Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حكومة النواب الفاشلين بقيادة جونسون ليست هفوة بل طوق نجاته من بريكست

ربما تنمّ خطة رئيس الوزراء المرتقبة بتعيين هؤلاء الحمقى في الواقع عن دهاء.  ففي حال فشلت استراتيجيته للخروج من الاتحاد الأوروبي –بل حين تفشل- سيكونون في الواجهة

  رئيس الوزراء الجديد بوريس جونسون خلال جولة في مدينة برمينغهام شمال إنجلترا (رويترز)  

هل يصبح بوريس جونسون أول رئيس وزراء في التاريخ يخرّب وزارته بيده، أم أنه وضع في الحقيقة خطة ذكية (لم تتكشف بعد)؟ هذا ما آمله.

أظننا نستطيع بالمناسبة أن نتجاهل كل تلك الضجة التي أثارها شراؤه سرير كبير مقوّى على نفقة دافعي الضرائب كي يستخدمه في مقر رئاسة الوزراء. فكسوته هي كل ما يملك وهو في حاجة ماسّة إلى إيجاد مأوى في أحد المساكن الاجتماعية وسحب قرض  مستعجل يفكّ أزمته من وزارة العمل والتقاعد. سيكون قادراً على تسديد دفعات القرض من عائدات مذكّراته (التي ربما لن يطول الأمر قبل صدورها). كما أنّه صاحب جثة ضخمة ولا يليق بصحته ولا بمقامه أن ينام في المقعد الخلفي لسيارة تويوتا بريفيا، وسط أكوام مخالفات الوقوف الخاطئ وقناني النبيذ الفارغة.  

ما يقلقني أكثر من جونسون نفسه هو وزارته، إذ تكثر الشائعات والتسريبات المزعجة حول نية رئيس وزرائنا الجديد (على ما نفترض) تعيين وزراء ممّن عفا عليهم الزمن إلى جانب من يفتقرون إلى الخبرة، مما يؤهله بالتالي إلى منافسة برنامج تلفزيون الواقع "أنا شخصية شهيرة، فلتخرجوني من هنا". الموت وحده أنقذ المعلق جون ماك كيريك من الاستدعاء لتعيينه مكان وزير النقل كريس غرايلينغ.   

عندما سمعت مثلاً أنّ دايفيد ديفيس على وشك استلام وزارة من اثنتين: الخارجية أو المالية - إذ يبدو أن دايفيد يظن نفسه حراً في اختيار ما يستهويه أكثر- احترتُ وتساءلت لماذا يسعى جونسون إلى إيداع مركز وزاري مرموق كهذا بأيدي ذاك الأصلع الذي كان يدير اتحاد كرة القدم وعمل قبلها مذيعاً لفقرة الأخبار الرياضية في برنامج الأخبار "ميدلاندز توداي" على قناة الـ"بي بي سي"؟      

ثم أدركت طبعاً أنّ ديفيس المعني بالأمر ليس إلاّ كلب حراسة بريكست العزيز، والوزير السابق المكلف بملفّ الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، صاحب الإنجازات الجليّة في المداولات السابقة. فأصبحت عندئذ على شفير الهلع. لأن هذا الرجل هو نفسه الذي يشبّهه الأوروبيون بشخصية من المسلسل الهزلي "دادز آرمي" (جيش أبي)، وتحديداً شخصية العريف جونز الذي يصرخ "لا تذعروا"، فيما "يركض (أفراد فريقه) في كل مكان كالمعاتيه".

بعدها، يطالعنا جايكوب ريس-موغ، المرشح باستلام أرفع منصب في الخزانة. هذا الرجل نفسه الذي اعترف على الأقل من بين أشياء أخرى بأنّ الأمور ستصطلح بعد وقوع بريكست بنصف قرن تقريباً، أي عندما يصبح السيد ريس-موغ نفسه معمّراً (ويكون عندها اكتسب لقب بارون ريس-موغ من مقاطعة فوغيدوم)، فيصير في المكان والزمان المناسبين لذوقه في الملابس.

أمّا إيان دانكان سميث، "الرجل الهادئ" الذي برز في أول عقد من الألفية، فسيكون المنسق الحكومي وهو منصب يتطلب للمفارقة ألا يتكلم أبداً في مجلس العموم، لذلك سيلتزم صاحب مشاكل الحنجرة الشهيرة الصمت. وربما يحاول أن يهاجم  فيليب هاموند وجيشه من المتمردين الجدد ولكنه لا ريب سيخفق في ذلك الآن كما أخفق سابقاً عندما كان يتولى زعامة حزب المحافظين.   

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جهتها، ستتولّى بريتي باتيل، وزارة الداخلية، وهذا المنصب هو من الأكثر تطلباً في الحكومة. أذكر أنّ هذه السيدة كانت المسؤولة الإعلامية لويليام هايغ عندما كان زعيم المحافظين حتى اللحظة التي تبين فيها أنه لا أمل منه. وعندما اشتدت المصاعب، تركته. كما اضطُرت إلى الاستقالة من الحكومة عام 2017 لأنها كانت تقدم استشارات في مسائل الشؤون الخارجية في إسرائيل، وسعت حسب فهمي إلى تحويل ميزانية الإعانات البريطانية إلى جيش الدفاع الإسرائيلي، وهذا بحد ذاته تفكير راديكالي على أقل تعبير. كما تتهم بمحاولتها استغلال نقص الإمداد الغذائي في أيرلندا لإجبار دبلن على التنازل، والقبول باتفاق حول حدودها مع بريطانيا وهو أمر مستحيل منطقياً وليس سياسياً. ربما تشارك جونسون اعتقاده بأن كل الأيرلنديين يحملون اسم "ميرفي". وربما يظنون جميعاً أنّ الناس على المقلب الثاني من البحر الأيرلندي أغبياء بعض الشيء. ولكن الدلائل تثبت العكس.   

ربّما يحصل السير مايكل "خبّئوا بناتكم" فالون على وظيفة في الحكومة أيضاً من دون أن يُطالَب أولاً حتى بالخضوع لتدريب حول التحرش. ثم يأتي دور ساج (ساجد جافيد). تميل الكفة نحو ساجد جافيد أكثر من ديفيس لتولّي وزارة المالية وهذا يدعو إلى الارتياح. فهو فخور جداً بأنه ابن سائق باص باكستاني من بريستول وقد واجه عتاة العنصريين في ملاعب المدرسة كما يفعل اليوم مع دونالد ترمب، وهو ذكي أيضاً. لكنه في الوقت ذاته من مناصري مذهب آين راند، وهي فيلسوفة "رأسمالية متطرفة" من منتصف القرن العشرين همّشت دور الدولة ككيان واعتبرت أن الضرائب سرقة. وقد افتتن جافيد بهذه الفلسفة على ما يبدو، فراقبوه عن كثب.

ستكون حكومة بوريس حكومة بريكست - ولكن أيضاً حكومة بصبغة ثاتشرية لاذعة. كان بعض أفرادها مثل فالون وجونسون نفسه من مناصري نهج ثاتشر منذ ثمانينيات القرن الماضي. وشرح جونسون الذي عمل صحافياً خلال تلك المدة، لقاءه بها فقال "وقفت للمرة الأولى في حضرة مارغريت ثاتشر عندما مرت بجانبي مرتدية أحد أطقمها الشهيرة في قمة مدريد عام 1989. كانت جميلة وأحاطت بها هالة خاصة ولكنها كانت أيضاً غاضبة جداً. ربما تبدو جميلة عندما تغضب". كان جونسون ليحتاج بضعة كؤوس إضافية من النبيذ الإسباني فقط قبل أن يتحرش بالسيدة الحديدية على الأرجح.

لا تستهينوا بهوس هذه المجموعة العقائدي بثاتشر والثاتشرية.

سيحمل يوم الخميس معه في الواقع بداية ما نستطيع تسميته بالولاية الرابعة للسيدة ثاتشر، تلك التي لم يتسنّ لها الفوز بها بعدما أزاحها نواب حزبها عن موقع السلطة في تسعينيات القرن الماضي، فنتجه إذا نحو مزيد من خفض الضرائب والخصخصة وتحرير الاقتصاد ودولة أصغر حجماً وإضعاف لحقوق العمّال.  

أرجو لفت انتباهكم إلى انتماء الأعضاء الأصغر سناً من فريق بوريس بالكامل إلى نهج الثاتشرية الجديدة، إذ كتب كل من ليز ترس وكوازي كوارتينغ ودومينيك راب وتشيس سكيدمور وباتيل مجموعة من المقالات اليمينية المتطرفة عام 2012 نُشرت بعنوان "بريطانيا أنليشد". أضع أمامكم أحد المقاطع الأشهر من المجموعة كي تحكموا عليها بأنفسكم "نحن البريطانيين من أكسل الناس في العالم. فنحن نعمل أقل عددٍ من الساعات ونتقاعد باكراً وننتج القليل. وفيما يصبو الأطفال الهنود لأن يصبحوا أطباء أو رجال أعمال، ينحصر اهتمام أقرانهم في بريطانيا بكرة القدم وموسيقى البوب".

على الرغم من ذلك، أعتقد أنّ مساعي جونسون عبر تعيينه هؤلاء الحمقى خبيثة أكثر مما يظهر للعيان، فهو يحضّر بوليصة تأمين وحججاً سياسية، لأنه في حال فشلت استراتيجية بريكست، بل عندما تفشل، سيكونون في الواجهة.  

وإذا أصبح أمثال ستيف بايكر وزراء، فلن يستطيعوا أن يستشيطوا غضباً على شاشات التلفزة ويتحدثوا عن خيانة بريكست، لأنهم سيكونون قد ذهبوا بأنفسهم إلى بروكسل وخاضوا المناقشات وشهدوا بأنفسهم مدى التعنّت هناك. لا يسعهم أن يزعموا عندئذ أن الأمور كانت لتسير على ما يرام لو لم تكن السلطة بيد "حكومة البقاء في الاتحاد الأوروبي". لقد سبق لمجلس العموم أن رفض طلب التمديد وسيعتبر تنفيذ بريكست من دون اتفاق غير قانوني من جديد - ولن يستطيعوا الزعم بأن هذا لا يمكن أن يحصل في ظل تسلّم الحكم "زعيم حازم" وحكومة قوية ومتحدة مؤيدة لبريكست.

في هذه الحال، سيقدر جونسون أن يخاطبهم فيقول "حسناً يا جماعة، لقد بذلنا أقصى جهدنا. ولا نستطيع أن نستمر بتنفيذ بريكست من دون التوصل إلى اتفاق لأنه غير قانوني. ليس أمامنا سوى خياري الانتخابات أو الاستفتاء. لم تكن هذه رغبتي ولا رغبتكم ولكن علينا الآن أن نطرح الموضوع أمام الشعب. فإجراء الانتخابات يمثل مخاطرة بفوز كوربن، لذا لا نستطيع أن نجريها قبل تنفيذ بريكست. ومن أجل هذا الهدف، يجب أن يقول الشعب كلمته الأخيرة. إن تحلينا بالطاقة الإيجابية نستطيع أن ننقذ بريكست الذي نحب". 

بعد ذلك، سيقرعون على الطاولة وينتهي بريكست، فيكون جونسون قد أنقذ نفسه على الأقل من خيار غير حكيم اتخذه عام 2016.

هذا الأمل.

يا لدهاء بوريس، أليس كذلك؟

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء