Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصعود الجامح والسقوط المفاجئ لتاكر كارلسون

لم تنجح أية فضيحة في لجم المقدم التلفزيوني الشهير، فما سبب إخراجه فجأة من "فوكس نيوز"؟

تاكر كارلسون برفقة الرئيس السابق دونالد ترمب في مباراة الغولف في نيو جيرسي، يوليو 2022 (أ ب)

ملخص

على رغم نهايته المفاجئة في "فوكس نيوز" فإن تاكر كارلسون يتمتع بقدرة نادرة على تحقيق الإنجازات بغض النظر عن فضائحه

يبدو بأن الحصانة التي كان تاكر كارلسون يتمتع بها قد سقطت عنه بعد طول انتظار.

يوم الإثنين، أعلنت محطة "فوكس نيوز" بأنها تقطع من دون سابق إنذار كل صلة لها بمقدم البرامج الذي يتمتع بشعبية واسعة، ويعد أكثر الشخصيات متابعة على القنوات الإخبارية في البلاد. وبدا أن القرار اتخذ فجأة: لم يودع كارلسون الذي بدأ العمل كمساهم في الشبكة في عام 2009، جمهوره على الهواء، بل قال لمشاهديه إنه سيلتقي بهم يوم الإثنين.

صمد هذا الرجل المحافظ والمتجبر النافذ في عالم البث، أمام مقاطعة المعلنين له، والدعوات التي أطلقها قادة الحقوق المدنية لكي يقدم استقالته، والرأي الذي يعتبر بأن برنامجه "قد يكون الأكثر عنصرية في تاريخ القنوات الإخبارية"، بحسب تعبير صحيفة "نيويورك تايمز"، ومع ذلك استمر جمهوره الضخم بالنمو، فوصل إلى نحو 3.5 مليون مشاهد كل ليلة في عام 2022. ولبعض الوقت، لمحت الإشاعات في دوائر الجمهوريين إلى أنه يجب طرح كارلسون مرشحاً عن الحزب في الانتخابات الرئاسية لعام 2024.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن ربما لم تأت نهاية كارلسون في "فوكس" بسبب شيء قاله - أو أقله، ليس شيئاً واحداً بالتحديد. بل ما حصل هو رفع قضيتين على المؤسسة بأكملها على خلفية أسلوب تعاملها مع موظفيها كما طريقة تعاملها مع الحقيقة نفسها.

لم تقدم المحطة إيضاحات مفصلة عن سبب إنهاء شراكتها مع كارلسون.

بل قالت في بيان شاركته مع "اندبندنت"، "اتفقت شركة ’فوكس نيوز ميديا‘ وتاكر كارلسون على الانفصال. نشكره على خدمته كمضيف برامج وكمساهم في البرامج قبل ذلك".

أعلم مضيف البرامج بمغادرته المحطة صباح يوم الإثنين، كما نقلت "نيويورك تايمز"، في تنفيذ لأمر مباشر من مالك "فوكس نيوز" روبرت مردوخ، بحسب معلومات صحيفة "لوس أنجلوس تايمز".

لكن من المستحيل تجاهل المشكلات القضائية الأخيرة التي واجهتها الشبكة الإعلامية، التي لعب كارلسون دوراً رئيساً فيها.

قبل أقل من أسبوع، وافقت "فوكس نيوز" على دفع 787.5 مليون دولار لتسوية دعوى تشهير رفعتها عليها شركة دومينيون لأنظمة الاقتراع، التي زعمت بأن الشبكة الإخبارية المحافظة أذاعت ادعاءات كاذبة بأن شركة أنظمة التصويت الإلكترونية لعبت دوراً في مؤامرة تزوير انتخابات عام 2020 التي ادعى المحافظون حصولها.

كان من المتوقع أن تشكل المحاكمة الاستعراض الإعلامي الأبرز في هذا العقد، ويوم حساب طال انتظاره كان من المفترض أن يقدم فيه كبار إعلاميي "فوكس"، مثل كارلسون وشون هانيتي، شهاداتهم، ويساءلون عن المزاعم التي أذيعت على برامجهم حول المؤامرات الانتخابية، وكانت أغلبها عارية من الصحة.

في فترة الانتظار لبدء المحاكمة، ظهرت في العلن رسائل تبادلتها شخصيات بارزة في "فوكس نيوز" حول تغطية الانتخابات، فأظهرت بأن بعض الأشخاص الذين يحتلون أعلى المناصب في المحطة يتعمدون نشر المعلومات الكاذبة عن انتخابات 2020 على رغم التعبير عن شكوكهم وراء الكواليس.

في مجموعة من الرسائل، أخبر كارلسون زميلاً له من موظفي "فوكس نيوز" عن كراهيته "العميقة" لدونالد ترمب، الشخصية التي قارنها بـ"القوة الشيطانية".

وفي مجموعة أخرى، ظهر كأنه يشكك في تقبل المجتمع المحافظ على النطاق الأوسع لترمب، وهذا استهداف غير مباشر للأشخاص الذين يتشابهون في الفكر مع الرؤوس الكبيرة في "فوكس نيوز".

"نتظاهر جميعاً بأننا كسبنا كثيراً، لأن إقرارنا بهول الكارثة أمر يصعب تقبله. لكن بحقكم. ليس لترمب أي جانب إيجابي فعلياً".

وكشفت المحادثات الشخصية بأن كارلسون كان يطلق على حائكي نظريات المؤامرة الانتخابية تسمية "الغوغائيين" والكاذبين "المهينين" المستعدين لخداع "الناس الطيبين" الذين يشاهدون "فوكس نيوز"، فيما كان مقدم البرامج يعود ليكرر كثيراً من مزاعم هؤلاء الأشخاص أنفسهم على الهواء.

وفي وقت غير بعيد، وتحديداً في السادس من مارس (آذار)، عرض برنامج كارلسون فقرة اعتبر فيها مقدم البرامج انتخابات 2020 "خيانة فادحة للديمقراطية الأميركية".

لكن دعوى دومينيون لم تكن سوى البداية.

في الـ20 من مارس، رفعت منتجة سابقة في برنامج "تاكر كارلسون تونايت" اسمها آبي غروسبيرغ دعوى فدرالية ضد قناة "فوكس نيوز"، تزعم فيها بأن المحطة "مكان عمل سام"، إذ "تغيب الحقيقة دائماً" فيما تهيمن على المكان ثقافة "أبوية سامة ومتجذرة".

وتكلمت السيدة غروسبيرغ، التي طردت في هذه الأثناء، بالتفصيل عن مجموعة تعليقات مزعومة فيها تحيز جنسي وكراهية للنساء أدلي بها وراء الأبواب المغلقة حول النساء العاملات في "فوكس نيوز" مثل ماريا بارتيرومو، كما النساء اللاتي تغطي المحطة أخبارهن.

وقالت السيدة غروسبيرغ إنه خلال أول يوم عمل لها مع كارلسون، شعرت باستياء شديد عندما وجدت بأن مكان العمل المخصص لها مزين بصور لرئيسة مجلس النواب الأميركي سابقاً، نانسي بيلوسي، وهي ترتدي ثياب سباحة فاضحة.

لكن محاولاتها في طرح هذه المواضيع المتعلقة بمكان عملها أسفرت عن تلقيها ردوداً غاضبة جداً من مديريها، كما تزعم، الذين "وبخوا السيدة غروسبيرغ وهاجموها"، بحسب ما جاء في الشكوى. وتدعي أنها طلبت في النهاية إجازة طبية نزولاً عند توصية معالج نفسي.

وإضافة إلى المعاملة التي تلقتها داخل "فوكس"، تزعم المنتجة بأنها تعرضت "للإكراه والترهيب والتضليل" بشأن طريقة التي يتوجب عليها فيها الإدلاء بشهادتها في قضية دومينيون، وهي عبارة عن محاولة "ماكرة لنقل مسؤولية التشهير المزعوم بدومينيون على عاتقها".

وتلقت "اندبندنت" بياناً من "فوكس نيوز" جاء فيه بأن الشركة "استقدمت مستشاراً قانونياً مستقلاً من الخارج بهدف إجراء تحقيق فوري في الهواجس التي أثارتها السيدة غروسبيرغ بعد استعراض أداء نقدي".

وجاء في البيان "إن ادعاءاتها المرتبطة بقضية دومينيون عارية من الصحة وسندافع بقوة عن ’فوكس‘ مقابل كل ادعاءاتها".

هل كانت هاتان القضيتان اللتان قضتا على كارلسون؟ يصعب معرفة ذلك. فلم يصدر أي توضيح عن أسباب الافتراق بينه وبين المحطة.

ويخمن بعضهم في دوائر الإشاعات الإعلامية بأن ما أدى إلى سقوط كارلسون في المحطة هو مزيج من دعوى دومينيون والإحراج الذي جلبته على إدارة "فوكس".

وقال مذيع في محطة "فوكس" طلب عدم ذكر اسمه لصحيفة "واشنطن بوست"، "هذا أمر جلل. والرسالة التي يحملها هي أنه حتى الرجل الذي يحقق أكبر نسب مشاهدة، ويتخطى الباقين بأشواط، لم ينج من هذه الكارثة".

