Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أوكرانيا الرشيقة وروسيا المتعثرة

آفاق التكيف العسكري وحدوده

جندي أوكراني يحمل صاروخاً مضاداً للدبابات على مقربة من كريمينا، بأوكرانيا في مارس 2023 (رويترز)

ملخص

على امتداد أكثر من 13 شهراً من الحرب ضد #الجيش_الروسي برزت لدى #الجيش_الأوكراني على الدوام ميزة واحدة على وجه الخصوص وهي قدرته على التكيف مع مجريات الحرب

على امتداد أكثر من 13 شهراً من الحرب ضد أحد أكبر جيوش العالم، برزت لدى الجيش الأوكراني على الدوام ميزة واحدة على وجه الخصوص، وهي قدرته على التكيف مع مجريات الحرب. فأوكرانيا نجحت مراراً وتكراراً في الاستجابة بيسر وسهولة للتغيرات في حركية ميدان المعركة، وتمكنت من استغلال التكنولوجيات الناشئة للاستفادة من أخطاء روسيا. وعلى رغم خبرة الجنود الأوكرانيين المحدودة في تكنولوجيا الأسلحة المتقدمة، سرعان ما طوروا مهاراتهم، وانتقلوا من استخدام أنظمة إطلاق الصواريخ القريبة المدى "غافلين" و"ستينغر"، إلى "أنظمة صواريخ المدفعية عالية الحركة" (هيمارس)  (HIMARS) التي استعانوا بها لقصف مراكز القيادة والأصول اللوجستية ومستودعات الذخائر الروسية.

كما قامت القوات الأوكرانية بنشر مسيرات عسكرية وتجارية بطرق أكثر ابتكاراً وإبداعاً. ومع أنها ليست الحرب الأولى التي تتوالى أحداثها على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن الأوكرانيين كانوا قدوة للعالم في مجال الاستخدام الفاعل للمعلومات في العصر الرقمي. هذه هي سيرة التكيف التقني والتكتيكي للقوات الأوكرانية، سيرة لا تزال تمنح جيش البلاد شعوراً بالاندفاع والحماسة، وإن كانت الخطوط الأمامية بمعظمها تختبر جموداً منذ أشهر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على النقيض من ذلك، لم تظهر القوات الروسية إلا انفتاحاً محدوداً على التكتيكات أو التكنولوجيات الجديدة. فالجيش الروسي الذي تكبله قيادة رديئة ومعنويات مريعة كان بطيئاً في استعادة معنوياته في أعقاب فشله الذريع في الاستيلاء على كييف في فبراير (شباط) 2022، كما واجه صعوبات في تعديل استراتيجيته أو التعلم من أخطائه، مع أنه أظهر مهارة كبيرة عند نشر قواته شرق أوكرانيا عام 2014، وفي سوريا ابتداء من عام 2015.

أما في الحرب الراهنة، ومع أن القادة العسكريين الروس قاموا ببعض التعديلات للتخفيف من المشكلات اللوجستية وتحسين مستويات التنسيق ميدانياً، لا تزال استراتيجية الكرملين الأساسية تعتمد إلى حد كبير على إرسال كم متزايد من العديد والعتاد للتصدي للعدو - في مقاربة تثقل الكاهل وتنطوي على تكاليف عالية، من دون أن توحي بالثقة. حتى أن عدداً من المراقبين الغربيين طرحوا سيناريوهات محتملة مريعة فعلاً، من بينها فشل الحملة العسكرية الروسية المتوقعة في الربيع، أو عصيان واسع النطاق في أوساط الجيش، أو حتى انهيار نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

باختصار، يعتمد العنصر الحيوي لتحديد مسار الحرب على مدى قدرة كل طرف على التكيف. بالنسبة إلى المحللين في الغرب، تقدم رشاقة التكتيكات التي تتبعها أوكرانيا توقعات بالغة الأهمية حول الصراع، بما في ذلك إمكانية تحفيزها لتحولات الحرب مستقبلاً. لكن في ظل الصعوبة المتزايدة على الخطوط الأمامية، لا بد أيضاً من أخذ حدود التكيف الممكن في الاعتبار. بالنسبة إلى حلفاء أوكرانيا، سيكون من الأهمية بمكان فهم الطرق المحددة التي ساهمت بها هذه العملية في نجاح أوكرانيا الملفت، ولكن أيضاً لتخفيف التوقعات حول ما يمكن أن تحققه في الأشهر المقبلة.

حرفيو التغيير السريع في كييف

قدرة أوكرانيا على التكيف أثارت الدهشة إذا ما أخذنا في الاعتبار تاريخها الحديث. فجيش البلاد المفتقر إلى التمويل والتدريب، والرازح تحت وطأة الفساد، عجز عن دحض الانفصاليين المدعومين من الروس في دونباس عام 2014. وكذلك، تعذر عليه استعادة الأراضي التي كان قد خسرها. بيد أنه خضع منذ ذلك الحين لإصلاحات كبيرة، وإن لم تكن كاملة، لإضفاء الطابع الاحترافي على قواته وتحديث تجهيزاته العسكرية. وأعطت هذه الجهود ثمارها عام 2022. فمع أن القيادة الأوكرانية شككت في المعلومات الاستخبارية القادمة من الولايات المتحدة وغيرها من الشركاء الدوليين التي أشارت إلى أن روسيا كانت تخطط لشن هجوم على كييف، وضع الجيش الأوكراني خطة طوارئ خلال الأشهر السابقة للاجتياح.

وعلى رغم حجم المفاجأة من نطاق الهجوم، سرعان ما استعادت القوات الأوكرانية توازنها جراء حملة "الصدمة والرعب" التي حاولت روسيا شنها. وعندما انتقلت روسيا بالحرب إلى دونباس في أبريل (نيسان) من العام الماضي، حيث بدا أن طبيعة الأراضي السهلية وقصر خطوط الإمدادات يفيدان مصلحة روسيا، بدأت القوات الأوكرانية تتطور، وتحولت عن التكتيكات غير المتكافئة المعتمدة على الأساليب التمردية، التي أسعفتها في دفاعها عن العاصمة كييف، لتنتقل إلى تكتيكات أكثر تناسباً مع خوض حرب تقليدية شاملة. وبحلول نهاية الصيف، بدأت أوكرانيا تستعيد على جناح السرعة أراضي كانت قد خسرتها.

وكذلك، أظهرت أوكرانيا قدرة مذهلة على إدراج التكنولوجيا الحديثة في عملياتها. فعندما بدأت عشرات الدول ترسل أسلحة وتجهيزات غربية عالية التكنولوجيا إليها، كشف عدد من التقارير الصادرة عن الخطوط الأمامية عن أن المقاتلين الأوكرانيين يفتقرون إلى التدريب والخبرة في استعمالها، وأن الجيش الأوكراني عموماً يواجه صعوبات على الصعيد اللوجستي ومتطلبات الصيانة لعدد كبير من الأنظمة المختلفة. وعلى رغم هذه الصعوبات، سرعان ما تأقلم الجنود الأوكرانيون، وتعلموا استعمال الأسلحة والذخائر والتجهيزات الأجنبية المتطورة.

وفي أواخر أغسطس (آب) وعلى امتداد سبتمبر (أيلول)، سمح استعمال الأوكرانيين الفاعل لأنظمة "هيمارس" - وهي قاذفات صواريخ متنقلة متقدمة بدأت واشنطن بإرسالها إلى أوكرانيا في يونيو (حزيران) 2022 - بإخراج الروس من خاركيف ومن أجزاء من خيرسون. كما وبرعت القوات الأوكرانية في اعتماد سبل التضليل لحماية قاذفات صواريخ "هيمارس" من هجمات المدفعيات والقوات الجوية الروسية - على سبيل المثال، بنت نسخاً خشبية عن أنظمة "هيمارس" بداعي التضليل، وحرصت إلى أقصى الحدود على ضمان سرية أدوار مشغلي "هيمارس" ومواقعهم. وأقر مدربون عسكريون أميركيون بالسرعة التي تعلم فيها الجنود الأوكرانيون كيفية تشغيل الأنظمة الغربية، بما في ذلك أنظمة إطلاق صواريخ "باتريوت" التي أعلنت الولايات المتحدة أنها ستنشرها في أوكرانيا.

استعانت أوكرانيا بالذكاء الاصطناعي لمساعدتها في رصد الاتصالات الروسية

 

كما أثبتت القوات الأوكرانية أيضاً قدرتها على التفكير التجريبي والإبداعي في مجال استعمال المسيرات. ففي وقت طغت فيه بشكل متزايد على الحرب، في الأشهر القليلة الماضية، الهجمات المدفعية والصاروخية، أضافت وحدات أوكرانية إلى قواتها المدفعية فرق تشغيل المسيرات، وكان الهدف من ذلك زيادة دقة الضربات، والمساعدة الفورية في تحديد الأهداف، وتجميع مواقع مستهدفة لشن هجمات مستقبلية. كما وجهزت القوات الأوكرانية مسيرات تركية كبيرة من طراز "بيرقدار ت ب 2" Bayraktar TB2 مزودة بصواريخ موجهة بالليزر لتعزيز قدراتها الاستطلاعية. وكذلك، نشرت مسيرات استطلاعية صغيرة، على غرار مسيرة "مافيكس" Mavics الصينية الصنع، وقامت حتى بتجهيز بعض منها لتتمكن من إطلاق قنابل صغيرة ضد الأفراد.

ومع أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لا ينفك عن مناشدة حكومات الغرب لاستمرار تزويده بمساعدات عسكرية، إلا أن القيادة الأوكرانية اعترفت بقيمة الدعم المباشر الذي حصلت عليه من مصنعي التكنولوجيا المتقدمة الدوليين. فبعد الاجتياح الروسي مباشرة، تمكنت الحكومة الأوكرانية، عبر نداء مباشر وجهته إلى إيلون ماسك عبر موقع "تويتر"، من النفاذ إلى نظام ومحطات الإنترنت الفضائية "ستارلينك" التابعة لشركة "سبيس إكس" SpaceX's Starlink، الذي أبقى على شبكات الاتصالات العسكرية سليمة حتى مع استهداف روسيا بشكل متكرر لبنية الاتصالات التحتية في البلاد.

كما وأن عدداً كبيراً من الشركات الأخرى، ومن بينها "مايكروسوفت" Microsoft، و"بالانتير" Palantir، و"بلانت" Planet، و"كابيلا سبيس" Capella Space، و"ماكسار تكنولوجيز" Maxar Technologies، عملت هي التالية إما عبر وسطاء غربيين، أو مباشرة مع كييف، لتوفير بيانات وتجهيزات وموارد تكنولوجية مختلفة لدعم الجهود الحربية. وفي أبريل 2022، نقلت مجلة "وايرد" Wired أن شركة "برايمر" Primer الأميركية المتخصصة بتوفير الذكاء الاصطناعي لمحللي البيانات الاستخبارية، تقاسمت تكنولوجيا التعلم الآلي مع أوكرانيا. وتفيد الشركة بأن القوات الأوكرانية تستعين بخوارزميات الذكاء الاصطناعي لترصد وتنقل وتترجم وتحلل آلياً بيانات الاتصالات العسكرية الروسية التي جرى نقلها والتقاطها عبر قنوات غير آمنة.

بالطبع، لا بد من التشديد على ضرورة التمحيص والتدقيق في التقارير الأوكرانية الرسمية التي تصف استعمال البلاد للتكنولوجيات الجديدة. فالحال أن كييف لديها حافز واضح للتشديد على تأثير الأنظمة الغربية المتقدمة في جهودها الحربية، كونه سيشجع شركاءها الأميركيين والأوروبيين على مواصلة تقديم دعم من هذا القبيل. وبالاستناد إلى تقارير مفتوحة المصدر، قد يصعب تقييم ما إذا كانت أوكرانيا قد نشرت هذه التكنولوجيات المبتكرة على نطاق واسع أو إن كان الأمر قد اقتصر على بعض المناسبات. ومع ذلك، من الواضح أن أوكرانيا، وبعكس عدوتها، نجحت في التعلم من ظروف القتال المفاجئة والمتحولة وتمكنت من الرد عليها.

ابتكارات موسكو الضائعة

لم يشكل اجتياح روسيا لأوكرانيا العام الماضي أول مرة تقلل فيها موسكو من شأن قدرات أحد خصومها وعزمه. ففي حربها الأولى في الشيشان في تسعينيات القرن الـ20، وحربها مع جورجيا عام 2008، طغت على روسيا شوائب بنيوية وتنظيمية بالغة الأهمية طاولت الاستعدادات والتخطيط ومشاركة المعلومات. لكن على امتداد العقد الماضي، مضت الحكومة الروسية في جهود تحديث عسكري مكلف وواسع النطاق. وخلال إقدامها على نشر قواتها منذ فترة أقرب في سوريا وشرق أوكرانيا، بدا الجيش الروسي أكثر براعة في دمج التكنولوجيات الناشئة والمفاهيم الجديدة في عملياته.

بالفعل، تم وصف التدخل الروسي الوحشي لدعم نظام الأسد في سوريا على أنه "أرض اختبار" للإصلاحات العسكرية في روسيا. وتفيد مصادر حكومية روسية بأن روسيا اختبرت نحو 600 نوع سلاح جديد وتجهيزات عسكرية خلال عملية تدخلها في سوريا، بما في ذلك 200 نوع وصفه المسؤولون على أنه من "الجيل القادم". وعلى سبيل المثال، ومع أن روسيا لم تمتلك سوى أسطول محدود نسبياً من المسيرات الاستطلاعية مطلع حملتها في سوريا، عززت إنتاجها ونشرها لها بعد عام 2015، وبحلول عام 2018، تمكنت من نشر ما بين 60 إلى 70 مسيرة يومياً في شتى الحالات في ميادين القتال. واستعملت بعضاً من هذه المسيرات لاستحداث شبكة استخبارات وتجسس واستطلاع شاسعة، كانت قادرة على نقل المعلومات حول الأهداف وتوجيه الضربات الجوية.

كما وأن تدخل روسيا العسكري في سوريا سمح لجيشها باختبار دمج العنصر البشري بالعتاد العسكري، بما يشمل الاستعانة بالروبوتات والعربات البرية غير المأهولة، التي عملت إلى جانب القوات النظامية. واختبرت روسيا مجموعة متنوعة من هذه التكنولوجيات، بما في ذلك عربة "سكاراب" البرية غير المأهولة Scarab UGV التي يمكن استخدامها لنزع الألغام والنفاذ إلى مرافق في باطن الأرض، وعربة "يوران - 6" Uran-6 التي يتم تشغيلها بجهاز تحكم واستعمالها، هي التالية لنزع الألغام. بيد أن هذه التجارب لم تجر دوماً على ما يرام: ففي الاختبار الأول خلال مهمة قتالية في إحدى المناطق الحضرية، واجهت مسيرة برية أكبر حجماً، من طراز "يوران-9" Uran-9، مشكلات جمة على صعيد الاتصالات، والتنقل، وإصابة الأهداف المتحركة. إلا أن هذه المحاولات تعطي العالم الفعلي فكرة عن الطريقة التي تساعد فيها الأنظمة الذاتية التحكم والمزودة بذكاء اصطناعي الجنود على أرض المعركة، وغالباً ما أورد المحللون العسكريون الروس ذكرها على أنها تظهر آفاقاً واعدة للذكاء الاصطناعي.

اختبرت روسيا روبوتات آلية في الحرب السورية

 

في كل من سوريا وشرق أوكرانيا على حد سواء، تمكن الجيش الروسي من استغلال قدراته الحربية الإلكترونية الحديثة لتعطيل اتصالات العدو. كثرة التشويش الروسي على الأجهزة الخلوية والاتصالات اللاسلكية والمسيرات وأجهزة تحديد المواقع GPS في سوريا، دفعت برئيس العمليات الخاصة الأميركية إلى وصف الحرب بأنها " بيئة الحرب الإلكترونية الأكثر عدوانية على هذا الكوكب". وخلال الحرب في مقاطعة دونباس عام 2015، وصف الجنرال بين هودجز، الذي كان آنذاك قائد الجيش الأميركي في أوروبا، كيف أن الأسلحة الإلكترونية الروسية "قطعت بالكامل" الاتصالات الأوكرانية، وسمحت بإنزال مسيرات أوكرانيا بشكل فاعل. كما ولاحظ محللون عسكريون أميركيون أنه خلال حادثة واحدة على الأقل خلال الاقتتال في دونباس، تمكنت القوات الروسية من استغلال إشارات هاتف جوال تم التقاطها لاستهداف جنود أوكرانيين بغارات مدفعية.

بيد أن جزءاً ضئيلاً فقط من هذا الابتكار ظهر للعيان خلال حرب روسيا في أوكرانيا. فعلى امتداد السنة الماضية، تخلت موسكو عن معظم الاختبارات والدروس التي تعلمتها على أرض المعركة، بعد أن كانت قد صقلت معالم حملاتها السابقة في سوريا وشرقي أوكرانيا. ومع أن روسيا لديها مجموعة واسعة من التكنولوجيات الروبوتية والذاتية التحكم في مراحل متفاوتة من التطوير، بدا الجيش الروسي غير مستعد أو غير قادر على إدراج أنظمة من هذا القبيل في الحرب الراهنة. وفي بعض المناسبات، رصد محللو المصادر المفتوحة أسلحة جديدة عالية التقنية نشرتها روسيا، بما في ذلك طائرة انتحارية من دون طيار من طراز KUB-BLA، مصممة لاستخدام الذكاء الاصطناعي بداعي تحديد الأهداف. غير أنه ما من دليل على أنه تم استخدامها، وقد أعرب بعض المراقبين عن شكوكهم بشأن تقارير من هذا القبيل، لاسيما أن الروس لم يحققوا نجاحاً يذكر على صعيد الأسلحة الإلكترونية والعمليات السيبرانية، بعد أن ساد الظن بأن هذا ما يشكل موطن قوتهم ويميزهم.

مع تبلور أحداث الحرب، أجرت روسيا بعض التعديلات في استراتيجيتها. فعملت بادئ الأمر على تحويل مواردها إلى شرق أوكرانيا، بعد أن دحرت قواتها على مشارف كييف، وركزت على هدف أضيق نطاقاً تمثل بـ"تحرير" مقاطعة دونباس. وبعد تعرض القوات الروسية لقصف نظام "هيمارس" الأوكراني طوال أشهر، قررت أخيراً إعادة توزيع نقاط القيادة والتحكم، ونقل مخازن الدعم اللوجستي والأسلحة خارج نطاق الأسلحة الأوكرانية البالغ 80 ميلاً. وفي مواجهة نقص حاد في العديد والذخائر، سعت روسيا أيضاً إلى طلب مساعدة شركاء خارجيين لها - عبر شراء مسيرات إيرانية وصينية، ووفقاً للتقارير الاستخبارية الأميركية، تستعد موسكو أيضاً لشراء صواريخ وقذائف مدفعية من كوريا الشمالية. لكن بشكل عام، يبدو أن القوات الروسية خسرت تماماً معرفتها بقيمة المرونة التي كانت اكتسبتها في سوريا.

قيود العودة

تحتفظ كييف بجيشها على أرض المعركة منذ عام ونيف، بفضل قدرتها الخارقة على التكيف. ويهم التذكير أيضاً بأن البلاد ألهمت الثقة في أوساط حلفائها الغربيين، بأن قواتها قادرة على استعمال أسلحة وتكنولوجيات جديدة لاستغلال أخطاء روسيا، واستعادة أراض، والإبقاء على مستويات عالية من الحماسة والقدرة على الاستمرار. أما أداء موسكو العسكري، فلم يلهم أياً كان. ففي مواجهة خسائر كبيرة في العديد والعتاد، يتعرض الجيش الروسي لضغوط هائلة للإبقاء على ما أمكن من الفاعلية في القتال، ولم يتمتع إلا بقدرة ضئيلة باختبار التكنولوجيات الجديدة. لكن ما مدى أهمية أنماط الأداء المتعارضة هذه لتحديد وجهة القتال النهائية بحد ذاتها؟

ستكون ديناميكية الحرب في الأشهر المقبلة مرهونة على الأرجح بتطورات الهجوم الروسي المتوقع في فصل الربيع. وسيناقش الخبراء ما إذا كانت القيادة الروسية تسعى إلى شن هجوم واسع النطاق للاستيلاء على أراض جديدة، أو إن كانت ستقوم بمحاولة أخف وطأة، هدفها الاحتفاظ بما حققته من مكاسب، وسيبقى هناك بلا شك تدقيق متواصل في انخفاض المعنويات وسوء أداء القوات الروسية. لكن عند هذه النقطة، من الواضح أن الطرفين رسخا مكانتهما أكثر فأكثر عند الخطوط الأمامية المستقرة نسبياً، ومن المستبعد بالتالي أن تملأ الدورات الإخبارية، على مدار 24 ساعة، أخباراً عن حصول مستجدات وتحولات أكبر حجماً في سياق الحرب. إلى ذلك، قد يواصل الجيش الروسي قتاله الرديء النوعية لوقت طويل - والواقع أن لديه تاريخاً طويلاً وحافلاً بهذا النوع من القتال تحديداً.

علاوة على ذلك، يبدو أن الكرملين يركز منذ أشهر عدة على إعادة توجيه الاقتصاد والمجتمع الروسي نحو حرب طويلة الأمد، ويستعد للصمود أمام الدعم المالي والمادي المقدم لأوكرانيا. ومع أن محللي ومراقبي الغرب قد يودون الاستنتاج أن قدرة القوات الأوكرانية على التكيف ستقلب الأمور إلى مصلحتها على المدى الطويل، لا بد من الاعتراف بأن هذه الأخيرة تتصدى لجيش أكبر منها بكثير، يديره نظام أثبت عزمه المتواصل على تكبد خسائر فادحة.

لطالما شكلت مهارة الجيش الأوكراني في دمج الأسلحة المتقدمة والتكنولوجيات الجديدة مفاجأة، وليس فقط بنظر خصمها، ولكن أيضاً بنظر شركاء أوكرانيا وحلفائها في الغرب. لكن الأرجح أن التكنولوجيا والأسلحة الجديدة، مهما كانت متقدمة، لن تحسم الأمور. وفي الواقع، يصعب القول إن كانت نهاية الحرب ستحسم على هذا الشكل - فهذا الاحتمال يبدو مستبعداً جداً في المستقبل القريب.

 

* مارغريتا كوناييف نائب مدير التحليل في مركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة

** أوين ج. دانيال هو زميل من رتبة أندرو و. مارشال في مركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة.

مترجم عن فورين أفيرز 28 مارس (آذار) 2023

المزيد من آراء