Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا لا يريد الأميركيون مبارزة رئاسية بين بايدن وترمب؟

مصيرهما سينتهي إلى نفس الولايات المتأرجحة التي حسمت النتيجة بهوامش ضيقة

أكدت استطلاعات رأي أن كلاً من بايدن أو ترمب لا يثيران أية حماسة واسعة داخل حزبيهما (أ ف ب)

ملخص

يعتقد الخبراء أن هناك عوامل عدة تسهم في عدم رغبة الجمهور في رؤية ترمب وبايدن يتواجهان للمرة الثانية وبينها عامل العمر في أمة اعتادت في السابق أن تستفيد من الانتخابات لتمكين جيل جديد

أطلق الرئيس الأميركي جو بايدن حملته للانتخابات الرئاسية رسمياً عبر إعلان فيديو، أمس الثلاثاء، ليبدأ الاستعداد إلى مباراة عودة محتملة عام 2024 مع الرئيس السابق دونالد ترمب الذي يعد حتى الآن أوفر الجمهوريين حظاً للفوز بترشيح الحزب، لكن منافسة بايدن وترمب الرئاسية مسابقة لا يرغب غالبية الأميركيين في رؤيتها مرة أخرى، كونها ستكون من أكثر الحملات إثارة للانقسام في التاريخ الحديث، وستخيم عليها هذه المرة مشكلات ترمب القانونية وأرقام استطلاعات بايدن الكئيبة. فما السبب الذي يجعل قدر الأميركيين محصوراً في مرشحين لا يرغبون فيهما، وهل يمكن أن تتغير معادلة التنافس الرئاسي في الولايات المتحدة؟

مشاهد شبه مكررة

قدم فيديو الحملة الانتخابية الذي أطلقه بايدن، أمس الثلاثاء، لمحة عما يخطط الديمقراطيون للتركيز عليه مبكراً، وهو الرئيس ترمب وحركة "اجعل أميركا عظيمة مجدداً" التي يتزعمها والمعروفة اختصاراً باسم "ماغا". فهي الحركة التي يحرص بايدن دائماً على تصويرها بأنها متطرفة وخطر على الديمقراطية، بينما يقدم نفسه على أنه مدافع شرس عن الحرية والديمقراطية، وأن الأمر يتطلب دورة حكم ثانية ليستكمل القتال من أجل روح أميركا. ولهذا استهل مقطع الفيديو الذي نشره على "تويتر" بأحداث اقتحام الكابيتول هيل من قبل أنصار ترمب في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021، تليها احتجاجات خارج المحكمة العليا ضد قرارها إلغاء الحق في الإجهاض.

في المقابل، كان الرئيس السابق دونالد ترمب في الانتظار حيث سارع إلى انتقاد بايدن، واصفاً فترة حكمه بأنها رئاسة كارثية وفاشلة أدت إلى إذلال الأمة، وسببت ضرراً أكثر من أسوأ خمسة رؤساء في التاريخ الأميركي، مشيراً إلى معدلات التضخم الأسوأ منذ نصف قرن، وانهيار البنوك والتهديد الذي يواجه الدولار كعملة احتياط عالمية، كما كرر كلامه عن أن انتخابات 2020 التي فاز بها بايدن ضده كانت مزورة. كذلك ردت اللجنة الوطنية الجمهورية، بفيديو مضاد تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي لكوارث إخبارية متصورة، تحذر مما قد يحدث إذا فاز بايدن عام 2024، الذي تضمن صوراً لاحتجاجات وانفجارات وواجهات محال مغلقة وسط سقوط حر للسوق المالية.

لكن حملة بايدن التي جاءت في الذكرى الرابعة لإطلاق حملته لعام 2020، ورد ترمب والجمهوريون عليها، بدت بالنسبة لغالبية الأميركيين كما لو كانت مشاهد مكررة من معركة الانتخابات الرئاسية السابقة التي كرست حالة الاستقطاب المرير في المجتمع الأميركي، بعد أن فشل بايدن في تحقيق وعده بإعادة توحيد الأميركيين وإنهاء الاستقطاب، فيما ظل ترمب هو الشخصية المهيمنة على الحزب الجمهوري والمرشح الأبرز حتى الآن للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لمنافسة بايدن على البيت الأبيض العام المقبل.