وأكثر ما يصدم في موضوع مغادرة كارلسون الفجائية هو أنه وصل إلى هذه المرحلة في السابق نوعاً ما. إذ ظلت الفضائح تلاحقه بسبب ما يقوله على الهواء وما يحدث في غرفة التحرير عندما تطفأ الكاميرات.

ففي عام 2018، سحب معلنون كبار كثر أمثال "لاند روفر" و"سامسونغ" إعلاناتهم من برنامجه عقب تصريح كارلسون بأن الهجرة تجعل الولايات المتحدة "أفقر وأوسخ وأكثر انقساماً".

وفي عام 2020، استقال أكبر الكتاب في برنامج كارلسون بعدما كشف عن أنه كان يستخدم اسماً مستعاراً وينشر مواد على درجة عالية من العنصرية والتحيز الجنسي في منتدى إلكتروني.

وخلال العام نفسه، أجرى برنامج "تاكر كارلسون تونايت" أول مقابلة مع مطبق العدالة الأهلية المراهق كايل ريتنهاوس بعد تبرئته من تهمة القتل جراء قتله شخصين بالرصاص أثناء مظاهرات 2020 التي كانت تطالب بالعدالة العرقية في كينوشا، ويسكونسن، ودعاه بـ"الشاب اللطيف". في ذلك الوقت، كان كارلسون يستخدم برنامجه في أغلب الأوقات من أجل التقليل من أهمية المتظاهرين في حركة "حياة السود مهمة"، واعتبارهم "عصابات مجرمة" ووصفهم بأنهم يسعون إلى "تدمير كل ما بناه غيرهم". عندها انسحب مزيد من المعلنين من البرنامج.

ولطالما ظهرت القسوة على الملأ تقريباً في حياة كارلسون العلنية - فقد أشار في الكتاب السنوي الجامعي أنه عضو في جمعية وهمية سميت تيمناً بالرجل الذي قتل هارفي ميلك، أول رجل أعلن مثليته الجنسية وانتخب في منصب رسمي في كاليفورنيا - لكن لم يوقفه أي شيء، كما كان يبدو.

في عام 2021، أبرم اتفاقاً من أجل تعزيز وجوده في عالم "فوكس" الإعلامي من خلال المدونات الصوتية والوثائقيات.

خلال السنوات الماضية، مع بلوغ جمهوره معدلات غير مسبوقة، ازدادت درجة الجدلية والعنصرية ونبرة التآمر في تغطية كارلسون، في انعكاس للخطاب السياسي الذي يخيم عليه شبح نظريات كيو آنون وسرقة الانتخابات وردة فعل البيض على حركة حياة السود مهمة.

في عام 2021، دافع كارلسون عن كيو آنون، ودعا منتقدي الحركة بـ"المستبدين" الذين يحاولون استعباد الأميركيين فكرياً. في هذه الأثناء، أجرى مقابلات مع رجال أقوياء، أو مستبدين، حقيقيين، مثل الرئيس المجري فيكتور أوربان الذي أثنى عليه واعتبره نموذجاً يمكن لأميركا الاحتذاء به بسبب موقفه اليميني المتشدد من الهجرة.

في عام 2022، انضم كارلسون إلى موجة الجمهوريين الذين يثيرون الخوف من الأساتذة الذين ينتمون إلى مجتمع الميم ومن التربية الجنسية والتعليم عن الجندر، وحذر بأن "هذا اعتداء على أطفالكم وعليكم أن تقاوموه"، وأذاع وثائقياً غريباً يتناول مصير الرجولة المعاصرة ظهر فيه رجل يدعو إلى توجيه أضواء حمراء على الخصيتين لزيادة هرمون التيستوستيرون.

على رغم قرفه الظاهر من ترمب ونظريات المؤامرة التي أطلقها عن الانتخابات، أذاع كارلسون نسخة محررة ومجتزأة جداً عن فيديوهات المراقبة من أعمال الشغب يوم السادس من يناير (كانون الثاني)، وزعم كذباً بأن حركة التمرد في الكابيتول ما كانت سوى مظاهرة سلمية إجمالاً شوه الإعلام صورتها - بينما كان هو من يحرف السجلات عن أعمال الشغب التي لقي فيها خمسة أشخاص مصرعهم واتهم أكثر من ألف آخرين بارتكاب مخالفات جنائية.

والأكثر جدلية هو أن كارلسون ربما أصبح الصوت الوطني الرائد للنظرية المسماة "الاستبدال العظيم"، وهي فكرة من المؤمنين بتفوق العرق الأبيض تقول إن النخب السياسية تحاول أن تقلص نفوذ البيض من خلال الهجرة.

وقال في إحدى حلقات برنامجه "أعلم بأن اليسار وكل حراس المعرفة الصغار على ’تويتر‘ يصابون بالجنون إن استخدمت عبارة ’استبدال‘ وإن قلت إن الحزب الديمقراطي يحاول استبدال الناخبين الحاليين، أي الذين يقترعون الآن، بأشخاص جدد وناخبين مطيعين أكثر من العالم الثالث. لكنهم يصابون بالجنون لأن هذا هو ما يحدث على أرض الواقع. فلنقلها ببساطة: هذا صحيح".

وأضاف كارلسون "الجميع يريد تحويل الموضوع إلى قضية عنصرية. آه، كما تعرفون، ’نظرية استبدال البيض‘؟ لا، لا، لا… لدي نفوذ سياسي أقل لأنهم يستوردون ناخبين جدداً كلياً. لماذا علي أن أتفرج وأقبل بذلك؟".

وجد تحليل أجرته "نيويورك تايمز" لبرنامج "تاكر كارلسون تونايت" في السنوات الأخيرة بأن مقدم البرنامج ذكر هذه النظرية بشكل أو بآخر في أكثر من 400 حلقة.

وقال سكوت غرير، المحرر السابق في دايلي كولر، الموقع الإخباري المحافظ الذي أسسه كارلسون، بأن عملاق "فوكس نيوز" تمكن من نقل عديد من الأفكار اليمينية المتطرفة من الأطراف المظلمة في الإنترنت وتعميمها في الإعلام الرئيس من خلال برنامجه. (ترك غرير موقع كولر في 2018 عندما ظهرت كتاباته السابقة على موقع "قومي أبيض" إلى العلن).

وقال السيد غرير في مدونته الصوتية في 2022 "إن تاكر إلى جانبنا، في نهاية المطاف. يمكنه أن يجعل ملايين الأشخاص من جيل طفرة المواليد boomers [مواليد ما بين 1946 و1964] يوافقونه الرأي فيما يتكلم عن أمور لم تكن لتراها سوى على مواقع في دير VDare أو أميركان رونيسانس American Renaissance منذ سنوات قليلة".

لم يتضح بعد أين ستجد هذه الأفكار مستقراً لها بعد خروج كارلسون من "فوكس نيوز".

بفضل أدوات الإعلام الرقمي الجديدة، ما عادت المؤسسات الكبرى مثل "فوكس نيوز" ضرورية من أجل استقطاب جمهور عريض أو الحصول على راتب سخي، سواء بالنسبة إلى جو روغان الذي أبرم اتفاقاً مع تطبيق "سبوتيفاي" بقيمة تفوق 200 مليون دولار، كما يتردد، أو باري فيز، الذين غادر صفحات الرأي في "نيويورك تايمز" بشكل قاس وحط على نشرة مزدهرة على منصة "سبستاك" الإلكترونية Substack لديها أكثر من 330 ألف مشترك وتجني ملايين سنوياً.

لكن الأمر الأكيد هو بأن كارلسون يتمتع بقدرة نادرة على تحقيق الإنجازات على رغم الفشل.

فحسب روايته الخاصة، تغير حاله من قضاء الجزء الأكبر من سنوات دراسته الجامعية وهو ثمل ويحصل على درجات متدنية، إلى أحد أكثر كتاب المجلات المرغوبين في البلاد، إذ كتب مقالات في "إسكواير" ومجلة "نيويورك تايمز" و"ذا نيو ريبابلك".

وانتقل من كونه محافظاً يرتدي ربطة عنق بشكل فراشة وأحد المشاركين في لجنة في برنامج المناظرة "كروسفاير" على شبكة "سي إن إن"، إلى هدف للهجمات، تعرض للانتقادات القاسية بشكل كبير مباشرة على الهواء من قبل جون ستيوارت في 2005 إلى درجة جعلت بعضهم يفترض بأنها أدت إلى إلغاء البرنامج بعد أشهر عدة.

وبعد ذلك، تحول من الظهور أحياناً على "إم إس إن بي سي" إلى شخصية ثابتة ودائمة في المشهد الإعلامي المحافظ.

ليس من الواضح بعد أين سينتهي به المطاف - لا هو ولا "فوكس نيوز" كذلك - بعد هذا الموسم من الاضطرابات، لكن لا شك في أن الجدال سيلحقه أينما حل.

© The Independent

المزيد من تقارير