ملخص
إذا انتصرت روسيا وسقطت أوكرانيا قد يجيء دور أوروبا الوسطى بعدها. لذا علينا المضي على دعم أوكرانيا وإلحاق الهزيمة بروسيا الآن
ألهمت زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى وارسو وكييف في فبراير (شباط) الأوروبيين. فبايدن جدد قوله إنه، على رغم أن الولايات المتحدة بعيدة، لا تنفك ملتزمة حرية أوروبا، وتدرك، كما ندرك نحن، أن أوكرانيا تقاتل في سبيل حريتنا جميعاً.
والحق أن أوكرانيا لا ترغب في خوض حرب مع روسيا. ونحن مثلها، ولكن من الواضح يوماً بعد يوم، أن روسيا قررت، منذ وقت طويل، شن حرب علينا. وطوال سنين، عمل الكرملين، بشكل منهجي، على زعزعة الاستقرار والأمن الدوليين، وانتهاك القانون الدولي واستخدام القوة أو التهديد باستخدامها، وتقويض المؤسسات الديمقراطية بواسطة الحرب السياسية والهجينة. وليس العدوان الروسي على أوكرانيا إلا التجلي الأكثر وضوحاً وحدة لهذه الأعمال المستمرة.
ونحن نرى أن مطالبنا يجب أن تحمل على محمل الجد: فإذا انتصرت روسيا وسقطت أوكرانيا، قد يجيء دور أوروبا الوسطى بعدها. وبناءً عليه، يقلل إلحاق الهزيمة بروسيا الآن، في أوكرانيا، احتمال اضطرار أنصار أوكرانيا إلى إراقة دمائهم، وهدر مزيد من الثروات، لاحقاً. كذلك، يرسل الأمر رسالة واضحة مفادها أن الصراعات المجمدة، والحروب التي لا تنتهي، لا محل لها في منطقتنا. ويفهم الطغاة، في كل مكان، أن العدوان لا يكافأ، وأن المستبدين لا يسمح لهم بتقسيم الكوكب إلى مناطق يمارسون فيها نفوذهم الشرير.
لذا، علينا المضي على دعم أوكرانيا إلى أن تنسحب القوات الروسية من كل الأراضي الأوكرانية، ويوضع حد نهائي لنزعة الكرملين الانتقامية والإمبريالية. والحق أن إنهاء الحرب من دون تحرير شبه جزيرة القرم، والأراضي في شرق أوكرانيا من سيطرة روسيا سيكون بمثابة دعوة مفتوحة لجميع المجانين المستبدين إلى الاعتقاد أنه من الجائز والمقبول غزو جيرانهم على أساس روايات ملفقة وبغيضة، وإلى مقتل المئات أو الآلاف من المدنيين الأبرياء، بالتالي.
وبعبارة موجزة، لا يمكن أن يتحقق السلام إلا بالنزول على شروط أوكرانيا. فتجميد الصراعات هو أفضل طرق روسيا لكسب الوقت، والتظاهر بإنهاء الحرب التي بدأتها. ولن يسهم الصراع المجمد في تأمين الاستقرار، أو تحسين الظروف الأمنية أو الاقتصادية على المدى الطويل، بل يسمح لروسيا بإعادة تنظيم صفوفها، وبناء قدراتها، بينما تستمر في شن حربها السياسية، وتصدير أيديولوجيتها الإمبريالية.
