Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البهائيون في العراق... أقلية متآلفة اجتماعيا ومضطهدة تشريعيا

حظرت ديانتهم منذ نصف قرن بموجب قانون ما زال نافذاً

صورة لبهاء الله في بغداد عام 1900 (ممثل البهائيين في أوقاف كردستان)

ملخص

لا إحصاءات رسمية عن أعداد البهائيين في العراق، لكنهم يقدرون ببضع مئات، ولديهم هامش من الحرية في ممارسة معتقداتهم في أربيل أكثر من بغداد.

 

 للعراق أو ما يعرف ببلاد الرافدين قدسية خاصة لدى الأقلية البهائية، فهي الأرض التي انطلق منها "إعلان الدعوة" لديانتهم أواسط القرن الـ19، وما زال بعض أتباعها متمسكون بالاستمرار في البقاء والانسجام مع مختلف المتغيرات، فكم يبلغ عددهم اليوم، وما هي أبرز التحديات التي يواجهونها منذ حظر ديانتهم قبل نحو نصف قرن.  

البداية 

تعد العاصمة بغداد، مركز تأسيس الديانة علنياً من قبل بهاء الله، وتحديداً في حديقة الرضوان التي مكث فيها قرابة 10 سنوات بين 1853 و1863 وهو منفي من قبل ناصر الدين شاه إيران بتنسيق مع السلطان العثماني آنذاك، بعد أن كانت دعوة سرية في إيران، تحت غطاء الدعوة التي مهدت لظهورها وهي البابية.
بعدها نُفي بهاء الله إلى تركيا، قبل أن يتم نفيه مجدداً وسجنه في مدينة عكا بفلسطين عاماً تحت حكم السلطة العثمانية باتفاق مع شاه إيران، ومن ثم وفاته عام 1892. ويعتبر "عيد الرضوان" الذي يحتفل به البهائيون في مختلف أنحاء العالم مدة 12 يوماً، من 21 أبريل (نيسان) إلى الثاني من مايو (أيار)، من أهم الأعياد، وهي المدة التي قضاها بهاء الله في حديقة الرضوان ببغداد. 
 

يعود تأسيس أول محفل محلي بهائي في العراق إلى عام 1919، وتمكن أتباع الديانة من ممارسة حريتهم وحقوقهم في الدستور العراقي حتى 1925، الذي تم بموجبه الاعتراف بالتعددية الدينية إبان الحكم الملكي، قبل أن يتم حظر نشاطهم بعد سقوط النظام الملكي، ومن ثم تحريم ديانتهم من قبل نظام حزب البعث بموجب قانون رقم (105) لعام 1970 ليضطر قسم منهم إلى تغيير ديانته، ولم يلغ القانون إلى الآن، أي أنهم غير معترف بهم رسمياً، ولا يسمح لهم بإدراج ديانتهم في سجل الأحوال المدنية. 

لا إحصائية رسمية

تتضارب التقديرات حول عدد أتباع الديانة في العراق لعدم توفر إحصائية رسمية دقيقة، بعض المصادر تخمنها ببضع مئات وأخرى ببضعة آلاف، كما "لا يتمركزون في جغرافية محددة" وفق ما يؤكده مؤسس معهد دراسات التنوع الديني الدكتور سعد سلوم، مشيراً إلى أن "نسبة كبيرة منهم تستقر في محافظة السليمانية في إقليم كردستان، وفيها جبل سركلو الذي له مكانة مقدسة وفيه مكث بهاء الله لنحو عامين". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يمثل قانون تجميد قيودهم المرقم 358 عام 1975 إبان حكم حزب البعث أحد أهم التحديات في ممارسة حريتهم الدينية وما زال نافذاً، وبحسب سلوم فإن "عديداً منهم مسجلون كمسلمين لكن عقائدياً يؤمنون بديانتهم"، واصفاً الحالة "بالموت المدني"، مستدركاً "لكن في إقليم كردستان يحظون باعتراف رمزي عبر تعيين ممثل عنهم في وزارة الأوقاف".

وحول عدد دور عبادتهم يقول "لديهم على مستوى القارات أماكن عبادة معروفة تسمى مشارق الأذكار، لكن لا يوجد مثيل لها في العراق أو في الشرق الأوسط عامة".  

منسجمون رغم الاضطهاد 

في النصف الثاني من القرن 19، كان للبهائيين انتشار ملحوظ في مجموعة من القرى بمحافظة ديالى، وقد خضعت ديموغرافيتهم لمتغيرات على مراحل، إلى أن تعرضوا للتهجير ومصادرة الممتلكات إبان نظام حكم حزب البعث، ولم تستمر لهم بؤر محددة، كما لم يحدث وأن تمردوا على القرارات "تطبيقاً للشريعة البهائية التي تلزمهم بإطاعة الحكومات والقوانين القائمة ويتجنبون الشكوى قدر الإمكان، فالانسجام أساس السلوك البهائي" على حد قول الباحث البهائي عبدالرزاق العبايجي الذي يقدر أعداد المتبقي من البهائيين اليوم "ببضعة آلاف يقيم أغلبهم في بغداد والبصرة وديالى والسليمانية وأربيل". 
 
 
والعبايجي لكونه من نسل عائلة مسلمة، منع كغيره من استبدال حقل ديانته في الأحوال المدنية، أو إصدار الأوراق الثبوتية لأبنائه، وهو يقيم حالياً في محافظة دهوك بإقليم كردستان بعد أن اضطر إلى مغادرة بغداد عام 2006 وهي السنة التي شهدت حرباً طائفية، على وقع اختطاف نجله من قبل جماعات مسلحة ودفعه فدية لإطلاق سراحه، وتعرضه للتهديد من قبل جماعات إسلامية متطرفة عبر رسالة وفيها رصاصة تهدده بالرحيل بناء على عقيدته وفحواها "يا كافر نهايتك قريبة"، وتلقيه نصيحة شفهية من وسطاء بـ"المغادرة فوراً". 
يرى العبايجي أن "حكومة البعث استغلت سمة إيمان البهائيين وهي عدم جواز إنكار عقيدتهم وإيمانهم بعقيدتهم فهم ليس لديهم التقية، وإلى اليوم لا يحق للبهائي الاقتران بفتاة تشاركه العقيدة إذا كان أحد والديها مسلماً أو حتى أجدادها بالعودة إلى أقدم إحصاء سكاني، ولا يحق للذين غيروا قيدهم سابقاً تحت التهديد المطالبة بتعديله، كما ينص قانون البطاقة الوطنية الجديد، على تسجيل القاصرين من الأقليات الدينية كمسلمين إذا كان أحد الوالدين مسلماً".

العبادة والطقوس 

لا يمتلك البهائيون في العراق معابد بالمفاهيم الدينية الشائعة لدى الديانات الأخرى، باستثناء المعابد الرئيسة المعروفة "بمشارق الأذكار" في أغلب القارات، كون أن عبادتهم فردية لا تستوجب وجود رجل دين، فالعقيدة البهائية تؤمن بإله واحد وأن "البشرية هي عائلة إنسانية واحدة".
لكن لديهم اليوم مراكز أو ملتقيات صغيرة لها تسميات مختلفة مثل "المحافل" أو "بيوت العدل" يصل عددها إلى 14 محفلاً، وكل محفل يتشكل من بضعة أفراد يعينون بالانتخاب السري سنوياً من دون ترشيح على شرط وجود أكثر من تسعة أفراد في كل منطقة، ويمارسون فيها أنشطتهم الروحانية والإدارية والثقافية، ويعود إنشاء أول محفل للتجمع في قرية العواشق بديالى إلى عام 1927، ثم نشأت أمكنة أخرى عديدة، قبل مصادرتها من قبل النظام السابق.  

الانسجام مبدأ العقيدة

تتفق رؤية العبايجي مع ممثل البهائيين في وزارة الأوقاف بحكومة إقليم كردستان سرمد مقبل كيخسرو بأن البهائيين "لا يشكون من التمييز الديني والاجتماعي في العراق، فهم متعايشون بسلام، والحال أفضل في كردستان". ويؤكدان أن "الآخر يكن احتراماً متميزاً للبهائي الذي ليس في عقديته مفاهيم التحريم أو التكفير بل الإيمان بالتجانس".
ويشير كيخسرو إلى وجود نحو 100 عائلة بهائية في كردستان ولها ستة محافل، ومثل هذا العدد أو ما يزيد في بقية المناطق العراقية، في حين تفيد الوثائق البهائية الرسمية بأن عدد البهائيين حول العالم يتراوح بين سبعة وثمانية ملايين شخص".
 
ويضيف أن "البهائيين كان مرحباً بهم دائماً في كردستان، بدليل أن الرسول بهاء الله نفسه وصف السنتان اللتين قضاهما في كردستان من أجمل السنوات في حياته البهائية، فمواقف العراقيين تجاه البهائيين عامة من الناحية الاجتماعية تثبت سلامة فطرتهم وإنسانيتهم البالغة". وختم بالقول إن "تعيين ممثل للبهائيين في وزارة أوقاف حكومة كردستان كان ثمرة مبادرة من الحكومة، وليس من قبلنا في عام 2012". 
وعلى رغم هذا التمثيل فإن البهائيين في الإقليم ما زالوا غير مدرجين ضمن قانون حماية المكونات رقم (5) لعام 2015، رغم مباحثات كانت أجريت بين الجهات المعنية لتعديل القانون. 
نقلة نوعية
في المقابل، حقق وضع البهائيين في العراق نقلة نوعية عام 2017 عندما نظموا احتفالات علنية ورسمية في بغداد وأربيل بمناسبة بالذكرى المئوية الثانية لمولد بهاء الله، التي شهدت حضوراً رسمياً من نواب ومنظمات محلية وأممية، بعد 47 سنة من حضر أنشطتهم. 
لكن بعد عام من الاحتفالات تعرضوا إلى صدمة على وقع تصريح أدلى به نائب وزير العدل رئيس الوفد العراقي أمام لجنة التمييز العنصري في المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان في جنيف، أعلن فيه أن "البهائية ليست ديناً أو معتقداً، وليس هناك دين لاحق للدين الإسلامي"، في إشارة إلى أحكام الدستور العراقي "التي لا تسمح بتجاوز ثوابت الإسلام في إصدار التشريعات".  

الاضطهاد بدافع سياسي

للعوامل الخارجية وقع على أوضاع البهائيين بحسب مناطق إقامتهم، وفي هذا الجانب يقول رئيس المنظمة الوطنية للتنوع في العراق أحمد كتاو إن "القاطنين في مناطق جنوب البلاد أكثر حذراً في أنشطتهم وممارسة حياتهم، بخاصة أن عقيدتهم تجنبهم العمل في المجال السياسي، وذلك نتيجة للتأثير والنهج الإيراني، ومعلوم أن هذه الديانة ممنوعة في إيران، في حين أنهم (البهائيين) يمارسون حياتهم في إقليم كردستان بشكل أفضل، ولهم من يمثلهم في الحكومة".
وأوضح "أن عقدة مشكلتهم تكمن في القوانين السابقة المجحفة بحقهم، حتى بالنسبة إلى بعض الأقليات هناك تقصير في التشريعات تجاهه كالكائيين والشبك والكرد الفيليين والشركس، بخلاف المسيحيين والصابئة والإيزيديين الذين لديهم وقف خاص بهم". 
وعلى المستوى الاجتماعي يؤكد كتاو أن "البهائيين لهم حضور في مختلف المناسبات بكامل هويتهم الدينية، ونظموا احتفالات خاصة بهم، ولم يتعرض أي بهائي لاعتداء بدافع التمييز الديني باستثناء ما حصل في زمن النظام السابق، بمعنى اضطهادهم كان بدافع سياسي وليس اجتماعياً، وبالعكس فإنهم محبوبون بطبيعتهم المسالمة جداً ومتآلفة مع المحيط وغير منغلقة على ذاتها". 
اقرأ المزيد

المزيد من تقارير