Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تسريب المعلومات في أميركا بأسلوب جيم كاري وليس جيمس بوند

ربما يكون مفتاح كشف أهم الأسرار الأميركية الانضمام إلى مجموعة مراهقين في منتدى لتبادل الرسائل

كان جاك تيكسيرا يتباهى أمام أصدقائه على الإنترنت (إنستغرام)

ملخص

طريقة تعامل #الإدارة_الأميركية مع #مسرب_المعلومات #الاستخباراتية هزلي وغير مقبول.

قد تكون الحبكة شبيهة بروايات جون لو كاريه إذا كانت جماعة الجاسوس المحترف جورج سمايلي زمرة لاعبين محتارين يملأ حب الشباب وجوههم. أو حتى بروايات جيمس بوند، لو كان العميل 007 صبياً يكسو وجهه الزغب يطلب منه الساقي إثباتاً على بلوغه العمر القانوني كلما طلب شراب المارتيني.  

"خضه، لا تحركه".

"همم، ماذا لو أحضرت لك شراب التفاح بدلاً عنه يا بني؟"

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذا الأسبوع، كشف بأن آخر تسريب للمعلومات الاستخباراتية في الولايات المتحدة لم يكن من عمل جاسوس روسي ماكر سعى إلى إضعاف الولايات المتحدة ولا حتى شخص يحاول أن يكون فاعل خير، يأمل تسديد ضربة ضد اعتداءات الدولة العميقة الأميركية، بل كان جاك تيكسيرا الذي يبلغ من العمر 21 عاماً ويعمل خبيراً في تكنولوجيا المعلومات لدى الحرس الجوي الوطني في ماساتشوستس، هو من سرب الوثائق من أجل إثارة إعجاب زملائه، وهم نحو 20 شاباً مولعاً بالأسلحة وألعاب الفيديو في منتدى إلكتروني لتبادل الرسائل الفورية.

ويعري هذا الفشل الذريع عبثية وضع الأمن القومي في الولايات المتحدة، إذ تتمادى أنظمة بيروقراطية متشعبة ومتداخلة إلى أبعد الحدود من أجل التجسس على العالم والحفاظ على كنزها الدفين من الأسرار. أنفقت الولايات المتحدة العام الماضي 90 مليار دولار (72 مليار جنيه استرليني) على أقل تقدير على مختلف الهيئات التابعة لأجهزتها الاستخباراتية، تضاف إليها 10 مليارات دولار، أنفقت على مكتب التحقيقات الفيدرالي، ويتضمن المبلغ ميزانية لمكافحة التجسس. ويفوق هذا المبلغ كامل إجمالي الناتج المحلي لدولة صغيرة مثل لبنان.

لكن الشرخ الذي أحدثه في هذا البنيان قائد ثاغ شايكر سنترال (Thug Shaker Central)، مجموعة المراهقين والشباب الذين سموا أنفسهم تيمناً بحركة رقص فاضحة نوعاً ما، يبدد كثيراً من جو الغموض المحيط بـ18 منظمة تشكل مجتمعة هيئة الاستخبارات الأميركية.  

ويقول كولين بي كلارك، مدير الأبحاث في مجموعة صوفان، الشركة الخاصة التي تعمل في مجال تقييم المخاطر والاستشارات التي أسسها علي صوفان، عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي طارد أسامة بن لادن "أنا مصعوق فعلاً بأن شاباً فتياً رتبته متدنية في صفوف القوات الجوية لديه إمكانية الوصول إلى هذا النوع من الوثائق السرية التي تمكن من الاطلاع عليها. من غير الواضح بالنسبة إليّ لماذا يحتاج إلى إمكانية الاطلاع على وثائق تتحدث عن إرسال مصر الصواريخ إلى روسيا، أو ما كانت الولايات المتحدة تقوله للموساد. والأهم من ذلك، التفاصيل التكتيكية والعملية للحرب في أوكرانيا".

ومع أن الموضوع بأكمله يبدو كأنه خارج من فيلم تراجيديا كوميدية للأخوين كوين، يكتمل بمشهد الشاب الذي يعتقل من داخل منزل أمه، فهو يلمس مناحي مظلمة أكثر.

لم تكن دوافع تيكسيرا بعيدة عن السياسية تماماً، إذ يبدو أنه غاضب من الولايات المتحدة ومن "المؤسسة الحاكمة" ومن مفهوم "اليقظة" (المعني بقضايا العدالة الاجتماعية)، على نحو يشبه الأسلوب السام الذي يتبناه اليمين الأميركي المعاصر. وبالفعل، لقد اعتبره عملاء اليمين السياسيون مثل تاكر كارلسون بطلاً.

من المفترض بالأجهزة الاستخباراتية أن تكشف الأشخاص الشبيهين بتيكسيرا، من خلال سلسلة طويلة من الاختبارات والتحريات عن بيئته وخلفيته. ومع ذلك، نجح تيكسيرا بالحصول على تصريح أمني على رغم كونه مولعاً بالسلاح ويبث السموم العنصرية والمعادية للسامية على فيديوهات منشورة في الفضاء الإلكتروني.

ومن المرجح أن يكون تيكسيرا قد نجح في تفادي المراقبة والتدقيق لأن أفكاره وسلوكه يتناغمان مع مؤسسة الأمن القومي بشكل عام.

ويقول كلارك "الغريب في الحكومة الأميركية هو أن القوات العسكرية لن تألو جهداً في مطاردة إرهابي واحد موجود في ركن مظلم قصي من العالم، لكن عندما يكون الموضوع هو شاب عمره 21 عاماً يهوى ألعاب الفيديو ولديه قدرة على الوصول إلى أهم أسرار العالم، كل ما يتطلبه الأمر هو أن يتلقى تدريباً عن بعد لساعة واحدة سنوياً يعلمه كيف يجب أن يتعامل مع المعلومات المصنفة سرية".

وإمعاناً في إهانة مؤسسة الأمن القومي الأميركي، لم يكن من تقفى أثر تيكسيرا بسرعة خبراء من مكتب التحقيقات الفيدرالي متخصصين بمكافحة التجسس يرتدون نظارات شمسية من طراز الطيار (Aviator)، ولا محققين من البنتاغون يرتدون الزي الرسمي، بل المحققين والمراسلين في موقع بلينغ كات مفتوح المصدر، وغيره من المواقع الإخبارية.

ولم يجدوه باستخدام برنامج إلكتروني تجسسي يسمح باختراق معلومات الهواتف، بل عن طريق مطابقة شكل قماش الأثاث في صور السيلفي التي التقطها تيكسيرا، مع خلفية ظهرت في إحدى الصور المسربة للوثائق السرية. وبدلاً من أن يطبقوا ممارسة الإيهام بالإغراق على المتواطئين معه، صادق المراسلون الصحافيون زملاءه الوحيدين على الإنترنت وأقنعوهم بإفشاء القصة.

لا شك في أن الأسلوب المريع للأجهزة الاستخباراتية لم يعجب حلفاء الولايات المتحدة. وجاء في المقالة الافتتاحية لإحدى أكثر الصحف اليابانية انتشاراً، يوميوري شينبون "على الحكومة الأميركية أن تفكر بجدية وفي الوضع المريع الذي نتج عن إدارتها غير الملائمة للمعلومات السرية وأن تتخذ إجراءات لإصلاح الموضوع من دون تأخير".

وزيادة في الإحراج حول هذا الموضوع، ظلت الوثائق تنتقل على الإنترنت طيلة أسابيع قبل أن يدرك المسؤولون الأميركيون حتى إنها تسربت. وبسبب هذا التأخير، تسنى للعملاء المجرمين الذين يتداولون المعلومات الكاذبة أن يحرروا هذه التسريبات ويحولوها إلى سلاح أكبر.

على مر العقود، كبر حجم المؤسسة الاستخباراتية الأميركية وتفاقمت سريتها، كما تعجرفها. وطوال عقود، كانت جدران السرية تكبر وتنتصب بشكل متزايد أمام المراسلين الصحافيين والباحثين كلما حاولوا كشف تصرفات أميركا في الخارج. وأصبحت الحكومة مهووسة بالسرية، بحيث درج المسؤولون في كل أرجاء المؤسسة البيروقراطية على تصنيف أبحاثهم ومراسلاتهم "سرية" من أجل رفع درجة أهميتها ليس إلا.

وفي الواقع، على رغم كل هذه الضجة، قليلة جداً هي المعلومات المسربة التي تبدو خطرة جداً. صحيح أن المصادر والأساليب أمور حساسة لكن كثيراً من أسرار الدولة المفترضة التي كشفت عنها التسريبات لا تحمل أي جديد. وضع الحرب في أوكرانيا غير جيد؟ هذا لا يصدق! بدا أن جزءاً كبيراً من التسريبات لا يختلف كثيراً عن التقارير التي أصدرتها مراكز الأبحاث.

لقد تجاهلني مسؤولون سريون في الاستخبارات الأميركية وشبه العسكرية في كل أرجاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا طيلة أكثر من 20 عاماً. وهم يتجاهلون رسائلي الإلكترونية كذلك. ولا يردون على أي طلب أقدمه للحصول على إحاطة إعلامية. أما الطلبات التي أقدمها بموجب قانون حرية المعلومات، فيرفضونها. لقد طردوني في شمال شرقي سوريا عندما طلبت أن أتحدث مع عناصر الجيش الأميركي الذين يساعدون في شن الحرب على داعش. وتخلصوا مني في أفغانستان عندما طرقت باب مجمع أميركي خارج هرات وطلبت معلومات قليلة عما يجري في تلك الناحية من البلاد.  

"نحن لا نعطي معلومات"، هذا ما قاله لي الشاب الأميركي الذي كان يرتدي نظارات داكنة وقاد سيارته إلى مكاني ليخبرني بهذا. وأضاف "لا نعطيها لأنفسنا حتى".

ربما لا يكمن مفتاح كشف أهم الأسرار الأميركية في التخرج من الجامعة وحمل شهادة في الصحافة، والتواصل مع المصادر عبر الهواتف والطرق على الأبواب، بل في الانضمام إلى مجموعة مراهقين على منتدى للتراسل يتبادلون معلومات عن الأسلحة وألعاب الفيديو.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء