ملخص
فيما ينتظر الجميع الكشف عن طبيعة الاتهامات حينما يمثل #ترمب أمام القاضي يوم الثلاثاء يعكف #الجمهوريون في "#الكابيتول_هيل" على تحسين دفاعهم عن الرئيس السابق
لا يعد الرؤساء ورؤساء الوزراء الحاليون أو السابقون مجرد أشخاص عاديين، لأنه يتم اختيارهم من قبل مواطني الدولة أو أحزابهم لقيادة البلاد، وغالباً ما يكونون مشهورين، وأحياناً يتم احترامهم وتوقيرهم، لذا فإن الإجراءات القضائية التي تتخذ ضدهم ينظر إليها غالباً على أنها سياسية وتصبح مثيرة للانقسام، وتشير بعض الأبحاث إلى أن الملاحقات القضائية المفرطة يمكن أن تقوض الديمقراطية وتشكل أخطاراً مختلفة على الديمقراطيات العريقة في بلدان مثل الولايات المتحدة وفرنسا، فما هذه الأخطار؟ وما علاقتها بمقاضاة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب؟ وما الذي تشير إليه تجارب الدول الأخرى ومحاكمات نيكولا ساركوزي وجاك شيراك وبنيامين نتنياهو وقادة آخرين في كوريا الجنوبية والبرازيل؟
انقسام يتصاعد
وعكست تصريحات وردود فعل القادة السياسيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي حجم الانقسام والتباين حيال توجيه أول اتهام من نوعه لرئيس سابق أو في المنصب على مدار التاريخ الأميركي، إذ هاجم زملاء الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الجمهوريون المدعي العام لمانهاتن في نيويورك وهو ديمقراطي منتخب، معتبرين أن توجيه لائحة اتهام للرئيس السابق ليس سوى هجوم حزبي بحت، بينما أكد الديمقراطيون أنه لا ينبغي السماح لأحد بأن يكون فوق القانون.
وفيما ينتظر الجميع الكشف عن طبيعة الاتهامات حينما يمثل ترمب أمام القاضي، يوم الثلاثاء، يعكف الجمهوريون في "الكابيتول هيل" على تحسين دفاعهم عن الرئيس السابق، ووعدوا باتخاذ إجراء في الكونغرس ضد المدعي العام لمنطقة نيويورك ألفين براغ، بل إن أقرب حلفاء ترمب في الكونغرس يصعدون من غضبهم الذي قد يمتد من الدعوات إلى الاحتجاج، كما تعهدت عضو مجلس النواب الأميركي مارغوري تايلور غرين، إلى التهديدات بإجراء تحقيقات انتقامية في الكونغرس، كما أشار عدد من رؤساء اللجان في مجلس النواب.
وفيما وصف مكتب المدعي العام في مانهاتن وجود دوافع سياسية بأنها تحريضية ولا أساس لها من الصحة، محذراً الكونغرس من التدخل في القضية، اتخذ أعداء الرئيس السابق الديمقراطيون نهجاً مختلفاً، قائلين إنه لا ينبغي لأحد أن يفلت من الملاحقة القضائية إذا زعم أنه ارتكب مخالفات، كما حذر زعيم الغالبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر من سياسة الترهيب أو التدخل في القضية.
حقبة جديدة
كل هذا يؤشر إلى أن لائحة الاتهام ضد ترمب جعلت السياسة الأميركية أكثر إثارة للانقسام، في وقت كانت فيه ثقة الجمهور بنظام العدالة الجنائية تتآكل، ويرجع الفضل في جزء كبير منه إلى الرئيس السابق بحسب ما يقول موقع "بلومبيرغ" الذي اعتبر أن لائحة اتهام ترمب، علامة قاتمة أخرى على التدهور المدني الأميركي الذي يمكن أن يؤدي إلى عدد من النتائج السلبية، ليس أقلها توجه ترمب إلى وسائل التواصل الاجتماعي وحث مؤيديه على الاحتجاج محذراً من "الموت والدمار المحتمل" إذا تم توجيه الاتهام إليه، وهي خطوات كررت دعوته إلى حمل السلاح في الأيام التي سبقت الهجوم على مبنى "الكابيتول" في السادس من يناير (كانون الثاني) عام 2021.
لكن مع توجيه لائحة الاتهام، تتقدم الولايات المتحدة بشكل صاروخي إلى حقبة جديدة ومتفجرة وأكثر انقساماً، وهو ما تعكسه حالة الاهتمام غير المسبوقة من قبل وسائل الإعلام إذ لا يزال ترمب يهيمن على العناوين الرئيسة ويشكل السياسة الأميركية على رغم أنه لم يعد يسكن البيت الأبيض، وهذا وحده يجعل ترمب مختلفاً عن الرؤساء السابقين الذين انسحبوا بشكل تقليدي من الحياة العامة بعد خسارة إعادة انتخابهم.
أسباب الخوف
وفي حين يبدو ظاهرياً أن الخوف المتزايد الآن لدى الجمهوريين والديمقراطيين، يعود إلى أن أي نتائج للتحقيقات التي يتعرض لها ترمب، سواء على المستوى الفيدرالي أو في الولايات ستؤدي إلى نتائج سيئة، بسبب عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين سوء السلوك والجريمة، وعدم توافر طريقة لتجنب اللغز السياسي الذي يدور حول لائحة الاتهامات في نيويورك، إلا أن السبب الحقيقي يعود إلى الاستقطاب والقبلية السياسية المرتفعين للغاية في الولايات المتحدة، بما في ذلك داخل الكونغرس الأميركي، بحسب ما تشير صحيفة "نيويورك تايمز".
وعلى رغم أن الولايات المتحدة حصلت على نصيبها من فضائح الفساد العام الرئاسي منذ نهاية القرن الـ19 وصولاً إلى دور الرئيس ريتشارد نيكسون في فضيحة "ووترغيت" وتورط الرئيس رونالد ريغان في قضية "إيران – كونترا"، ووجد رؤساء الولايات المتحدة أنفسهم في مرمى النيران أمام نظام العدالة، فإن الأمر كان ينتهي بمساعديهم المقربين إلى قضاء بعض الوقت في السجن، بينما تم تجنيب الرئيس نفسه من الملاحقة القضائية في كل مرة، والتي خلقت بمرور الوقت أسطورة منفصلة تماماً عن نص الدستور الأميركي مفادها أن محاكمة أو سجن رئيس سابق كان أمراً مثيراً للانقسام أو غير لائق لأمة قوية في العالم وفقاً لما يقوله إريك ويرسون مستشار عمدة نيويورك السابق مايكل بلومبيرغ.
نموذج نيكسون
ويعد الخوف من الانقسام السياسي أحد أبرز الأسباب التي جعلت الرئيس الأميركي جيرالد فورد يعفو عن سلفه ريتشارد نيكسون عام 1974، فعلى رغم الأدلة الواضحة على ارتكابه مخالفات جنائية في فضيحة "ووترغيت"، كان فورد يخشى أن يتم تحويل البلاد بلا داعٍ بعيداً من مواجهة التحديات التي تواجه الأمة الأميركية في هذا الوقت، وتبقى منقسمة بحدة حول معاقبة الرئيس السابق.
ووفقاً لفيكتور مينالدو مؤسس منتدى الاقتصاد السياسي بجامعة "واشنطن"، كان رد الفعل العام في ذلك الوقت منقسماً حول معاقبة نيكسون على أسس حزبية، ومع ذلك يرى البعض الآن أن تبرئة نيكسون كانت ضرورية لإنقاذ الأمة من الانقسام، في حين يعتقد البعض الآخر أنه كان خطأ تاريخياً، حتى مع تدهور صحة نيكسون، على اعتبار أن هذا التصرف شجع على الإفلات من العقاب في السنوات والعقود التالية، من النوع الذي يتهم به ترمب حالياً.
محاكمة رؤساء 75 دولة
ومع ذلك، فإن فكرة محاكمة رئيس دولة سابق تبدو حدثاً طبيعياً في كثير من الدول الأخرى في سياق ديمقراطيات فاعلة، فمنذ عام 2000، تمت محاكمة أو سجن رؤساء الدول الذين تركوا مناصبهم في أكثر من 75 دولة حول العالم، بما في ذلك بعض الديمقراطيات النابضة بالحياة مثل فرنسا وكوريا الجنوبية وإسرائيل وفقاً لبحث نشره موقع "آكسيوس".
ووجدت دراسة أجرتها جامعة "واشنطن" حول مقاضاة قادة العالم أن كلاً من الحصانة الشاملة والملاحقات القضائية المفرطة يمكن أن يقوضا الديمقراطية، حتى في الديمقراطيات العريقة مثل فرنسا والولايات المتحدة عما هي عليه في الديمقراطيات الشابة مثل جنوب أفريقيا.
وعلى سبيل المثال، حكم على الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في مارس (آذار) 2021، بالسجن لمدة عام بتهمة الفساد واستغلال النفوذ، وفي وقت لاحق من ذلك العام، بدأت محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لفترة طويلة تتعلق بالرشوة والاحتيال أثناء توليه المنصب، وينتظر جاكوب زوما الرئيس السابق لجنوب أفريقيا المتهم بغسل الأموال والابتزاز المحاكمة بعد سنوات من التأخير.
المقاضاة المفرطة
وبينما يبدو أن محاكمة القادة الحاليين أو السابقين المتهمين بسلوك غير قانوني أمر طبيعي، إذ يخضع الجميع لسيادة القانون في النظم الديمقراطية، فإن الرؤساء ورؤساء الوزراء ليسوا مجرد أشخاص عاديين، وإنما يتم اختيارهم من قبل مواطني الدولة أو أحزابهم، وغالباً ما يكونون مشهورين، وأحياناً يتم توقيرهم، ولهذا، فإن الإجراءات القضائية ضدهم ينظر إليها حتماً على أنها سياسية وتصبح مثيرة للانقسام حتى في الديمقراطيات التي تتمتع بنظام قضائي مستقل.
وفي فرنسا، كان ساركوزي ثاني رئيس حديث يدان بالفساد، بعد جاك شيراك في 2011 بسبب محاولته رشوة قاضٍ، ومع ذلك لم تنهر فرنسا بعد أي من الإدانتين، إلا أن بعض المراقبين يقولون إن عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات على ساركوزي كانت قاسية للغاية وذات دوافع سياسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم أن محاسبة القادة بملاحقتهم قضائياً في الديمقراطيات الناضجة، يمكن أن تعزز سيادة القانون، فإنها قد تتلطخ بدرجات متفاوتة من الملاحقات السياسية، إذ إن كوريا الجنوبية دانت خمسة رؤساء سابقين ابتداءً من التسعينيات، ضمن موجة من الملاحقات السياسية بلغت ذروتها في محاكمة الرئيسة بارك غن هي عام 2018، وبعد فترة وجيزة، دين وسجن سلفها لي ميونغ باك.
لكن الملاحقة السياسية المفرطة في الحماسة تصبح أكثر احتمالاً، وربما أكثر ضرراً، في الديمقراطيات الناشئة، إذ تكون المحاكم والمؤسسات العامة الأخرى غير مستقلة بشكل كافٍ عن السياسة، وكلما كان القضاء أضعف ومديناً بالفضل للزعماء، كان من الأسهل على القادة استغلال النظام، إما لتوسيع سلطتهم أو لإسقاط خصومهم، وهو ما تجسد في البرازيل، حيث أودع السجن الرئيس اليساري لولا دي سيلفا، بعد خروجه من المنصب في عام 2018 لقبوله رشى، واعتقد عديد من البرازيليين أن محاكمته كانت محاولة مسيسة لإنهاء حياته المهنية، لكن لولا أعيد انتخابه في نهاية العام الماضي 2022.
وبعد عام، اتهم فريق الادعاء نفسه الرئيس المحافظ السابق ميشيل تامر بقبول رشى بملايين الدولارات بعد انتهاء ولايته في 2019، وجرى اعتقال تامر قبل أن يتم تعليق محاكمته في وقت لاحق.
الإفلات من العقاب
وقد يرى البعض أن أزمة البرازيل تكشف عن أنه لا أحد فوق القانون أو أن الحكومة فاسدة بشكل لا يمكن إصلاحه أو كليهما، ولكن مع هذا الارتباك، يصبح من السهل على السياسيين والناخبين أن ينظروا إلى تجاوزات القادة على أنها كلفة عادية ترتبط بممارسة الأعمال التجارية، لكن المكسيك اتبعت نهجاً مختلفاً في محاكمة الرؤساء السابقين، وهو عدم محاكمتهم، إذ أسس الحزب الثوري المؤسسي الحاكم في المكسيك خلال القرن الـ20، نظاماً يعتمد على المحسوبية والفساد، أبقى أعضاءه في السلطة والأحزاب الأخرى في الأقلية، مما أدى إلى عدم ملاحقة أكثر الفاسدين ضمن نظام قانوني خاضع لسلطة الحزب الحاكم.
ومع ذلك، حافظ الإفلات من العقاب على استقرار المكسيك أثناء انتقالها إلى الديمقراطية في التسعينيات من خلال تهدئة مخاوف أعضاء الحزب الثوري الدستوري من الملاحقة القضائية بعد تركهم مناصبهم، غير أن الفساد الحكومي ازدهر، وازدهرت معه الجريمة المنظمة.
ولم تكن المكسيك البلد الوحيد الذي يغفل الأفعال السيئة لقادة الماضي، حيث توصلت دراسة في جامعة "واشنطن" إلى أن 23 في المئة فقط من البلدان التي انتقلت إلى الديمقراطية بين عامي 1885 و2004 اتهمت قادة سابقين بارتكاب جرائم بعد التحول الديمقراطي، وعلى سبيل المثال، أبرمت جنوب أفريقيا صفقة مع انتهاء عقود الفصل العنصري في أوائل التسعينيات، إذ تفاوضت حكومة جنوب أفريقيا التي يهيمن عليها البيض مع المؤتمر الوطني الأفريقي بقيادة نيلسون مانديلا لضمان تجنب أعضاء وأنصار الحكومة المنتهية ولايتهم المقاضاة والاحتفاظ بثرواتهم، وساعدت هذه الاستراتيجية على انتقال البلاد إلى حكم الغالبية السوداء عام 1994 وتجنب الحرب الأهلية، لكنها أضرت بالجهود المبذولة لجعل جنوب أفريقيا أكثر مساواة، ونتيجة لذلك، احتفظت البلاد بواحدة من أعلى فجوات الثروة العرقية في العالم.
قصة تحذيرية
أما إسرائيل فينظر إليها على أنها شهادة على سيادة القانون، وفي الوقت نفسه قصة تحذيرية حول محاكمة القادة في الديمقراطيات، بحسب ما يقول جيمس دي لونج ومورغان واك أستاذا العلوم السياسية بجامعة واشنطن، حيث لم تنتظر إسرائيل حتى مغادرة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منصبه للتحقيق في مخالفات بالفساد وإساءة استخدام السلطة، لكن إجراءات المحاكمة كانت طويلة ومتأخرة، ويرجع ذلك جزئياً إلى استخدام نتنياهو سلطة الدولة في مقاومة ما سماه المطاردة السياسية له، وهو الآن يحاول مع تحالف اليمين المتشدد تمرير قانون لإخضاع المحكمة العليا في إسرائيل مدفوعاً بهذه الملاحقات القضائية، وفقاً لما تقوله المعارضة في إسرائيل.
ومع توجيه لائحة اتهام ترمب، ينضم الرئيس السابق إلى صفوف القادة السابقين من البلدان الأخرى الذين كان يعتقد في السابق أنه لا يمكن المساس بهم، ولكنهم واجهوا في النهاية العدالة، ومن المنتظر أن تكشف العملية الطويلة من الطعون والطلبات على مدى المحاكمة عن شيء أساسي حول الديمقراطية الأميركية، وما إذا كانت مسألة قانون، أم سياسة أم كلاهما.