استياء الأميركيين  

غير أن الحقيقة التي بدت ظاهرة منذ أشهر وأكدتها استطلاعات الرأي المرة تلو الأخرى، أن كلاً من بايدن أو ترمب لا يثيران أي حماسة واسعة داخل حزبيهما، إذ يشير معظم الأميركيين إلى أنهم سيشعرون بالاستياء أو الغضب إذا فاز أي منهما في الانتخابات العامة. وهو ما أكده استطلاع نشرته "أن بي سي نيوز"، الأحد الماضي. وأوضح أن 70 في المئة من الأميركيين و51 في المئة من الديمقراطيين، لا يعتقدون أن بايدن يجب أن يترشح لإعادة انتخابه عام 2024، وأن 60 في المئة من الأميركيين ونحو ثلث الجمهوريين لا يعتقدون أنه ينبغي على ترمب الترشح مرة أخرى.

وفيما يعتقد الخبراء والاستراتيجيون أن هناك عوامل عدة تسهم في عدم رغبة الجمهور في رؤية ترمب وبايدن يواجهان بعضهما البعض للمرة الثانية، فإن عامل العمر يبرز كأحد أهم العوامل الحاسمة في أمة اعتادت في السابق أن تستفيد من الانتخابات لتمكين جيل جديد، لكنها الآن تبدو محصورة في سباق بين شاغل الوظيفة (بايدن) الذي سيبلغ 86 سنة بنهاية فترته الثانية، ومنافسه (ترمب) الذي سيبلغ 82 سنة في المرحلة نفسها إذا فاز بالانتخابات. وهذا ما يجعل معركة الانتخابات القادمة تضم أكبر متنافسين في تاريخ الرئاسة الأميركية، وهي أيضاً موضع ترحيب بالنسبة لبايدن الذي لا يريد أن ينافس منافساً في الأربعينيات من عمره مثل حاكم فلوريدا الجمهوري رون ديسانتيس، الذي لم يعلن رسمياً خوضه الانتخابات حتى الآن.

عامل السن

ولهذا السبب لا يشعر غالبية الأميركيين أن مرشحين في الـ80 من العمر يمكن أن يمثلا شعباً يتراوح عمر 64 في المئة منه بين 15 و65 عاماً، بينما لا يمثل من هم فوق 65 سنة سوى 17 في المئة من الشعب الأميركي وفقاً لموقع "ستاتيستا"، كما واجه الرئيس بايدن الذي كان أكبر رئيس أميركي يشغل هذا المنصب في التاريخ بعد ترمب، أسئلة عالقة حول ما إذا كان عمره وقدرته العقلية ستقوى على التحمل أم سيمنعانه من تولي المنصب مرة أخرى.

وقبل أسابيع، تساءلت ميشيل غولدبيرغ في صحيفة "نيويورك تايمز"، عما إذا كان رجل في الـ80 من عمره سيكون قادراً على إدارة جدول حملته الانتخابية المرهق، بينما يعد الأمر مهمة شاقة لرجل يبلغ من العمر 60 عاماً ومهمة شبه مستحيلة لمن اقتربوا من الـ80 أو تجاوزوا هذا العمر.

تحقيقات ومحاكمات

وعلاوة على عامل السن يواجه بايدن وترمب تحقيقات أو محاكمات تجعل بعض الأميركيين مترددين في دعمهما. فالرئيس بايدن الذي يحقق معه مدع خاص في الوثائق السرية التي اكتشفت بعد سنوات طويلة في منزله ومكتبه، ينتظر أيضاً تحقيقات يمكن أن تبدأها لجنة الرقابة في مجلس النواب برئاسة النائب الجمهوري جيمس كومر، وتتعلق بتلقي عائلة الرئيس أموالاً بشكل غير مباشر من شركة نفط صينية عام 2017، بعد تنحي بايدن عن منصبه كنائب للرئيس، وهو الأمر الذي نفاه بايدن من قبل، لكن القضية قد تستحوذ على اهتمام وسائل الإعلام اليمينية بشكل خاص بعد أن تعهد كومر، بأن اللجنة ستواصل متابعة مسار الأموال والحقائق لتحديد ما إذا كان الرئيس بايدن قد تعرض للخطر بسبب أعمال عائلته، وما إذا كان هناك تهديد للأمن القومي إذا تم اكتشاف أن الصفقات التجارية التي وضعها هانتر بايدن مع شركات أجنبية قد تضمنت والده الرئيس بايدن، وهو ما ينفيه الرئيس بايدن، مشيراً إلى أن الصفقات التجارية التي أبرمها ابنه وشقيقه جيمس بايدن، لا صلة له بها، كما لم يشغل أي منهما مناصب في إدارته.

في المقابل، استمر دونالد ترمب منذ مغادرته البيت الأبيض، في مواجهة سلسلة من الدعاوى القضائية والتحقيقات التي قد تحبط آماله في استعادة المقعد الرئاسي عام 2024، بخاصة بعد أن وجه المدعون في نيويورك لائحة تضم 34 تهمة تزوير سجلات تجارية ضد الرئيس السابق، تتعلق بتسجيل أموال بشكل خطأ بهدف شراء صمت ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز خلال انتخابات عام 2016، كما يواجه ترمب عدداً من الدعاوى القضائية الكبيرة المتعلقة بسلوكه خلال انتخابات 2020 وبخاصة في أحداث السادس من يناير، مع احتمال أن يوجه له المدعون العامون في ولاية جورجيا اتهامات أخرى بالتدخل في نتيجة الانتخابات، ومحاولة الضغط على مسؤولي الولاية لإيجاد أصوات كافية لإلغاء نتائج الانتخابات.

تغير محتمل

وعلى رغم أنه ستمر أشهر قبل الإدلاء بأول الأصوات في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، وسننتظر 18 شهراً قبل أن يختار الأميركيون رئيسهم القادم، فإن الأحداث التي ستجري خلال هذه الفترة داخل الولايات المتحدة وخارجها يمكن أن تغير السباق، إذ يمكن للتحولات غير المتوقعة في حياة ووظائف كل من بايدن وترمب، وكذلك بعض المرشحين الآخرين الذين يتنافسون على ترشيح الحزب الجمهوري، أن تغير كل شيء بما في ذلك استطلاعات الرأي التي قد تحمل مفاجآت.

ومع ذلك، تستحضر الظروف سباقاً رئاسياً فريداً يعكس حالة أميركا المستقطبة وغير المستقرة، من المرجح أن تتحدى المؤسسات السياسية والوحدة الأميركية مرة أخرى، بينما يسعى ترمب في تطور مثير، تحقيق إنجاز لم يحدث سوى مرة واحدة فقط في تاريخ الولايات المتحدة، وهو فوز رئيس سابق بدورة رئاسية أخرى غير متتالية، حيث كان الرئيس غروفر كليفلاند هو الوحيد الذي عاد إلى منصبه الرئاسي في عام 1893 وأصبح الرئيس 22 و24 للولايات المتحدة.

كما أن إصرار ترمب على الترشح يعد حالة نادرة أخرى، إذ عادة ما يتلاشى الرؤساء المهزومون بعد فترة ولاية واحدة فقط ولا يعودون لتحدي من فاز عليهم، لكن ترمب لا يزال الشخصية المهيمنة في الحزب الجمهوري ويسيطر على مؤسساته، وتحول إلى زعيم شعبوي يقود حروباً ثقافية محافظة ضد الليبراليين واليسار، وهذا ما يجعل المنافسة الجديدة على البيت الأبيض تبدو تكراراً في الشعارات والبرامج والاتهامات من الطرفين المتنافسين.

