Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التدين الجشع في رمضان والكريسماس   

كما نسي المسلمون روحانياتهم نسي المسيحيون في أعياد الميلاد تلك الطقوس الروحية الدينية الأسرية ودخلوا في لهفة الاستهلاك

أعياد الكريسماس عند المسيحيين كما رمضان عند المسلمين أصبحت فرصة للشركات الاستهلاكية التجارية الجشعة كي ترفع نسبة مبيعاتها (أب)

 

ملخص

أصبح #الإنسان في هذه الأيام مهما كانت #عقيدته لقمة في فم البنوك والشركات الاستهلاكية العابرة للقارات والمساحات الكبرى وشركات الملابس والهواتف الذكية المتخصصة في "#التغبية" الإنسانية.

لقد أصبح العالم فقيراً في رأسمال ثقافة "المقدس"، المقدس الروحي الباحث في الوجود والصادق في سؤال الغموض، لا ذلك المقدس المعادل للممنوع كما تفهمه الأنظمة السياسية القمعية أو تمليه الأحزاب ومنظمات الدين السياسي.

ونحن نعبر أيام رمضان الذي يصفونه في نشرات الأخبار الرسمية وفي برقيات تهاني الرؤساء والملوك بقدومه، وفي المسلسلات المصنوعة بالمناسبة وفي الإشهار عن الأجبان وحفاضات الأطفال وأنواع الشامبوهات بأنه "الشهر الفضيل" و"الشهر الكريم"، نتساءل وبكل ألم وحسرة أمام ما يجري حولنا: هل ما يزال رمضان كريماً وفضيلاً وجميلاً؟

عفوك يا الله، لكن الحسرة كبيرة والجشع عام.

لنكن صرحاء أمام الله وأمام التاريخ ونفتح قلبنا المليء بالألم حيال هذا الواقع المجنون، ولنقل ما في القلب من دون رياء، وهو ما يشعر به الجميع، ما في ذلك شك.

وعفوك يا الله على هذا اللسان الذي ليس فيه عظم!

أيها المسلمون لقد سقط الدين من قلبكم ومن سلوككم واستقر في يد التجار، تجار السلع الاستهلاكية من كل نوع، الاستهلاك البطني والاستهلاك الثقافي والاستهلاك السياسي.

أيها المسلمون، بعد أن سقط الدين الحنيف سلعة في يد الساسة فحولوه إلى دكاكين لأحزاب تلهث وراء السلطة، ها هو يسقط اليوم السقطة الأخرى ليتحول إلى صورة تشبه قطعة الدينار أو الدرهم أو الليرة أو الدولار أو اليورو في جيب السمسار والمهرب والمضارب، وها نحن نشاهد سقوط الشهر الكريم في جيب البنوك، يتحول إلى حساب ينتفخ في ظرف أربعة أسابيع.

أيها المهربون أعيدوا لنا رمضاننا السعيد، فهذا الذي نحن فيه، عفواً، ليس فيه من رمضان الأجداد والآباء سوى "الجوع"، هذا الذي "نجوعه" ليس فيه شيء من قيم ثقافة الذين مضوا.

في بلاد المسلمين جميعاً، الاستثناء الفردي لا يقاس عليه، اختفى سيدي رمضان الذي كان له طعم الروح والبساطة والمودة.

اختفى رمضان والدي وأمي وجدتي وعمتي بكل ما كان يحمله من قناعة وتراحم وعوض بأيام "الجوع" أو "المسغبة" الفارغة من الروح.

أيها السادة حتى "جوع" رمضان الأجداد والآباء والجدات والأمهات والخالات والعمات كان فيه له ألم جميل، تعب مريح، قوة ما، كان للجوع طعم غير جوع اليوم، جوع البارحة جوع الإنسان الشبعان روحياً.

جوع رمضان اليوم هو جوع الملهوف المعلقة عيونه بالساعة وبالطبخ وبالحلويات وبشاشة الهاتف الذكي لا بالسماء ولا بالجار ولا بالفقير.

هذا زمن كل شيء فيه يقاس بالبنوك، وكل سلوك يدخل في باب التحويلات الرقمية لا زمن القيم الروحانيات.

هذا زمن رمضان موقت على الآذان المبرمج على الهاتف الذكي بين يد الإنسان الغبي، لا رمضان الذي كان فيه صوت المؤذن البديع يجيء رحمة من رأس منارة مبنية بحسب جماليات العمران الأندلسي من دون مكبر صوت ياباني أو ألماني مفزع.

كان الإفطار بسيطاً وشهياً، بكأس لبن و"حريرة" بتوابل وخضراوات جافة بحسب الموسم وحبات تمر ومرق بالبطاطا أو "كسكس" بالخضراوات من دون لحم، وقهوة مفلفلة وحديث ناعم من الأب أو الجد أو العمة، الجميع حول المائدة، وشاي عند السحور و"سفة" بلمسة سكر أو عسل أو سمن بقري لا "مارغريت" نباتي أو عضوي، وفي ذلك كانت السعادة وكان الإيمان الصادق والشبع.

اليوم المائدة غاصة وعامرة لكنها فارغة، الذين من حولها يأكلون وفقط، تفرّق الأهل من حول المائدة وعوضتها الـ "سكيتشات" التافهة والمسلسلات الهابطة والكاميرا الخفية الغبية، ونصف ما على المائدة يرمى في كيس الزبالة.

أعيدوا لنا رمضاننا السعيد الذي كان لم يكن فيه الصوم معادلاً للجوع، كان تجربة روحانية للجسد والروح، كان طقساً وجودياً ولم يكن جيباً ولا بطناً.

الصائمون اليوم يهجمون منذ الصباح على كل شيء، يريدون أكل كل شيء وكل اللاشيء، يريدون شرب كل شيء واللاشيء، كل واحد يتمنى أن يأكل أكثر من غيره، أن يصل قبل غيره، أن يشرب أكثر من غيره.

أعيدوا لنا رمضاننا السعيد حيث كانت فيه صلاة التراويح ساعة من الراحة والترويح والمتعة الصوفية، فأصبحت اليوم ساعة بهرجة يتنافس فيها المصلون والأئمة على حد سواء على الظهور، كل واحد يزايد على صاحبه، فالإمام يرفع صوته على صوت إمام آخر أكثر ويزيد من مكبر الصوت أكثر ويقعر صوته أكثر، والمصلون كأنهم في معركة أو مباراة في الإيمان، من المؤمن الأكبر، في خارج المسجد، على عجل وبفوضى، يتم ركن السيارات وحافلات النقل كيفما اتفق، على الأرصفة وأمام الأبواب وفي الساحات العمومية وفي وسط الشارع، يتسابق المصلون على أماكن الصلاة الأمامية، على الصفوف الأولى، بعض الأماكن محجوزة مسبقاً، يتسابقون إلى أماكن الصلاة كما يتسابقون على ملعب كرة القدم.

أعيدوا لنا رمضاننا السعيد بصلاته البسيطة العميقة الصادقة، وخذوا صلاة المظهر، صلاة التمظهر، آباء وأمهات يجرون معهم إلى أماكن الصلاة أطفالاً لا يفرقون بين مكان حرمة الصلاة وإباحة مكان اللعب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يدخل المسلم اليوم، هناك استثناءات قليلة فردية والحمد لله، تجربة شهر الصيام رافعاً رأسه أمام جاره ولو بالديون التي تكسر رقبته، المهم أن يستهلك ما يستهلكه جاره، يشتري اللحم والحلويات والفاكهة مهما كانت الأسعار، وفي مثل هذه اللعبة الجشعة يدرك التاجر المضارب السمسار، وهو الصائم أيضاً، أن الصائم الذي عينه على جاره سيشتري مهما كان السعر، فيتلاعب بالأسعار كما يريد، والدولة التي تعرف أن الصائم الغارق في الديون سيشتري، على رغم كل شيء، مرتاحة لهذه اللعبة النهمة.

يجلد المسلم أخاه المسلم في رمضان جلداً خلال 30 يوماً، وما إن ينتصف الشهر حتى يبدأ الجلد المضاعف المتمثل في كلف العيد من شراء الملابس للأطفال وتوفير ما يجب توفيره لصناعة أنواع من الحلوى، نصفها أو ثلاثة أرباعها لا تؤكل، فيغرق المؤمن أكثر فأكثر.

والعيد الذي هو خاتمة شهر الصيام، هو محنة أخرى، محنة تلبس ابتسامة الفرح، فرح متعب ومقروح، في مثل هذا اليوم لا يمكن للأطفال أن يخرجوا من دون ملابس جديدة، وليست أية ملابس، الماركات الكبرى هي المطلوبة حتى ولو كانت مزيفة، وأطفال اليوم يعرفون الماركات الكبرى من طريق الإنترنت أكثر مما يعرفها الكبار.

العروض المختلفة تصل حتى البيت عن طريق الإنترنت، حتى السري، حتى الأحلام، حين تقتحم العروض الاستهلاكية البيت من نافذة الإنترنت يخرج المقدس الوجودي والروحي من الباب الواسع.

لقد أصبح العالم فقيراً في المقدس، المقدس الوجودي والروحي، لا المقدس المعادل للمنع عند الأنظمة القمعية أو عند الأحزاب الدينية.

العالم كله فقير روحياً، الإسلامي منه كما المسيحي، لقد أصبح الإنسان هذه الأيام مهما كانت عقيدته لقمة في فم البنوك والشركات الاستهلاكية العابرة للقارات والمساحات الكبرى وشركات الملابس والهواتف الذكية المتخصصة في "التغبية" الإنسانية، فأعياد الكريسماس عند المسيحيين كما رمضان عند المسلمين أصبحت فرصة للشركات الاستهلاكية التجارية الجشعة كي ترفع من نسبة مبيعاتها، وفرصة كي تهيج المستهلك أكثر مستعملة أعقد الطرق للترويج، في مثل هذه المناسبات كل شيء مسموح من أجل الربح.

كما نسي المسلمون روحانياتهم نسي المسيحيون في أعياد الميلاد تلك الطقوس الروحية الدينية الأسرية ودخلوا في لهفة الاستهلاك وتناسوا ما ظل يطبع هذه الديانة من تسامح وتراحم وبساطة، وكما عند المسلمين في رمضان أو العيد قد تجتمع الأسرة المسيحية ليلة عيد الميلاد حول عشاء تقليدي معروف، لكن قبل هذا العشاء البسيط بأيام تكون هناك لهفة الاستهلاك المجنونة والمتمثلة في شراء الهدايا المكلفة، الهدايا قبل صلاة الميلاد، وخلال شهر كامل تقريباً تعرف المحال التجارية والمساحات الكبرى وشركات البيع عبر الإنترنت ضجة كبرى لا مثيل لها، إذ تشكل أعياد المسيح فرصة فريدة لرفع نسبة المبيعات والاستهلاك.

أمام فقر عام ومعمم من حولها داخل عالم مفرغ من ثقافية المقدس، لكم نحن في حاجة إلى جرعة من المقدس المحرر والمتحرر داخل الروحانيات المفتوحة وأسئلة الفلسفة الكبرى، لا المقدس الذي يحيل على "الممنوع" و "التابوه" كما تسوق له وتفهمه الأنظمة السياسة المدنية أو العسكرية أو الأنظمة السياسية الدينية الثيوقراطية.

المزيد من آراء