على الخطوط الأمامية
ونحن فخورون بأن أوروبا اتحدت وتكاتفت في وجه العدوان الروسي. وعلى مر تاريخنا، عانينا نزعة روسيا الانتقامية، ومن أعمال الاستبداد والاحتلال والترحيل والمذابح التي ارتكبتها. وطوال سنوات، حذرت شعوب أوروبا الوسطى من هذه الأخطار. وبصفتنا قادة دول واقعة على الجبهة الأمامية من المعركة الأوسع، أدركنا، منذ اليوم الأول، أن لدولنا دوراً أساسياً تضطلع به. وتعلمنا من تاريخنا أن الوقوف في وجه الشر، ودعم أولئك الذين يقاومونه، أمر بالغ الأهمية. لهذا، كان أوائل من زاروا الرئيس فولوديمير زيلينسكي في كييف المحاصرة، هم قادة دولنا. ولذا استقبلت دولنا ملايين اللاجئين، منذ الأيام الأولى للغزو الروسي، وأرسلت المساعدات العسكرية والاقتصادية والإنسانية إلى أوكرانيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويثلج صدورنا أن الحرب مدت التحالف عبر الأطلسي بزخم جديد. والجهد الذي يبذله بعض أعضاء الناتو اليوم في سبيل زيادة إنفاقهم الدفاعي، وتحديث قواتهم المسلحة، يفوق ما بذل سابقاً في تاريخ الحلف. وبينما نتعهد بالتزامات جديدة، في القمة التي يعقدها الحلف في يوليو (تموز) بفيلنيوس، علينا أن نواصل تحسين خططنا الدفاعية، ونرفع من جهوزية قواتنا. ومن الواضح أن أمننا المشترك يقتضي مزيداً من الموارد، المالية والبشرية، في خدمة الحفاظ على تفوقنا العسكري والتكنولوجي في المستقبل. وقد أظهر الأوروبيون أنهم قادرون على تحمل نصيبهم العادل من الأعباء، ولكن دعمنا العسكري لأوكرانيا يعني أيضاً أن علينا تعزيز صناعاتنا الدفاعية الخاصة، وتوثيق التحالف عبر الأطلسي جراء ذلك. وهذا ركن مهم يقوم عليه تقديمنا العون: فمساعدة أوكرانيا لا تعني تقويض قدراتنا الدفاعية الخاصة.
وليس الآن الوقت المناسب للإذعان أو لتقويض عزيمتنا. فمع اشتداد القتال في ساحة المعركة هذا الربيع، نتطلع إلى الصيف والخريف المقبلين. وعلينا أن نبقى إلى جانب أوكرانيا من غير قيد ولا تحفظ. ولا يستثني هذا مدها بكل الأسلحة والمساعدات المالية التي تحتاج إليها من أجل هزيمة روسيا، واستعادة سيادتها وسلامتها الإقليمية كاملة. وهذا مطلب مشروع تتقدم به الحكومة الأوكرانية المنتخبة ديمقراطياً. وتبين إلى الآن، أن دعمنا العسكري عامل أساسي في المعركة. ونظراً إلى أن روسيا تقصف وتدمر أهدافاً عشوائية، ينبغي ألا يستبعد، مسبقاً وتلقائياً إرسال كل أصناف الأسلحة التقليدية. ونحن مجمعون على أهمية اختيار صنف الأسلحة التي نوفرها لأوكرانيا، إلا أن سرعة قراراتنا وشجاعتها قد تكون أكثر أهمية في بعض الأوقات. وكل تردد أو تأخير يتهدد بتعريض أوكرانيا للخطر. وفي المقابل، منحها التفوق الذي تحتاج إليه من أجل النصر هو أفضل طريقة لتجنب حرب طويلة الأمد. وعلينا أن نتذكر أن شعب أوكرانيا يراقب مناقشاتنا المتكررة حول نوع الأسلحة التي نتردد في إرسالها. وفيما يشعر بعضنا بالإرهاق بسبب الحرب، يواصل الأوكرانيون الدفاع عن وطنهم وحياتهم.
ونحن نرحب بالتهمة التي وجهتها المحكمة الجنائية الدولية أخيراً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ومن المهم أن تواصل المحكمة التحقيق في جرائم الحرب التي ترتكب في أوكرانيا، ولكن حان الوقت لإنشاء محكمة خاصة تحاسب القيادة العليا الروسية على جريمة العدوان التي ارتكبتها. ونحن سمعنا نداء أوكرانيا، وأعرب مجلس أوروبا، ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، وأكثر من 30 دولة، عن تأييدها إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة بالنظر في جريمة العدوان، وتتمتع بالصلاحيات [الولاية] المناسبة. ونقترح مصادرة الأصول والاحتياطات الروسية التي تقدر بنحو 350 إلى 400 مليار دولار في الغرب. ويمكن، لا بل من الضروري، استخدام هذه الأموال في إعادة إعمار أوكرانيا بعد الحرب.
مرحلة ما بعد الحرب
وليس سابقاً لأوانه التخطيط لتوفير ضمانات أمنية لأوكرانيا بعد الحرب. ولن يكون هناك استثمار، وإعادة إعمار مستدام في أوكرانيا، ما لم تتمكن هذه من الدفاع عن نفسها ضد أي عدوان في المستقبل.
ويجب أن يستند مستقبل الأمن الأوروبي إلى أسس متينة، وينهض على حلف الناتو ركيزة وأساساً، وعلى مجتمعات ضفتي الأطلسي، ويروج للقيم الديمقراطية، والتعاون الأمني، والحل السلمي للنزاعات. ويتعين على قمة الحلف المقبلة في فيلنيوس، الإجابة عن أسئلة صعبة، ولا مفر منها، حول مستقبل الحلف، بما في ذلك علاقته بأوكرانيا واستراتيجيته المستقبلية تجاه روسيا. وفي عام 2008، قرر الحلفاء أن مستقبل أوكرانيا (وجورجيا معها) يلحظ الانضمام إلى الناتو. وآن الأوان اليوم ليبادر إلى انتهاج مسار واضح وموثوق في شأن عضوية أوكرانيا، حال رغبت كييف في الانضمام ومتى سمحت الظروف بذلك. وحتى ذلك الوقت، علينا أن نستعد لتقديم ضمانات أمنية تتجاوز الضمانات السياسية، وتحول نهائياً دون تحول أوكرانيا إلى منطقة رمادية عالقة بين الحرب والسلم. فالمناطق الرمادية تتيح للأنظمة الاستبدادية فرصاً تزرع فيها بذور عدم الاستقرار، وتفاقم حدة التوترات.
أما في صدد روسيا، فيقتضي الإنصاف أن ننتهج نهجاً طويل الأمد وثنائياً، ويشتمل على الردع والحوار في وقت واحد، ويحتاج إلى تحديث دائم. وعلى رغم ذلك، على الردع والقوة أن يكونا جوهر موقفنا. ويستخدم الحوار أداة تظهر عزمنا على حل التوترات، ولكنه ليس في غاية حد ذاته. وطوال سنوات، تشاركنا بصبر وجهات نظرنا وخلافاتنا مع روسيا في سياقات متفرقة، بما فيها مجلس حلف شمال الأطلسي وروسيا، ولكن من دون أثر يذكر. فالتحدث إلى طرف يتجاهلك تماماً لن يغير السلوك الروسي. وفي مواجهة حوار معطل، على حلف الناتو، بصفته تحالفاً سياسياً عسكرياً، الاستعداد لتعديل استراتيجيته في أي وقت. وقبل 76 عاماً، دعا جورج كينان في هذه المجلة [فورين أفيرز] إلى اعتماد سياسة الاحتواء تجاه الاتحاد السوفياتي. ويمكن تطبيق مبادئ مماثلة اليوم. وينبغي أن تكون القوة العسكرية، والعقوبات الشديدة، وعزل روسيا، ووحدة جهتي الأطلسي، مبادئ أساسية في استراتيجيتنا.
ونحن نشارك واشنطن حرصها على الحرية والأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. فالأمن تحد عالمي، ومثله كفاحنا المشترك من أجل الديمقراطية والحرية. ولا ننسَ أن التدخل والريادة الأميركيين يبقيان جوهريين وضروريين إذا أرادت أوروبا أن تظل موحدة وحرة. والعزم على مساندة أوكرانيا يسهم في ردع العدوان في أجزاء أخرى من العالم. وهو يعلن على الملأ أن لا سكينة ولا طمأنينة للطغاة، سواء في أوروبا، أم آسيا، أم في أي مكان آخر. ولا شك في تعاظم وضوح هذه الرسالة وجلائها عندما تنتصر أوكرانيا وتلحق الهزيمة بروسيا.
وفي التاريخ لحظات بارزة، وهذه واحدة منها. والحق أن السبب الذي حملنا، نحن في أوروبا، على بذل مزيد من الجهد في سبيل الحفاظ على الوحدة الأوروبية، وتجديد العلاقات عبر الأطلسي، هو هذه اللحظة البارزة. وهو ما يدعونا إلى أن نواصل مسيرتنا الداعمة لأوكرانيا حتى النهاية، ونهزم قوى الانتقام الظلامية، ونؤيد كييف حتى النصر.
* بيتر فيالا هو رئيس وزراء جمهورية التشيك.
**إدوارد هيغر هو رئيس وزراء سلوفاكيا.
***ماتيوس مورافيكي هو رئيس وزراء بولندا.
مترجم من فورين أفيرز، أبريل (نيسان) 2023