سبب التكرار

وكما يقول أستاذ العلوم السياسية في كلية بوسطن ديفيد هوبكنز، فإن الناس عندما يسألون عن بديل، يرغبون في وجود مرشح آخر، ولكن عندما يسألون عن بدائل حقيقية، فإنهم لا يجدون سوى مرشحين محتملين أقل شعبية.

وفي هذه المرحلة، لا يزال من المتوقع أن يكون بايدن هو المرشح الديمقراطي للرئاسة، ذلك أن الديمقراطيين الوحيدين الذين أعلنوا عن حملات لتحديه هم من خارج السياسة، ومن غير المرجح أن يحظوا بدعم كبير، مثل المؤلفة ماريان ويليامسون التي ترشحت وخسرت في الانتخابات التمهيدية عام 2020، وروبرت كينيدي جونيور، الذي روج لمؤامرات مناهضة للقاحات. ولا يعتقد أن مرشحين آخرين يتمتعون بثقل سياسي داخل الحزب الديمقراطي يمكن أن ينافسوا ترمب في انتخابات 2024، إدراكاً منهم بأنه قد يكون الوحيد القادر على هزيمة ترمب مرة أخرى، وبأنه يبدو قوياً بما يكفي لدرء ظهور أي منافسين أساسيين مهمين.

أما الرئيس ترمب فلا يزال يحظى بدعم نصف الجمهوريين ولا ينافسه حتى الآن سوى عدد محدود جداً لا يحظى أي منهما سوى بدعم لا يتعدى خمسة في المئة، بمن في ذلك نيكي هايلي مندوبة الولايات المتحدة السابقة في المنظمة الدولية، بينما لم يتقدم حاكم ولاية فلوريدا رسمياً حتى الآن، لكنه لا يزال التهديد الأكبر لترمب بشعبية تصل إلى ثلث الناخبين الجمهوريين المحتملين، بحسب بعض استطلاعات الرأي.

الأفضل لبايدن

ومع ذلك، لم يتمكن أو يجرؤ أي منافس محتمل من الحزب الجمهوري بمن في ذلك ديسانتس على مهاجمة ترمب وإثارة مشكلاته القانونية بهدف تحقيق مكاسب سياسية، وهو عامل يضيف إلى اعتقاد عديد من الديمقراطيين بأنه سيفوز بترشيح الحزب الجمهوري، فيما تشكل قوة ترمب هذه الأساس المنطقي لحملة بايدن، والأسباب التي تجعله أفضل رهان للديمقراطيين من أجل منع سلفه من الفوز بولاية ثانية، قد تكون أكثر وحشية من الأولى بالنسبة إلى الديمقراطيين والليبراليين.

ومن المثير للدهشة أن بايدن يستخدم الدافع نفسه الذي عزز مسيرته إلى البيت الأبيض عام 2020، وهو أن ترمب يشكل تهديداً للمؤسسات والقيم الديمقراطية الأميركية، وسيكون هذا هو أساس محاولة إعادة انتخابه. وهو ما يعكس حقيقة أمة عالقة في صراع وجودي على مؤسساتها ولا تزال تترنح منذ 2020 في وقت يتوعد فيه ترمب "الدولة العميقة" التي يقول إنها "تدمر أميركا".

غير أن احتفاء بايدن بمنافسة ترمب لن يكون كافياً للفوز إذ يتعين عليه الدفاع عن رئاسته، وإقناع الناخبين بأنهم أفضل حالاً مما كانوا عليه عندما تولى السلطة وسط النيران السياسية والغضب من رحيل ترمب.

وبصرف النظر عن الاتهامات التي يتبادلها بايدن وترمب، إلا أنه في النهاية، فإن مصيرهما سينتهي إلى نفس الولايات المتأرجحة التي حسمت النتيجة بهوامش ضيقة بما في ذلك ولايات ويسكنسن، وجورجيا، وأريزونا، وبنسلفانيا، وحتى لو لم يكن ترمب هو المرشح الجمهوري، فلا يزال بايدن يخطط لخوض الانتخابات ضده.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير