Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مواسم التسول... إعلانات بالملايين من أجل "حسنة قليلة"

يعرف الشحاذون الطريق إلى جيوب أهل الخير في رمضان عبر الاستعطاف كما تستهدفها مؤسسات التبرع باستخدام المشايخ والنجوم

الجميع يدق على وتر التبرع أو التصدق قبل أن تنضب الدنيا وتنتهي (أ ف ب)

ملخص

هناك خط رفيع يفصل بين عمل الخير في #شهر_رمضان، وبين الإفراط في جمع التبرعات عبر رسائل دينية والمبالغة في دغدغة المشاعر والتهديد بعدم اكتمال #فريضة_الصوم

رمضان هو شهر الخير، شهر البركة، شهر الرحمة، شهر الإحسان، شهر التراحم، شهر التواصل. وهو الشهر الذي يأكل فيه الصائمون وجبتين بدلاً من ثلاث، ويصومون فيه معظم ساعات النهار ويقسمون ساعات الليل بين ساعة لربك فالصلاة وقراءة القرآن وصلة الأرحام، وساعة لقلبك فالتفرغ للتلفزيون ومتابعة ما تبثه الشاشة الفضية من محتوى إعلاني إيماني يتخلله محتوى درامي، وربما نزهات مسائية حيث الطرق ملبدة بلوحات إعلانية إيمانية تخاطب عقل الصائم وتستهدف قلب المؤمن.

قلوب المؤمنين وعقولهم وآذانهم وعيونهم وكل حواسهم لا تجد ملجأ أو مخرجاً أو مهرباً من الأصوات والرسائل والتلميحات والتصريحات التي تحاصرهم على الأثير وأمام المحال وفي داخل السوبرماركت وأحياناً في المنام، إذ إن الأحلام ترجمة لما يجول في رأس الإنسان من أفكار، والجميع يدق على وتر التبرع أو التصدق قبل أن تنضب الدنيا وتنتهي.

التسول الإيماني

لكن أفكار "الخير" لا تنضب، ورمضان لم يخلف يوماً موعده، والساعون إلى فعل الخير في الشهر الكريم يتزايدون كل عام مع الزيادة السكانية وانضمام مزيد من الصائمين أو حتى غير الصائمين الراغبين في تعويض إفطارهم عبر عمل الخير، لكن خطاً رفيعاً يفصل بين عمل الخير في الشهر الكريم وقواعده وأصوله من جهة، وبين الإفراط في جمع التبرعات عبر رسائل دينية والمبالغة في دغدغة المشاعر من خلال إشارات تصل إلى درجة التهديد بعدم اكتمال فريضة الصوم، والوعيد بما ينتظر الممتنعين عن عمل الخير ومشاركة ما لديهم مع الآخرين في ما يمكن تسميته "التسول الإيماني".

التسول الإيماني بات صفة لصيقة بعدد من الأنشطة والسياسات والتصرفات في هذا الشهر الكريم، وهي الصفة التي أصبحت تقلق بعض الناس خشية أن تلحق الضرر بما تم إنجازه من أعمال تنموية وخيرية من أموال التبرعات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فمنذ انتشرت منظومة المؤسسات المدنية (أي غير الدينية) القائمة على التبرعات، لا سيما ذات الطابع العلاجي والتنموي والتعليمي في مصر قبل نحو عقدين، وهي المنظومة التي قويت شوكتها واكتسبت صفة قومية ترعى الدولة بل تشرف على عدد منها عقب تضييق الخناق على "دولة التبرعات" التي استلبتها وهيمنت عليها جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين في أعقاب إنهاء حكمهم عام 2013، والمنظومة تنمو وتتوسع.

هذا النمو والتوسع لم يأت من دون أضرار جانبية. أحياناً النمو غير المخطط والتوسع الخالي من الرؤية تنجم عنهما عشوائية ربما تأتي على أخضر الفوائد ويابسها. إعلانات التبرع الرمضاني التلفزيونية باتت خلال الأعوام الأخيرة تنافس المحتوى الدرامي في الكثافة والفقرات الدينية في التكرار وبرامج الطبخ في الغزارة.

ولأن مشاهد الأطفال المرضى والعائلات الفقيرة الساعية إلى بناء سقف لبيوتها، والنساء الغارمات اللاتي يودعن السجون بعد أن عجزن عن سداد أقساط لوازم تجهيز البنات للزواج، والقرى التي بلا مياه صالحة للشرب، والطلاب الذين من دون حقائب مدرسية، والمعوقين المحرومين من الكراسي المتحركة، تطل على مدى ساعات رمضان ليلاً ونهاراً عبر شاشات التلفزيون التي يلتصق بها الصائمون، فاكتسب الشهر الكريم كذلك سمة موسم التبرعات والصدقات والدق على الأوتار الإيمانية والجوانب الروحانية لتحصيل أكبر كم ممكن من الأموال، وفي أقوال أخرى بات الشهر مناسبة لـ"التسول الإيماني".

الجميع يدق باباً واحداً

قوائم المحتاجين السابق ذكرها جميعها تدق باب الصائم في هذا الشهر الكريم ولكن بعد أن يرتدي ثوب الإيمان المفرط والتدين الرهيب. حتى الشركات متعددة الجنسيات وذات الطابع الدولي وغيرها من الهيئات والمصالح والأعمال التي لا تمت بصلة من قريب أو بعيد لمنظومة المعتقد تدق أوتار فريضة الصوم وسنة الزكاة وجيب الصائم من دون هوادة.

كل زجاجة مياه غازية تشتريها يخصص جنيه منها لإفطار الصائمين من الفقراء. وكل دقيقة إضافية في باقتك الهاتفية تخصص في مقابلها قيمة دقيقة لسحور أسرة بلا عائل. وكل فيللا في الساحل الشمالي تسدد قيمة المقدم فيها يتم تخصيص واحد في المئة من القيمة لمائدة رحمن في نهار رمضان. وكل ما سبق يأتي محملاً بقدر هائل من الدغدغة الإيمانية لمشاعر الصائم، بحيث إن أبواب الجنة تنتظر ليتم فتحها أمام المتبرع والأماكن المقربة من رسول الله (ص) محجوزة لمن يبادر بالتصدق وفلان المعروف بأنه رجل الخير والبر والإحسان سبقك في طريق الخير، فلماذا لا تلحق به؟

الصراع الضاري

الصراع ضار على جيوب الصائمين. والمنافسة على من يحصّل أكثر من حسابات المقتدرين البنكية محتدمة. ويصل الأمر أحياناً ببعض المعلنين الطالبين الحصول على صدقات الصائم وزكاته وكل أدوات تعبيره المادية عن ميله للخير وحبه للبر وعشقه للإحسان إلى درجة التشكيك غير المباشر بالمعلن (طالب التبرع) المنافس. وحيث إن معدلات الإقبال على التبرع والقدرة على تخصيص مبالغ صغيرة أو كبيرة من الدخل أو حتى الثروة لتلبية الرغبة في عمل الخير في شهر الخير تقلصت كثيراً في ضوء الأزمة الاقتصادية الطاحنة، فإن المنافسة كذلك على جيب المتبرع أصبحت أكثر شراسة.

شراسة طلب التبرع تتطلب اجتهاداً في الفكرة، وابتكاراً في نوع الدق على الأوتار، لذلك فإن أقصى أنواع الدق هو الاستعانة بمشايخ أجلاء يؤكدون ويجزمون بأن التبرع لهذا الغرض أو ذاك تحديداً له فضل كبير، وأن شهر رمضان قصير ومن شأنه أيامه أن تطير، لذلك فمن أراد أن يبادر إلى عمل الخير ويسارع إلى حجز مكان له وأسرته في الجنة فعليه بالحساب البنكي كذا أو مواقع تلقي التبرعات، وذلك سعياً إلى الثواب ومسارعة لضمانه.

ضمان اهتمام الصائم بما يبثه التلفزيون من جرعات طلب تبرع بالغة الكثافة يعني إغلاق أية ثغرات من شأنها أن تصرف المتبرع المأمول بعيداً. أكبر ثغرة هذا العام هي الأزمة الاقتصادية التي لم تترك بيتاً مصرياً إلا وضربته، لذلك فإن طالبي التبرع أغلقوا هذا الباب عبر الإشارات الذكية على عدم وجود حدود دنيا للتبرع وأن هذه الحدود الدنيا لا تعني أبداً تقليص هامش الثواب أو مساس المكانة الموعودة في الدنيا والآخرة لأهل الخير.

لكن أهل الخير يجدون أنفسهم هذا العام في وضع مادي وإيماني مختلف. فالأزمة أعادت ترتيب أولويات الإنفاق، ومن ثم تتطلب ترشيد عمل الخير والتدقيق في قنوات التبرع، لا سيما بعد موجات عاتية من التشكيك بمصداقية مؤسسات علاجية كبرى ظلت تستحوذ على القدر الأوفر من التبرعات على مدى أعوام طويلة قبل أن يشكك بعضهم في مصداقيتها المادية وشفافية قنوات الإنفاق.

وشهدت هذه الموجة إشارات واضحة إلى كلفة الإعلانات الرمضانية وكثافتها وطول مدتها وهو ما تتعارض وفقه أولويات الإنفاق.

ملايين طائلة وصراعات

وعلى رغم عدم وجود معلومات مؤكدة أو بيانات مشهرة حول إعلانات الجهات الطالبة للتبرع، أو قنوات الإنفاق فإن خبراء في صناعة الإعلان دأبوا على طرح أرقام تقديرية لهذه الإعلانات في شهر رمضان على مدى الأعوام القليلة الماضية، إذ يعتبر الشهر الكريم موسم الذروة لها.

وقبل انطلاق الحلقة الأحدث في الأوضاع الاقتصادية بالغة الصعوبة التي بدأت تدق على رؤوس المصريين مع أول تعويم للجنيه المصري في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2016، تراوحت تقديرات قيمة إعلانات التبرع خلال رمضان ببين 100 و150 مليون جنيه (وقت كان الدولار الأميركي يساوي 16 جنيهاً مصرياً تقريباً). كما يتراوح سعر الدقيقة الإعلانية على شاشات التلفزيون ببين 16 و40 ألف جنيه، وإن كانت هذه القنوات تمنح خفضاً للجهات الكبرى الباحثة عن تبرعات بحسب مكانة هذه الجهة، ومدى انتشارها، وكذلك رغبة القناة وقدرتها على الاستحواذ.

تبقى الرغبة في الاستحواذ على قلوب المتبرعين وعقولهم وبالطبع جيوبهم مسيطرة. أما قلوب المتبرعين وعقولهم وجيوبهم، فتجد نفسها مثار تجاذب وتصارع من نوع آخر. فبعيداً من التجاذب والتصارع المؤسسي من قبل جهات طالبة للتبرع لـ"ضمان كمال أركان الصيام"، يوجد تصارع من قبل أفراد في الشوارع والميادين على الجيب ذاته. وعلى رغم أن هذا صراع أفراد فإنهم يشكلون جيوشاً جرارة تابعة لعائلات ممتدة بعضهم من الهواة الموسميين، ونسبة ليست قليلة من المحترفين ملوك المهنة.

مهنة المتسول قديمة قدم التاريخ. والطريف أن جهوداً أكاديمية واجتهادات تاريخية عدة تبذل لمعرفة أصل هذه المهنة. كتابات جديدة توثق ظاهرة التسول في العصور الوسطى في مدن عدة بأوروبا. كما يوجد عدد من الدراسات واللوحات والقصص التي تدور حول التسول في شوارع لندن، لا سيما في القرن الـ18. المؤكد أن تاريخ التسول أقدم من ذلك بكثير وأن أحداً في مكان ما أيقن أن بإمكانه أن يطلب "حسنة قليلة" من آخرين، مخبراً إياهم بأنها قادرة على "منع بلاوي كثيرة" وأن هناك من رق لحاله، وهكذا أعجبته المنظومة.

الغريب أن منظومة التسول ليست لها آثار على ما تركه المصريون القدماء الذين خلفوا وراءهم توثيقاً لأكبر التفاصيل وأصغرها في حياتهم. فالأثري مجدي شاكر قال في لقاء صحافي إن الفنان المصري القديم نقش عشرات آلاف تفاصيل حياته اليومية من زراعة وحصاد وصيد ورقص وحفلات وعبادة وصناعة، وحتى مشاهد سرقة حيث قرد يمسك بلص سرق فاكهة، لكن لم ترد إشارة من قريب أو بعد لمن يمد يده متسولاً، طالباً "حسنة قليلة تقي بلاو كثيرة"، أو كما يسمونها في مصر الحديثة "شحاتة" أو "شحاذة".

له نصف الدنيا

يقولون إن "الشحاذ له نصف الدنيا" وربما المقصود أنه يطوف يميناً ويساراً، لذا يحصل على رزق أو دخل أو نظير تسول وفير. ويقولون أيضاً "شحات وعايز ياكل فينو" (الفينو نوع فاخر من الخبز الأبيض)، وهو دلالة على اشتراط المتسول رقماً مالياً معيناً. وفي السياق نفسه يأتي المثل القائل "شحات وطماع وطالب طلب عال، إدوا له (أعطوا له) كعكة. يقول دي عوجة (هذه ليست مستوية) غيروهالي (استبدلوها لي)".

وعلى رغم ترسانة الأقوال المأثورة والأمثال الشعبية المصرية التي تعكس فهماً فطرياً وحقيقياً في معظمه لماهية المتسول وحقيقته، فبينهم من هو قادر على العمل، ومن يعمل ولكن يرغب في زيادة دخله، ومن لا يستحق الصدقة أو الزكاة أو المساعدة من الأصل، إلا أن الأوضاع الإيمانية في رمضان تسدل حجاباً موقتاً على هذا الفهم الفطري.

يجد الصائمون والصائمات أنفسهم عادة منجرفين وراء الدغدغة الإيمانية التي تتبعها هذه الجيوش بكل حرفية ومهارة، منهم من يستعين بأطفال العائلة وعائلة العائلة، وربما "يستأجر" رضيع الجيران لبضع ساعات. ومنهم من يعتمد على مهاراته الدرامية، فتجري دموع من العيون طلباً لـ10 أو 20 جنيهاً، ومنهم من تتركز موهبته على ادعاء الشلل النصفي أو شلل اليد أو الشلل الرعاش. وتنتشر بين الجنس اللطيف مشاهد تراجيدية لا حصر لها، حيث مداراة الرأس باليدين في دلالة على فداحة الحياة، أو وضع اليد على الخد في إشارة إلى هموم الدنيا، أو التضرع إلى السماء طلباً للغوث. ومنهم من يلف إشارات المرور في طواف يومي يطول ساعات وساعات حاملاً قسطرة مليئة بـ"الينسون" البارد في دلالة على مرضه، بعد أن ولت موضة روشتات الأطباء المكورة في الأيدي طلباً لثمن الدواء.

وإذا كان كل ما سبق موجوداً في الشوارع والميادين على مدى العام، فإن الشهر الكريم يشهد كثافة عددية رهيبة، إضافة إلى أجواء رمضانية لا تخطئها عين الصائم. سجادة صلاة يصلي عليها المتسول طيلة ساعات العمل الرسمية قبل الإفطار. مصحف مفتوح يقرأ منه المتسول الشاب ضخم البنيان الذي يقول إنه لا يجد عملاً لأنه أمي. فإن سئل عن قراءة المصحف يقول إن المصحف بين يديه بركة وكفى.

وانتشر النقاب انتشاراً كبيراً بين جماهير المتسولات من النساء. واختلفت التفسيرات حوله بين قائل أنه بغرض إخفاء هويتهن، لا سيما خوفاً من الشرطة وإن كانت الأخيرة تترك الجموع في الشوارع من دون ضابط أو رابط، ومعتقد بأن مشهد النقاب يعني لبعضهم قمة الإيمان وغاية الالتزام، وهو ما ربما يدفع إلى مزيد من التصدق بمكافأة للمتسولة على حسن إيمانها.

يشار في هذا الصدد إلى تخصص بعض القنوات التلفزيونية في بث برامج الغرض منها جمع التبرعات لبناء أسقف لبيوت فقراء، أو لشراء مقعد متحرك لمعوقين، أو لعلاج مريض، أو لشراء طعام وملابس لأطفال محرومين ونساء أرامل. والمثير أن البرامج عبارة عن مذيع يقدم نفسه على أنه "الشيخ فلان" الذي يجول بيوت الفقراء والمحتاجين في شهر رمضان، ويستضيف سكانها ليتسولوا على الهواء مباشرة. واللافت أن جميع البيوت تخلو من الرجال ولا تحوي إلا نساء يرتدين النقاب وعشرات الأطفال. ويطلب الشيخ المذيع من المرأة أن تدعو للمتبرعين في الشهر الكريم، فإن فرغت من الدعاء يزجرها طلباً لمزيد من الدعاء، لا سيما أن الشهر الكريم يحب الخير، وربما يكون أهل الخير نائمين أو مترددين أو أداروا التلفزيون لتوهم.

أعطني مما أعطاك الله

تجدر الإشارة إلى أن متسولي الشوارع يمضون وقتاً في التخطيط والتدبير لإدارة وممارسة عملهم في هذا الشهر. وأول المفاتيح هو الدق على شعور المؤمن بالذنب. فكيف لمن أنفق لتوه مئات الجنيهات، وربما آلافها في محل حلويات شهير، أن يحمل حمولته مما لذ وطاب وهو يتجاهل المرأة المسكينة التي تمد يدها وتقول بصوت لا يخلو من تهديد ووعيد "أعطني مما أعطاك الله"؟

ثاني المفاتيح هو الإشارات المرورية والمواقع المدروسة بعناية، حيث تتراكم السيارات من دون حراك، وحيث تتعاظم فرص دغدغة مشاعر الصائم المؤمن المتوجه إلى بيته ليفطر مع أهله، بينما المتسولة المسكينة تفترش الرصيف مع خمسة أو ستة من أطفالها.

التسول في رمضان ليس بسيطاً أو سهلاً كما يعتقد بعض الناس. إذ تبذل جيوش المتسولين الجهد والمال من أجل إقناع الصائم بحتمية دس اليد في الجيب وإعطائهم مما أعطاه الله، إن لم يكن عبر الدق على شعوره بالذنب لأنه أفضل حالاً منهم، فليكن عبر الخوف من الدعاء عليه أو حسده وتمني زوال النعمة من بين يديه.

استجداء الشاشة والشارع

يرى الكاتب عادل نعمان صلة وثيقة بين الاستجداء الذي تزخر به شاشات التلفزيون والإذاعة والصحف، ومطاردات الجمعيات الخيرية على الهواتف بغرض كفالة الأيتام وسداد قيمة دين الغارمات وإفطار صائم وكرتونة رمضان من جهة، وبين هذه الأمواج الهادرة من المتسولين التي تتزايد وتتكاثر في الشهر الكريم. ويقول في مقالة عنوانها "رمضان كريم والمتسولون أكثر" إنه كلما زاد التسول على الشاشات في رمضان زاد وتكاثر تسول الأفراد والمتنطعين"، متوقعاً أن تستمر الحلقة المفرغة مع توريث منظومة التسول من الكبير للصغير.

ويردف "ستبقى هذه الظاهرة ما دام الموكب والركاب واحداً. ولا فارق بين أن نزج بأطفالنا المرضى ونتاجر بآلامهم وأوجاعهم ونكشف عن سترهم وطفولتهم البريئة من دون احترام أو خصوصية، أو نعرض نساءنا يتضورن جوعاً ويتسولن على الشاشات من دون خجل أو حياء لمزيد من التبرعات، وبين أن يستعرض المتسولون بضاعتهم الرخيصة على عيون الغريب والقريب طمعاً في استجداء عطفهم والقليل من أموالهم، فلا عجب ولا غرابة أن يتعلم الصغير من الكبير".

يرى نعمان أن "الاختراعات والابتكارات في فنون التسول تتوالى بمقدار حبكة ولعبة التسول على الشاشات. فهذا شيخ يدعونا إلى التبرع للغارمات، وآخر لتوصيل الأكل والشراب إلى الفقراء، وثالث لتوصيل المياه إلى القرى والبيوت الفقيرة. ومع كثير من الإلحاح واللزوجة تكون هذه المؤهلات والخبرات كفيلة أن يلين لها الحديد وترق لها القلوب وتستجيب لها الجيوب استغلالاً لأجواء الشهر الكريم".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات