Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رسوم الغرافيتي تملأ جدران الخرطوم تخليدا لذكرى ضحايا الثورة

تقول والدة أحد القتلى "كأنه حي بيننا. أشعر بأنني أراه حين أتأمل الرسم وحين يأتي المتظاهرون لمشاهدته"

في مبادرة إنسانية فنية "ثورية"، بدأ بعض نشطاء المعارضة في السودان بخطّ رسوم غرافيتي لوجوه عدد من قتلى الاحتجاجات على جدران منازلهم، تخليداً لذكراهم. فعلى جدار مدخل بيت بسيط، في حيّ بحريّ شمال الخرطوم، يرابط رسم غرافيتي ملوّن كبير لوجه وليد عبد الرحمن، المبتسم بنظارته الطبية ولحيته الخفيفة. الشاب البالغ من العمر 42 سنة، قُتل خلال تظاهرة تلت عملية فضّ اعتصام الخرطوم.

الرسم يؤنس والدة الفقيد السبعينية مياسة صالح عمر. "الغرافيتي يجعله كأنه حيّ بيننا. أشعر بأنني أراه حين أتأمل الرسم وحين يأتي المتظاهرون لمشاهدة الغرافيتي"، تقول الأم التي وضعت وشاحاً حول رقبتها يحمل صورة ابنها ومكتوباً عليه "العدالة أولاً". وتتابع "أشعر بالاطمئنان لوجود وجهه بهذا الحجم حولنا... أتألم وأبكي كل يوم، لكنني سعيدة للغاية بالغرافيتي"، معبرةً عن فخرها بابنها.  

 

نحو 30 رسم غرافيتي

مبادرة رسوم الغرافيتي هذه انطلقت في فبراير (شباط) الماضي، مع مصمّمة الرسوم أصيل دياب، التي باشرت تطبيقها برفقة فريق من النشطاء، رسموا نحو 30 وجهاً من وجوه ضحايا الثورة السودانية على جدران منازل أسرهم، مستعينين ببخّاخات وألوان بعد الحصول على موافقة عائلات القتلى.

ومنذ اندلاع الاحتجاجات ضد الرئيس السوداني عمر البشير، في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قُتل أكثر من 246 متظاهراً في مختلف أنحاء البلاد، وفق لجنة أطباء السودان المركزية، بينهم 127 شخصاً سقطوا في الثالث من يونيو (حزيران)، خلال عملية دامية لفضّ اعتصام المعارضة أمام مقرّ قيادة القوات المسلحة في العاصمة.

 

إجبار الناس على تذكّر الضحايا

عن هدف مبادرة الغرافيتي، تقول أصيل دياب، البالغة من العمر 29 سنة، لوكالة الصحافة الفرنسية إن الفكرة تهدف لتخليد ذكرى الضحايا في بيوتهم نفسها وأن يفخرَ الأهالي بوجود من ضحّى بحياته من أجل السودان. وتضيف أن الغرافيتي يجعل من سقطوا "أحياءً وسط المجتمع ويجبر الناس على تذكرهم سواء كانوا مع الثورة أو ضدها".

وفيما كان فنّ الغرافيتي يُمارس في الخفاء سنوات طويلةً في السودان، في ظلّ رقابة مشدّدةٍ من القوى الأمنية التي كانت تنظر إليه كرمز للمعارضةِ ضد النظام القائم أو كشكلٍ من أشكال التخريب، تغيّرَ الوضع بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية في البلاد، التي دفعت الجيش إلى الإطاحة بالبشير في 11 أبريل (نيسان).

وتقول دياب إن تكلفة كل رسم من الرسوم التي ملأت جدران طرقٍ ومنازل حيّ بحريّ، الذي كان مسرحاً لتظاهرات يومية منذ اندلاع الاحتجاجات، تبلغ "نحو 625 دولاراً بسبب جودة الألوان والأدوات" المستخدمة، لكنّها تؤكد أن الضحايا "خرجوا من أجلنا وماتوا من أجلنا وهذا أقلّ شيءٍ يمكن أن نقدمه لهم".

عاد إلى السودان في زيارة وبقي في رسم

ملامح المتظاهر محمد مطر رُسمت على حائط نادٍ رياضيٍ صغيرٍ في ساحة ترابية كبيرة، تتوسّط ثلاث مدارس ومسجداً على مقربة من منزله، على خلفية زرقاء، يبدو فيها وجهه قاسياً. فمطر الذي عاد إلى السودان لزيارة أسرته، بعدما كان يتابع دراسته في بريطانيا، قرّر البقاء في موقع الاعتصام ليُقتلَ بعدها بساعات قليلة. وأثار مقتله حملةَ تضامنٍ واسعةً على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويقول أحد أبناء الحيّ مجاهد الصادق "هذا الغرافيتي يعطيني حافزاً للمشاركة في الاحتجاجات لتحقيق مطالب من ماتوا لأجلنا. لم أكن أعرف مطر لكنّنا جميعاً الآن نعرفه". أمّا إيثار جبارة، المشاركة في مبادرة الغرافيتي، فتقول "قرّرنا أن نرسم وجهه هنا لأن هذه منطقة تجمّعٍ رئيسةٌ والحركة فيها كبيرة. سيراه أكبر عدد ممكن من الناس هنا". وتضيف أنّ السلطات "معها السلاح أما سلاحنا نحن فهو الفن".

 

ضحايا انتفاضة سابقة

رسوم المبادرة لا تقتصر على ضحايا الثورة الأخيرة، بل تتعدّاها لتشملَ ضحايا الانتفاضة التي أخمدتها السلطات بالقوة في سبتمبر (أيلول) 2013، حين اندلعت احتجاجاتٌ ضدّ البشير بعد خفض الدعم على المحروقات. وقالت منظمات حقوقيةٌ، في ذلك الوقت، إنّ العشراتِ قتلوا في مواجهاتٍ مع قوات الأمن.

من بين ضحايا تلك الأحداث، رسمت دياب وجهَ بابكر أنور على جدار منزلِ عائلته، وكتبت بالأزرق "لن ننساك يا بكور". وتقول والدة الضحية عدوية محمد إنّ الغرافيتي "يشعرني بأنه معي طوال اليوم، كأنه جالسٌ أمامي". وتتابع الأم التي اتشحت بالسواد "سعيدةٌ بأن السودان لا يزال يذكر سيرته حتى الآن". أمّا ابن خالته زين العابدين فيقول "هذه الرسوماتُ ذكرى جميلة تشعرني بأنه لا يزال حياً أمامي شخصياً ويمكنني أن أتحدث معه"، لتعودَ وتنهمرَ دموعه.

ولم يكن تنفيذ هذه الرسومات سهلاً بسبب انتشار قوات الدعم السريع، التي طاردت فريق العمل في الشوارع، وفق ما تقول دياب، مضيفةً "التجربة كانت خطيرةُ لكنّها تستحقّ المجازفة". وختمت مؤكدة رغبتها بتخليد ذكرى الضحايا بالطريقة التي تعرفها، الغرافيتي.

المزيد من العالم العربي