجل حل الأزمة الحالية.

وقال الموظف في وزارة الصحة سليمان حسين إن "معظم الموظفين يعانون الأمرين بسبب عدم تسلم أموالهم على قلتها"، مضيفاً "لا حلول في الأفق في ما يتعلق بتحويل الكاش عبر البنوك". وتابع "نأمل أن تراعي الدولة مشكلاتنا لأن لدينا مرضى وأطفالاً وليس لنا مصدر دخل آخر".

وفي سوق "الصالحين" بمدينة الأبيض كأن الحياة توقفت داخل ورشة ميسرة فضل، إذ لا وجود لزبائن، "منذ اندلاع الحرب ننعم بالأمان في منطقتنا، ونفتح أبواب المحال يومياً، لكن ليس هناك عمل ولا من يرغب بأي خدمة". وأضاف "أسرتي لجأت لتقليل الوجبات إلى واحدة في اليوم بسبب الظروف الحالية وعدم وجود أموال لتلبية حاجاتنا اليومية".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات