Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مجموعة "15 يناير": قصة استهداف الممثليات الدبلوماسية في مصر

خطابات سرية من السفير البريطاني في القاهرة إلى السلطات المصرية عام 1989 تكشف عن رسائل تهديد من مجموعة متطرفة للدبلوماسيين الأجانب

في 28 مايو 1989 تمكن شاب وهو مواطن بريطاني من تسلق جدار محيط السفارة البريطانية والوصول إلى منزل السفير (اندبندنت عربية – علاء رستم)

"قنابل خارج المجلس البريطاني والمركز الثقافي الأميركي"، عنوان عدد من الرسائل السرية المدونة من قبل السفارة البريطانية في القاهرة، تتعلق بالتهديدات الأمنية التي شهدتها الساحة المصرية سنة 1989 عموماً، والممثليات الدبلوماسية البريطانية والأميركية خصوصاً.

الملف الذي أفرج عن وثائقه أخيراً يتضمن رسائل تهديد أرسلت من قبل مجموعة متطرفة كانت باشرت تهديداتها ضد القنصلية البريطانية العامة في الإسكندرية عام 1989.

وتشير إحدى الرسائل، وهي عبارة عن رسالة سرية مرسلة من قبل السفير البريطاني في القاهرة في 15 يونيو (حزيران) 1989 إلى وزير الداخلية المصري آنذاك الفريق زكي مصطفى بدر، إلى شدة التهديدات.

رسائل تهديد

يشرح السفير البريطاني في رسائله الظروف المقلقة التي مر بها الدبلوماسيون في تلك الفترة، وذلك نتيجة الأحداث التي عاشتها الممثليات الدبلوماسية والثقافية البريطانية والأميركية في مصر من رسائل تهديد ووضع قنابل في محيط المراكز وعمليات تسلق جدار السفارة بغية الوصول إلى منزل السفير البريطاني.

 

يقول السفير في الرسالة، "صاحب السعادة، إسمح لي أن ألفت انتباه سعادتكم إلى بعض الحوادث التي وقعت أخيراً والتي أثرت في أمن موقع السفارة وقنصليتنا العامة في الإسكندرية، وبعثتنا الثقافية (المجلس الثقافي البريطاني) في العجوزة بالقاهرة. وقعت الحادثة الأولى في 28 مايو (أيار) عندما تمكن شاب، وهو مواطن بريطاني، من تسلق جدار محيط السفارة والوصول إلى منزلي".

ويستكمل السفير سرد الحوادث، "تتعلق الحادثة الثانية بالقنبلة البدائية التي عثر عليها تحت سيارة في مركزنا الثقافي  في العجوزة في 3 يونيو (حزيران). وتتعلق المسألة الثالثة برسالة تهديد تلقاها قنصلنا العام في الإسكندرية في 6 يونيو من منظمة تطلق على نفسها اسم مجموعة ’15 يناير‘. وتلقيت رسالة تهديد مماثلة اليوم، 15 يونيو، من المنظمة نفسها. وترد بعض التفاصيل الإضافية في النسخ المرفقة من المذكرات المرسلة إلى وزارة الخارجية. وعلى خلفية هذه الحوادث، انتهزت الفرصة للاتصال في 14 يونيو باللواء عبدالرحيم النحاس من قوات الأمن المركزي".

ويوضح السفير البريطاني كيف تعامل الأمن المصري معه، "كان الجنرال إيجابياً ومفيداً للغاية في ما يتعلق بمسؤولياته عن حراسة مجمع سفارتنا. أنا ممتن للغاية لمشورته ووعده بتوفير الحماية اليقظة للمجمع. شرحت له أن التهديد في رأيي كان عملاً إرهابياً، إذ إن القنابل أو المتسللين المسلحين لم تكن نتيجة احتجاجات شعبية أو أعمال الغوغاء".

 

ويعبر المسؤول البريطاني عن مخاوفه وأسباب كتابته الرسالة، فيقول "أحد الأسباب التي دفعتني أن أكتب أيضاً إلى سعادتكم هو أن اللواء النحاس أوضح لي بلطف أنه لا يتحمل المسؤولية المباشرة عن قنصليتنا العامة في الإسكندرية، أو عن مكاتب المجلس الثقافي البريطاني في القاهرة والإسكندرية. وعلى المنوال نفسه، لا أعتقد بأنه يتحمل أي مسؤولية خاصة عن المباني الأخرى التي لها رابطة بريطانية قوية، مثل مكاتب الخطوط الجوية البريطانية وما إلى ذلك. وإزاء هذه الخلفية، سأكون ممتناً للغاية لسعادتكم إذا أمكن أن أسأل من هم تحت قيادتكم والمسؤولين عن هذه القطاعات الأخرى عما إذا كان بإمكانهم التكرم بتوخي الحذر واليقظة بشكل خاص خلال هذه الفترة".

ويحذر السفير من أن "المراكز الثقافية معرضة للخطر بشكل خاص لأنها بحكم تعريفها تحتاج إلى أن تكون مفتوحة للجمهور بشكل عام. أدرك أن هناك حداً لما يمكن القيام به للمباني الأخرى، لكنني أرفق قائمة على سبيل التوضيح بالمنظمات التي لها صلة بريطانية خاصة، على أمل أن يكون من الممكن مراقبة مبانيها بعناية. تجربتنا هي أن مكاتب شركات الطيران الوطنية غالباً ما تكون معرضة للخطر، بخاصة بالقنابل. وبطبيعة الحال، كان المسؤولون عن الاتصال بإدارتكم على اتصال بأمن الدولة في شأن هذه الحوادث، ويتلقون منهم كل مساعدة وتعاون ممكنين. أنا ممتن حقاً لكل ما يتم القيام به بالفعل من أجل أمننا وأمن المصالح البريطانية بشكل عام. ومع ذلك، أشعر بأن الحوادث المذكورة أعلاه تشكل، مجتمعة، تحذيراً واضحاً بضرورة البقاء على أهبة الاستعداد. إذا كانت هناك أي معلومات يمكنني أنا أو أعضاء فريقي تقديمها، فأنا في خدمة سعادتك".

تتحدث الوثيقة الثانية عن أن السفير البريطاني بعد إرساله رسالة إلى وزير الداخلية المصري زكي بدر، أرسل تقريراً سرياً إلى لندن تحت عنوان، "قنابل خارج المجلس الثقافي البريطاني والثقافة الأميركية"، يوضح فيه طبيعة التهديدات ومراسلاته مع الجهات المصرية المعنية.

يقول السفير في رسالته، "تلقت السفارة اليوم رسالة (في ظرف أصفر موجهة إلى السفارة) شبيهة للرسالة التي تلقتها القنصلية العامة في الإسكندرية في 6 يونيو. بدت الرسالة وكأنها نسخة مصورة، وكان من المستحيل فك رموز علامات البريد الموجودة على الظرف. لقد مررنا الرسالة إلى أمن الدولة المصرية، وأبلغنا السفارة الأميركية".

ويضيف التقرير، "اتصلت أمس 14 يونيو باللواء نحاس، مساعد وزير الداخلية المكلف بقوات الأمن المركزي، لتأكيد الحاجة إلى الحماية المناسبة للسفارة. كما أكتب إلى الجنرال زكي بدر لأشكره جزئياً على الحماية الأمنية القائمة بالفعل، لكن أيضاً لطلب يقظة خاصة في هذا الوقت بما في ذلك حماية الأهداف البريطانية المحتملة الأخرى".

ويصف التقرير الحراس المصريين المكلفين حماية التمثيليات البريطانية بـ"الحراس غير الفاعلين الذين تدربوا على مواجهة أعمال شغب وتظاهرات حاشدة من النوع الذي كان مألوفاً حتى وفاة عبدالناصر".

منظمة 15 يناير

تلقى القنصل البريطاني العام في الإسكندرية صبيحة يوم السادس من يونيو 1989 ظرفاً أصفر اللون يحمل رسالة تهديد من قبل مجموعة متطرفة أطلقت على نفسها اسم "منظمة 15 يناير"، وكانت رسالة التهديد موجهة إلى البريطانيين والأميركيين. احتوى المغلف على ورقة لما يشبه ورق التصوير مع شعار سيفين يحيط بمدافع رشاشة متقاطعة مع شعار باللغة العربية "الجهاد هو طريقنا" أعلاه، وبخط روماني عريض أسفل منظمة 15 يناير. والرسالة التي تشبه الأحرف الكبيرة مطبوعة بواسطة كمبيوتر.

كانت "منظمة 15 يناير" غير معروفة للجهات الأمنية في مصر، وكانت هناك بعض التكهنات تشير إلى أن 15 يناير هو اليوم الذي يحيي به الفلسطينيون ذكرى الحرق المتعمد للمسجد الأقصى في القدس عام 1969، لكن نص الرسالة لا يدعم ذلك، إذ ورد في الوثيقة، "منظمة 15 يناير غير معروفة لنا تماماً حتى الآن، ولم نتمكن نحن ولا الأميركيون حتى الآن من فهم أهمية التاريخ. إنها مسألة تكهنات فقط. هل هم بالضبط السجناء السياسيون الإسلاميون المشار إليهم في الرسالة، لكنهم ربما يكونون أولئك الذين اعتقلوا بعد اعتقال الشيخ عمر عبدالرحمن الشهر الماضي".

 

وتشير وثيقة أخرى إلى أن التهديدات قد تكون مرتبطة بقضية الكاتب البريطاني سلمان رشدي، بخاصة أن الفترة التي ظهرت فيها "منظمة 15 يناير" كانت متزامنة مع حدوث هجمات مماثلة على التمثيليات الدبلوماسية البريطانية في العالم. وجاءت هذه العمليات بعد فتوى أصدرها الخميني دعت إلى اغتيال رشدي.

رغم محاولة الجهات الأمنية المصرية والدبلوماسية البريطانية والأميركية في القاهرة إخفاء اسم "منظمة 15 يناير" وعدم نشر تفاصيل تهديداتها، لكن يبدو أن الخبر تسرب إلى صحيفة "الحياة اللندنية" ونشرته وكالة "رويترز" نقلاً عن الصحيفة.

وجاء الخبر، "علمت وكالة ’رويترز‘ أن مقالة ظهرت في صحيفة لبنانية مطبوعة في لندن (الحياة) تدّعي أن القنصلية العامة في الإسكندرية تلقت رسالة من منظمة 15 يناير. لا نعرف كيف جرى تسريب هذه المعلومات، لكننا نحيل الاستفسارات إلى قسم الأخبار، ونمتنع عن التعليق محلياً".

قنابل خادعة أم حقيقية؟

لم يتوصل الخبراء إلى معرفة منظمة "15 يناير" ومعرفة الجهات التي تقف وراءها وهذا أمر طبيعي لأن المنظمة لم تكن معروفة من قبل. لكن الغريب هو نتائج تحليل العينة التي أخذها الخبراء الأميركيون من القنبلة التي عثر عليها في المركز الثقافي الأميركي، وإعلانهم بعد الكشف عنها أن "المادة الرمادية الموجودة داخل القنبلة لم تكن متفجرة. لذلك خلص الأميركيون إلى أن القنبلة كانت خدعة، ربما زرعها شخص مختل".

 

وجاء نص الرسالة "أخبرني السفير الأميركي بسرية تامة أن خبراءهم خلصوا إلى أن الجهازين اللذين أبلغنا عن اكتشافهما متطابقان تقريباً. وكشف تحليل العينة التي أخذها الخبراء الأميركيون من الجهاز الذي عثر عليه في المركز الثقافي الأميركي عن أن المادة الرمادية داخل الجهاز لم تكن متفجرة. لذلك خلص الأميركيون إلى أن الجهاز كان خدعة، ربما زرعها شخص مختل".

لكن سرعان ما سحب السفير الأميركي النتائج السابقة للعينة التي تحدث فيها بسرية تامة إلى السفير البريطاني، "أخبرني السفير الأميركي (بسرية تامة) أنه خلافاً لمعلوماته السابقة، فإن المتفجرات الموجودة في القنابل خارج مركزه الثقافي والمجلس الثقافي البريطاني تتكون من خليط من الأسمدة ونشارة الخشب وقابلة للتفجير".

كما كشفت الوثيقة عن قنبلة ثالثة وضعت في جوار تمثال أبو الهول بالجيزة، "لم يتضح بعد ما إذا كانت القنبلة في أبو الهول ذات صلة بالقنبلتين المكتشفتين في حين أن تقييم السفير الأميركي بأن شخصاً مختلاً ربما كان مسؤولاً قد تثبت دقته، إلا أن القنابل بدت مقنعة واحتوت على ما يبدو أنه أجهزة تفجير وأجهزة توقيت حقيقية".

ما ذنب أبو الهول بالجيزة؟

كما هو واضح من وثائق هذا الملف لم تتعرض المراكز الدبلوماسية والثقافية البريطانية وحدها لتهديدات إرهابية فحسب، بل كانت التهديدات شملت المركز الثقافي الأميركي، وتجاوزت المقار الدبلوماسية والثقافية والشخصيات القيادية في مصر، ووصلت إلى حارس هضبة الجيزة الواقعة على الضفة الغربية من نهر النيل.

 

وأبو الهول تمثال لمخلوق أسطوري بجسم أسد ورأس إنسان، شُيد في عهد الملك خفرع (2558 ق.م - 2532 ق.م) في الجيزة.

تقول الفقرة الثالثة من الوثيقة، "علمنا من مصادر أميركية بوجود جهاز ثالث، جرى اكتشافه في الأول من يونيو بالقرب من أبو الهول في منطقة أهرامات الجيزة. ويبدو أن هذه العبوة الثالثة، وفقاً للمصدر المذكور، كانت قنبلة حقيقية، لكن جرى إبطال مفعولها بنجاح. ليست لدينا تفاصيل حتى الآن، لكننا نأمل في الحصول عليها قريباً من خلال قنوات أخرى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري

لم ينته عام 1989 الذي شهدت فيه التمثيليات الدبلوماسية والثقافية تهديدات إرهابية حتى تعرض موكب وزير الداخلية المصري زكي بدر في 16 ديسمبر (كانون الأول) لمحاولة اغتيال فاشلة.

تتحدث الوثيقة البريطانية عما جرى، "محاولة فاشلة لتفجير سيارة مفخخة لاغتيال وزير الداخلية المصري زكي بدر في 16 ديسمبر الذي لم يصب بأذى. القبض على الجاني. وفقاً لبيان صادر عن وزارة الداخلية وتقارير صحافية محلية، حاول متطرف تفجير سيارة زكي بدر في الساعة 8:30 صباح 17 ديسمبر. وبينما كان موكب الوزير يمر إما على أو تحت (وهو أمر غير واضح) جسر علوي على طريق صلاح سالم الدائري، انفجرت سيارة بيك آب سوزوكي. كان التفجير طفيفاً وعلى رغم أن النيران اشتعلت في السوزوكي إلا أنها لم تنفجر. لم يلحق أي ضرر بالوزير أو أي شخص في حاشيته، واستمر في طريقه من دون توقف. وكشفت التحقيقات اللاحقة التي أجرتها السلطات المصرية عن كمية صغيرة من المتفجرات (وصفتها إحدى الصحف بأنها مادة "تي إن تي") متصلة بالشاحنة ومتصلة عبر جهاز توقيت ببطارية السيارة".

وتؤكد الوثيقة أن السلطات المصرية تمكنت من إلقاء القبض على شخص مشتبه فيه بأن يكون وراء هذه العملية، "أصدرت السلطات في وقت لاحق بياناً قالت فيه إن أحد ضباط الشرطة الحاضرين قبض على شريف يوسف حسن البالغ من العمر 24 سنة، وهو طالب بكلية الطب في أسيوط أثناء محاولته الفرار من الموقع. وكان يسافر بأوراق هوية مزورة".

اقرأ المزيد

المزيد من وثائق