Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الروبوت يدخل مملكة الخيال

يشتهر الروبوت وأجهزة الذكاء الاصطناعي بالصرامة لدى تنفيذ الأوامر المثبتة في برامجها ولكن ماذا لو تغيّرت تلك الصورة جذريّاً وصار للروبوت خيالاً يحرّك ذكاءه؟

هل يحلق الروبوت بخياله فوق الغيوم كالبشر؟

حتى في فيلم الخيال العلمي Her ليواكيم فوينكس، بل في غالب أفلام الخيال العلمي، لم يصل التصوّر إلى نقطة ظهور روبوت يمتلك القدرة على التخيّل. وفي المقابل، ثمة فكرة رائجة مفادها أن الخيال هو ملكة حصرية للذكاء البشري، ويعطيه المقدرة على تصوّر ما ليس موجوداً، ولا تتوافر معطيات مباشرة عنه، لكن يجري تصوّره في الفكر باستخدام نوع من البداهة أو الحدس. 

هناك أيضاً فكرة رائجة يعرفها المختصون والمهتمون بالذكاء الاصطناعي تفيد القدرة على التخيّل واستنباط ما ليس موجوداً، هو من القفزات النوعيّة الأساسيّة التي ينبغي إنجازها كي يقترب الذكاء الاصطناعي من الذكاء البشري. وربما يمهد ذلك أيضاً لتفوق الآلات الذكية على البشر، خصوصاً أن تلك الآلات تقدر على ابتلاع وتحليل سيول من البيانات والمعلومات، وتتفوق بوضوح على الذكاء البشري.

إذاً، ليست مسألة تزويد الروبوت "الخيال" شيئاً هيّناً، ولا هو مجرّد خطوة تراكميّة، بل نقلة نوعيّة عميقة في مسار الذكاء الاصطناعي. ولا بدّ من تذكّر ذلك عند قراءة ما أعلنه فريق علمي أميركي في "جامعة كاليفورنيا" أخيراً، بشأن توصله إلى تضمين الخيال في عمل الروبوت.

الفريق الذي يقوده البروفسور ميغويل لازارو غرِديلا، وهو من كبار المختصين بالذكاء الاصطناعي، ركّز عمله تحديداً على تمكين الروبوت من التوصل تلقائيا إلى تصوّر "مفاهيم" ليست مُدرجة في البيانات المخزّنة في ذاكرتها، ولا توجد عنها أوامر أو شيفرات أو معادلات رياضيّة في البرامج والخوارزميات التي تحرّك تلك الروبوتات. ولم يحصل ذلك الأمر سابقاً، وهذا ما يجعل عمل ذلك الفريق اختراقاً علمياً فعليّاً.

لأخذ فكرة عن أهمية الموضوع، يمكن العودة الى آخر مباراة في الشطرنج بين البطل الأسطوري غاري كاسباروف والكومبيوتر "ديب بلو". في جولة حاسمة، أجرى الكومبيوتر نقلة صعبة، ثم تراجع عنها في الخطوة  التالية. واستفز الأمر كاسباروف الذي اعتبر أن الكومبيوتر آلة تعمل عبر الحسابات الرياضية  الدقيقة ولا تملك القدرة على المناورة، وهو ما نفّذه "ديب بلو" في النقلة والتراجع عنها. واحتج البطل بأن هناك ذكاءً بشرياً يتدخّل في مباراته مع الكومبيوتر. ولكن، ثبت أن "ديب بلو" أنجز تلك المناورة بنفسه. إذاً، الفكرة  السائدة عموماً هي أن للآلات حسابات رياضيّة دقيقة، وأما الخيال وتصوّر ما ليس موجوداً واستنباط "أفكار" من معطيات مختلفة عن الحساب والمعادلات، فهي أمور من شأن البشر وحدهم.

الأفكار والمفاهيم المجردة

ويشدّد فريق البروفسور غرديلا على أنه استطاع الوصول بالذكاء الاصطناعي إلى تجاوز ذلك المستوى. وتحديداً، تعلّق عمل الفريق بالقدرة على تركيب قطع أثاث منزلي وفق مخطط مرسوم في صور متوالية. يصح القول أن الصور تبيّن طريقة التركيب، لكن الانتقال من مرحلة إلى مرحلة، يقتضي استخدام الخيال. مثلاً، إذا أظهرت صورة وجود أخشاب بأشكال محفورة بطريقة معينة، تليها مباشرة صورة تظهر الأخشاب وقد استقرت في فراغات تتناسب مع تلك الأشكال، يستخدم البشر خيالهم في تصور طريقة الانتقال من  الوضع المبين في الصورة الأولى إلى ما تكون عليه الأخشاب في الصورة الثانية. ويمارس البشر ذلك الأمر بصورة بدهية وتلقائيّة، لكن الروبوتات تحتاج إلى برامج وخوارزميات كي  ترشدها أثناء عملية الانتقال من قراءة الصورة الأولى إلى التركيب المُبيّن في الصورة الثانية. بقول آخر، لا يحتاج البشر إلى برنامج كي يرشدهم إلى وضع الأخشاب في الفراغات المناسبة لها، وهم يفعلون ذلك بأنفسهم واستناداً إلى ذكائهم وخيالهم.

واستطاع علماء "جامعة كاليفورنيا" أن "يدرّبوا" الروبوت على تخيّل عملية الانتقال من وضع إلى آخر، من دون أن تكون عملية الانتقال مكتوبة في البرامج والخوارزميات المثبّتة فيه!

ويمكن صوغ ذلك الأمر بطريقة أكثر عمقاً. إذ يتمكّن البشر عند مطالعة صور معيّنة من الحصول على مفاهيم عقلية مجردة، ثم يضعونها قيد الاستخدام. ووفق الفريق العلمي لـ"جامعة كاليفورنيا"، وصل الذكاء الاصطناعي الذي صنعوه إلى مرحلة يستطيع فيها الحصول على مفاهيم عقلية مجردة، ووضعها موضع التطبيق فعلياً.

الأرجح أن ما أنجزه الفريق العلمي للبروفسور غرديلا هو قفزة نوعيّة لمصلحة الذكاء الاصطناعي للروبوت، لكن هل يمثّل شيئاً إيجابيّاً لمصلحة الذكاء البشري أيضاً؟ الأرجح أن ذلك أمر يحتاج الى نقاش مطوّل.

المزيد من علوم