ملخص
وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار في لبنان: حزمنا أمرنا ومفوضية اللاجئين تتعامل مع النازحين السوريين كبائع التوابيت الذي يصلي ليموت كل يوم مريض لتبرر استمرار عملها
شهد لبنان خلال الأيام الماضية على سلسلة من الإجراءات بحق النازحين السوريين. فمن جهة بدأت عملية ترحيل العشرات من الموجودين بصورة غير نظامية، ومن جهة أخرى بدأت عديد من البلديات والسلطات المحلية بتطبيق إجراءات لتنظيم وجودهم على أراضيها، وترافق ذلك مع تصاعد الخطاب المناهض لوجودهم على الأراضي اللبنانية، والمطالبة بعودتهم العاجلة إلى بلادهم.
كورنيش عيد الفطر
خلال عطلة عيد الفطر، استقطبت الأماكن العامة المفتوحة، والكورنيش البحري في المناطق الساحلية أعداداً غفيرة من النازحين السوريين. وتسبب المشهد بنوع من الصدمة لشريحة من اللبنانيين، فقد شهدت مواقع التواصل الاجتماعي سجالاً حاداً حول تلك الظاهرة، مما عزز خطاب الكراهية في البلاد، فقد انتقد البعض وجودهم في منطقة "الزيتونة باي" الفخمة في بيروت، فيما ساء آخرين مقاسمة النازحين لأبناء بيروت "نزهة كورنيش المنارة". أما في طرابلس، فقد اعتبر البعض أن كورنيش الميناء تحول إلى شاطئ طرطوس. في المقابل، برزت مواقف مدافعة عن النازحين، واعتبروا أن هناك من يحاول حرف أنظار اللبنانيين عن سلسلة المشكلات الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية لصالح التحريض على الوجود السوري.
التنظيم بدأ
في مارس (آذار) 2011، بدأت أزمة النزوح السوري إلى لبنان، ولم تفلح الحكومات المتعاقبة في تنظيم هذا الملف إلى أن تجاوز عدد السوريين المليونين بحسب تقديرات حكومية، فيما يقارب العدد المسجل لدى مفوضية الأمم المتحدة 840 ألف نازح مسجل، يؤكد وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار عبر "اندبندنت عربية" أن "هناك شبه إجماع على ضرورة تنظيم وجود النازحين السوريين في لبنان بسبب العبء الكبير"، موضحاً أن "وزارته تتولى متابعة الملف على الأرض، ويعمل على تسريع عودتهم، وهناك استكمال للعمل الذي بدأته حكومة الرئيس حسان دياب، ولكن نجاح أي خطة يتطلب تعاون الجهات الرسمية اللبنانية، والمجتمع الدولي، والحكومة السورية لإعادتهم".
يعود حجار إلى مرحلة جائحة كورونا، ليشير إلى أن "الحكومة تمكنت في عهد الرئيس ميشال عون من إعادة 560 ألف سوري إلى بلادهم من خلال الخطط الموضوعة، ودعم مديرية الأمن العام، ورئاسة الجمهورية والحكومة"، لافتاً إلى وجود متغيرات عدة حالت دون استكمال الملف كالجائحة، و"ما يسمى الثورة في لبنان" على حد تعبيره، وانفجار مرفأ بيروت، والأزمة المالية التي أدت إلى "تضعضع الجهود في الملف". ويضيف "في سبتمبر (أيلول) 2021، أعدنا الملف إلى الوسط، وأصبح موضوع النزوح الملف اليومي في لبنان"، داعياً إلى "احترام توصيف الدولة لهم بأنهم نازحون". ويضيف "هناك من يأتي لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو لم الشمل أو الذهاب إلى أوروبا أو حلم البقاء في لبنان".
يعتقد حجار "حزمنا أمرنا في لبنان، وهناك إجماع على مستوى السلطة السياسية، ومن هو خارج يخجل في التعبير عن موقفه، وليس هناك من يريد بقاءهم في لبنان، ونحن في طور تحريك الملف والضغط على المجتمع الدولي لقبول موقفنا"، ويردف "لا نرفض وجودهم ولسنا عنصريين، وإنما موقفنا منطلق من عبئهم على الأمن، وكثافة السكان، والوضع الاقتصادي، والاجتماعي، والصحي، والأزمات التي يعانيها لبنان. لا يتحملون مسؤولية مشكلات لبنان، ولكنهم أصبحوا جزءاً منها".
يوضح حجار أن الخطة كانت تقوم على إقامة مراكز خاصة لتسجيل النازحين لدى الأمن العام، وبعد ذلك ترسل القوائم إلى سوريا لمتابعتها، والتأكد من عدم وجود مانع لعودتهم إلى بلادهم. ومن ثم، بعد موافقة السلطات السورية على عودتهم، تنظم قوافل للعودة الطوعية الآمنة.
خلاف على الداتا
كما ينتقد عمل مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، لأنه "لا يمكن اعتبار كل سوري يعبر الحدود إلى لبنان نازحاً لمجرد الحفاظ على استمرار عملها"، مشبهاً إياها بـ"بائع التوابيت الذي يصلي لأن يموت كل مريض يدخل المستشفى". من جهة أخرى، يلفت حجار إلى "حراك سوري عابر للحدود ذهاباً وإياباً إلى لبنان، وهؤلاء لا يمكن تصنيفهم نازحين"، علماً أن البعض منهم يعود عبر معابر غير شرعية.
يحدد هيكتور حجار سبب الخلاف مع المفوضية بتوفير البيانات، فالحكومة اللبنانية وأجهزتها لا تمتلك "الداتا"، كما أن هناك تحفظاً على مجموعة من النقاط قيد المتابعة لتنظيم عملهم. ويكشف عن توجه لما سماه "تنظيم عمل الجمعيات" ذات الصلة بالملف، فقد قمنا بإقفال مركز طبي في عرسال، كما فرضنا على الجمعيات الحصول على إذن للدخول إلى المخيمات، ومواءمة العمل لفائدة المجتمع اللبناني المضيف والنازح، كما أوقفنا مئات المشاريع التي تهدف إلى الدمج". ويعتبر "بعد أن كنا في شريعة الغاب في الفترة بين 2011 -2015 بسبب الحسابات السياسية، وانتقلنا اليوم إلى التنظيم بالتعاون مع المحافظين والأجهزة الأمنية"، بحسب وزير الشؤون الاجتماعية اللبنانية.
أما فيما يتعلق بالولادات غير المسجلة، فيلفت حجار إلى أن هناك خطة عمل تتولى تنفيذها وزارة الداخلية وقوى الأمن الداخلي والمخاتير من أجل تعزيز التسجيل، وقد ارتفعت نسبة المسجلين من 16 في المئة، إلى 35 في المئة، وهناك متابعة لعدم حدوث أي خلل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العودة رهن التغيرات الإقليمية
يعول هيكتور حجار على التغيرات الإقليمية، والانفتاح السعودي على إيران وسوريا، من أجل تعجيل عودة السوريين. يتحدث حجار عن ضرورة إعادة النظر في كل الإجراءات التي قامت بها الحكومات في الماضي، لمواكبة التغييرات في المنطقة والاصطفافات الجديدة، "والعملية ليست خشبية، ولا بد من التفكير بأسلوب جديد، فسوريا أصبحت خارج الحصار، وهناك لقاءات مع سفراء دول القرار، والدول العربية، والصين من أجل ترتيب العودة السريعة في موازاة العودة المرتقبة لسوريا إلى الجامعة العربية"، قائلاً "علينا أن نكون جاهزين للتسوية لكيلا تكون على حسابنا".
ورداً على سؤال حول "موافقة الحكومة السورية على عودتهم"، يكرر حجار "في المرحلة الأولى ذهب ما يزيد على نصف مليون سوري إلى بلادهم، ولم نتبلغ بأي انتهاكات"، كاشفاً عن "توجه لتوكيل مدير العام للأمن العام بالتكليف إلياس البيسري لمتابعة أعمال المدير السابق اللواء عباس إبراهيم، وإذا تطلب الأمر على المستوى السياسي، فنحن جاهزون لزيارة سوريا، وليس لدينا مشكلة من أجل خدمة قضية النزوح السوري"، لأن "أساس الحل هو العودة، ومن لا يمكنه المغادرة على المجتمع الدولي تأمين دولة مضيفة"، كما يؤكد أن الوزراء المقاطعين لاجتماعات الحكومة. يتابعون تصريف الأعمال في وزاراتهم لمتابعة الملفات في غياب رئيس الجمهورية والحكومة، وهو سبق له أن مثل لبنان في اجتماعات منظمة العمل الدولية في جنيف، وسيشارك في اجتماعات بروكسل للمنظمات الدولية.
التهريب قائم
خلال الفترة القليلة الماضية، قام الجيش اللبناني بترحيل العشرات من المقيمين السوريين غير النظاميين، ولكن سرعان ما عاد هؤلاء إلى الأراضي اللبنانية بفعل مهربين يتقاضون 100 دولار لتهريبهم عبر معابر غير شرعية. يشير هيكتور حجار إلى أن "الدول العظمى غير قادرة على ضبط حدودها بالكامل، على سبيل المثال هناك تهريب أشخاص بين المكسيك والولايات المتحدة"، لذلك، المطلوب أن يساعد المجتمع الدولي لبنان من أجل تقوية أجهزته، مما ينعكس إيجاباً على تراجع المشكلات في أوروبا وغيرها، كما أن الحدود طويلة وجردية متعرجة، هناك صعوبة لضبطها بالمطلق، ولا بد من وجود نقاط ثابتة وتنسيق متبادل بحسب حجار.
أوقفوا الترحيل
خلال الأسبوع الماضي، بدأت بعض البلديات على غرار بلدية بنت جبيل بمطالبة النازحين السوريين بالتسجيل لديها، كما وضعت بلديات أخرى نقاطاً ثابتة لشرطة البلدية لتنظيم حركتهم، كما أصدر محافظ الشمال رمزي نهرا قراراً لتنظيم العمالة الأجنبية حفاظاً على السلامة العامة التي يشكل السوريون ضمنياً الأغلبية. في موازاة ذلك، بدأ حراك أمني لترحيل العشرات من المقيمين غير النظامين، الأمر الذي أثار حفيظة المنظمات الحقوقية.
منظمة العفو
دعت منظمة العفو الدولية لبنان إلى الكف عن ترحيل النازحين السوريين قسراً إلى سوريا، "وسط مخاوف من أن هؤلاء الأفراد معرضون لخطر التعذيب أو الاضطهاد على أيدي الحكومة السورية لدى عودتهم". وكشفت المنظمة حصول مداهمات لأماكن سكن عائلات سورية في برج حمود بيروت، ورحل إلى سوريا العشرات من النازحين الذين دخلوا لبنان بصورة غير نظامية أو يحملون بطاقات إقامة منتهية الصلاحية. ونقل البيان شهادات تؤكد ترحيل عائلات مسجلة لدى مفوضية النازحين التابعة للأمم المتحدة.
كما أكدت المنظمة أنها "وثقت وغيرها من جماعات حقوق الإنسان كيف واجه اللاجئون الذين عادوا إلى سوريا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بما في ذلك التعذيب والاختفاء القسري، على أيدي الحكومة السورية". في سياق متصل، فإن سحر مندور (باحثة في منظمة العفو الدولية) تطالب الحكومة السورية بإتاحة تنظيم آلية لمراقبة عودة العائدين بإشراف الأمم المتحدة، من أجل الاطمئنان إلى مصيرهم. وتقول لـ"اندبندنت عربية" تعتمد المنظمة في الوقت الراهن على الاتصالات الشخصية المحجوبة الهوية بسبب الحرص على أمن الذين تتواصل معهم في الداخل السوري وأقاربهم في الخارج"، مشبهة ذهابهم إلى سوريا بـ"الدخول في الثقب الأسود بسب انقطاع المعلومات وسط مخاوف كبيرة للأهالي على سلامتهم لعدم وقوعهم في مأزق مع السلطات التي تراقب حركتهم". تجزم مندور أن "التوثيق الذي اعتمد آليات شديدة الحرص كشف وجود 66 حالة انتهاك طالت عائدين من بينهم أطفال، حيث تعرضوا للتعذيب والسجن بعد عودتهم"، مشددة أن "الحكومة السورية لديها تاريخ في انتهاك حقوق الإنسان ويجب التحقق من سلامة العائدين"، وعليه، "لا يمكن اعتبار أي عودة آمنة طالما لا يمكن الوصول إلى العائدين بشكل شفاف وحر".