Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الدراما الجزائرية تشغل الشاشات وتشعل الجدل

التنافس بين المسلسلات مشهد صحي لكن هناك نوعاً من التحريض

مسلسل "بنت البلاد" تتمحور أحداثه في إطار اجتماعي درامي وترفيهي (مواقع التواصل)

ملخص

تسببت في اندلاع "#معارك" ثقافية ودينية ومجتمعية وسياسية كانت مواقع التواصل الاجتماعي أولى ساحاتها لتنتقل إلى الشارع والإعلام والمسجد والبرلمان. فهل تهدأ #الدراما_الجزائرية أم تواصل مغامرتها؟

تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات الجرائد والقنوات الفضائية، مع كل رمضان، بسبب البرامج التي يتم تقديمها للمشاهدين، وعلى عكس المرات السابقة حين كانت "الكاميرا الخفية" تثير كثيراً من اللغط جاء الدور هذه السنة على الدراما التي ملأت التلفزيون العمومي والخاص، وبين مرحب ومنتقد احتدم "الصراع" بين الجزائريين.

 

هدوء درامي سنوي وانتعاش رمضاني

وفي حين تعرف أيام السنة هدوءاً "درامياً" في الجزائر بسبب ضعف الإنتاج كماً ونوعاً، بات التنافس بين الأعمال الدرامية يتصاعد مع قدوم شهر الصيام، مخلفاً وراءه جدلاً ولغطاً ونقاشات أحيت المشهد الثقافي والفني في البلاد، ولعل شح الساحة الفنية الثقافية خلال باقي الأشهر جعل العائلات الجزائرية تولي اهتماماً بالغاً بما تجود به مختلف القنوات الفضائية المحلية.

وجاء إنتاج رمضان 2023 وفيراً لا سيما أن التلفزيون الحكومي دخل على الخط بقوة على غير العادة، وحققت شبكته البرامجية التي حملت عنوان "رمضان معانا لمة وفرجة" نسبة 99 في المئة من الإنتاج المحلي بحجم 10 ساعات بث، وأوضح، في بيان، أن الباقة البرامجية الثرية بتنوعها الدرامي والفكاهي والترفيهي من مسلسلات، و"سيت كوم" وكاميرا خفية ومسابقات وبرامج دينية وترفيه وطبخ وأخرى تحمل بعداً ثقافياً واجتماعياً ثرياً وجودة ومتعة بنكهة جزائرية أصيلة، تحاكي الواقع وتقتبس معالمها من الهوية الجزائرية مع مراعاة الأبعاد الروحية لهذه المناسبة الدينية.

وسارت باقي القنوات الخاصة على خط العمومية نفسه، وراحت كل قناة تعرض برامجها الرمضانية وهي تمدح الإنتاج الذي سيبث، وأجمعت على أن الباقات كلها تراعي مشاعر العائلات وتلتزم التقاليد وتتمسك بالهوية الجزائرية.

"معارك" ثقافية ودينية وسياسية

لكن وبعد ثلاثة أيام من بداية شهر رمضان اندلعت "معارك" ثقافية ودينية ومجتمعية وحتى سياسية، وكانت مواقع التواصل الاجتماعي أولى ساحاتها لتنتقل إلى الشارع والإعلام والمسجد والبرلمان، وتسقط بذلك كل بيانات الترويج التي سارعت مختلف القنوات إلى عرضها على العائلات لجلب المتابعين ورفع نسب المشاهدة، وأثارت أعمال درامية مثل "الدامة" و"البطحة" و"حداش حداش" نقاشات حادة بسبب المحتوى والمشاهد واللغة المتداولة.

ووصل الجدل إلى قبة البرلمان، بعد أن وجه النائب عبدالله عماري أسئلة شفوية إلى وزير الاتصال محمد بوسليماني حول ما تبثه بعض القنوات من مسلسلات "تشجع الرذيلة وتعاطي المخدرات والمهلوسات"، مشيراً إلى أن أفلام الفكاهة تحولت إلى تهريج، وأصبح أفراد الأسرة مجتمعين يشاهدون مسلسلاً جزائرياً وكأنهم في سوق أسبوعية.

وجاء الرد من وزير الاتصال أن سلطة ضبط السمعي - البصري قامت بدعوة مهنيي القطاع إلى ضبط برامجهم مع احترام خصوصيات شهر رمضان، وعدم الانزلاق وراء الربح المادي، مؤكداً أن مصالح وزارته سحبت الاعتماد من قنوات تلفزيونية خاصة، وكلفت الجهات المتخصصة بتنفيذ قرار الوقف الفوري والنهائي أو الموقت لهذه القنوات، مع استدعاء مسؤولي القنوات المعنية بوقف بث أجزاء أو مسلسلات بكاملها، وتوجيه تحذيرات وإنذارات لكل مؤسسة إعلامية لا تحترم أخلاق المجتمع واتخاذ إجراءات ردعية في حال إخلال قنوات تلفزيونية بالتزاماتها.

بين الانتقاد والتشجيع

مسلسل "الدامة" من الدراما الاجتماعية، والذي يعرض على التلفزيون الحكومي، أخذ نصيباً من الانتقادات الشعبية والدينية مقابل تشجيع النخب الثقافية والفنية، فالرافضون له يرون أنه "لا يتماشى مع القيم والمعايير الأسرية"، من خلال تناوله مشكلات غير أخلاقية لا تليق بقيم المجتمع كمتاجرة بنت محجبة بالمخدرات والمهلوسات، والتركيز الواضح على قضايا العنف والحرب بين عصابات الأحياء وانحراف القاصرين واستغلال الأطفال في الجريمة وغيرها، كما تمت الإشارة إلى اعتماده لغة حوار "سوقية وعنيفة"، فيما يقول مؤيدوه إنه "يصور جزءاً من الواقع".

ويسلط المسلسل الذي حصدت حلقته الأولى مليوني مشاهدة الضوء على جزء مما يدور في الأحياء الشعبية للجزائر العاصمة، وتفاصيل صراع الأيديولوجيات من أجل الكسب، كما يعالج قضايا الجريمة وترويج المخدرات، ويعكس محتواه قصة عائلة جزائرية بسيطة تسكن في حي "باب الواد" الشعبي بالجزائر العاصمة، تكافح من أجل لقمة حلال في ظل الإغراءات التي تصادفها يومياً لتحسين مستواها المعيشي بطرق مشبوهة.

مسلسلات تحقق ملايين المشاهدات؟

المسلسل الثاني بعنوان "حارة الشهداء"، وهو سلسلة درامية اجتماعية ترتبط أحداثها بحارة الشهداء التي سقط كثيرون من سكانها شهداء حرب التحرير، ويندلع الصراع بين مالك الحارة ومستثمر فاسد أخلاقياً، أما الآخر فهو باللغة الأمازيغية وحمل عنوان "آسيف نتزيزوا" الذي يروي قصة "باية" التي تفارق ابنتيها التوأمين بعد مغادرة الوالد "مقران" على قارب هجرة غير شرعية، لتعيد الزواج من "سالم"، وتظل تبحث عن البنتين "روزا" و"حكيمة" إلى أن تجتمع بهما.

ومسلسل "بنت البلاد" الذي تتمحور أحداثه في إطار اجتماعي درامي وترفيهي، يتناول عديداً من المشكلات التي يعانيها المجتمع الجزائري، ويتم تصوير المسلسل على أساس أحداث حياة أسرة تتكون من مجموعة من الأفراد، وكل فرد لديه حياة مليئة بالمشكلات وبعض الأفراح، وتحمل أحداثه كثيراً من مشاعر الحب والحلم إلى الغيرة والخيانة والانتقام والظلم والثأر والأنانية، وقد حقق مشاهدات قياسية خلال ساعات فقط من طرحه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والعمل الفكاهي "دار لفشوش" الذي حققت حلقته الأولى نحو مليون ونصف المليون مشاهدة، بفارق بسيط عن مسلسل "بنت البلاد"، تدور قصته حول عائلة أرستقراطية تعيش حياة الرفاهية، إلى أن تجبر على ضم فرد جديد إليها وهو ابن العم، وذلك بأمر من الأب الذي يحتضر، فتجد هذه العائلة البورجوازية صعوبة في تقبل الوافد الجديد إليها بسبب الاختلاف الطبقي والثقافي.

وجاءت سلسلة "أخو البنات" التي حققت الحلقة الأولى منه مليوناً و200 ألف مشاهدة لتحتفي بالتراث الجزائري عموماً، من اللهجة والمطبخ إلى الإرث الفني والموسيقي والسياحة، وهو العمل الدرامي الكوميدي الذي يتناول قصة أخ لديه أختان ترفضان الزواج، ومن خلال الأحداث تناقش الحلقات عدداً من القضايا الاجتماعية بشكل ساخر مثل أزمة المياه وسلطة الأخ ومشكلات الغربة والحنين إلى الوطن.

و"البطحة" مسلسل كوميدي اجتماعي يركز على عصابات الأحياء والمتاجرة بالمهلوسات والمخدرات، وكذلك الفوارق الاجتماعية داخل المجتمع الجزائري، لكن كل ذلك بشكل ساخر هزلي، في حين تتحدث الدراما "حداش حداش" عن الغيرة والانتقام وحياة الرفاهية.

فلسفة معاداة الانتماء العربي

ورأى الحقوقي عابد نعمان أنه من الناحية الفنية يمكن القول إن الأعمال الرمضانية نابعة من دراما الأحياء الشعبية التي سبقتنا فيها مصر وتونس والمغرب إلى حد ما، ولكن ببصمة خاصة وهي كسر التابوهات، وهو سر ارتفاع عدد المشاهدين، لأنهم ضحايا حب الاستطلاع والفضول لمعرفة خبايا تلك المواضيع التي تترك تساؤلات حول ما يدور بين الأحياء المظلمة في المدن الكبرى، موضحاً بخصوص الناحية الأدبية والأخلاقية أنه تم إدخال خفايا تلك الأحياء التي تعتبر فضاءات معزولة إلى 30 مليون بيت، وكأنها عملية فك العزلة عنها على حساب المجتمع، وهذا في "نظرنا مغامرة خطرة لها آثار وخيمة على ذهنية المشاهد نظراً إلى المحاكات اللغوية والانفعالية والحركية".

وتابع نعمان أنه نوع من أنواع التحريض غير المباشر على التعايش مع واقع كنوع من أنواع التطبيع، ويصبح السيئ مقبولاً بسوئه في المجتمع من دون أي تدابير لحماية القيم، وهذا تكريس للحرية الشخصية المطلقة بالتالي القضاء على القيم الأخلاقية، مبرزاً في ما تعلق بعدم انتشار المسلسلات الرمضانية الجزائرية في القطر العربي أن الملاحظ هناك ما يعرف بشيفرة الأداء اللغوي، فكل النصوص بلغة دارجة عميقة مقصودة نابعة من فلسفة القائمين على السيناريو وكاتبي النص، وهي فلسفة معادية للانتماء العربي. وقال "إنهم تعمدوا كتابة النصوص بعيداً من اللغة العربية، بالتالي مسألة عدم الانتشار مسألة مقصودة تماماً".

مشهد صحي

في المقابل، اعتبر الكاتب الصحافي حكيم مسعودي أن التنافس بين الأعمال الفنية هو مشهد صحي يعبر عن وجود تحفيز لدى المبدعين، من منتجين ومخرجين وكتاب سيناريو، وهذا الجدل يعبر عن انخراط الجمهور في التفاعل مع الإنتاج الفني، ومنه يتبلور رأي عام حقيقي يعبر عن توجهاته، مما يعني أن الجزائريين ليسوا مجرد "جمهور سلبي" يهضم كل ما يقدم له، وإنما يمتلك الذهنية الناقدة في المشاهدة ويحكم على الأعمال من حيث المضمون والمستوى الإبداعي وحتى الفني، مضيفاً أن التنافس يعبر أيضاً عن تقارب مستوى الأعمال الفنية، و"لنكون أكثر وضوحاً، فإن كل الأعمال تنافست على الاقتراب من الجمهور من خلال محاولتها بلوغ المحاكاة التامة والصريحة للواقع الاجتماعي للجزائريين بجرأة غير معهودة، جادة أحياناً وهزلية أحياناً أخرى".

ورأى مسعودي بخصوص ضعف انتشار المسلسلات الجزائرية عربياً أن الأمر بجب أن يخضع لدراسة جادة من قبل المتخصصين، موضحاً أنه يمكن رصد بعض الأسباب من بعيد على غرار تركيز المنتجين على استقطاب المشاهد الجزائري، كما أن التسويق في المشرق والخليج تتحكم فيه أطراف لا تهتم بالمنتج المغاربي عموماً وليس الجزائري فقط، وذلك على رغم التراجع الكبير للدراما المشرقية التي أفسحت المجال للدراما المدبلجة لا سيما منها التركية.

المزيد من ثقافة