Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اعتقد سكورسيزي أنه حقق فيلماً كاثوليكياً مفعماً بالإيمان ولكن...

كان المخرج يعتقد أن حبه لشخصية السيد المسيح كاف لجعل الجمهور يتقبل فيلمه المقتبس من رواية كازانتزاكيس ففاجأه رد الفعل القاسي

مارتن سكورسيزي: الفيلم الخطأ وسوء التقدير (أ.ب)

ملخص

كان المخرج #مارتن_سكورسيزي يعتقد أن حبه لشخصية #السيد_المسيح كاف لجعل الجمهور يتقبل فيلمه المقتبس من رواية #كازانتزاكيس ففاجأه رد الفعل القاسي

لعل من أكثر الأمور في تاريخ السينما المعاصرة مدعاة للدهشة هو أن من بين أفلام المخرج الأميركي مارتن سكورسيزي جميعها، يبدو منسيا اليوم أكثر من أي فيلم آخر له، فيلم كان وضع فيه عندما حققه، كل آماله في أنه سيكون الفيلم الذي يقربه من العناية الإلهية ويدخله الخلود من أبوابه الواسعة. ونتحدث هنا بالطبع عن فيلمه "آخر محاولة لإغواء السيد المسيح" الذي حققه في عام 1986، صحيح أن كثراً من النقاد ومؤرخي السينما لا يزالون يتحدثون عن هذا بالفيلم بإيجابية ويجعلون له مكانة كبيرة ليس فقط في تاريخ مخرجه، بل كذلك في لائحة الأفلام السينمائية الأكثر جدية في دنوها من المسائل الدينية الشائكة، ويعقدون منذ حقق الممثل ميل غيبسون فيلمه "السطحي" عن "حياة وآلام السيد المسيح"، علما بأن الأنباء تحدثت أخيراً عن عزم غيبسون تحقيق جزء ثان من فيلمه!-، يعقدون مقارنات عديدة بين فيلم غيبسون وفيلم سكورسيزي فتكون بالطبع لصالح هذا الأخير، ولكن ما العمل والقرار هنا لـ"الجمهور العريض" لا للنقاد والسينمائيين النخبويين؟

سينمائي الإيمان الخالص

مهما يكن من أمر قد لا يكون من المبالغة القول إن المخرج الأميركي سكورسيزي الايطالي الأصل، يعد من أكثر مخرجي السينما الأميركية الحديثة تعلقاً بروح الدين المسيحي، وبشخصية السيد المسيح بصورة خاصة، لا سيما بالمفاهيم الكاثوليكية الصارمة حول مسائل مثل الخير والشر والخطيئة والغفران وطلب التوبة. وقراءة معمقة تحليلية وواعية لبعض أهم أفلامه من "سائق التاكسي" إلى "الثور الهائج" و"بعد ساعات العمل"، كافية للتأكيد على هذا، من هنا كان سكورسيزي في مقدمة الذين أدهشتهم الحملة العنيفة التي واجهت عرض فيلمه المأخوذ عن رواية معروفة ومتداولة للكاتب اليوناني الكبير كازانتزاكيس (صاحب "زوربا" و"تقرير إلى الغريكو"). فالمخرج الأميركي حين حقق فيلمه أواخر سنوات الثمانين، كان يعتقد أنه إنما حقق فيلماً كاثوليكياً مفعماً بالإيمان، لن تشوبه في عيون الرأي العام المسيحي شائبة، وكان ما يعزز هذه القناعة لديه أن أفلامه السابقة كانت استقبلت بشكل جيد لدى الرأي العام الكاثوليكي والهيئات الكاثوليكية، وأن النقاد عرفوا بشكل عام كيف يقرأونها ويقرأون كاثوليكيتها. طبعاً كان سكورسيزي يعرف أن الرواية حين نشرت كعمل أدبي، كانت استقبلت بشيء من التحفظ والقلق، لكنه كان يعزو ذلك إلى يسارية كاتبها التي جعلته مشكوكاً فيه وفي أفكاره، حتى وهو يعلن نوعاً من العودة إلى الايمان (الشخصي طبعاً) في تلك الرواية.

تاريخه الخاص ضمانته

إذا لم يكن سكورسيزي يجهل كل تلك الظروف لكنه كان يعتقد كما يبدو أن تاريخه الإيماني وتناوله الإنساني والمحب في تحليل شخصية السيد المسيح، يكفيان كضمانة لكي يكون الفيلم في نهاية الأمر مقبولاً من جمهور لا بأس به وحاملاً من ناحية أساسية نوعاً من وصية فكرية إيمانية حول الدين تضاهي في رأيه وكما سوف يقول لنا مفسراً خلال "درس سينمائي" ألقاه بعد سنوات في مهرجان مراكش السينمائي، "ما حققه المخرج الإيطالي بيار باولو بازوليني من خلال فيلم إيماني كبير هو "الإنجيل بحسب القديس متى"، يعطي صورة مفاجئة وإنسانية للسيد المسيح كمقاتل شرس في سبيل الإنسان والخير. وكان سكورسيزي يتوقع، كما أضاف، أن فيلمه سيحظى بدوره بمكانة توازي حجم إيمانه الحقيقي الذي كان وكما قال حرفياً "أعمق كثيراً على أية حال من إيمان بازوليني". لكن حساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر بالنسبة إلى المخرج الكبير بحيث أن هذا الفيلم سيشكل واحدة من أكبر خيبات حياته ليس فقط بسبب ما حدث للفيلم كما سنرى بعد سطور، بل لأنه من ناحية كشف له أنه أساء التقدير وأخطأ في حساباته هو الذي لم يكن من عاداته أن يخطئ على تلك الشاكلة، ومن ناحية ثانية وكما قال أيضاً حرفياً "لأن ثقتي كانت أكبر مما يجب أن تكون في الوعي العام للجمهور العريض عند نهايات القرن العشرين الذي كثيراً ما اعتقدناه وتعاملنا معه على أنه عصر العقلانية والإنسانية والأفكار الكبيرة!".

قنابل حارقة وعنف

إذاً كانت مفاجأة سكورسيزي كبيرة حين عرض فيلمه في أوروبا، على رغم أن الولايات المتحدة كانت خصت الفيلم أيضاً بكثير من الامتعاض، وبفورة أبدتها الهيئات الكاثوليكية، لكنه كان امتعاضاً محدوداً وربما انحصر في بيانات استنكار وسحب الفيلم من العرض في بعض الصالات القليلة في ولايات اليمين المتطرف والمحافظ في مناطق وسط أميركا، لكن الفيلم كانت له نجاحات وردود فعل لا بأس بها في نيويورك والولايات الشرقية عموماً كما في كاليفورنيا، ولقد وصلت الأمور إلى ذروتها آخر أشهر عام 1988، في باريس خصوصاً، إذ كان الفيلم يعرض منذ أيام وسط صخب وضجيج كبيرين، ففي ذلك الحين تحول الاحتجاج السلمي والصامت الذي كانت قد بادرت إلى إعلانه جمعيات كاثوليكية عديدة وذات نفوذ، إلى العديد من المظاهر التي ترهص بارتفاع منسوب الغضب وبأنه قد يتحول إلى حراكات أكثر عنفاً، وهو ما حدث، إذ ألقيت قنابل حارقة على صالة السينما في حي "سان ميشال" حيث كان الفيلم يعرض، ما أدى إلى تسمم 13 شخصاً بالغازات التي نجمت من الانفجار.

... وبات الأمر جديا

عند ذلك تبين أن الأمور صارت أكثر جدية مما كان يُعتقد وأن مناوئي الفيلم مستعدون للذهاب بعيداً، وهنا لا بد من أن نذكر أن تلك الآونة كانت هي التي شهدت الضجيج الأكبر وحالات الغضب الصاخب في أنحاء كثيرة من العالم، ضد نشر رواية "الآيات الشيطانية" للكاتب الهندي/ البريطاني سلمان رشدي، إذ وصل الأمر كما نعرف إلى اصدار الإمام الخميني، الزعيم الروحي للثورة الإيرانية، فتوى تحض على قتل رشدي بسبب إساءته للإسلام ولنبي الإسلام (ص) في روايته المذكورة، وهي تلك الفتوى التي ظلت جاثمة على صدر هذا الكاتب طوال سنوات حتى التوصل إلى "تسوية" ستبدو اليوم مضحكة "تعفو بموجبها السلطات الإيرانية عن رشدي"، وذلك بفعل صفقة سياسية كشفت أن "الفتوى" الخمينية إنما كانت أقرب إلى الابتزاز السياسي، لكن هذه حكاية أخرى ليس هنا مجال الخوض فيها وحتى ولو فرضت نفسها إشارة لا بد منها إلى أن العمل الروائي في الحالتين سيكون لاحقاً الرابح الأكبر، فكما أن الفتوى الخمينية أدت إلى جعل "الآيات الشيطانية واحداً من أكثر الكتب مبيعاً بشتى اللغات التي صدر مترجماً إليها، كذلك فإن ما تعرض له فيلم سكورسيزي سيجعل من رواية كازانتزاكيس التي كانت مغمورة إلى حد كبير طوال عقود تلت رحيل كاتبها (1883 – 1957)، فأعيد إصدار طبعات جديدة منها لتباع بمئات ألوف النسخ!.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لم يدع أحد لقتله!

ونعود هنا إلى الفيلم وحكايته فالحقيقة أن كبار رجال الدين المسيحيين لم يقلوا عن المتحركين ضد سلمان رشدي، في رد فعلهم إزاء فيلم سكورسيزي الذي اعتبروا موضوعه "مهيناً لشخصية السيد المسيح"، إذ صوره إنساناً تمتلئ روحه ذات لحظة بالشكوك، ويغويه الجسد، وإن لم يصل أي منهم إلى ما وصل إليه الأمر ضد رشدي، ففي فرنسا مثلاً، أدان المونسنيور لوستوجيه والمونسنيور ديكورتراي الفيلم وأيدا منع عرضه، وحذا حذوهما في ذلك كثير من رجال الكنيسة الكبار، ولكن من دون أن يدعو أحد، بالطبع، إلى قتل سكورسيزي أو نبش قبر كازانتزاكيس! ولقد تعددت التظاهرات وتحركات الاحتجاج من دون أن يؤدي ذلك إلى منع رسمي، لكن الذي حدث هو أن الجمهور استنكف عن ارتياد الصالات التي تعرض الفيلم، خوفاً من القنابل الحارقة وأحداث الشغب الممكنة داخل الصالات وعند مداخلها، وكان هذا نوعاً من "الحكم بالإعدام" على فيلم كان يخيل لمخرجه أنه الأكثر تعبيراً عن كاثوليكيته وعن حبه للسيد المسيح! ولنذكر في هذه المناسبة أن عنف الاحتجاج الديني – الاجتماعي، في فرنسا في ذلك الحين لم يطاول فيلم سكورسيزي وحده، بل طاول أيضاً أعمالاً عدة منها على سبيل المثال فيلم "قضية نساء" لكلود شابرول الذي احتج المتطرفون الكاثوليك على كونه يعالج، بكل حرية، قضية قابلة تجهض النساء جرى قطع رقبتها أيام حكومة فيشي النازية في فرنسا، وهنا كان الاحتجاج أعنف إذ أدى في إحدى الصالات إلى مقتل متفرج بعد أن ألقيت قنبلة مسيلة للدموع في صالة تعرض الفيلم.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة